إضطراب الشخصية السيكوباتية

psychopathy

**ما المقصود بالـ «سيكوباتية»؟
في محاولات البحث عن خبايا النفس البشرية والاعتلالات التي تُصيبها، يظهر مصطلح «السيكوباتية» بقوة في الأفلام والروايات خاصةً في ظل الانفتاح الثقافي – النسبي – لدى الشباب العربي الآن .. ولأن تلك الأفلام والروايات ليست مصادر علمية موثوقة، فإن بعض المصطلحات قد يتم فهمها بشكل مشوَّه أو غير سليم تمامًا.
فكِّر ما هو أول ما يخطر في ذهنك عند ذكر «شخص سيكوباتي»؟ .. هو ليس شخص مجنون يجري في المكان حاملًا فأسًا ومتعطشًا للدماء، ومستعد لقتلك بمجرَّد ظهور بوادر إزعاج منك تجاهه! هذا نوع من التصوّرات الهوليوودية التي تغذيها الأفلام بداخلنا .. ولكي نجعل الأمور أكثر وضوحًا: ليس كل شخص سيكوباتي يكون بالضرورة قاتلًا أو مجرمًا.

في الطب النفسي.. تُعرَف «السيكوباتية» بأنها حالة من الاضطراب في الشخصية، وبشكل أكثر تحديدًا طبقًا لـ «الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية (DSM-5) » فإنها تُصنَّف تحت فئة أكبر منها وهي «اضطرابات الشخصية المعادية للمُجتمع». والسيكوباتية هي واحدة من أصعب الاضطرابات في تحديدها، فالشخص السيكوباتي يمكن أن يظهر في صورة عادية جدًا بل أحيانًا صورة جذابة .. ومع ذلك، فقد وُجِدَ أن هناك بعض السمات الشخصية العامة في التفاعل مع المواقف المختلفة يتميَّز بها أصحاب هذا النوع من الاضطراب، وطبقًا للدليل التشخيصي والاحصائي قد تم تحديدها كما يلي:


أولًا:
نمط عام من التجاهل والانتهاك لحقوق الآخرين، يحدث منذ سن الخامسة عشر، ويُلاحَظ فيه ثلاثة أو أكثر من الصفات الآتية:

  1. الفشل في التوافق مع الأعراف الاجتماعية فيما يتعلَّق بالسلوكيات المشروعة، ويتَّضح ذلك في ممارستهم لأفعال متكررة قد تؤدي إلى الاعتقال.
  2. الإحتيال أو الخداع، ويظهر ذلك في صورة الكذب المُتكرر، استعمال أسماء مُستعارة، وتملُّق الآخرين بهدف الربح الشخصي أو المُتعة.
  3. الاندفاع أو الفشل في التخطيط للمُستقبل.
  4. التهيُّج والعدوانية، ويتَّضح ذلك في الإشتباكات الجسدية العنيفة أو الاعتداءات.
  5. الاستهتار بسلامة النفس وسلامة الآخرين.
  6. غياب تأنيب الضمير، فهُم لامبالون فيما يتعلَّق بإيذاء الآخرين، سوء مُعاملتهم، أو حتى السرقة منهم .. وربما يبررون تلك الأفعال.
  7. اللامسؤولية التامة مع الثبات على ذلك، ويتَّضح هذا في فشلهم في مواصلة سلوك عمل ثابت وكذلك في إلتزاماتهم المادية.

ثانيًا:
– طبقًا للدليل التشخيصي، فإن المصابين بالاضطراب يكونون على الأقل في الثامنة عشر، ومع ذلك هُناك دلائل على إمكانية حدوث الاضطراب قبل سن الخامسة عشر

– حدوث السلوكيات المُعادية للمُجتمع غير مُقتصرة على الإصابة بالفِصام (الشيزوفرينا) أو (الاضطراب ثُنائي القطب – Bipolar Disorder).


**أنواع السيكوباتية:

تم تمييز وجود نوعين من الاضطراب السيكوباتي، سيكوباتية أوليّة وسيكوباتية ثانوية.

السيكوباتية الأوليّة: وهي الاضطراب الأساسي الذي يتم تشخيصه في الفرد باعتباره شخصية سيكوباتية..
بشكل عام، هم ليس لديهم قلق استباقي تجاه التهديدات التي قد يتعرضوا لها، ويتميزون بنقص التفاعلية العاطفية مع الآخرين وفي المواقف المختلفة بشكل واضح جدًا. تصرُّفات أصحاب هذا الاضطراب تُعزَى بشكل جذري إلى عدم قدرتهم على الفهم العاطفي لعواقب أفعالهم و عدم قدرتهم على تكوين روابط تعاطُفية مع الآخرين، حتى مع العائلة.

أما السيكوباتية الثانوية: فهي تُعرف بأنها أحد المظاهر أو الجوانب الناتجة عن اضطراب نفسي آخر، أو حتى كناتج عن ظروف اجتماعية معينة..
استجاباتهم الفسيولوجية تجاه التهديدات المُحتملَة تتراوح بين الطبيعي وأعلى من المعتاد في أحيان أخرى، في حالة كونهم مُجرمين .. فإن جرائمهم تكون في الغالب غير مُخَطط لها واندفاعية مع عدم التفكير في العواقِب، كما أن لديهم مزاج حاد وقابلية كبيرة للتصرُّف بعدوانية. على الرغم من أنهم يعانون مستويات من التوتُّر تتراوح بين الطبيعي وأعلى من المُعتاد أحيانًا، فإنهم مع ذلك يسعون دائمًا إلى الإثارة ولديهم مشكلة في التكيُّف مع الملل، نمط حياتهم من الممكن أن يؤدي إلى الاكتئاب، وأحيانًا الانتحار.

** التشخيص والتحكُّم بالاضطراب:
كما هو الحال غالبًا في معظم أنواع اضطرابات الشخصية المُختلفة، فإن كثير من الناس – في المجتمع العربي بشكل خاص – نادرًا ما يسعون إلى العلاج من تلقاء أنفسهم بدون أن يتم تكليفهم بذلك من قِبَل محكمة مثلًا أو أي جهة أخرى ذات أهمية، الأمر الذي نشير دائِمًا أنه خاطيء؛ لما قد ينتج عنه من تدهور حالة المُصاب فيما بعد .. فالاضطراب النفسي لا يختلف بأي حال عن الاضطراب العضوي، وليس بالضرورة أن يكون مُرادفًا للجنون.

هل يوجد علاج للسيكوباتية؟ .. طبقًا للمتخصصين في مجال الصحة، فإن الإجابة القصيرة المباشرة على هذا السؤال هي: لا، السيكوباتية لا تُعالَج تمامًا، وإنما يتم التحكم بها. وهذا الأمر يؤكِّد على أن السعي نحو مساعدة فعّالة من مُختص أمر ضروري؛ لمنع حدوث مضاعفات، و لحياة نفسية أكثر طبيعية.

على الرغم أنه لا توجد أدوية مُصممة خصيصًا للتعامل مع الاضطراب السيكوباتي بشكل مباشر، إلا أن هناك أدوية يصفها الطبيب للتعامل مع بعض الأعراض المُصاحبة للاضطراب، مثل بعض (مضادات الاكتئاب – Antidepressant)، (مضادات الذُهان – Antipsychotics)، (مُثبتات المزاج – Mood Stabilizers) ( والتي تُستخدم بشكل مصاحب لمضادات الاكتئاب)، فقد وُجِدَ أن هذه الأدوية تساعد على التخفيف من حدة التهيُّج والعدوانية والاندفاع التي تصاحب الاضطراب .. ومازالت الدراسة مستمرة، فكلما زاد العلم بالركائِز العصبية الكامنة وراء السيكوباتية، تزداد الفرصة في تطوير أنواع علاجية أكثر فعالية.
كما أن هناك كيفيات أُخرى للعلاج النفسي قد يوصي بها الطبيب، مثل العلاج في مجموعات أو بمساعدة العائلة، وهي طُرق فعّالة في بعض الحالات، وتختلف فعاليتها تبعًا لحِدة الاضطراب.

المصادر:

Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5)

http://goo.gl/ENCRps
http://goo.gl/T9RZ2C
http://goo.gl/acd2LJ
http://goo.gl/xsNVgS
http://goo.gl/BVaWtb
إعداد وتصميم: يُمنى اكرم
مراجعة علمية:
ماريا عبد المسيح
مراجعة لغوية: 
Israa Adel

تحرير: ندى المليجي

شارك المقال:

فريق الإعداد

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي