كيف تغير الذكريات الخاطئة ما حدث بالأمس؟

كيف_تغير_الذكريات_الخاطئة_ما_حدث_بالأمس؟

كيف تغير الذكريات الخاطئة ما حدث بالأمس؟

تلك المقالة على لسان جوليا شو (Julia Shaw)، محاضرة بجامعة لندن ساوث بانك (London South Bank Universit)، بقسم القانون والعلوم الاجتماعية

 

أمرٌ مخيف، ولكنه يحمل بعض الجمال، حقيقة أنك تستيقظ كل يوم بماضٍ مختلف قليلًا عما كنت تذكر البارحة، بل قد يصل الأمر إلى أن تكون ذكرياتنا مجرد وهم صنعناه.

تمارس أدمغتنا الحيل طوال الوقت، ومن الممكن أن تتسبب تلك الحيل بإيهامنا بقدرتنا على إعادة تذكر الماضي بدقة، إلَّا أَّن ذلك مستحيل؛ فالذكريات الخاطئة تحوم حولنا في كل مكان.

الذكريات الخاطئة هي مجموعة من الأشياء التي لم تمر أبدًا بها؛ قد تكون أخطاء صغيرة، كأن تعتقد بأنَّك رأيت علامة تشير إلى ضرورة الإبطاء من سرعة السيارة لأنَّك ستقف بعدها بقليل، رغم أنَّك رأيت علامة تقول لك صراحةً «قف»، أو أخطاء كبيرة كتذكرك بأنَّك ركبت رحلة منطاد، لم تركبها أبدًا في الحقيقة.

 

إذا أردت أن تعرف أكثر عن كيف نُسيء تذكر العديد من الأحداث التي مررنا بها، فإليك وصفة[1]، وڤيديو[2] به لقطات من بحثي[3].

 

 

منذ بضعة أسابيع، رأيت أنكم تودون التعرف أكثر على تلك الظاهرة من خلال موقع ريديت (Reddit)[4]؛ ها هي الإجابات للأسئلة الستة المفضلة لدي:

  1. هل هناك شخص يستطيع التأكد ما إذا كانت ذكرياته حقيقية أم لا؟

    مما قرأته في الدوريات الأكاديمية، فمن حين استقرار الذاكرة الخاطئة في المخ، من المستحيل تفريقها عن الذاكرة الحقيقية؛ مما يعني أن كلتا الذاكرتين لهما نفس الخواص لأي ذاكرة عادية، ولا يمكن تمييزها عن الذكريات والأحداث التي حدثت بالفعل. الطريقة الوحيدة للتأكد هو عن طريق إيجاد دلائل تؤكد صحة ذاكرة معينة تود التأكد منها.

  2. هل بعض الأشخاص أكثر عرضةً لإنشاء ذكريات خاطئة عن الباقي؟

    من المؤكد أنَّ هناك أفرادًا أكثر عرضةً لذلك عن الباقي؛ كمن يحوزون على مستوٍ منخفض من الـ(IQ)، الأطفال والمراهقين، من يعانون أصلًا من أمراض عقلية كالشيزوفرانيا، والتي تُصَعِّب على مرضاها رصد الواقع المحيط. كما أنَّ أي شخص لا يستطيع التفرقة بين الحقيقة والخيال أكثر عرضةً للوقوع في الذكريات الخاطئة.

    إلا أنَّه وفقًا لبحثي، الذي أُجري على بالغيين «عاديين»، فليست هناك فروق منهجية في شخصيات من قاموا بتكوين ومن لم يقوموا بتكوين ذكريات خاطئة، فقد اختبرتهم على مستويات القابلية للخيال، الالتزام، ومعيار الخمسة أنواع من الشخصيات، كما وضعت في الاعتبار النوع الاجتماعي (Gender)، السن، والتعليم، وكل ما وجدته هو لا شيء؛ إلَّا أنَّ هذا لا يعني أنَّ نقاط الضعف الشخصية لا توجد، بالعكس فهي غالبًا موجودة، ولكنَّها ليست بالأهمية التي ندعيها. أنا على قناعة بأنَّ كل شخص يستطيع، بل ويقوم، بتشكيل ذكريات خاطئة.

  3. ما هو المجال خارج نطاق تخصصك الذي تعتقدين أنَّ الأفراد فيه يكونون ذكريات خاطئة بشكل روتيني؟

    كل مكان؛ السؤال ليس حول ما إذا كانت ذكرياتنا خاطئة، بل إلى أي مدى تحمل ذكرياتنا أخطاء. تُعد الذكريات المعقدة والخاطئة بشكل كامل (بخصوص حدث بأكمله) أقل حدوثًا من الذكريات الخاطئة الجزئية (حيث نتذكر بشكل خاطئ أجزاء من أحداث مررنا بها)، إلَّا أَّنه ينبغي العلم أنَّنَا نقوم بشكل تلقائي بملء الكثير من الفراغات في ذكرياتنا ونقوم بعمل الكثير من الافتراضات؛ ما يجعل ماضينا الشخصي مجرد وهم.

  4. كيف ترين تداعيات بحثك على نظام العدالة الجنائية الخاص بنا؟

    إنَّ تداعيات البحث على نظام العدالة الجنائية مهولة، فهي تجعل ذاكرات المشتبه بهم، المجني عليهم، الشهود، وحتى جنود الشرطة والمحامين مشكوك في صحتها. تتمكن الذكريات من صنع أو إنهاء العديد من القضايا، ومن خلال إظهار ضعف حجيتها أمام القضاء، فإنَّنا نُعَرِّض أساسًا جوهريًا للطريقة التي تُستخدم للاستدلال في المحاكم الجنائية للمُساءلة، مما قد يؤدي بنا للتساؤل حول إمكانية إثبات أن شخصًا ما قد ارتكب جريمةً -دون قدر معتبر من الشك-، يعتمد إثباتها حصريًا على استدعاء الذكريات، كما نتبين كم من السهل لوسائل الحوار أو التحقيق أن تخلق ذكريات خاطئة، ما يعيد التفكير بممارسات الشرطة.

  5. هل من الممكن أن تكون للذكريات الخاطئة آثار إيجابية؟

    أعتقد أنَّ الذكريات الخاطئة نتيجة بديعة لنظام معرفي معقد بشكل جميل، نفس النظام الذي يسمح لنا بامتلاك الذكاء، القدرة على حل المشاكل، والخيال الخصب. بشكل عام، تُعد الذكريات الخاطئة جزءًا لا يتجزأ من تلك المنظومة، فبالتالي لا يمكن عدّها ذات آثار إيجابية أو سلبية، فكل ما يمكن قوله هو أنَّها موجودة. والنظر إليها بشكل إيجابي يعتمد بشكل كبير على الظروف؛ فعلى سبيل المثال، إذا لم يتمكن المجني عليه من تذكر جزء ما من جريمة قد ارتُكبت ضده، قد يكون هذا شيء سلبي للتحقيق نفسه، ولكن إيجابي للمجني عليه.

  6. هل معرفة تلك المعلومات غيرت كيفية تعاملك مع ذكرياتك الخاصة؟

    بالطبع؛ كنت دومًا واعية بذكرياتي الشخصية، منذ أن كانت لدي مشكلة كبيرة في تذكر الأحداث التي حدثت في حياتي، ولكني على الجانب الآخر، جيدة للغاية في تذكر الحقائق والمعلومات، وهذا ما يجعلني واثقة من نجاح بحثي حول تشكيل الذكريات الخاطئة، فإذا كانت ذاكرتي تعمل بتلك الطريقة، فمن المؤكد أنَّ هناك آخرين لا تعمل ذاكراتهم بشكلٍ مثالي.

    فرغم أنَّني كنت حذرة حول دقة تذكري -حسب ما أذكر، هاها!-، إلَّا أنَّني مقتنعة الآن بعدم وجود أي ذكرى يمكن الوثوق فيها. فأنا على ثقة بأنَّنا نعيد تشكيل ذاكراتنا كل يوم، حتى ولو بتعديل خفيف.

إنَّه أمرٌ مخيف، ولكنه يحمل جمالًا في حد ذاته؛ حقيقة أنَّك تستيقظ كل يوم، بذاكرة مختلفة، ولو قليلًا.

——

[1] http://sc.egyres.com/s57XS

[2] http://sc.egyres.com/7byJM

[3] http://sc.egyres.com/Bo2Is

[4] http://sc.egyres.com/otyfI

 

المصدر:

http://sc.egyres.com/MKQEa

ترجمة وتصميم: هشام كامل

تدقيق لغوي: أمنية أحمد عبد العليم

تحرير: يُمنى أكرم

#الباحثون_المصريون

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي