رحلة زمنية في أصل الموشحات الأندلسية.

02-23-14-Annual-Meeting

أندلسيات

إن الأندلس لم تقتصر حضارتها الكبيرة على الإمبراطورية العربية التي ظلت لحوالي ثمان قرون تملئ أوروبا حضارة وازدهار، ولم تقتصر على المعمار، والبنيان، والمستشفيات، والحمامات والقصور وغيرها من معالم الحضارات جميعها، ولكن نُسب إلى الأندلس ظهور لون جديد من ألوان الشعر العربي والذي عُرف باسم ” الموشح” ، ذلك النوع الذي ذاع صيته طوال العصر الأندلسي.

واصطلاحًا، فإن الموشح يشتق من المادة “وشح” وتعني كل ما تتحلي به النساء من الذهب والقلائد واللؤلؤ، وتوشحت بمعني “لبست”، ويطلق أيضًا على الرجل، فيقال توشح الرجل ثوبه وسيفه، ومنه جاء الوشاح أى الذي قام بتزيين الشعر ومنه جاء الموشح (ابن منظور : لسان العرب 2/632).

        ورغم اتفاق أغلب المصادر على نسبة هذا الفن من الشعر إلى الأندلس وعلى رأسهم ابن بسام في ذخيرته الذي نسب ظهور الموشحات على يد أحد الشعراء ويدعى “محمد بن محمود القبري الضرير” في القرن 3هـ / 9م ثم استعمله من بعده ابن عبد ربه في كتابه الرائع “العقد الفريد” ثم تم الإكثار من استعماله على يد الشاعر “يوسف بن هارون الرمادي” بعد ذلك ( ابن بسام : الذخيرة في محاسن الجزيرة ، ق 1، م 1/ 469)، ثم يوافق ابن خلدون ما جاء به ابن بسام على ظهور هذا الفن الشعري على يد الأندلسيين ولكنه يختلف معه على مؤسس الموشح فيرى ابن خلدون أنه “مقدم بن معافر الفريري” أحد شعراء الأندلس أيام الأمير الأندلسي عبد الله بن محمد المرواني، ثم أخذ منه ابن عبد ربه هذا الصنف في العقد الفريد ( ابن خلدون : المقدمة ،3/1190).

        هناك رأى مختلف يرى أن الموشح هو نوع شعري مشرقي ظهر في العراق على يد الشاعر”ابن المعتز” ت 296هـ حينما وضع قصيدته المسماه أيها الساقي والتي نسبت بعد ذلك إلى الشاعر ابن زهر والتي كان مطلعها:

أيها الساقي إليك المشتكي         قد دعوناك وإن لم تسمع

وتبنى هذا الرأي الدكتورة صفاء خلوصي في كتابها: فن التقطيع الشعري والقافية، وأن من العراق انتقل الموشح إلى الأندلس وبلغ ذروة شهرته في القرن الـ 7هـ  (ص 302)، ولكن الدكتور محمد زكريا عناني يدحض هذا الرأى شكلًا وموضوعًا لعدم وجود أدلة تبرهن عليه ولاتفاق ابن خلدون وابن بسام على نشأته في القرن الـ 3هـ وليس الـ 7هـ، بل واستشهد عناني بقول الشاعر والأديب الأندلسي الكبير ابن الخطيب الذي عاش في القرن الـ 8هـ والذي نقل عنه باختفاء هذا اللون مع القرن الـ 8هـ بعدما ظل في الأندلس قرونًا طويلة برع فيه الأندلسيون (محمد عناني : الموشحات الأندلسية /15).

أما عن الشكل الفني للموشح فاختلف الأدباء في تعريف مصطلح أجزاء الموشحة وألقابها مثل : “التام، الأقرع، الأقفال، الأبيات، الأسماط وغيرها من الأسماء (مضاوي صالح: الموشحات الأندلسية دراسة في الضوابط الوزنية / ص 2).

والجدير بالذكر بأن المغنية اللبنانية غادة شبير أصدرت ألبومًا كاملًا للموشحات، تضمن بعض موشحات الأندلسيين مثل موشحة ابن زيدون وهي :

بـــدرُ تيمٍ حـازَ حُسـنـًا يُخـجـلُ الأقمــارا
ولهُ في الحُـسـنِ معنًى حـيـرَ الأفكـــارا
آه تسنى فــوقَ غُـصنـًا مسَ بالأسحارا


وتجدون الموشحة بصوت غادة شبير على الرابط التالي : http://sc.egyres.com/vpmvt

ومن أمثلة الموشحات أيضا:

 

– موشحة ابن بقي:

لست مِنْ أسرِ هواك مُخَلاَّ … إن يكن ذا ما طلبت سَرَاحا

– موشحة ابن زهر:

أَيُّها الساقي إِلَيكَ المُشتَكى      قَد دَعَوناكَ وَإِن لَم تَسمَع

وَنَديمٌ هِمتُ في غُرّتِه             وَشَرِبت الراحَ مِن راحَتِه

كُلَّما اِستَيقَظَ مِن سَكرَتِه        جَذَبَ الزِقَّ إِلَيهِ وَاِتَّكا

– موشحة لسان الدين بن الخطيب :

جادك الغيـث إذا الغيـث همـى  يـا زمـان الوصـل بالأنـدلـس
لـم يكـن وصـلـك إلا حلـمـا       في الكرى أو خلسـة المختلـس

( زكريا عناني : الموشحات / 36، 37)

إعداد: عمر بكر

شارك المقال:

فريق الإعداد

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي