إعادة برمجة عملية التمثيل الغذائي داخل الخلية السرطانية

cancer-metabolism

||||

يعرف السرطان على أنه نمو الخلية وانقسامها بشكل خارج عن السيطرة، ولكن نمو الخلية وانقسامها وتكرار المكونات الخلوية من (DNA,RNA,Protein and Lipid)، كل تلك العمليات بالطبع تحتاج إلى طاقة كبيرة ليتم تنفيذها، ومن أجل ذلك يجب على الخلية السرطانية تعديل عملية التمثيل الغذائي الخاص بها ليتوافق مع عملية النمو المجنون التي سوف تحدث لها التنفس الخلوي.

الخلية تحتاج إلى طاقة لكي تقوم بالأنشطة الداخلية بها من امتصاص العناصر الغذائية التي تحتاجها، التفاعل مع التغيرات التي تحدث حولها، وأيضًا من أجل التحكم في البيئة الداخلية الخاصة بها والسيطرة على النمو وعملية الانقسام التي تحدث لها.

تحصل الخلية على تلك الطاقة من خلال تكسير العناصر الغذائية عن طريق التفاعلات التي تحدث خلال عملية التمثيل الغذائي(Metabolic Reaction) والتي تسمى بالتنفس الخلوي، تلك الطاقة تخزن بداخل جزيئات صغيرة وهي ادينين ثلاثي الفوسفات أو ATP، لذلك عندما تحتاج الخلية إلى طاقة فإنها تقوم بعملية التنفس من أجل بناء جزيئات الATP  ويتم الحصول على الطاقة من خلال تكسير تلك الجزيئات.

تستطيع الخلية البدء في عملية التنفس من خلال مسارين:

المسار الاولى وهو الذي يظهر عادة في الخلية الطبيعية خلال  الظروف الطبيعية، وفيها تكون الخلية خاضعة لعملية التنفس الهوائي حيث يتم استخدام الأوكسجين في عملية التمثيل الغذائي، تقوم الخلية بتكسير الجلوكوز(glucose ) وتحويله إلى البيروفيك (pyruvate)، ليتم إنتاج ال ATP  في النهاية وإخراج ثاني أكسيد الكربون، يتم الحصول على الأكسجين المطلوب من الهواء الخارجي بداية من عملية الشهيق وصولًا إلى الدم ليعبر إلى الأنسجة والأعضاء.

في الوقت الذي لا تتوافر كمية الأكسجين المطلوبة تقوم الخلية بالتحول إلى المسار الثاني من التنفس الخلوي وهو التنفس الغير هوائي في تلك الحالة تقوم الخلية بتكسير الجلوكوز(glucose ) إلى البيروفيك (pyruvate)، ليتم إنتاج ال ATP ولكن الفرق أنه يتم إخراج الأكتيك أسيد (lactic acid )بدلًا من ثاني أكسيد الكربون، في الصورة الأولى يتم إنتاج كمية كبيرة من جزيئات ATP حيث يتم إنتاج 32 جزئ لكل جزئ من الجلوكوز في حين أن الطريقة اللاهوائية تنتج فقط جزيئين.

Figure 1 توضيح للمسار الذي تسلكه الخلية السرطانية في عملية التنفس، نجد أن الخلية السرطانية قامت بتحويل الجلوكوز إلى بيروفيك ولاكتيك أسيد مما ينتج2 جزيء ATP ، بالمقارنة نجد أن الخلية الطبيعية قامت بتحويل كامل الجلوكوز إلى بيروفيك وثاني أكسيد الكربون كناتج ثانوي، مما ينتج 32 جزئ ATP.

تكسير الجلوكوز من خلال المسار الهوائي (Aerobic Glycolysis)

Glycolysis ) (هو مصطلح يطلق على عملية تكسير الجلوكوز وتحويله إلى البيروفيك (pyruvate)، وتعد الخطوة الأولى لبناء جزئ ATP ، ومن الملاحظات الرئيسية التي وجدت في الخلية السرطانية هي زيادة معدل تكسير الجلوكوز(Glycolysis  ) خلال عملية النمو السريع للخلية مقارنة بالخلية الطبيعية، ويطلق على تلك الظاهرة (Warburg Effect)  نسبة إلى مكتشفها (Otto Warburg)، وتقوم الخلية السرطانية باستهالك ما يقارب من 20 ضعف كمية الجلوكوز التي تستهلكها الخلية الطبيعية.

ولكن يبقى السؤال هو لماذا الخلية السرطانية تختار ذلك المسار اللاهوائي بدلًا من المسار الذي تسلكه الخلية الطبيعية، حيث أن المسار الطبيعي تستطيع الخلية من خلاله توفير 16 جزئ من ال  ATP لكل جزئ جلوكوز بالمقارنة بالصورة الأخرى السابق ذكرها؟

أولًا: بالرغم أن المسار الثاني ينتج كمية ATP أقل إلا أن إنتاجها يكون أسرع بكثير من المسار الطبيعي، حيث أن إنتاج الخلايا السرطانية للATP يكون أسرع بما يقارب مائة مرة من سرعة الإنتاج لدى الخلية الطبيعية.

ثانيًا: لا يقتصر الأمر على سرعة إنتاج الATP فقط، إنما في ذلك المسار يتم إنتاج مركبات ثانوية يتم استخدامها في عملية تكوين البروتينات والدهون والأحماض النووية بواسطة الخلية السرطانية.

ومن الصفات التي تميز الخلية السرطانية هي شهيتها الكبيرة للجلكوز، فكما علمنا سابقًا أن الخلية السرطانية تقوم باستهالك ما يقارب من 20 ضعف كمية الجلوكوز التي تستهلكها الخلية الطبيعية، إذا فكيف تقوم تلك الخلايا بإرضاء شهيتها تجاه الجلوكوز؟

الجلوكوز عادة ما يقوم بالدخول إلى الخلية من خلال بوبات بروتينية تعرف ب(glucose transporters) والتي تعمل كممرات على سطح الخلية، يمر من خلالها الجلوكوز بشكل انتقائي إلى داخل الخلية، والخلية السرطانية تقوم بإنتاج الكثير من تلك البوبات على سطحها بالمقارنة مع الخلية الطبيعية مما يسمح بدخول كمية كبيرة من الجلوكوز إلى الداخل، ففي الخلايا الطبيعية تكون هناك مجموعة من الإنزيمات تقوم بالتحكم في عملية دخول الجلوكوز إلى داخل الخلية، ولكن في حالة الخلية السرطانية تكون تلك الإنزيمات في حالة زيادة أو متأثرة بطفرة جينية بها.

يتم استغلال الشهية الكبيرة لدى الخلية السرطانية  إلى الجلوكوز في استرتيجيات العلاج الكيميائي، وأيضًا خلال تصوير الأورام السرطانية حيث تكون كمية الجلوكوز داخل الخلية السرطانية كبيرة جدًّا عن الخلية الطبيعية، وذلك يكون مفيد جدًّا عند الكشف عن المناطق التي انتشر بها السرطان.

كنا قد شرحنا أهمية المسار الثاني في عملية تكسير الجلوكوز وكيف تستفيد به الخلية السرطانية، ولكن ما هي فائدة ذلك المسار للخلايا الطبيعية؟

القدرة على النمو والانقسام بسرعة مفيد جدًّا للخلايا الطبيعية عند عملية  التئام الجروح أو عند الاستجابات المناعية، حيث تقوم الخلية بتغير مسار التنفس الخاص بها من المسار الهوائي إلى المسار اللاهوائي من أجل توفير الطاقة الازمة للنمو والانقسام.

بعد أن علمنا الطريقة التي تسلكها الخلية السرطانية خلال التنفس، وأنها تقوم بالتحويل من المسار الهوائي إلى المسار اللاهوائي، تبقى لنا فقط معرفة الآليات التي تقوم من خلالها الخلية السرطانية بالتحويل ما بين المسارين

كنا قد علمنا في مقال سابق أهمية عامل HIF في عملية توليد الأوعية الدموية في الخلية السرطانية وكيف يتم تنشيطه استجابةً  لنقص الأكسجين الواصل للخلايا السرطانية، ولكن الدراسات في السنوات الماضية كانت قد أوضحت أن HIF لا يتم تنشيطه استجابة لنقص الأكسجين فقط،  ولكنه يستجيب أيضًا لعدة عوامل أخرى مثل الأخطاء الحادثة في الحمض النووي والتي تحدث نتيجة التعرض لإشعاع، أو الإشارات من بروتينات أخرى أو عوامل النمو وأيضًا يمكن تنشيطه عند وجود البيروفيك (pyruvate)، وبمجرد تفعيل HIF  يقوم بتنشيط عدة جينات تشارك في  تنشيط عملية تكسير الجلوكوز (Glycolysis) عن طريق المسار اللاهوائي، وقمع الجينات المشاركة في المسار الطبيعي، ومن الواضح أن HIF يعلب دور رئيسي في عملية تحويل الخلايا السرطانية لعملية التمثيل داخلها من المسار الطبيعي للتنفس إلى المسار اللاهوائي، ولكن يوجد عدة مسارات تسلكها الإشارة المسؤولة عن تنشيطه ودعم ذلك التحويل، أحد أهم تلك المسارات يتم التحكم به بوسطة إنزيم يدعى (Phosphoinositide 3 Kinase ) ويتم اختصاره إلى  PI3K، ذلك الإنزيم يتم تنشيطه بواسطة عدة عوامل أو إشارات مختلفة من خارج الخلية عن طريق المستقبلات على سطحها، المسار الذي يسلكه إنزيم PI3K يكون له دور في عملية نمو الخلية وبقائها على قيد الحياة وتثبيط عملية الموت الخلوي، وأيضًا في عملية تكوين الأوعية الدموية بالإضافة طبعًا لدوره الأساسي في تحول الخلية من المسار الطبيعي للتنفس إلى المسار اللاهوائي، بمعني آخر يعمل إنزيم PI3K على دعم الخلية السرطانية، تنشيط PI3K ينشأ عنه سلسلة من الإشارات لتصل في النهاية إلى الجين المسؤول عن تفعيل HIF، فنجد أنه عندما يتم تنشيط PI3K يتم بدوره تنشيط بروتين AKT الذي يقوم بتنشيط بروتين mTOR والذي يقوم في النهاية بتفعيل HIF.

بالإضافة إلى ذلك تقوم الخلية الطبيعية بالتحكم في PI3K بواسطة بروتين آخر يدعى PTEN يقوم بوقف إشارة PI3K ، ولذلك ليس من الغريب أن نجد أن الخلية السرطانية غالبًا ما تحتوي على طفرة في الجين المسؤول عن ذلك البروتين، وبالتالي تفعيل PI3K بدون توقف.

Figure 2صورة توضح مسار PI3K داخل الخلية وصولًا إلى HIF

ومن المهم معرفة المسارات التي تسلكها الإشارات التي تتحكم بدورها في تنظيم العمليات داخل الخلية عن طريق تنشيط أو تثبيط البروتينات، قد تتداخل مع بعضها في بعض الأوقات، فمن الممكن أن أحد المسارات تقوم بتنظيم مسار آخر، على سبيل المثال نجد أن البروتين p53  والذي يعرف بحارس الجينوم، والمسؤول عن كشف وتخفيف الأضرار التي تحدث في الحمض النووي، وجد مؤخرًا أن له وظيفة أخرى تتمثل في تعزيز إشارة التنفس من خلال المسار الطبيعي وتثبيط عملية التنفس اللاهوائي، ومن المعروف أن الطفرات في الجين الخاص بالبروتين P53  هي الأكثر شيوعًا في جميع أنواع السرطان، لذا فإن فقدان وظيفة P53 يخل بالتوازن الموجود داخل الخلية، ومن المهم معرفة أن معالم السرطان التي نتحدث عنها في هذه السلسلة ليست نقاط منفصلة بل أن حدوث خطأ في إحدى تلك العمليات داخل الخلية تقوم بتعزيز باقي العلامات وتقود الخلية الطبيعية للتحول إلى خلية سرطانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر:

https://blogs.scientificamerican.com/guest-blog/the-hallmarks-of-cancer-9-reprogramming-energy-metabolism /

ترجمة: Mohamed Gadallah

تدقيق لُغوي: Israa Adel

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي