9 ملهمات كُنَّ فنانات

frida-kahlo-3533466_1920

|||||||||

تُعَد العلاقة بين الفنان وملهِمِه من السمات الشهيرة للفن، والتي ظلت موجودة لقرون، وغالبًا ما تكون تلك العلاقات رومانسية، لكنها دائمًا ما تكون درامية، وفي بعض الأحيان يكون لدى الملهمات ما هو أكثر من مجرد إلهامهم، كما هو الحال مع النساء التسع اللاتي سنتحدث عنهن هنا؛ فهؤلاء النساء متواجدات في بعض أكثر الأعمال الفنية شهرة عبر التاريخ، كما أنهن كانت لهن أعمالهن الخاصة، الأمر الذي يجعلهن في بعض الأحيان أشهر من الفنانين الذين كانوا بمثابة إلهام لهم(1).

ستلاحظ عندما تقرأ تلك المقالة كم أن عددًا كبيرًا منهن متن متألمات في سن صغيرة، وكم أن عددًا كبيرًا ممن تسببن في إلهامهم كانوا سببًا في ألمهن.

 

كاميل كلوديل (Camille Claudel) ملهمة أوجَست رودان (Auguste Rodin)

بدأ كل شيء عام 1884 عندما بدأت (كلوديل) العمل كمساعدة للنحات (رودان) في مرسمه الخاص، والتي أصبحت فيما بعد ملهمته، وسرعان ما أصبحت عشيقته، ولكن انهارت تلك العلاقة العاطفية المضطربة وانتهت عام (1892). وعلى الرغم من الألم الذي تسبب به (رودان) لـ (كلوديل) لفترة طويلة بعد افتراقهما، إلا أنها استمرت في صنع منحوتاتها الخاصة بها، وأكثر أعمالها شهرة هو تمثال (سن الرشد) (The Age of Maturity)، والذي نحتته في (1893-1900) ، وتمثال المثرثرون (The Gossips)، والذي نحتته عام (1897).

ولكن للأسف تلك المسيرة الفنية لم تدم طويلًا بسبب دخولها لمستشفى الأمراض النفسية عام (1914)، المكان الذي ظلت به حتى فارقت الحياة عام (1943).

 

إليزابيث سيدال (Elizabeth Siddal) ملهمة دانتي جابرييل روزيتي (Dante Gabriel Rossetti)

 

كما هو الحال مع العديد من الملهمات، فإن (إليزابيث) كانت أيضًا من الطبقة العاملة، وقد سنحت لها الفرصة عندما كانت تعمل عند أحد صانعي القبعات لمقابلة فنان كان سببًا في انضمامها لرابطة الرسامين والشعراء الإنجليز والتي كانت تُدعى (ما قبل الرفائيلية) أو (Pre-Raphaelite Brotherhood). في البداية كانت مهتمة بمعظم فناني الرابطة، لكنها سرعان ما أصبح اهتمامها مقتصرًا على فنانٍ واحدٍ فقط، وهو (دانتي روزيتي).

ظهرت (إليزابيث) في العديد من لوحاته مثل لوحة (Ecce Ancilla Domini)، والذي رسمها بين عامي (1849-1850)، ولوحة (بياتا بياتركس) أو (Beata Beatrix)، والتي رسمها حوالي في الفترة بين عامي (1864-1870)، لكنها لم تكن مجرد ملهمة بالنسبة لـ (دانتي)، فقد شجعها على أن تقوم بالرسم والكتابة، الأمر الذي جعلها تقدم أعمالًا تحمل طابع رابطة (ما قبل الرفائيلية) وظهرت كعضوة من أعضاء الرابطة في عامي (1857) و (1858)، ولكنها للأسف كانت مُعذبة خلال فترة زواجها من (دانتي) بسبب غيرته، الأمر الذي جعل حالتها الصحية تزداد سوءًا يومًا بعد يوم وأصبحت مدمنة على مخدر (الأفيون).

توفيت (إليزابيث) وهي لم تتجاوز عامها الثاني بعد الثلاثين من عمرها بسبب تعاطيها لجرعة زائدة من الأفيون، الأمر الذي يحتمَل تفسيره بأنه كان عملية انتحار. دفنها (دانتي)، ودفن معها مسودات معظم قصائده، لكنه قام عام (1869) باستخراج رفاتها من القبر لاستعادتهم.

 

بيرت موريسو (Berthe Morisot) ملهمة إدوارد مانيه (Édouard Manet)

في الفترة بين عامي (1868) و (1874) قام (مانيه) برسم (بيرت) أحد عشر مرة، أي أنه قام خلال فترة لم تتجاوز الست سنوات برسمها أكثر من أي عارضة أخرى، وتُعَدّ لوحة (الشرفة- The Balcony)، والتي رسمها بين عامي (1868-1896)، إلى جانب لوحة (بيرت موريسو مع باقة من نبات البنفسج- Berthe Morisot with a Bouquet of Violets)، والتي رسمها عام (1872)، من أشهر اللوحات التي رسمها لها. تزوجت (بيرت) بعد ذلك من شقيق (مانيه)، والذي كان يُدعى يوجين (Eugène)، وأصبحت بعد ذلك واحدة من أصل فنانتين فقط ممن استطاعتا شق طريقهما نحو المدرسة الانطباعية (Impressionist)، الفنانة الأخرى هي ماري كاسات (Mary Cassatt).

ولكن على الرغم من موهبة (بيرت) إلا أن النقاد المعاصرين لها كانوا أقل تأثرًا وانبهارًا بها مقارنة بزملائها؛ فلقد قامت بتقديم الكثير من اللوحات لكنها لم تتمكن سوى من بيع عدد قليل منها طوال حياتها، ولم تكن موهبتها محل تقدير سواء من النقاد أو حتى الخبراء، وظلت موهبتها الكبيرة غير معترَف بها حتى بعد حوالي قرن من وفاتها.

 

جورجيا أوكيفي (Georgia O’Keeffe) ملهمة ألفريد ستيجليتز (Alfred Stieglitz)

كانت (جورجيا) بمثابة ملهمة لـ (ألفريد) المصور المحترف، لكنها، وكما يعلم الجميع، أصبحت فنانة تشكيلية لها صيتها وشهرتها، بل يمكننا القول أن شهرتها فاقت شهرة (ألفريد) نفسه. كانت (جورجيا) تمارس موهبتها في الرسم لعدة سنوات قبل اكتشاف (ألفريد) لأعمالها عام (1916)، وقعا في حب بعضهما بعد ذلك وانتهى الأمر بالزواج عام (1924)، وعلى عكس الفنانين الذين ذكرناهم سابقًا، فقد قام (ألفريد) بدعم زوجته ماديًا حتى تتمكن من المواصلة في ممارسة موهبتها، وتمكنت من عرض أعمالها بصورة منتظمة حتى توفيت عام (1943).

قام (ألفريد) كذلك بتصوير زوجته (جورجيا) على مدار عشرون عامًا، فترة نتج عنها أكثر من 300 صورة شخصية لها، وعلى العكس من العديد من الملهمات في تاريخ الفن إلا أن (جورجيا) تمكنت، طوال فترة تجاوزت الأربعين عامًا، من التفوق على من كانت تتسبب في إلهامه، كما تمتعت بمسيرة فنية ناجحة استمرت طويلًا.

 

(كيكي دي مونتبارناسي- Kiki de Montparnasse) ملهمة (مان راي- Man Ray)

ولدت أليس برين (Alice Prin)، أو كما كانت تُلقب (كيكي)، في ظروف معيشية صعبة، لكنها أصبحت ملهمة للمصور الفوتوغرافي السريالي (راي) في بداية فترة العشرينيات، لكنها كانت ملهمة كذلك لفنانين عصريين آخرين مثل أميديو موديلياني (Amedeo Modigliani) و ألكسندر كالدر (Alexander Calder) و مويس كيسلينج (Moïse Kisling) وآخرين أيضًا. قام (راي) بجعلها العنصر الرئيسي في مئات الأعمال، ولعل أكثر تلك الأعمال شهرة هي لوحة (Le Violon d’Ingres)، والتي قام فيها برسم ظهرها ليبدو كالكمان. قامت (أليس) طوال فترة العشرينيات برسم لوحات ناتجة عن موهبتها الفطرية عن السيرك والمدينة، وقامت بالتوقيع على تلك اللوحات تحت اسم (كيكي)، كما قامت بعرضهم في معرض لها في العاصمة (باريس) عام (1927) والذي لاقى نجاحًا كبيرًا. قامت (كيكي) كذلك بنشر مذكراتها عام (1929)، المذكرات التي كانت صادقة فيها بشكل صادم والتي تحدثت فيها عن أسلوبها المتحرر للغاية في حياتها. عانت (كيكي) في العقود التالية من العديد من المشاكل، كما أنها عانت من الإفراط في الشراب حتى وصل الأمر معها أنها كانت تعاني من الفقر. توفيت (كيكي) عام (1953)، ودُفنت في مدينة (مونبارناس)، المدينة التي كانت تحبها.

 

(لي ميلر – Lee Miller) ملهمة مان (راي- Man Ray)

على الرغم من نشأتها في ظروف صعبة، إلا أن (لي) كانت تتمتع بـ كونها كانت شابة جميلة وذكية، وتلك المؤهلات كانت سببًا في منحها العديد من الفرص في حياتها. درست (لي) الرسم والتصوير، كما أصبحت عارضة لها شأنها حتى قبل مقابلتها لـ (راي) في حوالي عام (1929) عندما كانت تبحث عنه لتتعلم منه التصوير، لكن الأمر انتهي بوقوعهما في غرام بعضهما. تظهر (لي) في العديد من أعمال (راي) مثل لوحة (Observatory Time—The Lovers)، والتي رسمها في حوالي عام (1934)، والتي تظهر فيها شفاه (لي) بشكل واضح. وقد تعاونت (لي) معه في تطوير عملية التصوير الفوتوغرافي والتي أطلقوا عليها عملية (التشميس)، العملية التي حصل بعد ذلك على حقوقها الإبداعية بالكامل. استمرت (لي) بعد انفصالها عن (راي) في مجال التصوير الفوتوغرافي، حتى أنها خدمت في الحرب العالمية الثانية كأول مراسلة حربية لمرافقة قوات الحلفاء على الجبهة، وبعد عودتها من الحرب تزوجت  وأنجبت طفلًا، لكنها كانت تعاني بشدة من الاضطرابات النفسية التي تنتج عن الحروب، الأمر الذي جعل الحال ينتهي بها كمدمنة على الكحوليات حتى وفاتها.

لم يذكر التاريخ الفني (لي) إلى أن اكتشف ابنها حوالي 60 ألف صورة سالبة و نيجاتيف لصور قامت بالتقاطها، و 20 ألف من المطبوعات والوثائق والكتابات، الأشياء التي احتفظت بها في صندوقٍ خاص، بعد وفاتها عام (1977).

 

(فريدا كاهلو- Frida Kahlo) ملهمة (دييجو ريفيرا -Diego Rivera)

تزوج (ريفيرا) من (كالو) عام (1929) وبدآ عقدهما الصاخب سويًا، وتمكنا من صنع معظم الأعمال الخالدة في تاريخ الفن المكسيكي على الرغم من أنه كان لكل منهما أسلوبه وطريقة تعبيره الخاصة؛ فقد كانت كاهلو فنانة عاطفية تعبر عن نفسها؛ أما (ريفيرا) فقد كان يحب التعبير عن الآخرين، كمان كان يحب وضع إسقطات جريئة في أعماله لإرسال رسائل إلى لعالم. لقد كان كذلك لكل واحد منهما أثره الفني الكبير على الآخر، الأمر الذي ظهر جليًا في أعمالهما مثل لوحة (كاهلو) والتي تُدعى (Diego on My Mind)، وكذلك لوحة (ريفيرا) (The Arsenal) والتي توجد على جداريته التي تُدعى (الرؤية السياسية للشعب المكسيكي) أو (Political Vision of the Mexican People).

على الرغم من أن ربما كان (ريفيرا) أكثر شهرة من (فريدا) خلال حياتهما، إلا أنه يمكننا القول أن شهرة (كاهلو) قد تجاوزت شهرته منذ وفاتها عام (1954).

 

(دورا مار- Dora Maar) ملهمة (بابلو بيكاسو- Pablo Picasso)

كانت (مار) فنانة حتى قبل أن تقابل (بيكاسو)؛ فقد درست الرسم والتصوير الفوتوغرافي، كما قدمت إسهاماتٍ كبيرة للحركة (السريالية)، خاصة في صورتها الأيقونية (لوحة أوبو- Portrait of Ubu). قابلت (مار) (بيكاسو) عن طريق زملائها في الحركة (السريالية) ونشأت بينهما علاقة دامت لعِقدٍ من الزمن، قامت هي بتصويره عدة مرات، وتقريبًا أبرز تلك الصور هي الصورة التي التقطتها له عندما كان يعمل على لوحته الخالدة (جرنيكا- Guernica)، وقام هو برسمها كذلك، كما تعاونا في عدد من المشاريع الفنية الأخرى.

تَظهر (مار) في بعض أكثر أعماله شهرة مثل لوحة (المرأة الباكية- Weeping Woman) ولوحة (بورتريه دورا مار- Portrait of Dora Maar)، ولكن، وكما هو الحال في مثل هذه العلاقات العاطفية بين الفنانين، فقد توترت العلاقة بينهما، واستطاعت امرأة، أو بالأحرى فنانة أخرى، من أخذ مكانها، وتلك المرأة هي آخِر مَن في تلك القائمة.

عاشت (مار) معذبة ومنعزلة عن العالم لباقي حياتها بسبب ما فعله بها (بيكاسو)، حتى أن شهرتها كفنانة لا تساوي شيئًا بجانب شهرتها بكونها كانت ملهمة له.

 

(فرانسواز جيلوت- Françoise Gilot) ملهمة (بابلو بيكاسو-Pablo Picasso).

التقت (جيلوت) (ببيكاسو) عام (1943)، وقد كانت تبلغ وقتها 21 عاما، بينما كان (بيكاسو) في العام الثاني بعد الستين من عمره، وكان وقتها لا يزال مرتبطًا بـ (مار). علاقة (جيلوت) و (بيكاسو) استمرت حتى عشرة أعوام تمكنت خلالها من إلهامة بلوحات مثل (La Femme-fleur)، والتي رسمها عام (1946)، والتي قام فيها (بيكاسو) برسم (جيلوت) على أنها وردة، ولوحة (Woman Drawing)، والتي رسمها عام (1951)، والتي كما يوحي عنوانها بأن (جيلوت) كانت فنانة أيضًا، لكنها كانت فنانة مستقلة، واستمرت في العمل على لوحاتها الخاصة طوال فترة علاقتها مع (بيكاسو)، العلاقة التي نتج عنها طفلين بعد ذلك.

هجرت (جيلوت) (بيكاسو) عام (1953)، لكنها استمرت بممارسة هوايتها في ما تبقى من حياتها. وعلى الرغم من أنها لا تزال تُعرف بأنها حبيبة (بيكاسو) السابقة، إلا أنها تمكنت من إقامة العديد من المعارض الخاصة بها في أوروبا وأمريكا، كما قامت بنشر كتب تحكي فيها عن حياتها مع (بيكاسو) وعن علاقتها مع الرسام الفرنسي (هنري ماتيس) (Henri Matisse).

ترجمة: أحمد فهمي

المصادر

  1. https://bit.ly/2H4QOHY

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي