«البلوز».. موسيقى الدفاع عن الهُويَّة

11d6a0a2016bf0241323caba357f79e2

بعد أسابيع العمل الطويلة تأتي ليالي السبت.. مشهد ربما قد رأيته مراتٍ عدة في أفلام الكاوبوي (رعاة البقر) القديمة؛ ولكن ما يميزه هو موسيقاه التصويرية غير المعتادة. بلدة صغيرة في جنوب أمريكا، في مجتمعها، الموسيقى ضروريَّة لإثبات الهوية وللبقاء، مجموعة من الأفرو-أمريكان قد تجمعوا حول صوت جهاز الموسيقى الذي يصدح بموسيقى مميزة، إنها موسيقى «البلوز».

من أين جاءت البلوز؟

نشأت البلوز في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تعبيرًا عن ثقافة الموسيقى الأفرو-أمريكية التي تمتعت ألحانها وكلماتها بأصولها الإفريقية؛ ولكن تغييرها للشكل المعاصر كان بسبب حياة وتاريخ الأفرو-أمريكان في الغرب.[1]

ولإثبات هويتهم في مجتمع غير متقبل للآخر وحيث اُعتبروا دائما هم الطرف الآخر، كانت موسيقاهم هي موسيقى الوحدة. موسيقى توحد الحزن والفرح، الحب والكراهية، الأمل واليأس لسود البشرة، وتدفع الناس إلى التحرر المطلق. فهي تشكل وتحدد الوجود الأفريقي في أمريكا وتخلق بنيان ثقافي للتعبير الإفريقي-الأمريكي. [2]

مصدر البلوز

موسيقى البلوز
عائلة من الرقيق في حقل القطن في جورجيا. المصدر: www.bridgemanimages.u

تعتبر أغاني العمل، وصيحات الحقول (نوع من موسيقى الأصوات البشرية يغنيها الأفارقة المستعبدين في أثناء عملهم للتنفيس عن مشاعرهم) [3] من أيام الاسترقاق، والأغاني الشعبية، والرقص؛ هم مصدر موسيقى البلوز. اجتمعاهم معًا (الأفرو-أمريكان) للاستماع إلى الموسيقى وأيضًا للرقص، أنشأ مجتمعات ذات هوية واضحة، وكانت الموسيقى سبيل للتعبير عن كل المشاعر المحتملة من أفراح جماعية إلى يأس مشترك، وفي الوقت نفسه الذي عززت فيه هوية المجتمع، كانت بالنسبة لأولئك الذين لديهم موهبة، وسيلة لكسب الرزق. [4]

وكانت الأغاني الدينية أيضًا مصدرًا للبلوز أو بصورة عامة الروحانيات، وهي أغاني بطابع مسيحي والتي كانت في كثير من الاحيان تُعبر عن حياة الاسترقاق. أصبحت الكنيسة نقطة تمركُّز في المجتمعات القروية، فأُتيح للأفرو-أمريكان الحصول على مساحة للتعلُم في مدرسة الكنيسة، واكتساب مكانة كقادة للمجتمع الكنسي، فأصبحت خدمات الكنيسة مصدر قوةٍ، ومكان لمشاركة التجارب، والتعبير أو التنفيس عن مشاعرهم تحديدًا عن طريق الاغاني. [4]

تقنية البلوز

عند الحديث عن التقنية المتبعة، فيعدّ الاستخدام التعبيري للصوت عنصرًا أساسيًا في البلوز، ويحتوي الإرث المسجل من البلوز على كل أنواع تقنيات التعبير الصوتي. وقد اُستخدم الصوت أيضًا في إلقاء النص، ويمكن اعتبار السرد القصصي عن طريق الغناء هو ما يميز جميع أغاني البلوز، فقد قام مغنو البلوز بتكييف الأساليب القديمة للغناء مع نوع الرواية والهياكل التي استخدموها. الاغاني الشعبية على سبيل المثال، لها نفس اللحن يتكرر مرارًا وتكرارًا لكل مقطع، ويضاف كل مقطع إلى القصة التي تُحكى. ولدى التراتيل البنية ذاتها، تكرار الموسيقى نفسها لكل مقطع؛ ولكن مع النصوص الدينية بدلًا من السرد القصصي.[5]

الهجرة العظيمة

من أكثر المؤثرات قوة على تاريخ صناعة البلوز هي الهجرة العظيمة، فعلى مدار القرن العشرين، غادر أكثر من سبعة ملايين أمريكي من أصل أفريقي منازلهم في الجنوب لإعادة توطينهم في الولايات الشمالية والغربية، وقد وصف المؤرخون هذه الهجرة بأنها الهجرة العظيمة، ليس فقط بسبب الاعداد التي هاجرت؛ ولكن أيضًا بسبب عواقبها الاجتماعية والسياسية. [6]

كان للبلوز والهجرة تأثيرًا متبادل على بعضهما البعض؛ فقد اجتذب نجاح موسيقيي البلوز بعد هجرتهم المزيد من الأفرو-أمريكان للانتقال أيضًا. الهجرة العظيمة التي قد تسبب بها: حرق المحاصيل، تشكل ال (كو كلوكس كلان – kkk) ومشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى والثانية والتي بدورها أدت إلى تطلُب المزيد من الأيدي العاملة في الشمال. كل ذلك ساهم في إنشاء سوق جديدة لصناعة الموسيقى.

تطورت موسيقى البلوز وخُلقت العديد من الأساليب المختلفة خلال الهجرة، بما في ذلك بعض الأنواع الحديثة التي لدينا اليوم.[7]

نهضة هارلم

ومثل الهجرة، أثرت نهضة هارلم (1918-1937) على الموسيقى، وهي حركة ازدهار للثقافة الأمريكية-الأفريقية، تحديدًا للفنون الإبداعية، وتعتبر هي الحركة الأكثر سطوة في التاريخ الأدبي الأفرو-أمريكي، وذلك خلال العشرينيات والثلاثينيات وكانت ذا تأثير كبير على موسيقى البلوز والجاز، وقد ألهم الابتكار والحيوية الفنانين في جميع أنحاء المدينة، وظهر تحررهم المكتسب حديثًا بشكل جليّ في الأغاني والأسلوب الموسيقي.[7]

موسيقى البلوز
www.facebook.com

دور البلوز في المجتمع المدني

وكما ناقشنا سابقًا أن البلوز لم تكن مجرد لون موسيقي؛ ولكن كان لها تأثير قوي اجتماعيًا وسياسيًا؛ حيث لعبت كل من موسيقى البلوز والجاز دورًا مهمًا في حركة الحقوق المدنية، التي بلغت ذروتها في الستينيات. [8]

معظم الموسيقيين الذين شاركوا في الحركة قد جاءوا من مزيج مختلف من الخلفيات، وكانت الموسيقى بمثابة مصدر دعم لأولئك الذين تبادلوا ذات المشاعر مع من يؤدونها، فقد غنوها لأغراض متعددة: تحفيزًا خلال المسيرات الطويلة، والدعم ضد المضايقة والوحشية، وأحيانًا لتمضية الوقت عند انتظار حدوث شيء ما، وخلال هذه الأوقات، كانت الإذاعة والتلفزيون وسيلة لنقل أبرز الأحداث للعائلات التي لم تتمكن من أن تكون جزءًا من الحدث، وأعطتهم الموسيقى أملًا وشجاعة خلال أصعب الأوقات. [8]

لم تصارع البلوز فقط لإثبات هوية عرقها؛ ولكنها أيضًا دافعت عن المختلف وروت حكايته. قال «مارتن لوثر كينج جونيور»:

تتحدث موسيقى الجاز عن الحياة؛ بينما تحكي البلوز عن صعوبات الحياة، وإذا فكرت للحظة، فستدرك أنها تضع أصعب الحقائق الحياتية في الموسيقى، لتخرج ببعض الأمل الجديد أو الإحساس بالانتصار. هذه هي موسيقى الانتصار.[8]

 

المصادر

1- Baraka, A. (1991). The “Blues Aesthetic” and the “Black Aesthetic”: Aesthetics as the Continuing Political History of a Culture. Black Music Research Journal, 11(2), 101-109.

2- Cone, J. H. (1991). The spirituals and the blues. Orbis Books.

3- A History of African American Music Chart.

4- Discovering music: the blues. available at: https://www.open.edu/openlearn/history-the-arts/discovering-music-the-blues/content-section-5?active-tab=description-tab

5- Discovering music: the blues. available at: https://www.open.edu/openlearn/history-the-arts/discovering-music-the-blues/content-section-11?active-tab=description-tab

6- Gregory, J. The Great Migration (African American), available at: https://depts.washington.edu/moving1/black_migration.shtml

7- How the Great Migration Effected the Development of Blues Music, available at: https://blogs.longwood.edu/musicintheworld/2012/03/07/how-the-great-migration-effected-the-development-of-blues-music/

8-How Music Moved the Movement: Civil Rights and the Blues, available at: https://hecmedia.org/posts/how-music-moved-the-movement-civil-rights-and-the-blues

 

 

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي