جاذبية الشمس ام الثقوب السوداء!

جاذبية_الشمس_ام_الثقوب_السوداء_

|

في 11 فبراير لعام 2016 عُقد مؤتمر في نادي الصحافة الوطني في العاصمة واشنطن حيث تم البث المباشر من مرصد «ليغو – LIGO» ليتم الإعلان عن رصد موجة من الموجات الثقالية حيث قال «ديفيد ريتز David Reitze» المدير التنفيذي للمرصد: (سيداتي وسادتي، لقد رصدنا موجاتٍ ثقالية. لقد فعلناها!)

ومنذ هذه اللحظة، تغيرت نظرة العالم تجاه الكون، وفُتح المجال أمام الكثيرين ليبحثوا فى الفضاء الشاسع ويغيروا في مفاهيم الكون والفيزياء كيفما أرادوا؛ فالإثارة الحقيقية تكمن في مقدرة تلك الموجات على أن تُنير لنا جانبًا من السماء المظلمة لم يكن واضحًا من قبل.

يقول «آفى لوي Avi Loe» في كلمته بالمؤتمر (والآن بعد أن تمَّ الكشف عن الحدث الأول، فإن عصر علم فلك الموجات الثقالية قد بدأ.)

دعنا عزيزي القارئ نقوم بجولة قصيرة حول تلك الموجات ونعرف أكثر عنها، ولم كل هذا الضجيج حولها.

لنبدأ بمفهومنا عن الموجات الثقالية؛ فهي عبارة عن تموجات فى انحناء الزمكان على شكل أمواج تنتشر من مصدر الموجات (الجسم) الى خارجه، أي حوله، حيث تنقل هذه الموجات الطاقة على شكل موجة عرضية، أي أن التردد هو طريق انتشار الموجة عبر الزمكان.

هذا ما تنبأت به النظرية النسبية لـ «آينشتاين»، وخاصة النسبية العامة والتى أشارت إلى أن أي جسم له كتلة يحدث تغيرًا في شكل الزمكان سواء كان بالتمدد أو التقلص، كما يمكن أن يُحدث اهتزازات في الزمكان وهو ما يعرف بـ «الأمواج الثقالية».

لمحو التساؤل بداخلك عن انحناء الزمكان دعنا نتطرق سريعًا في نبذة مختصرة عنه؛ هو مصطلح مأخوذ من تداخل الزمان والمكان معًا، وهو يُعبِّر عن الفضاء رباعي الأبعاد، وتم إدخاله لأول مرة في النظرية النسبية لـ «آينشتاين» التي اعتمد فيها على أربع نقاط (س، ص، ع، ز)، بحيث ترمز الثلاثة حروف الأولى إلى أبعاد جسم ما في الفضاء وحرف (ز) الى البعد الزماني للجسم نفسه.

هذا مفهوم مبسط عن الموجات الثقالية المتولدة من عدة ظواهر كونية مثل:

  1. الثنائيات المجرية المندمجة Galactic Compact Binaries
  2. الدوامات فائقة الكتلة  Extreme Mass spirals
  3. تحولات الطور Phase Transitions
  4. الثقوب السوداء المندمجة Black Holes Mergers

طبقا لما ذُكر، فان وجود الشمس في الفضاء – وحسب كتلة الشمس المقدرة بـ (2×1030 كج)

C:\Users\HP\Desktop\Earth-sunwarp_2735823g.jpg وهي ما تعادل 333 ألف ضعف كتلة الأرض وتشكل نسبة 99.86% من كتلة المجموعة الشمسية -فإنها تسبب تشوه بمقدار لا يُستهان به في الزمكان، ومن ثم تدور الأرض وبقية الكواكب في هذا التشوه الكبير فيما يُعرف بالجاذبية وبالتالي تدور الكواكب في مدارات ثابتة نسبيًا. وعلى الرغم من الجاذبية الناتجة عن تشوه الزمكان بفعل تأثير كتلة وحجم الشمس إلا أن هذا لا ينطبق على الأجسام صغيرة الكتلة أو الحجم مقارنة بالشمس، وكمثال لذلك الأقمار التابعة للكواكب فإنها لا تنجذب للشمس بسبب صغر حجمها وكتلتها ولكن تلك الأقمار تتأثر بجاذبية الكواكب التابعة لها. أيضًا لا تنجذب الكواكب إلى داخل الشمس؛ بمعنى عدم مقدرة الشمس على ابتلاع الكواكب المحيطة بها في المجموعة الشمسية؛ وذلك لبعد الكواكب مسافة معينة عن انحناء الزمكان المحيط بالشمس؛ فالكواكب لا تنجرف إلى داخل الانحناء بل تكتفي بالدوران في المدارات المتكونة حول الشمس بفعل الموجات.

(كما هو موضح بالصورة).

ذكرنا مسبقًا أنه من مصادر الموجات الثقالية «اندماج للثقوب السوداء»، وقد كان هذا السبب في اكتشاف الموجات الثقالية حسب مرصد «ليغو»، فقد تم رصد إشارات ناتجة عن اندماج ثقبين أسودين أحدهم يقدر بـ 29 كتلة شمسية والآخر بمقدار 36 كتلة شمسية ليصبحوا ثقبًا أسود. هذه الإشارات تعبر عن مقدار التشوه الحادث في الزمكان أو ما يعرف بالموجات الثقالية. دعنا نتساءل؛ إذا كانت الشمس بكتلتها الضئيلة مقارنة بكتلة الثقب الأسود قادرة على خلق هذا الكم الهائل من التشوه (الجاذبية) وجعل الكواكب تدور حولها في نظام شمسي منسق، فلماذا لا ننجذب الى الثقوب السوداء؟

*الثقب الأسود هو منطقة في الفضاء تحوي كتلة كبيرة في حجمٍ صغير فيما يسمى بالحجم الحرج للكتلة. وينشأ الثقب الأسود عند انتهاء عُمر أحد النجوم البالغة فينفجر وينهار على نفسه ويتحول النجم من سحابة كبيرة عظيمة إلى تجمع صغير محدود جدًا للمادة المكثفة.

تنقسم الثقوب السوداء إلى عدة أقسام طبقًا لكتلتها والتي تتراوح بين إثنين إلى عدة ملايين كتلة شمسية وهي توضح كالتالي:

  1. ثقب أسود صغري يعادل 2 – 3 كتلة شمسية
  2. ثقب أسود نجمي يعادل 4 – 15 كتلة شمسية
  3. ثقب أسود متوسط الكتلة يعادل 100 – 10000 كتلة شمسية
  4. ثقب أسود فائق الضخامة يعادل عدة ملايين كتلة شمسية

ولنأخذ في عين الاعتبار أن أقرب ثقب أسود إلى الأرض هو «V4641 Sagitarii» ويبعد عنها مسافة 20.000 سنة ضوئية حسب آخر رصد له عام 2014 وحجمه يقدر بحوالي 3-4 مرات حجم الكرة الأرضية وهو صغير جدًا مقارنة بالشمس التي تقدر بـ (1.4×10 27 (متر مكعب أي ما يعادل وضع 1.3 مليون كوكب مثل الأرض داخل الشمس، وبالتالي فإن مقدار التشوه (الموجات الثقالية) التي ينتجها هذا الثقب الأسود ضئيلة جدًا مقارنة بما تنتجه الشمس وبالتالي يصعب انجذاب الأرض لهذا الثقب وتبقى في جاذبية الشمس.

الفرضية السابقة عن عدم انجذاب الأرض للثقب الأسود القريب منا لاقت رواجًا كثيرًا بين محبي الفلك والباحثين في علوم الكون إلى أن صرحت وكالة الفضاء الأوروبية قائلة «إن مجرتنا تحوي ثقبًا أسود في مركزها وهو أثقل من الشمس بأربعة ملايين مرة ومحاط بالغاز الساخن لدرجة مذهلة، وعلى الرغم من ذلك فنحن لن ننجذب له ولا يمكنه ابتلاعنا. لحسن الحظ نحن بعيدون بما يكفي عن هذا الوحش، فالأرض تتمركز في نقطة تقع على ثلثي المسافة من مركز المجرة وباتجاه الخارج كما أنه يمكننا مراقبة آثاره عن بُعد.»

وتأكيدًا لما ذكر قامت بضعة معاهد في ألمانيا بتقديم دليل قاطع على احتواء منطقة «الرامي» على ثقبٍ أسود معتمدة على المعلومات من مرصدي المرصد الأوروبي الجنوبي «إيسو» الموجود في «شيلي» و«كيك» في «جزر هاواي»، ومن المشاهدات تم استنتاج كتلة الثقب الأسود فائق الضخامة في مركز مجرتنا بما يقدر بـ 4.1 مليون كتلة شمسية! ولكن أيضًا لن ننجذب إليه طبقًا لما ورد في تصريح وكالة الفضاء الأوروبية.

فلنطمئن على أنفسنا؛ فحسب الفرضيتين المتاحتين أمامنا فنحن بمأمن عن جاذبية الثقوب السوداء.

إعداد: Mohamed Motcha

مراجعة: Mohammed Ashraf

تصميم:

المصادر:

http://sc.egyres.com/Io5bI http://sc.egyres.com/N9Q9L

http://sc.egyres.com/unrtJ http://sc.egyres.com/GIbg6

http://sc.egyres.com/Y5ZLv http://sc.egyres.com/INqnB

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي