أطلانتس. وهم أم حقيقة !

15227848_1468349469859352_1933098026_n-1

|

الطريق إلى أطلانتس يبدأ من مصر.
كل ما نعرفه عن حضارة الجزيرة الأسطورية اطلانتس يأتي من صفحات قليلة في “طيماوس وكريتياس”، وهما من “محاورات” الفيلسوف اليوناني أفلاطون الشهيرة التي كتبت في القرن الرابع قبل الميلاد. استقى افلاطون معلوماته من (طولون – Solon) المشرع و الشاعر اليوناني العظيم الذي سافر إلى مصر و التقى كهنة معبد سايس حيث حُكِى له لماذا و كيف غرقت بين ليلة وضحاها. يقول أفلاطون على لسان طولون أن أطلانتس كانت موجودة قبل 9000 سنة من عصره و شكلت قوةً بحريةً ضخمةً و حضارةً عظمى في العالم القديم، إلا أن أخلاقهم فسدت و عاثوا مفسدين في الأرض. إلى أن قرر الأطلانتيين غزو أثينا فغضبت الآلهة – وعلى رأسهم زيوس – وصبت لعنتها عليهم فانتهى بها الأمر إلى قاع المحيط. وعلى مر القرون، ناقش الكثير و الكثير من الباحثين والمؤرخين والمستكشفين إذا ما كانت أطلانتس موجودة حقًا – وإن وجدت – أين كان موقعها تحديدًا؟.

السؤال الأهم هنا: هل وجدت أطلانتس فعلا؟ أم هي مجرد بروباجاندا إعلامية من صنع الاغريق لنسب فضل لأنفسهم؟ جاءنا هوميروس قبل ذلك بملحمة الإلياذة التي حكت حكاياتٍ مليئةً بالفانتازيا و الخيال عن طروادة إلى أن جاء (هاينريش شليمان Heinrich Schliemann) فى السبعينات من القرن التاسع عشر و كشف الغطاء عن طروادة الحقيقية تحت تراب بلاد الاغريق. فهل تقبع أطلانتس فى مكان ما منتظرةً من يكتشفها؟ لم تكن أرض اليونان عامرةً منذ 11 ألف عام فكيف حدث ذلك؟ ناهيك عن كم المديح فى محاورات أفلاطون لشجاعة و نبل اليونانيين فى تخليص العالم من الأطلنتيين الأوغاد. فهل قهر أجداد أفلاطون – الاغريق الأوائل البسطاء – بمساعدة آلهة الإغريق، تلك الحضارة المتقدمة تكنولوجيًا، المنحلة أخلاقيًا، و التى سيطرت على عموم العالم القديم؟

أطلانتس فى كل مكان.

هناك العشرات من الفرضيات عن مكان قارة أطلانتس الغارقة. (تشارلز بيرليتز – Charles Berlitz) يؤكد أن القارة الغارقة كانت شرق أمريكا الشمالية وقد غرقت بسبب النشاط الغير طبيعي لمثلث بيرمودا (Bermuda Triangle) و يتساءل: لماذا إذن يحتفظ عدد من الشعوب القديمة يتسمياتٍ مشابهةٍ لقارة أطلانتس؟ هناك شعب الأطلانتس (Atlantes)أو الأطرانتس (Atarantis) في شمالي شرقي أفريقيا يتحدثون فى تقاليدهم الموروثة عن قارة تدعى أطالا (Attala) التي غرقت في البحر وستعود يومًا لتظهر مجددًا. أما شعب الباسك (Basque) وهم عشائر تستوطن جنوب فرنسا وشمال أسبانيا يتناقلون فى موروثاتهم حكاية قارةٍ غرقت في بداية الزمان اسمها أطلانتيكا (Atlaintika). أساطير البرتغال تتحدث عن قارة أطلانتيدا (Atlantida) التي كانت تقع بجوار البرتغال ثم غرقت. وكل ما تبقى من أثرها جزر الأزوريس الكائنة شمال الأطلسي غرب البرتغال. أما شعوب أيبيريا (Iberia) الذين يتركزون جنوب أسبانيا فيؤكدون أن جزر الكناري التي تقع جنوب غرب المغرب كانت جزءًا من أطلانتس وكانوا يطلقون عليها أطالايا. فضلًا عن ذلك يذكر بيرليتز أن شعوب المكسيك القديمة الأزتيك (Aztecs) أطلقوا على قارتهم الغارقة اسم أزتلان (Aztlán) والتي كانت تقع شرق المكسيك، ومن هناك ارتحل أجداد الأزتيك الأوائل هربًا من كارثةٍ ألمت بهم. و في ملحمة مهابهاراتا (Mahabharata) أو ( الهند العظيمة ) التى تضم تعاليم الفيدا (Veda) – ومعناها المعرفة – ثمة ذكر لأطالا (Attala) أو القارة البيضاء و هى قارة تقع غرب المحيط بعيدة بمقدار نصف الأرض عن الهند.

بينما يصر (تشارلز هابجود – Charles Hapgood) في كتابه “قشرة الأرض المتحركة” و الذي كتب مقدمته ألبيرت أينشتاين، أن أطلانتس ما هي إلا قارة أنتاركتيكا الحالية و التي تحركت من مكانها فى المحيط الأطلنطي باتجاه القطب الشمالي بسبب تحركات فى قشرة الأرض حدثت منذ 12 ألف عام.
نظرية أخرى – و هي أكثرهم منطقية – تدعم فرضية أن أطلانتس ما هي إلا الحضارة المينوية التي ازدهرت على الجزر اليونانية وخاصة كريت و ثيرا (التي تعرف الآن باسم سانتوريني) منذ ما يقرب من 4000 عام. كانت الحضارة المينوية من أوائل الحضارات التي ظهرت فى أوروبا. حضارةٌ عظيمةٌ اهتمت ببناء المدنِ و القصور و تمهيد الطرق وكانوا أول من استخدم الكتابة في أوروبا قاطبةً، إلا أنهم اختفوا فجأةً على صفحات كتب التاريخ. لم يُعرف سببٌ مقنعٌ لاختفائهم سوى ما يتناقله المؤرخون أنه حوالي 1600 ق. م.، هز زلزالٌ عنيفٌ الجزيرة – البركانية – ثيرا، الأمر الذي أدى إلى انفجار بركان سانتوريني و بالتبعية 10 مليون طن من الصخور والرماد والغاز في الغلاف الجوي. وكانت موجات التسونامي التي تلت اندلاع البركان كبيرة بما يكفي للقضاء على المدن المينوية في جميع أنحاء المنطقة.

احتمال آخر يطرحه الفيزيائي )راينر كون – Rainer Kuehne) أن جزيرة أطلانتس الغارقة كانت بمحاذاة الساحل الأسباني الجنوبي و قد جرفها الطوفان فى الفترة بين 800 إلى 500 قبل الميلاد. وقد أظهرت الأقمار الصناعية صورًا لكتلتين مستطيلتين فى بقعة طينية فى تلك المنطقة يعتقد راينر أنهما ربما كانتا بقايا لمعبدٍ كان قد حَكى عنه أفلاطون مسبقًا فى محاوراته.

و فى سياق آخر يظن (أولف أرلنغسون – Ulf Erlingsson)، الجيولوجي السويدي، أن المواصفات التى ذكرها أفلاطون تتطابق مع أيرلندا. البعض الآخر يرى أن أطلانتس كانت جزءًا من جزيرة (سبارتل – Spartel) وهي عبارة عن بقعة طينية ضحلة كانت قد غرقت في البحر عند مضيق جبل طارق منذ حوالي 11500 عام.

الباحث الأمريكى روبرت سارماست ذكر فى كتابه “أكتشاف أطلانتس – مفاجآت جزيرة قبرص” أنه عثر على أدلة تؤكد وجود القارة المفقودة فى مكان ما بين قبرص و سوريا وذلك بعد اكتشاف آثارٍ بشريةٍ لمستوطناتٍ بشريةٍ على عمق 1.5 كيلو متر من سطح البحر على بعد 80 كيلومترًا من الساحل الجنوبي الشرقي لقبرص. ويؤكد أن قبرص هو الجزء الناجي من الجزيرة الغارقة.

نعود إلى أفلاطون، الذي يصف قارة أطلانتس المفقودة فى محاوراته أنها كانت أكبر حجما من ليبيا و آسيا مجتمعتين. تقع فى مواجهة (أعمدة هرقل – Pillars of Hercules) بمحاذاة مدخل البحر الأبيض المتوسط وهو المكان المعروف حاليا بمضيق جبل طارق. قارةٌ ضخمةٌ تقع خلف أعمدة هرقل، تتألف من حلقات تحيط بمركزها، غنية بالذهب و الفضة و المعادن النفيسة، سكانها من نسل بوسيدون، اغتصبوا الأراضي من أفريقيا إلى مصر ومن سواحل أوروبا الغربية لليونان، ولم يستطع أحدٌ إيقافهم إلا اليونانيين أنفسهم الذين أظهروا شجاعة و فضلًا عظيمًا فحموا بذلك اليونان و مصر و بقية الدول من الاستعباد و الاحتلال.

ماذا حدث؟ لم يحدث شىء! لم تكن أطلانتس موجودة فى الأساس.

فى الواقع، لم يحدث أي شيء. هذا ما يقوله المتشككين. لم توجد أطلانتس فى الأساس بدليل أن العلم لم يثبت وجودها بناءً على تحركات الصفائح الأرضية التكتونية. مستحيل جيولوجيًا! اختفاء قارةٍ بأكملها شىءً غير وارد الحدوث طوال ماضى الأرض السحيق. رأي يدعمه العديد من المفكرين، (تشارلز أورزير – Charles Orser) أمين متحف التاريخ بنيويورك، ألبانى على سبيل المثال لا الحصر و (جيمس روم – James Romm) أستاذ الكلاسيكيات، كلية بارد بأناندال.

تساؤلات تطرح نفسها ،،،
ربما حمل أفلاطون بعض الحقيقة فى محاوراته وليس الحقيقة كاملة. ربما كانت أطلانتس أصغر حجما من واقع وصف أفلاطون كأن تكون جزيرة بحجم قبرص أو كريت و ليست قارة كاملة تشغل مساحة هائلة على سطح الأطلنطي يستحيل جيولوجيًا اختفاؤها. ربما كانت مدينةً قديمةً غرقت مع من غرقوا فى طوفان نوح؟ ربما لم تكن موجودةً فى المطلق. العشرات من الفرضيات و الاحتمالات التي إن صحت فأحدهما فقط صحيح. حتى كتابة هذه السطور لازال العلماء يبحثون عن أطلانتس ويكتبون عنها الكثير من الخيال و القليل من الحقيقة، عن حضارتها وتقدمها وشعبها من أبناء الآلهة. أولئك الذين أقاموا أكثر حضارات التاريخ غموضًا و إثارةً. الذين تزعموا العالم يومًا ما ثم ذهبوا .. وبلا عودة.

مصادر المقال :

BERLITZ, C. (1985). ATLANTIS, THE EIGHTH CONTINENT. FAWCETT.

HAPGOOD, C. H. (1958). EARTH’S SHIFTING CRUST; A KEY TO SOME BASIC PROBLEMS OF EARTH SCIENCE. NEW YORK: PANTHEON BOOKS.

KÜHNE. (2004) A LOCATION FOR ATLANTIS? ANTIQUITY 78, NO. 300

ERLINGSSON, U. (2004). ATLANTIS FROM A GEOGRAPHER’S PERSPECTIVE; MAPPING THE FAIRY LAND. MIAMI: LINDORM PUB.

SARMAST, R. (2004). DISCOVERY OF ATLANTIS: THE STARTLING CASE FOR THE ISLAND OF CYPRUS. SAN RAFAEL, CA: ORIGIN PRESS.

PLATO, & BURY, R. G. (1929). TIMAEUS = CRITIAS. HEINEMANN.

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي