أولئك الذين يقضون وقتًا كافيًا تحت سماء الليلة سيتمكنون في النهاية من رؤية شهاب أو اثنين، وهو خط من الضوء يومض عبر السماء في أقل من ثانية. الشهاب هو عبارة عن أثر متوهج ناتج عن احتراق قطعة من الحطام السماوي أثناء دخولها لغلافنا الجوي. تومض العديد من الشهب لوقت قصير نسبيًا، ولكن تومض بعض الشهب لفترة كافية تُمكننا من تتبع من مسارها القصير عبر السماء. بين الحين والآخر، ستجد شهابًا، أكثر سطوعًا من كوكب الزهرة ونادرًا أكثر سطوعًا من القمر، يضيء السماء تاركًا وراؤه أثرًا متوهجًا خافتًا قد يستمر لدقائق. في أي ليلة مظلمة على مدار العام، يمكن لأي راصد أن يتوقع رؤية ما بين شهابين إلى سبعة شهب كل ساعة. تسمى هذه الشهب بالشهب الفرادية التي تأتي من منبثق غير معروف، بشكل رئيسي من الخلفية الترابية للنظام الشمسي الداخلي.
تعريف الشهب والزخات الشهابية
في أوقات عدة على مدار العام، تواجه الأرض حشود من الجسيمات الصغيرة التي تزيد بشكل كبير من أعداد الشهب. ينتج عن هذه المواجهات الوُبول الشهابية، حيث يتمكن خلالها الراصدون من رؤية عشرات الشهب كل ساعة. قد ينتج عن اختلاف تركيزات الحشود اختلاف أعداد الشهب، في بعض السنوات، نتمكن من رؤية مئات الشهب كل ساعة. ومن حين لآخر، نشهد أحد العروض الليلة المذهلة، حيث نتمكن من رؤية آلاف الشهب لفترة وجيزة. ويشار لهذه العروض المذهلة بالعواصف الشهابية.
بسبب تأثير المنظور، تبدو الشهب التي تظهر أثناء الزخات الشهابية كأنها تنبثق من نقطة واحدة في السماء تمامًا كما يبدو الطريق وكأنه يضيق من مسافة بعيدة. عادةً، تسمى الزخات الشهابية على اسم الكوكبة التي تظهر أنها تنبثق منها. على سبيل المثال، أثناء زخة شهب البرشاويات في أغسطس، تبدو الشهب وكأنها تنبثق من نقطة في كوكبة فِرساوس. أما إذا تواجد نجم لامع بالقرب من منبثق الزخة الشهابية، فقد تسمى الزخة الشهابية على اسم النجم مثل زخة شهب الدلويات إيتا.
بداية علم الشهب
بدأ علم الفلك الشهابي في عام 1833، عندما هزت عاصفة شهابية قوية العالم. كانت تتميز هذه العاصفة الشهابية بمعدل زخ سمتي 60 ألف شهاب في الساعة. بحلول ستينيات القرن التاسع عشر، أصبح من الواضح أن العديد من الزخات الشهابية كانت سنوية، بما في ذلك زخة شهب الأسديات الضعيفة في العادة وهي التي كانت مصدر العاصفة الشهابية في ذلك الوقت، وأيضًا اتضح ان الزخات الشهابية مرتبطة بطريقة ما بالمذنبات. يعتبر علماء الفلك الآن المذنبات “كرات ثلجية متسخة” تتكون من مزيج من الغبار والغازات المتجمدة. يصبح المذنب مرئيًا فقط أثناء اقترابه من الشمس حيث تصبح المناطق الموجودة على السطح الجليدي للمذنب دافئة بدرجة كافية لتتبخر. تحمل الغازات المتبخرة المواد الصلبة الممتزجة مع الجليد الأصلي. في كل دورة حول الشمس، يقذف المذنب فيضًا من المواد. تدور الجسيمات في فيض المواد في مدارات مختلفة قليلًا عن مدار المذنب الأصلي. تكتسب هذه الجسيمات عجلة تسارعية من قوى أخرى غير الجاذبية، وتتغير هذه المدارات باستمرار مع الزمن. تصبح الفيوض الناتجة من المذنب أكثر انتشارًا مع الزمن وتفقد هوياتها الفردية. يتمركز الحطام في البداية بالقرب من المذنب، ثم ينتشر على طول مدار كل تدفق ليشكل في النهاية نطاقًا رفيعًا من الجسميات الصغيرة تصادفه الأرض كل عام. إذًا، تحدث زخات الشهب كل عام في نفس التاريخ عندما تمر الأرض عبر الفيض الشهابي الناتج عن المذنب.
نشأة الشهب
تنشأ معظم الشهب التي تُرى خلال الزخات الشهابية من جزيئات دقيقة ليست أكبر بكثير من حبيبات الرمل. عندما يدخل جسيم الغلاف الجوي للأرض، فإنه يصطدم بذرات وجزيئات الغاز المكون للغلاف الجوي. يصبح الجسيم ملفوفًا في غلاف متوهج مكون من الهواء الساخن والمواد المتبخرة من على سطحه. تصبح الشهب مرئية على ارتفاعات تتراوح بين 50 و75 ميلًا (80 و120 كيلومترًا)، أما الجسيمات الأسرع فتُرى على ارتفاعات أكبر. قد تترك الشهب الأسرع والأكثر سطوعًا وراءها أثرًا متوهجًا خافتًا يستمر لعدة ثوانٍ أو دقائق في حالات نادرة. قد تسبب الجسيمات الأكبر شهابًا متوهجًا، وهو شهاب أكثر سطوعًا من كوكب الزهرة. من حين لآخر، يتفتت الشهاب المتوهج مكونًا شرارات من حوله، ويسمى هذا النوع من الشهب بالشهب المتفجرة.
أفضل طريقة للاستمتاع بزخة الشهب هي ارتداء ملابس مريحة ووضع كرسي أو فرد ملائة في مكان مظلم ومراقبة النجوم. في أي ليلة من ليالي العام، تظهر الشهب أسرع وأكثر سطوعًا وأكثر عددًا بعد منتصف الليل. وذلك عندما يتغير موقعك إلى اتجاه حركة الأرض حول الشمس ويصطدم كوكب الأرض بالشهب رأسيًا بدلًا من التقاطها من الخلف. تحدث ذروة الزخات الشهابية في الساعات التي تمر فيها الأرض بالقرب من مدار المذنب المسبب لزخة الشهب. الظرف المثالي لأي راصد هو أن تحدث الزخة الشعابية عندما يكون منبثق الشهب في أعلى مكان في السماء خلال ساعات الصباح؛ معظم الزخات الشهابية الرائعة يجب أن يكون لديها القدرة على تلبية هذه الشروط.
ملخص موجز لأفضل الزخات الشهابية لهذا العام
شهب العوَّاء. تظهر بشكل عام بين 26 ديسمبر و6 يناير وتبلغ ذروتها في حوالي الثالث من يناير. يتراوح معدل الزخ السمتي بين 40 و100 شهابًا في الساعة. عندما تم معرفة أن الزخات الشهابية تتكرر بشكل سنوي في عام 1839، كان منبثق شهب العوَّاء في كوكبة لم تعد معروفة (كوكبة رباعي الجدار). هذه الكوكبة منقسمة حاليًا بين كوكبة العوَّاء والتنين والجاثي. بسبب الليالي الباردة في الشتاء الشمالي لا تتمكن شهب العوَّاء من استحقاق شعبيتها الحقيقية.
حتى أواخر عام 2003، كانت شهب العوَّاء هي الزخة الشهب الوحيدة التي يعد مصدرها غير معروف. لكن في ذلك العام، اكتشف علماء الفلك كويكبًا قريبًا من الأرض والذي يسمى 2003 EH1. عندما قدّر علماء الفلك السرعة النظرية ومنبثق شهب لزخة شهب افتراضية ناتجة عن الجسيمات الناتجة من الكويكب 2003 EH1، وقعت النتائج في نفس مربع شهب العوَّاء. يشك الفلكيون من أن يكون الكويكب جزءًا من تحطم مذنب ما، وأن يكون هذا الحدث هو الذي أدى إلى ولادة شهب العوًّاء.
القيثاريات. تظهر شهب القيثاريات من 16 إلى 25 أبريل وتبلغ ذروتها تقريبا في يوم 21 أبريل بمعدل زخ سمتي يترلوح بين 10 و15 شهابًا في الساعة. يقع منبثق القيثاريات بين كوكبتي الجاثي (هرقل) والقيثارة. تعود الأرصاد الصينية لهذه الظاهرة إلى سنة 687 قبل الميلاد، مما يجعل شهب القيثاريات من أوائل الزخات الشهابية المسجلة. ميز علماء الفلك القيثاريات على أنها زخة شهابية سنوية عام 1839، وفي عام 1867 تمكنوا من معرفة المذنب المسبب للزخة الشهابية وهو المذنب تاتشر. تتميز شهب القيثاريات بأنها ساطعة وسريعة إلى حد ما (48 كم/ث).
الدلويات ايتا. تعتبر شهب الدلويات إيتا أحد زخات الشهب التي تنبثق من مذنب هالي. تحدث الزخة الشهابية في الفترة من 19 أبريل إلى 28 مايو وتبلغ ذروتها تقريبا في 6 مايو مع معدل زخ سمتي من 10 إلى 20 شهابًا في الساعة. يكون رصد شهب الدلويات إيتا أفضل في نصف الكرة الجنوبي حيث يرتفع معدل الزخ السمتي إلى 50 شهابًا في الساعة. يقع منبثق هذه الزخة الشهابية بالقرب من الكويكبة التي على شكل حرف (Y) في كوكبة الدلو، ومن هنا يأتي اسم الزخة الشهابية. تم اكتشاف هذه الزخة الشهابية في عام 1870 وتم ربطها بمذنب هالي عام 1876. تتسم شهب الدلويات إيتا بأنها من أسرع الشهب (67 كم/ث) ولكنها عامًة تكون خافتة، أما الشهب الأكثر سطوعًا تظهر بلون مصفر.
الدلويات دلتا. تظهر شهب الدلويات دلتا بشكل أفضل في نصف الكرة الجنوبي بين 12 يوليو و 19 أغسطس وتبلغ الذروة حوالي يوم 28 يوليو مع معدل زخ سمتي يتراوح بين 15 و 20 شهابًا في الساعة. تتسم شهب الدلويات دلتا بسرعات متوسط (43 كم/ث) وتميل لأن تكون خافتة.
البرشاويات. من أشهر الزخات الشهابية على الإطلاق. وتعزى هذه الشهرة إلى حدوث الذروة في أواخر الصيف ولهذا يتم مراقبتها بشكل واسع. تمت مشاهدة هذا الحدث منذ القدم، حيث وجدت سجلات لهذا الحدث في الصين من عام 36 بعد الميلاد. تظهر شهب البرشاويات بين 17 يوليو و24 أغسطس. تتسم شهب البرشاويات بأنها ساطعة وتسير بسرعة تبلغ حوالي 60 كم/ث. ترتبط الزخة الشهابية بالمذنب سويفت-تاتل. تتنبأ نماذج البرشاويات بانخفاض تدريجي في النشاط مع ذروة في عام 2004.
التنينيات. يطلق على زخة شهب التنينيات أيضًا اسم الجياكوبينيات على اسم المذنب المسبب للزخة الشهابية، مذنب جياكوبيني-زينر. تنشط شهب التنينيات بين 6 و10 أكتوبر (إذا ما حدثت في الأساس) مع ذروة في حوالي الثامن من أكتوبر. في عامي 1933 و1946، سببت زخة شهب التنينيات عاصفة شهابية شديدة مع معدل زخ سمتي يتجاوز 5000 شهابًا في الساعة، أما في عام 1988، فقد وصل معدل الزخ السمتي إلى ما يقارب 500 شهابًا في الساعة فوق أوروبا الشرقية. يرتبط حدوث زخة شهب التنينيات ارتباطًا وثيقًا بقرب كوكب الأرض من مدار المذنب. وفقًا لدونالد يومانس، خبير المذنبات في مختبر الدفع النفاث في باسادينا، كاليفورنيا، تحدث أكثر الزخات الشهابية الشديدة عندما تمر الأرض في مدار المذنب في غضون عدة أشهر من مروره. تتسم شهب التنينيات بسرعتها البطيئة (20 كم/ث) وخفوتها النسبي.
الجباريات. تنشأ شهب الجباريات من حطام مذنب هالي مثل شهب الدلويات إيتا. تم اكتشافها في عام 1864، ولكن تم ربطها مع مذنب هالي في عام 1911. تظهر شهب الجباريات بين 2 أكتوبر و7 نوفمبر، مع ذروة في حوالي 21 أكتوبر. تتسم شهب الجباريات بأنها من أسرع الشهب مع سرعة تقدر بحوالي 67 كم/ث، وعادة ما تكون شهب الجباريات أقل سطوعًا نسبيًا.
الثوريات. تظهر شهب الثوريات بين 1 أكتوبر و25 نوفمبر مع فترة ذروة طويلة بين 3 و5 نوفمبر مع معدل زخ سمتي أقل من 15 شهابًا في الساعة. تنتج شهب الثوريات من المذنب إنكه، وتم اكتشافها لأول مرة في عام 1869 وتم ربطها بمذنب إنكه في عام 1940. تتسم شهب الثوريات بسطوعها الخافت وسرعتها البطيئة نسبيًا (30 كم/ث) لأنها تقترب من الأرض من الخلف.
الأسديات. تظهر شهب الأسديات بين 14 و21 نوفمبر، وتبلغ ذروتها في يوم 17 نوفمبر مع معدل زخ سمتي يتراوح بين 10 و15 شهابًا في الساعة وتترك نصف هذه الشهب أثرًا قد يستمر لدقائق. نظرًا لأن الأرض تصطدم بالجسميات المدارية المسبببة لشهب الأسديات رأسيًا، فإن شهب الأسديات تعد من أسرع الشهب على الإطلاق مع سرعة تبلغ حوالي 71 كم/ث. من مميزات شهب الأسديات الأكثر بروزًا أنها تنتج عواصف شهابية دورية عندما تمر الأرض عبر فيض شهابي كثيف الناتج من مذنب تيمبل-تاتل. مر كوكبنا عبر الفيض الشهابي الناتج من تيمبل-تاتل سنويًا في الفترة بين عامي 1998 و2003. تظهر نمذجات الكمبيوتر أن كوكب المشترى هو المتسبب في عدم مرور كوكب الأرض في هذا الفيض الشهابي حتى عام 2098 بسبب جذبه للجسيمات في الفيض الشهابي. ونظرًا لأن الفيض الشهابي قد تكون في عام 1933، فإن أصغر جسيماته فقط هي التي تمكنت من الانجراف إلى مسار تتقاطع فيه مع الأرض. ولهذا إذا ما حدثت عاصفة شهابية مجددًا، فإنها ستكون مليئة بالشهب الخافتة.
التوأميات. تنشط شهب التوأميات بين 7 و 17 ديسمبر وتبلغ ذروتها بالقرب من 13 ديسمبر مع معدل زخ سمتي يتراوح بين 80 و100 شهابًا في الساعة. ولأن التوأميات تتقاطع مع مدار الأرض بالقرب من الجانب المعاكس للشمس، فإن هذه الزخة الشهابية تكون جيدة للرصد قبل منتصف الليل. تنبثق التوأميات من كويكب فيثون الذي تم اكتشافه عام 2003.[1]