باميلا ترافيرز: ليس كل كُتَّاب أدب الأطفال سعداء

باميلا ترافيرز

ماذا كان حلمُ الطفل في أوائل القرن العشرين؟ لعبةٌ جديدة؟ رحلةٌ لحديقةِ الحيوان؟ أو ربما.. مربيةٌ سحريةٌ تُحلِّق؟ يبدو الخيار الأخير الأكثر إثارةً بالتأكيد. وبالفعل، خلقت المؤلفة باميلا ترافيرز (بالإنجليزيَّة: Pamela Travers) تلكَ المربيةَ السحرية، فقد أرادت خلق شخصيةٍ لا مثيل لها، شخصية اجتاحت الرياح الشرقيّة، وحوّلت الفوضى إلى نظامٍ؛ باستخدام طرق مختلفةٍ، ومشكوك فيها في كثيرٍ من الأحيان. وهُنا، وُلدت ماري بوبينز (بالإنجليزيَّة: Mary Poppins).

تُمَثِّل ماري بوبينز شيئًا مختلفًا، شيئًا يُشبه الحُلم. فهي قادرةٌ على خلقِ مغامراتٍ للأطفال في غمضةِ عين، على الرغم من أنها قد لا تكون -بشكلٍ خاص- متحمسةً في بعض الأحيان.

ولكن ما الذي يجعلها جذابةً كذلك على الرغم من عدم ودها وحتى موقفها البارد؟
يَكمُن الجواب في دورها في خلق النظامِ من الفوضى، وخلق الفوضى من قلبِ النظام. إنَّها طريقتها في تغيير عالم معظم الناس التي تعرفهم، وقلبها رأسًا على عَقِب.

من المُحَير خَلقُ مثل هذه الشخصية. فكيف يمكن لشخص في أوائل القرن العشرين التفكير في خلق امرأة لديها كل هذه القوة والسيطرة؟ ربما لم تكن المرأة القوية هدف المؤلّفة، ربما أرادت فقط خلق شخصية تساعدها في نشأتها الصعبة.[1]

«ألا تعرف أن لكلِ شخصٍ دُنيا خيالية خاصة به؟»

– باميلا ترافيرز على لسان ماري بوبينز.

طفولة باميلا ترافيرز

وُلدت باميلا ترافيرز في ماريبورو، كوينزلاند باسم هيلين لندون غوف (Helen London Goff) في عام (1899). ومن ثمَّ، انتقل والدها -ترافرز روبرت غوف- مع العائلة إلى مجتمع ألورا الصغير في دارلينج داونز في عام (1905)، حيث مات بسبب مرض السل في عمر الثالثة والأربعين. وبعدها، انتقلت باميلا وعائلتها مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى بورال في نيو ساوث ويلز.[2]

تقول فاليري لوسون (Valerie Lawson)، مؤلفة السيرة الذاتية الوحيدة لباميلا ترافرز، أن سبب الوفاة يرجع إلى نوبةِ صرع، ولكن تقول باميلا: «أومن دائمًا أن السبب الأساسي كان شرب الخمر بكثرة».

تولت والدتها مارجريت، والتي كانت جميلة وعديمة الرحمة، على عاتقها المسئولية لبضع سنوات. ثم، عندما كانت هيلين في العاشرة من عمرها، فعلت ما لم يكن من المفترض أن تفعله الأم.. استسلمت.

ففي إحدى الليالي وسط عاصفة رعدية، تركت مارغريت لهيلين مسؤولية رعاية الطفلين الصغيرين، وأخبرتها أنها ستغرق نفسها في خليجٍ قريب.

كامرأة عجوز، كتبت ترافرز عن تلك التجربة المرعبة:

«نظرَ الصغارُ إليّ جاحظين أعينهم -كنا نُسميهم الصغار- أدركنا أن الطفل الأكبر سنًا، مهما كان صغيرًا، لا يستطيع أن يختبر الراحة التي يشعر بها الصغار».

أشعلت هيلين النار ثم استلقوا جميعًا على سجادة الموقد، وراحت تُخبرهم قصة عن حصانٍ سحري يُحلق، حينها طرح الصغار أسئلة متحمسة:

«هل يستطيع أن يحملنا نحن الثلاثة على ظهره إلى أرضٍ لامعة؟».

وأثناء محاولتها صرف انتباه أشقائها عن قلقها من المستقبل، كتبت لاحقًا:

«ماذا يحدث للأطفال الذين فقدوا كلا الوالدين؟ هل يذهبون إلى دور الرعاية، ويرتدون أثوابًا مطرّزة تطريزًا رائعًا حقًا؟».

إن هذا المأزق -مصير الأطفال الذين لا يستطيع آباؤهم الاعتناء بهم- يطاردها لبقية حياتها.

عادت مارغريت في تلك الليلة، بعد عدم نجاحها في محاولة الانتحار. ولكن اتخذت هيلين قرارها؛ لم تعد تثق بوالدتها، بل ونقلت كل ثقتها إلى عمتها العظيمة، وهي هيلين مورهيد أو العمة إيلي، كما كانت تُنادى، حيثُ كانت تتولى قيادة كل من حولها، وكان لطفها يتنكر في هيئة شراسة خوفًا من حرج الاعتراف بها.[3]

خلق ماري بوبينز

خَلقت ترافرز ماري بوبينز من مشاعرها تجاه والدتها وعمتها إيلي؛ فبينما المشاعر التي كانت لديها تجاه والدتها كانت سلبية؛ وأدت إلى الشعور بالابتعاد عنها، ومشاعرها ناحية العمة إيلي كانت أكثر ايجابية؛ فأدى هذا الخليط من التجارب المختلفة، والمشاعر المختلطة لترافرز إلى خلق ماري بوبينز.

وكانت نشأة هذه الشخصية جزءًا من آليات الدفاع لدى ترافيرز في معالجتها لمشكلة عدم وجود أم في حياتها؛ لذا جعلت ماري مربية بدلًا من الأم. فيختلف دور المربية اختلافًا كثيرًا عن دور الأم؛ حيث وجدت ترافيرز في تلك المربية وسيلةً للتعبير عن مشاعر معينة كانت مدفونة في عقلها؛ وخلقت الأم التي لم تجدها في الحقيقة.

وبالمثل، خلقت ترافرز الأب الذي كانت تريده دائمًا في السيد بانكس؛ فعكست صفات والدها الإيجابية على الشخصية. وهنا استخدمت آليات الدفاع بطريقة إيجابية؛ حيث أرادت ترافرز رفع أبيها إلى مستوى أعلى، وأفضل مما كان عليه في الواقع.  وهذا كان مثيرًا للإعجاب للغاية؛ لأنها استخدمته كمصدر إلهام؛ لأنها كانت صغيرة جدا عندما مات. وقد خلقت من السيد بانكس شخصية الأب الذي كانت تريده دائمًا، وهو الأب بدون مشاكل الكحول.[4]

حياة باميلا ترافيرز الشخصية

لم تتزوج باميلا ترافرز أبدًا، لكنها كانت مرتبطة بشكل رومانسيّ مع كلٍّ من الرجال والنساء. تبنّت ابنًا من أحد معارفها الفقراء من ييتس. وكان فردًا له توأم، وأخبرته أنها كانت والدته بالولادة، ولم يُكتشف كذبها إلا حينما أصبح عمره 17 عامًا، عندما ظهر توأمه عند الباب.[5]

باميلا ترافيرز في السينما

في عام (2013)، ظهر فيلم (Saving Mr Banks) الذي يحكي عن محاولة (والت ديزني) إقناع باميلا ترافيرز بتحويل ماري بوبينز إلى فيلم سينمائي مع انعكاس ذلك على تذكرها لطفولتها، وعلى اتخاذ قرارها. ولَقِيَ الفيلم استحسانًا من قبل المشاهدين والنقاد.[6]

وبالرغم من النجاح الهائل لماري بوبينز وانتشارها بين الأطفال والكبار على سواء، إلا أن ذلك لم يُنسِها ما عانته في طفولتها، لكنها كانت قادرة على تحويل هذه المعاناة إلى فن ينشر البهجة، ويصبح جزءًا من طفولتهم السعيدة التي لم تنعم بها باميلا يومًا.

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي