استحضرت توني موريسون روحَ فتاةٍ سوداء تحلمُ بالعيونِ الزرقاء، أمٌّ عبدة تقتلُ ابنتَها؛ لتنقذَها من العبودية، وشخصياتٍ أخرى لا تُمحى ساعدت بدورها في تغييرِ قانونٍ أدبيٍّ أُغلقَ لمدةٍ طويلة في وجه الأمريكيين من أصلٍ أفريقيّ.
نشأة توني موريسون
ولدت موريسون -كواحدةٍ من أربعةِ أطفال- باسم «كلوي أرديليا ووفورد» ببلدةِ لوراين في ولايةِ أوهايو في 18 فبراير عام 1931. كان والداها جورج وورفورد، وراما ويليس أصلهما من الجنوبِ. بينما وُلدَ جدُها في العبودية، فقد عملَ والدُها بوظائفٍ مختلفة من ضمنها: غاسل سيارات، ولحام، وعامل بناء. وانتقلت العائلةُ بشكلٍ مستمر. وفي سن 12 عامًا، تحولت موريسون إلى الكاثوليكيّة -طائفةً يؤمنُ بها فرعٌ من عائلتِها الممتدة- واتخذت اسم أنتوني كاسمها المعموديّ، وللاختصار أصبحت توني.
عاشت موريسون -التي توفيت عن عمرٍ يناهز 88 عامًا يوم 5 أغسطس عام (2019)- طفولةً فقيرة في ولايةِ أوهايو الفولاذية، وبدأت الكتابةَ أثناء الوقت الذي وصفته بالوقتِ المسروق كأمٍ عازبة، وأصبحت أولَ امرأة أفريقيّة تحصلُ على جائزةِ نوبل في الأدب. لقد وضعت الأمريكيين من أصلٍ أفريقيّ -خاصة النساء- في قلبِ كتاباتها في الوقتِ الذي تم تنحيتهم فيه إلى الهوامشِ في كلاً من الحياةِ، والأدب. لم يتم الإشادةُ بشعريّةِ لغتها فقط، ولكن كان لها الفضلُ أيضًا في توصيلِ طبيعةِ حياة السود في أمريكا بشكلٍ قوي -أكثر من أي روائيّ قبلها- من العبوديةِ إلى عدمِ المساواة التي استمرت لأكثرِ من قرنٍ بعد انتهاءِ العبودية.
صوت لقصص الأفارقة
من بين أعمالها الأكثر شهرةً رواية «محبوبة-Beloved» عام 1987، التي حازت على جائزةِ البوليتزر، وتحولت لاحقًا إلى فيلمٍ بطولة أوبرا وينفري. عرفت تلك الروايةُ ملايينَ القراء على (سيث)، وهي أمٌ عبدةٌ تطاردُها ذكرى ابنتِها التي قتلتها، بعد أن حكمت أن الحياةَ في العبودية أسوءُ من عدمِ وجودِ حياةٍ على الإطلاق. وعلى غرارِ العديد من شخصياتِ موريسون كانت سيث مُعذبةً لكن نبيلةٌ، ووصفت المؤلفة شخصياتها بأنهم:«غير مُتاحين للشفقة».
بعيدًا عن أدبها الخاص، كان لموريسون الفضلُ في إعطاءِ صوت لقصصِ الأفارقة من خلالِ عملها كمحررةٍ في راندوم هاوس، ابتداءً من أواخرِ الستينات في القرنِ الماضي. وقالت أنها «دفعت ثمنًا باهظًا» لمغادرةِ بلدة لوراين التي نشأت بها، من أجلِ مهنةٍ في مجتمعٍ أبيض لم يُرحب بها فيه. لكنها أرادت المشاركةَ في خلقِ «قانونٍ لأعمالِ السود» على حدِ قولها. وأثناء تربيتها لولدين ومتابعةِ كتاباتها الخاصة في ساعاتِ ما قبل الفجر، قامت برعايةِ الأعمالِ المطبوعة التي من ضمنها سير ذاتيّة للملاكم (محمد علي)، والناشطة السياسيّة (أنجيلا دافيس).
كما ساعدت موريسون في جمعِ كتاباتِ المؤلفين الأفريقيين بما فيهم تشينوا أتشيبي، وولي سوينكا. كما أشرفت على نشرِ «الكتاب الأسود-The Black Book» عام 1974، الذي يعدُ التوثيق الأكثر مبيعًا لحياةِ السود في أمريكا، والذي تضمنَ إعلانات لبيعِ العبيد، وصور عملياتِ الإعدام، وصور الكنائسِ، والأماكن الروحيّة الأخرى التي ساعدت على دعمِ المجتمعات السوداء.
بالإضافة إلى واجباتها كأستاذةٍ في جامعتي ييل وبرينستون، كانت موريسون كاتبةً ومحاضرةً تركزُ بقوةٍ شديدة على العرقِ، ودورِه في أحداثِ عصرها. التحقت بجامعةِ هاورد في واشنطن، وحصلت على درجةِ البكالوريوس في اللغة الإنجليزية عام 1953، وبعد عامين، حصلت على الماجيستير في اللغة الإنجليزية من جامعة كورنيل. وبعدها بوقت قصير، انضمت إلى كلية هاورد، وكان من ضمنِ طلابها (ستوكلي كورمايكل) الناشطة في مجال الحقوق المدنيّة.
أثناء وجودها بهارفارد، تزوجت من مهندس جامايكيّ يُدعى (هارولد موريسون). وحظيا بولدين لكن زواجهما كان غيرَ سعيدٍ، وأوضحت توني أن السبب يكمنُ في «إن النساءَ في جامايكا خاضعاتٌ جدًا في زواجهم». بعد الطلاق، انتقلت موريسون إلى سيراكيوز بنيويورك مع ولديها، حيثُ أصبحت محررةً للكتبِ قبل إنضمامِها إلى مقرِ راندوم هاوس في نيويورك.
أعمال أدبيّة
أثناء حزنها، بحثت توني عن الهروبِ من خلالِ الكتابة. إحدى قصصها المُبكرة كانت عن فتاةٍ سوداء تتوقُ إلى الحصولِ على عيونٍ زرقاء. شكلت هذه القصة أساسَ روايتها الأولى «العين الأشد زرقة-The Bluest Eye» عام 1970. وتناولُ كتاب موريسون التاليّ تحت عنوانِ «سولا-Sula» عام 1973 حياةَ امرأتين من مجتمعٍ أسود يُسمى القاع، يختلفان في صداقتِهما التي استمرت لعقود. في هذا العمل وغيره من الأعمال، قالت موريسون أنها حاولت استحضارَ شعورَ الأخوة بين النساءِ السود.
وقالت:
«إن الأمر كان بالغَ الأهمية بين النساء السود؛ لأنه لم يكن هناك شخص آخر، لقذ أنقذنا حياةَ بعضنا البعض لأجيالٍ. حين كنت أكتب «سولا» تحدثت عن علاقةٍ انهارت؛ لأنني أردت للقارئ أن يفتقدَها.»
غامرت موريسون في خبرةِ الرجال السود في روايةٍ بعنوان «نشيد سليمان-Song of Solomon» عام 1977، وهي ملحمةٌ عائليّة تتركزُ على (ماكون ديد) المعروف باسم (ميلكمان) الذي يبحثُ عن هويتِه من خلالِ نسل عائلته. وقد قورنت الروايةُ -المشهود لها على نطاق واسع- بقصتِها بعيدة المدى مع روايةِ «مائة عام من العزلة» لـ(جابرييل جارسيا ماركيز).
وبعد «نشيد سليمان»، جاءت روايةُ «طفل القطران» عام 1981 التي دارت أحداثها في جزيرة كاريبيّة، ثم ظهرت للنور رواية «المحبوبة». التي استُلهمت من القصةِ الحقيقيّة لعبدةٍ هاربة، اسمها (مارجريت جارنر) والتي تم القبض عليها أثناء هروبِها من ولايةِ كنتاكي إلى الحرية في ولاية أوهايو في خمسينيات القرن التاسع عشر، حيث ذبحت ابنتَها البالغة من العمر 3 سنوات قبل إعادتِها إلى سيدها.
«أردتُ ترجمةَ التاريخ إلى شيءٍ شخصيّ. لقد قضيت وقتًا طويلاً أحاولُ معرفةَ كيف للعبوديةِ أن تكون بغيضةً جدًا، شخصيّةً جدًا، حياديّةً جدًا، حميميّةً جدًا، وفي نفس الوقت عامةً جدًا.»
توني موريسون
تم الإشادة بـ«المحبوبة» كواحدةٍ من أهمِ أعمال القرن. في عام 1988، قدم 48 كاتبٌ أفريقيٌّ -من ضمنهم (مايا أنجلو، وأليس ووكر، وإرنست ج.جينز)- رسالةً مفتوحة لمجلةِ نيويورك تايمز معترضين على حقيقةِ أن موريسون لم تحصل بعد على جائزةِ الكتاب الوطنيّ أو البوليتزر. في ذلك العام، ذهيت البوليتزر إلى رواية «المحبوبة». وعام (1993)، حصلت موريسون على جائزةِ نوبل في الأدب.
من روايات (موريسون) اللاحقة:
- رواية «جاز-Jazz» عام 1992 التي تدورُ أحداثُها في حي هارليم بنيويورك خلال العشرينيات من القرنِ الماضى.
- «الفردوس-Paradise» عام 1997 التي تقعُ أحداثُها في بلدةٍ يسكنُها السودُ فقط في غربِ الولايات المتحدة الأمريكيّة.
- «الحب-Love» عام 2003 التي تتحدثُ عن العديد من الحيواتِ التي تأثرت بموتِ مالك الفندق.
- «الرحمة-A Mercy» عام 2008 التي تعدُ استكشافًأ للعبوديّةِ الأمريكيّة المبكرة.
- «الوطن-Home» عام 2012 التي تمثلُ حياة أحد المحاربين القدامى في الحرب الكوريّة.
- «فليكن الله في عون الطفل-God Help The Child» عام 2015 وهي قصةُ امرأةٍ سوداءٍ تتعرضُ للرفضِ؛ بسبب درجةِ بشرتها، وتتناولُ التأثيرات بعيدة المدى لآلامِ الطفولة.
احتوت أعمالُ أخرى لموريسون على مسرحيةٍ بعنوان «إيميت الحالم-Dreaming Emmet» المكتوبة في الثمانينات من القرنِ الماضي عن إعدام (إيميت تيل) عام 1955. وكتبت نصًا شعريًّا لأوبرا «مارجريت جارنر-Margret Garner» من تأليف (ريتشارد دانييلبور) عن العبدةِ التي ألهمت «المحبوبة». كما شاركت في تأليفِ كتب للأطفالِ مع ابنها (سلايد موريسون) الذي توفى جراء سرطان البنكرياس عام 2010.
من أجل الاستكشافِ الكامل للعرقِ في أعمال موريسون، وصلت واحدةٌ من أهم رسائلها من خلالِ عدم ذكرها. ففي روايةِ «الفردوس»، أجبرت توني موريسون القراءَ على تخمينِ أيّة شخصيةٍ تُمثلُ السيدةَ البيضاء التي ذُكر مقتلَها مُسبقًا في الكلماتِ الأولى للكتاب.
وقالت موريسون:
«لقد فعلت ذلك عن عمدٍ، أردت للقراءِ أن يتسائلوا عن عرقِ هؤلاء الفتيات؛ حتى يُدركوا حقيقةَ أن عرقَهم لا يُهم. أريدُ حثَ الأشخاص على عدمِ قراءة الأدب بهذهِ الطريقة. العرقُ أقلُ معلومةٍ يمكنُ الاعتمادُ عليها في معرفةِ شخصٍ ما. بالطبع هي معلومةٌ حقيقيّة، لكنها لا تُخبرك أي شيءٍ تقريبًا.»