إذا شعُرت بأحد هذه الأعراض: حرارة مرتفعة، سعال، رشح من الأنف وضيق في التنفس، ففي الغالب أول ما سيطرأ في ذهنك هو أخذ جرعة عاجلة لمضادٍ حيوي لكي تريحك من تلك الآلآم كافة. فهي وسيلة ناجحة اعتدناها في العلاج من الأمراض الموسميّة المُعديّة علي وجه الخصوص. لكن، بعد ظهور فيروس كورونا المٌستجد، ربما تحتاج إلى إعادة التفكير مرة أخرى!
التاريخ العلاجي للمضادات الحيوية
اهتدى القدماء المصريون والإغريقيون والطب الصيني، إلى استخدام بعض المواد الطبيعية كالأعشاب ومستخلصاتها وذالك لقدراتها العلاجية لبعض المشاكل الصحية التي كانوا يتعرضوا لها. ولعصور لاحقة، أثبتت فعاليتها ضد العديد من الالتهابات وبعض الأمراض كالملاريا التي انتشرت في القرن السابع عشر، حيث كان أحد وسائل علاجها الفعّالة أنذاك هو استخدام لُحاء شجر الكينا (بالإنجليزيَّة: Eucalyptus).
في أوئل القرن العشرين، اكتشف الطبيب الألماني باول ايرلخ مادة كيميائية تُسمّى ارفينامين (بالإنجليزيَّة: Arsphenamine) لها القدرة على علاج مرض الزهري. صُنِفت هذه المادة لاحقًا كأول مضاد حيوي يُكتشف في العصر الحديث. وبعد حوالي ثلاثين عام، ظهرت كلمة مضاد حيوي لأول مرة على يد المخترع وعالم الميكروبات الأمريكي-الأوكراني سلمان واكسمان. الذي اكتشف أكثر من عشرين مضاد حيوي طيلة حياته.
عام 1928، اكتشف ألكسمدر فليمنج البنسلين، والذي كان له دور كبير في علاج العديد من أمراض العدوي البكتيريّة. والذي نال من أجله جائزة نوبل عام 1945. إلى أن وصلنا إلى العصر الذهبي لاكتشاف المضادات الحيوية، في الفترة مابين 1940 وحتى 1962. حيث تم اكتشاف معظم المضادات الحيوية التي تُستخدم حتى وقتنا الحالي(1).
السلاح الدفاعي الأول للجسم.. الجهاز المناعي
عند مهاجمة ميكروب خارجي لجسم الإنسان، يستجيب الجهاز المناعي للجسم المتمثل في كريات الدم البيضاء بمهاجمته على الفور، والذي ينجح في العادة في التغلب عليه في وقت قصير. إلا أنه في بعض الإصابات البكتيريّة، قد تتزايد أعداد البكتيريا بشكل مُفرط، وهنا يكون الخيار الأمثل استخدام المضادات الحيوية. وهي عبارة عن مواد كيميائية لها تأثير مباشر على البكتيريا إما بقتلها مباشرة عن طريق اِختراق جدارها أو قتل محتويات خليتها، وهذا النوع يُسمّى (Bactericidal antibiotic) مثل البنسلين. أو تمنعها من التضاعف (Bacteriostatic).
وكما ذكرنا، فإن تأثير المضادات الحيويّة يكون على البكتيريا فقط. لذ يجب معرفة نوع الإصابة الميكروبية لتجنب تناول أي مضادات. إذ أن أخذها دون وعي قد يسبب الكثير من الأضرر كقتل البكتريا النافعة داخل الجسم (الميكروبيوم)، والأسواء اكتساب البكتيريا الضارة مناعة ضد المضادات الحيويّة (Antibiotic Resistance). وبهذا تكون فقدت كل السبل المتاحة لإيقاف العدو، الأمر الذي سيزيد من صعوبة مقاومة هذه البكتيريا، وقد يسبب أضرار جسيمة.
يختلف تركيب الفيروس وطريقة حياته تمامًا عن البكتيريا. إذ يتكون الفيروس من حمض نووي (DNA) أو (RNA) محاط بطبقة من البروتين كحماية. وبالتالي لا يوجد جدار خلوي يمكن مهاجمته أو آليّة تضاعف محددة يسهل ايقافها. وعلى خلاف البكتيريا التي تتضاعف وتهاجم خلايا الجسم، تنسخ الفيروسات صور من حمضها النووي داخل الخلايا الحية وبرمجتها لتنتج الخلية نفسها فيروسات جديدة. لذالك، لا يمكن للمضادات الحيوية أن تؤثر على الفيروسات أبدًا. بل يجب ترك الجهاز المناعي ليطرد هذه الفيروسات. قد يستغرق الأمر بعض الوقت، إلا أن بعض الراحة مع كثرة شرب السوائل الدافئة، مع أخذ الأدوية التي تخفف من الأعراض -دون أن تؤثر على الجهاز المناعي- وفي بعض الحالات الحرجة إذا لم يحدث تحسّن، قد تُوصف أحد مضادات الفيروسات من قِبّل الطبيب لتقليل فترة وجود الفيروس داخل الجسم أو إيقاف تضاعفه. إلا أنه لا ننصح عادةً بأخذها عند وجدود أعراض طفيفة، إذ يكون لها تأثير ضار أكثر من نفعها(2).
المضادات الفيروسيّة، وآمال جديدة لاكتشاف المصل
بسبب عدم اكتشاف علاج نهائي لعلاج الفيروس بعد، تُقدّم حاليًا وسائل العناية المكثفة للحالات المصابة بالفيروس، وهي نفس الطريقة المتبعة في حالات مرضى الأنفلونزا الموسميّة، والأمراض التنفسيّة الأُخرى. حيث تعتمد هذه الوسائل على معالجة الأعراض، والتي تشمل -في حالة إصابات كورونا المٌستجد المتقدمة- حمى، سعال وضيق في التنفس. أما بالنسبة للحالات الأوليّة، فيُكتفى بالراحة التامة وإعطاء بعض الأدوية المٌخفِّضة للحمى كأدوية الأسيتامينوفين (بالإنجليزيَّة: Acetaminophen) فقط (2).
يقول عالم الفيروسات ابنزر تومبانمن معهد ميتشيجن التقني:
«في المستشفيات، يقوم الأطباء والممرضين بمعالجة مصابي الفيرس ببعض مضادات الفيروسات كالاوسلتامنفير (بالإنجليزيَّة: Oseltamivir) أو التاميفلو (بالإنجليزيَّة: Tamiflu)، والتي تبيّن نجاحها في كبح تضاعف الفيروس عند بعض الأشخاص. وهو أمر مذهل، حيث أن عقار التاميفلو قد صُنِع لمهاجمة إنزيم خاص لفيروس الإنفلونزا وليس كورونا المٌستجد»(4).
في الخامس والعشرين من فبراير الماضي بدأت معاهد الصحة القومية في أمريكا بعض المحاولات لاختبار مضاد الفيروسات ريمديسايفر (بالإنجليزيَّة: Remdesivir). وفي الصين، أوضحت مجلة ناتشر للبايوتكنولوجي أن الأطباء يختبرون أيضًا تأثير عدد من مضادات الفيروسات الخاصة بالإيبولا والأيدز، وتجربتها على مُصابي كورونا المُستجد.
في الحالات التي يحدث لها صعوبة في التنفس، يتم تزويدهم بأجهزة تنفس صناعية لضخ الهواء داخل الرئتين، وإعطائهم بعض العقارات كالجلوكوكورتيسويد (بالإنجليزيَّة: Glucocorticoids) لنسبة من المرضى، إذ يساعد في تقليل الالتهابات الرئويّة ومساعدة دخول الهواء بشكل أفضل.
عادةً، مايستغرق إنتاج مصل لفيروس جديد فترة مابين 15 ل 20 عام. حيث يتطلب الأمر اختبار المصل على الحيوانات أولًا لتٌختبر مدى سلامته، وتأثيره على القضاء على الفيروس. وبعد اجتياز العديد من الاختبارات على الحيوانات وتعديلها في كل مرة، يمكن أخيرًا إنتاج أول عينة وبدء اختبارها على مجموعة من البشر. لكن الوضع الحالي، لا يسمح لإجراء كل هذه المراحل وكل هذا الوقت، إذ قد يؤدي لانتشار المرض بصورة كارثية.
لذالك، في الرابع عشر من مارس الماضي، لجأت شركة دوائية في سياتل بولاية واشنطن الأمريكية، إلى بدء اختبار عينات مصل لفيررس كورونا -أُنتجت حديثًا- على بعض المتطوعين، أنتجتها شركة موديرنا (Moderna) الدوائيّة. إلا أن هذه الخطوة أصابت العديد من خبراء البايوتكنولوجي بالقلق، حيث قد تم تخطى العديد من المراحل الضرورية لإنتاج مصل يمكن تجربته على البشر. حيث لم تُختبر على الحيوانات، وبالتالي لم يمكن معرفة استجابة الجهاز المناعي للمصل.
لكن الباحثين في شركة مودرنا أكدوا أنه لا داعي للقلق، حيث أن هذا المصل ليس مخصصًا لفيروس كورونا المٌستجد؛ بل أنهم استخدموا أسلوب جديد لصنع حمض نووي (mRNA) شبية بالموجود في فيروس سارس. ومن المتوقع نظريًا أن يحفز هذا الحمض النووي الخلايا على إنتاج نوع من البروتين- هذا البروتين هو نفسه الذي يغلف فيروس كورونا المُستجد- والذي من دوره ينبه الجهاز المناعي فورًا لمهاجمته.
من المهم معرفة أنه في الغالب تُستخدم نفس الطريقة عن محاولة كشف مصل لفيروس حديث، إلا أنه يجب تصنيع بروتين هذا الفيروس أولًا معمليًّا، وهي فترة مجدة وتحتاج الكثير من الوقت. لهذا لجأ الباحثون في شركة مودرينا لهذه الطريقة لتقليص الزمن المطلوب لإنتاجه(3).
في ظل هذا التفشي المروّع لفيروس كورونا المُستجد على مستوى دول العالم في وقتٍ قصير، تعتبر المجهودات المبذولة من قِبل حكومات الدول ومنظمة الصحة العالمية للحدّ من انتشار الفيروس هي السلاح الوحيد الفعّال لمُحاربة انتشاره. وبين آمال وأخرى، يراقب العالم أجمع الأبحاث والمحاولات التي تجري حاليًا من قِبّل الباحثين في كل دول العالم لاكتشاف حل أخير لهذا الفيروس. على أمل أن يمكن أحدها من إنقاذ البشرية وتخليد اسمه في صفحات التاريخ الحديث.
المصادر:
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث
المصدر الرابع