كـيف يــعمل مـصادم الـهادرونات الـكـبـيـر؟ (الجزء الثاني من LHC )

Work-under-way-on-the-LHC-012

||

في المرة السابقة إستعرضنا في نبذة مختصرة نماذج الذرة وتركيبها وفقاً لفيزياء الجسيمات، وذكرنا أننا كي نستطيع أن ندرس مكونات الذرة فإن أنسب طريقة لفعل ذلك هي بتحطيم الأنوية فيما يسمي بمعجلات الجسيمات وأن أشهر تلك المعجلات هو مصادم الهادرونات الكبير في سيرن، كما ذكرنا ما يأمل العلماء تفسيره ومعرفته من تجارب المصادم الضخمة تلك . لنبدأ هذه المرة مع كيفية عمله .

كـيف يــعمل مـصادم الـهادرونات الـكـبـيـر؟ .

«مصادم الهادرونات الكبير-Large Hadrons Collider» آله ضخمه جداً تتكون في مجملها من ثمانيه قطاعات، محيط المصادم طوله 27 كيلو متراً أي 16.8 ميل، وأنابيب تعجيل الهادرونات وغرف الصدامات تقع علي عمق 100 متر تحت الارض ، أي ما يعادل 328 قدم، يستطيع العلماء والمهندسون دخول النفق عن طريق النزول بإستخدام مصاعد وسلالم موضوعه في عدة نقاط علي محيط المصادم. قامت سيرن ببناء بضعة مباني فوق الأرض، حيث يستطيع العلماء بها تحيل البيانات القادمة من تجارب المصادم .
يستخدم المعجل المغانط «magnets» لكي يعجل ويوجه حزم البروتونات بسرعه تبلغ 99.999999 % من سرعه الضوء، تلك المغانط في الحقيقة كبيرة جداً والكثير منها يزن عدة أطنان. هناك حوالي تسعه الاف وستمائة 9600 من المغانط في المصادم وهو رقم هائل كأغلب ارقام المصادم الهائلة. يتم تبريد المغانط إلي درجة منخفضة تبلغ 1.9 درجة كلفن أي ما يعادل – 271.25  سليزيوس او – 456.25 درجه فهرنهايت وهذه الدرجة أبرد من الفضاء خارج الارض .
بالحديث عن أنابيب التعجيل الفارغة التي تمر فيها البروتونات والتي تُدعى «ultra-high vacuum» فإن السبب في تفريغ الأنابيب هذه هو تجنب وجود أية جسيمات قد تصطدم بإحدي حزم البروتونات قبل تعجيلها او قبل إصطدامها بالحزمة الأخري فلك أن تعلم أن جزيئ واحد او ذرة واحدة من غاز ما قد تفسد التجربة ونتائجها بالكامل.
هناك سته مناطق عبر محيط المصادم حيث يستطيع المهندسون والعلماء أن ينفذوا تلك التجارب وكل منطقة كأنها ميكروسكوب كبير مع كاميرا ديجيتال.

تجربة «أطلس ـ ATLAS» .

هو جهاز يبلغ طوله 45 متراً وطوله 25 متر ويزن حوالي 7000 طن ،صـُمم مع خمسة تجارب أخرى«ALICE, CMS ,TOTEM , LHCb» في مصادم الهادرونات الكبير لقياس كتل و طاقات و شحنات الجسيمات الأولية والإشعاعات .

وكلمة أطلس ـ ATLAS » هي اختصار «A Toroidal LHC ApparatuS»
يتكون مكشاف أطلس من أربعة أنظمه لعدادات الجسيمات ، كل طبقة تغلف الطبقة التي تحتها و عند إجراء تجارب اصطدام الجسيمات الأولية السريعة تحيط الأنواع المختلفة من عدادات الجسيمات بنقطة الاصطدام وتغلفها هنا في أربعة طبقات متتالية، بحيث تسجل كل طبقة نوعاً مختلفاً من الجسيمات وسرعاتها، كما تسجل خصائص أخرى للجسيمات مثل شحنتها الكهربائية وكتلتها، وتتيح أيضاً معرفة طاقتها عن طريق قياس مسار كل جسيم وانحرافه بالمجال المغناطيسي.
الأجهزة التي تقوم بالتجارب المتصلة بمصادم الهادرونات الكبير تحتوي علي 150 مــليون جهاز استشعار ، تقوم اجهزة الاسشعار تلك بتجميع البيانات وترسلها الي انظمه الحوسبة المختلفة المرتبطه بها.
طبقا لما قالته «CERN» فإن حجم البيانات التي يتم جمعها أثناء التجارب يساوي 700 ميجا بايت في الثانية الواحدة أي انه علي نحو سنوي سيتم تجميع نحو 15 بيتا بايت من البيانات من المصادم __البيتا بايت تساوي مليون جيجا بايت __ تلك البيانات الضخمه يمكنها ملئ مائة الف قرص DVD.

يتطلب تشغيل مصادم الهادرونات الكبير الكثير جدا من الطاقة.
تقدر «CERN» ان الاستهلاك السنوي للمصادم من الطاقة حوالي 800000 megawatt hours.
كان من الممكن أن يكون معدل استهلاك الطاقة اكبر من ذلك ولكن التجارب لن يتم اجرائها في أشهر الشتاء، وفقا لـ«CERN» فإن سعر هذه الطاقة 19 مليون يورو.
حسنا، لننتقل الي الجزء الاكثر تشويقا وهو تحطيم البروتونات المعجّلة، إن مبدأ عمل مصادم الهادرونات الكبير هو بسيط جداً في وصفه، عليك أن تقوم بتعجيل حزمتين من الجسيمات و توجيههما عبر طريقين أحدهما مع إتجاه عقارب الساعه والأخري ضد اتجاه حركة عقارب الساعه وعلي كلتا الحزمتين أن يبلغا سرعه نسبة 99.999999% من سرعه الضوء قبل التصادم ومن ثم توجيه كلتا الحزمتين نحو الاخر ليحطم كلا منهما الاخر ولتشاهد ماذا سيحدث.
إن المعدات اللازمة لإجراء هذه العملية معقدة جدا، و مصادم الهادرونات الكبير ما هو إلا جزء واحد من منظومة «CERN»لتعجيل الجسيمات.
فقبل أن تدخل اي بروتونات او ايونات للمصادم عليها ان تمر بعدة خطوات :-
دعنا نلقي نظرة علي بروتونا سيدخل مصادم الهادرونات الكبير؛ في البداية يقوم العلماء بإزالة الالكترونات من ذرات الهيدروجين لكي يتم انتاج البروتونات ( البروتون هو أيون الهيدروجين الموجب )
تدخل البروتونت ما يسمي بـ «LINAC2» وهي آله تقوم بإطلاق حزم البروتونات الي المعجل المسمي بـ«PS Booster» .
هذه الآلات تستخدم اجهزة تسمي بتجاويف الترددات الراديوية والتي تعجل البروتونات.
التجوايف تحتوي علي مجال تردد راديوي كهربي يقوم بدفع حزم البروتونات الي السراعت العالية _اذاً ها نحن قد قمنا بأخذ البروتونات من الهيدروجين و عجّلنا سرعات حزم البروتونات _. تقوم المغانط العملاقة بتوليد مجالات مغناطيسية تعمل علي توجيه البروتونات في الأنابيب المفرغه وتقوم بحفظ مسارها من الإنحراف فهي تعمل كآله قيادة للبروتونات.
عندما تصل حزم البروتونات إلي الطاقة المطلوبة يقوم الـ«Proton Synchrotron Booster» أو «PS Booster» بإقحام حزم البروتونات داخل معجل أقوي يسمي «Super Proton Synchotron» أو (SPS) و خلال هذا تزداد سرعه البروتونات و تنقسم الحزم إلي حزم أصغر، وكل حزمة صغيرة تحتوي علي «1.1 * 10 ^ 11 » بروتوناً .
يوجد حوالي 2808 حزمة صغيرة في الحزمة الكبيرة الواحدة، ويقوم المعجل «SPS» بإقحام البروتونات إلي قدرها المحتوم ألا وهو المصادم الهادروني الكبير.
كما قلنا ستتحرك حزمة مع عقارب الساعه وتدخل المصادم من جهه وتتحرك الحزمة الاخري ضد عقارب الساعه وتدخل المصادم من جهة اخري، اذن سنتكلم عن ما يحدث داخل المصادم .
تتسارع البروتونات أكثر وأكثر في داخل المصادم وتأخد هذه العملية نحو 20 دقيقة، وعند الوصول للسرعه القصوي فإن حزم البروتونات تقوم بـ11245 جولة داخل المصادم كل ثانية واحدة .
في السته مواقع التي ذكرناها سابقا والموضوعه عبر محيط المصادم فإنه عند تلك المواقع تحدث 600 مليون عملية صدام في الثانية الواحد .
عندما يتحطم بروتونان من جراء التصادم فإنهما ينكسران الي جسيمات اصغر _جسيمات دون ذريه_ تسمي الكواركات، و تنفصل قوى صغيرة تسمي الغلونات. الكواركات جسيمات غير مستقرة وتنهار او لنقل تضمحل في غضون لحظات، و تقوم الكاشفات بتجميع المعلومات بتعقب مسارات تلك الجسيمات دون الذرية، و بعد التجميع تقوم بإرسال البيانات لأنظمة الحاسوب ومن ثم تحليل البيانات

.
علي الرغم من ان المصادم وتوابعه هي آلات متقدمة جداً وذات تكنولوجيا عبقرية الا انه من الصعب جدا أن يصطدم كل بروتون في كلتا الحزمتين بآخر، فتوجيه جسيمات متناهية الصغر مثل البروتونات هو أمر بالغ الصعوبة.
البروتونات التي لا تتصادم في إحدي الجولات يتم توجيهها إلي ما يسمي بقسم النفايات والذي يحتوي علي الجرافيت الذي يقوم بامتصاصها.
يأمل العلماء من خلال مصادم الهادرونات الكبير ان يفهموا ماهية المادة السوداء والطاقة السوداء اكثر و اكثر. و من المعروف أن العالم كما نعرفه يتكون من اربعه ابعاد؛ ثلاثة ابعاد مكانية والبعد الرابع هو الزمن، ولكن بعض النظريات تفترض وجود ابعاداً اكثر من الاربعة التي نعرفها، مثلا«نظرية الاوتارSTRING THEORY-» تفترض وجود ما لا يقل عن 11 بعد.
الباحثون النظريون في نظرية الاوتار يأملون ان يقوم مصادم الهادرونات بإعطاء الادلة التي تثبت صحة الفرضيات النظرية لنظرية الاوتار.

نظرية الاوتار في مجملها تتحدث عن أن الكون لا يتكون في صوره الاولية من الجسيمات ولكنه يتكون من أوتار. أوتارٌ مغلقة او مفتوحه النهايه تهتز كما تهتز أوتار الجيتار. وترٌ ما يهتز بطرية ما يظهر كـ إلكترون وآخر يهتز بطريقة اخري يظهر كـ نيوترينو.
لا تزال نظرية الاوتار فروضاً في نظر العلماء ولا دليل تجريبي حتي الآن علي تكون الكون من أوتار __((ولكن لا تنسي ان الكثير من الفرضيات اصبحت حقيقة فيما بعد، كما تم سابقاً افتراض وجود «بوزون هيجز ـ Higgs boson» وبعد ما يقرب من الخمسين عاماً تم إثبات وجوده بنسبة 100% .

تقوم نظرية الاوتار بدمج الجاذبيه مع النموذج القياسي او «Standard model»، وتقوم أيضاً بعمل توافق بين النسبية العامة لاينشتاين وما يعرف بنظرية الحقل الكمومي او «_QFT _Quantum field theory». ولكن لا تزال الأدلة غير موجودة لتدعم تلك النظرية بالشكل الكافي. ولذلك يأمل العلماء ان تزود نتائج اختبارات مصادم الهادرونات النظرية بالادلة علي صحتها هي و نظريات أخرى كالتناظر الفائق.

في الجزء القادم سنتناول أجزاء المُصادم بقليلٍ من التفصيل حول طريقة العمل وحوسبة البيانات، وسنجيب عن السؤال الشهير (هل سيدمر المصادم كوكب الأرض؟) .

إعداد :Ahmed Reda

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي