كوكب المشترى

كوكب المشترى||||||||||

يدور في مداره منذ بداية السديم الشمسي إلى يومنا هذا بدون أي تغيير، إنه الأقوى، الأكبر والأسرع في المجموعة الشمسية، رابع الأجرام السماوية لمعانًا بعد الشمس، القمر والزُهره. إنه كوكب المُشتري، خامس المجموعة الشمسية، تم إشتقاق الاسم في اللغة العربية من الفعل (يستشري) أي يتهادى ويسير في دربه دون أن يكل أو يمل حتى أن بعض العلماء يظنه مازال في طور التشكيل، وذلك لأن التغيرات التي طرأت عليه منذ الحين طفيفة جدًا، أما في
الغرب فيسمى (جوبيتر – Jupiter)، نسبةً إلى الأساطير الرومانية (جوبيتر) هو إله السماء والبرق وملك الآلهة، والذي يقابله (زيوس – Zeus) في الأساطير الإغريقية، ويرمز له بالرمز الذي يعبر عن صاعقة زيوس وفق الأساطير الإغريقية، والذي اعتمد أيضاً من قبل الرومان لاحقاً، وبالنسبة لبلاد ما بين الرافدين كان يسمى (نمرود– Marduk) وهو كبير الآلهة وراعي مدينة بابل، وفي بعض القبائل في ألمانيا كان يسمى (ثور-Thor).

في هذا المقال سنتحدث عن تاريخ الكوكب، أقماره، مكوناته، أبعاده، أهم الرحلات الإستكشافية، أحدث الدراسات وأخيرًا صلاحية الكوكب للحياة البشرية.

نبذة تاريخية عن المشتري

قبل إختراع التليسكوب تم رصد كوكب المشتري من قِبل البابليين القدماء ما بين القرنين السابع والثامن قبل الميلادي، ثم جاء العالِم الفلكي والفيزيائي (جاليليو جاليلي- Galileo Galilei) في عام 1610 باستخدام التليسكوب، لينظر للسماء في ليلة صافية وخلابة، فيكتشف أربعة أقمار ضخمة تدور حول المشتري وهم (آيو – Io)، (يوروبا – Europa)، (غانيميد-Ganymede )، )كاليستو – Callisto)، وأصبحت تسمى أقمار جاليليو، رصد حركتهم ذهابًا وإيابًا حول المشتري، وكان هذا ضمن أولى الإكتشافات التي تثبت صحة نظرية العالم البولندي (نيكولاس كوبرنيكوس – Nicolaus Copernicus) مؤسس نظرية (مركزية الشمس – Heliocentric Theory )، وقد أدى ذلك إلى الدخول في الصراع مع الكنيسة وإتهامه بالهرطقة ثم محاكمته في محاكم التفتيش.

كوكب المشترى الأكبر، الأسرع والأقوى

كوكب المشتري أضخم كواكب المجموعة الشمسية حيث تبلغ كتلته 1.9 x
2710 كيلوجرام، إحصائيًا يبلغ من الضخامة ضعفين ونصف كتلة باقي الكواكب مجتمعة، وثالث جرم سماوي لمعانًا وظهورًا للعين المجردة من كوكب الأرض، يبلغ نصف قطره تقريبًا حوالي 70 ألف ميل، يقع على مسافة حوالي 779 مليون كيلومتر من الشمس بما يعادل خمسة أضعاف المسافة بين الأرض والشمس، حيث يأخذ ضوء الشمس حوالي 43 دقيقة ليصل للمشتري، ويمكن أن يستوعب 1300 كوكب في حجم كوكب الأرض وللتوضيح، إذا كانت الأرض في حجم عملة معدنية، فالمشتري في حجم كرة سلة.

يدور المشتري حول محوره أسرع من باقي كواكب المجموعة الشمسية حوالي 13.1 كيلومتر /ثانية، حيث يأخذ أقل من 10 ساعات ليكمل دورته حول محوره، وهذه السرعة تجعل الكوكب منبعج عند خط الاستواء ومسطح عند القطبين، مما يجعله عريضًا عند خط الاستواء بالنسبة للقطبين بحوالي 7%، يميل خط إستوائه بالنسبة لمدار دورانه حول الشمس بحوالي 3 درجات مقارنةً بالأرض التي تميل بزاوية 23.5 درجة، ودرجة ميل الكوكب هى المُسببة لفصول السنة الأربعة وبالتالي لا يوجد في المشتري فصول سنوية مثل باقي الكواكب.

يٌقدر اليوم في المشتري بحوالي 9.92496 ساعة، والسنة 4333 يوم، يأخذ المشتري 12 سنة أرضية ليكمل دورة كاملة حول الشمس، فالسنة على المشتري تعادل 12 سنة على الأرض، أما للمجال المغناطيسي، فالمشتري يمتلك أقوى مجال مغناطيسي بالمجموعة الشمسية، فإذا مر أي جسم بالقرب منه مثل كويكب فسوف يتم تدميره عن طريق قوة المد والجزر أو السيطرة عليه وجذبه إلى مداره، حيث تحتوي الأرض على قمر واحد فقط بسبب جاذبيتها الضعيفة نسبيًا.

التكوين وبنية الكوكب

المشتري هو في الأصل كوكب غازي، يتكون من غازي الهيدروجين والهيليوم مثل الشمس، حيث تبلغ نسبة الهيدروجين حوالي 75%، والهيليوم 24%، و1% عناصر متنوعة، تتكون نواة الكوكب من الصخور وبعض المعادن معظمها من الحديد والسليكات وتبلغ درجة حرارة النواة حوالي 50000 درجة سيليزية، ويتكون الغلاف الجوي من الميثان، الأمونيا، بخار المياه، وبعض المركبات التي يدخل في تركيبها السيليكون وبعض التركيزات القليلة من الإيثان، الكربون، الكبريت، الفوسفات، الأكسجين وكبريتيد الهيدروجين.

إذا هبطنا بداخل الكوكب بشكل أكثر عمقًا في الغلاف الجوي تزداد الحرارة والضغط بدرجة كافية لضغط الهيدروجين الغازي إلي الحالة السائلة، مما يجعل المشتري يحتوي على أكبر محيط مقارنة من المجموعة الشمسية، لكن المحيط ليس مائيًا ولكن يتكون من الهيدروجين السائل، يعتقد العلماء أن هذا الضغط العالي لدرجة كبيرة تجعل الإلكترونات في ذرات الهيدروجين متلاصقة ليتحول هذا السائل لموصل للكهرباء مثل المعادن، ومع السرعة العالية لدوران الكوكب يحفز تيارات كهربية في منطقة المحيطات، فينشأ مجال مغناطيسي ضخم وقوي جدًا.

أما بالنسبة لسطح هذا الكوكب الغازي الضخم، لا يحتوي على سطح صلب، حيث أنه دوامات من الغازات والسوائل، بالتالي لن تجد مركبة الفضاء مكانًا لتهبط عليه في الكوكب، فلن تصمد في ظل تلك الظروف، سوف تُسحَق وتذوب ثم تتبخر تحت ظروف الضغط القاسي والحرارة العالية.

الغلاف الجوي

الشكل الظاهري للكوكب هو نسيج من السُحُب المُلونة، يحتوي الكوكب العملاق على ثلاثة طبقات مُمَيزة من السحب في سمائه،
وتبلغ درجة حرارة السحب حوالي -145 درجة سيليزية، والتي تمتد على إرتفاع 71 كيلومتر، السحابة الأولى محتمل أن تكون ثلوج من الأمونيا، والطبقة الوسطى غالبًا مكونة من بلورات بيكبريتيد الأمونيوم وهى مادة آكلة وقابلة للإشتعال بينما الطبقة الداخلية، يُعتقَد أنها تتكون من بخار الماء والثلج. الألوان الزاهية والمُشرقة التي نراها حول الكوكب هى بُقع من الكبريت والفسفور الغازي، والتي تنبعث من المركز الداخلي للكوكب الساخن، ونتيجة للدوران السريع حول محوره، تنشأ تيارات هوائية قوية، تعمل على فصل السحب لمناطق داكنة اللون ومناطق أخري مشرقة اللون.

صورة توضح البقع الحمراء العظمى على سطح كوكب المشتري Photo Rights: NASA
صورة توضح البقع الحمراء العظمى على سطح كوكب المشتري Photo Rights: NASA

ونتيجة لعدم وجود سطح صلب للحد من سرعة التيارات الهوائية، تستمر تلك الرياح والعواصف لسنوات عديدة، وقد تصل سرعتها إلى 335 كيلومتر في الساعة عند خط الاستواء، ونتيجة تلك العواصف والرياح القوية تنشأ مناطق تسمى (البقع الحمراء العظمى – Great Red Spots) والتي توجد منذ القرن السابع عشر ويمكن رؤيتها من على كوكب الأرض باستخدام التليسكوب، حيث حجمها يكاد يكون أكبر من كوكب الأرض. ويظهر أيضًا بخلاف البقع الحمراء، بقع بنية وبرتقالية اللون في السحب، تلك الألوان نتيجة بعض المركبات التي تتعرض لأشعة الشمس الفوق بنفسجية.

أقمار المشتري

يمتلك المشتري حوالي 67 قمرًا، معظم أقمار الكوكب صغيرة الحجم، قد تم اكتشاف القمرين 66 و67 في أواخر 2011، باقي الأقمار تم اكتشافها في أواخر 1970 من خلال الرحلات الإستكشافية، وأكبر أربعة أقمار هم كما ذكرنا سابقًا ( آيو، أوروبا، غانيميد، كاليستو) حيث إكتشفهم جاليليو جاليلي، ويطلق عليهم حاليًا الأقمار الجاليلية وسوف نتحدث بشكل مختصر عن كل قمر من تلك الأقمار الأربعة الضخمة:

  1. (غانيميد-Ganymede )

    هو أكبر قمر في المجموعة الشمسية، أكبر من عطارد و بلوتو، وهو القمر الوحيد الذي لديه مجال مغناطيسي خاص به، يحتوي على محيطات ضخمة من الماء المُجمد، ويغطي سطح القمر مناطق داكنة اللون بنسبة 40% وباقي 60% عن تضاريس ومنحدرات.

  2. (آيو – Io)

    أول قمر إكتشفه جاليليو هو أكثر جسم نشط بركانيًا في المجموعة الشمسية وبعده كوكب الأرض، الكبريت المنبعث من البراكين يعطي اللون الأصفر البرتقالي مثل البيتزا حيث تتكون النواة من كبرتيد الحديد والقشرة الخارجية من السيليكات بُنية اللون، مع دوران آيو حول المشتري نتيجة الجاذبية الكبيرة تسبب موجات من المد والجزر على سطحه الصلب والتي تحفز النشاط البركاني للقمر.

  3. (يوروبا – Europa)

    القمر المٌتجمد الخاضع حاليًا للدراسات، حيث صوّر علماء فلك باستخدام تلسكوب هابل الفضائي ما يُعتقد بأنه أعمدة بخار ماء تثور منطلقةً من سطح ذلك القمر ويدعم هذا الاكتشاف عمليات الرصد الأخرى لهابل والتي تقترح أنّ هذا القمر الجليدي يُطلق أعمدة من بخار الماء إلى ارتفاعات عالية، وتزيد عملية الرصد هذه من احتمالية إرسال بعثات مستقبلية إلى يوروبا قد تكون قادرة على جمع عينات من محيطه دون الحاجة إلى الحفر داخل أميال من الجليد.

    من المعتقد أن تلك الأعمدة ترتفع إلى علو يصل حوالي (200 كم) قبل أن تُمطر من جديد نحو سطح يوروبا، يمتلك هذا القمر محيط عالمي عملاق ويحتوي كمية من المياه تعادل ضعفي الموجودة فوق الأرض، لكن هذه المياه محمية بطبقة من الجليد القاسي وفائق البرودة ومجهول السماكة، وتقدم الأعمدة المكتشفة فرصة مهمة لجمع عينات قادمة من تحت السطح دون الحاجة للهبوط فوق القمر والحفر في سطحه.

  4. (كاليستو – Callisto)

    القمر الرابع والأبعد بين الأقمار الجاليلية عن المشتري، أكثر الأجسام المٌتهالكة في المجموعة الشمسية، ولم يتغير شكل القمر منذ بداية نشأته، حجمه مقارب لحجم كوكب عطارد وهو قمر قليل الكثافة، والأقل تأثرًا بالمجال المغناطيسي للمشتري بسبب بعده عن المشتري.

     

    صورة للأقمار الجاليلية وهم على الترتيب من اليمين إلى اليسار كاليستو – غاينميد – أوروبا – آيو NASA : حقوق الصورة
    صورة للأقمار الجاليلية وهم على الترتيب من اليمين إلى اليسار كاليستو – غاينميد – أوروبا – آيو حقوق الصورة: وكالة ناسا

    حلقات المشتري

    تم إكتشاف حلقات المشتري عن طريق المركبة NASA’s Voyager 1 عام 1979، حيث كانت مفاجأة من نوع خاص، وُجِدَ أنها تتكون من جسيمات صغيرة وداكنة، لا يمكن رصدها إلا في حالات معينة عندما يسقط عليها ضوء الشمس، وتدل العينات التي تم جمعها من المركبة الفضائية جاليليو أن حلقات المشتري، تكوّنت باصطدام النيازك وبقايا الكواكب المنفجرة بأقمار المشتري الصغيرة.

    وعلى عكس حلقات كوكب زحل الجليدية المُبهرة، حلقات المشتري هى جسيمات ترابية دقيقة وصغيرة، ويتكون النظام الحلقي للكوكب من ثلاثة مكونات: حلقتين خارجتين باهتتين في اللون تسمي ((Gossamer Rings، حلقة عريضة مسطحة وهى الأساسية وحلقة داخلية سميكة تسمى (The Halo).

    صورة لمقطع من حلقات كوكب المشتري يوضح شكل الحلقات حقوق الصورة: وكالة ناسا
    صورة لمقطع من حلقات كوكب المشتري يوضح شكل الحلقات حقوق الصورة: وكالة ناسا

    ظاهريًا يبدو أنها تكونت بالغبار الناتج عن إصطدام الأقمار الصغيرة، وحلقات Gossamer مرتبطة بمدار القمرين(Amalthea) و(Thebe) وهما إحدى أقمار المشتري.

    تأثير جاذبية كوكب المشتري على النظام الشمسي

    المجال المغناطيسي للمشتري أقوى 20 ألف مرة من مجال كوكب الأرض، وبالتالي فالغلاف المغناطيسي كبير جدًا ليحمي ويجعل الرياح الشمسية تنحرف عن الكوكب بمسافة حوالي 3 مليون كيلومتر قبل أن تصل للمشتري، ويمتد الغلاف المغناطيسي لمسافة بعيدة ليقذف الرياح الشمسية بعيدًا كالمسافة بين مدار المشتري ومدار زحل.

    وكالمجال المغناطيسي للأرض، العديد من الجزيئات المشحونة التي مصدرها الرياح الشمسية تصطدم بالغلاف المغناطيسي للمشتري، بالإضافة إلى مصدر آخر للجسيمات المشحونة والذي يتميز به المشتري عن باقي الكواكب وهو القمر( آيو) النشط بركانيًا، تصطدم ملايين الجزيئات على حدود الأقطاب المغناطيسية للكوكب، فتنقل الطاقة وتطلقها على هيئة فوتونات ( ضوء مرئي) بألوان مختلفة، تلك الظاهرة تسمى الشفق القطبي (Aurora) .

    صورة للمجال المغناطيسي والشفق القطبي لكوكب المشتري
    صورة للمجال المغناطيسي والشفق القطبي لكوكب المشتري حقوق الصورة: وكالة ناسا

    المشتري هو أضخم جرم سماوي في المجموعة الشمسية بعد الشمس، وقد ساعدت الجاذبية القوية للمشتري على تشكيل مصير المجموعة الشمسية، منها قذف كوكبي أورانوس ونبتون بعنف خبعيدًا عن الأرض،
    وهو كما يطلق عليه البعض حامي المجموعة الشمسية، حيث يحمي الأرض من الكويكبات التي يمكن أن تصطدم بها، أحدث الدراسات أنه يمتص التأثيرات التي يمكن أن مدمرة للأرض، وحاليًا تسيطر قوى الجاذبية للمشتري على كثير من الكويكبات التي تتبع المشتري في مداره حول الشمس، وتعرف باسم (Trojan asteroids) وهم ثلاثة كويكبات (Agamemnon – Achilles – Hector).

    رحلات المشتري الاستكشافية

    كوكب المشتري معروف منذ العصور القديمة، أول من بدأ إستكشاف الكوكب هو جاليليو جاليلي في عام 1610 بتليسكوب صغير، ومع تقدم الوقت تم إرسال مركبات فضائية استكشافية للمشتري.

    في الماضي تم إرسال مركبات الفضاء Pioneer 10,11)) ثم بعد ذلك (Voyager 1,2) في عام 1970، ثم إرسال المركبة (Galileo) لتدور في مدار الكوكب الغازي لإلقاء جهاز إرسال وتحليل بيانات في غلافه الجوي، وأخذت المركبة (Cassini) عدة صور مفصلة للمشتري وهو في طريقه لمجاورة كوكب زحل، وآخر رحلة كانت المركبة (Juno) والتي وصلت المشتري في يوليو 2016 لدراسة تركيب الكوكب وحقل الجاذبية الخاص به.

    إمكانية الحياة البشرية

    الظروف الجوية للكوكب غير ملائمة للحياة، حيث الضغط، درجة الحرارة والغلاف الجوي ومكوناته على الأرجح قاسية جدًا لاحتمالية الحياة على سطحه، على الرغم من عدم إمكانية الحياة على الكوكب، ولكن ذلك لا ينطبق على أحد أقماره وهو (يوروبا) هو المكان الأقرب ظروفه لنشأة الحياة عليه، تتم دراسته الآن حيث يوجد بعض الأدلة على وجود محيط شاسع من المياه تحت قشرته الجليدية مما يزيد احتمالية وجود الحياة.

    إعداد: أمير علاء عياد

    مراجعة: آية غانم

    تدقيق: محمد شريف

    المصادر

    http://sc.egyres.com/fTcx3

    http://sc.egyres.com/AwVhl

    http://sc.egyres.com/iDjMN

    http://sc.egyres.com/8LXGR

    http://sc.egyres.com/f94oB

    http://sc.egyres.com/7PIaK

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي