الأدب النسوي: حين يتمرَّد قلم المرأة

writing

|

المرأة هي قائدة في كل مكان يقع نظرك عليه، فهي تستطيع أن تكون رئيس تنفيذي، وتدير شركة، وتستطيع أيضًا أن تكون ربة البيت، وتربي أطفالها؛ لأن معظم بلداننا بُنيَت من قِبَل النساء القويات، وسوف نستمر في تحطيم الجدران وتحدِّي القوالب النمطية.

-نانسي بيلوسي

أدب نسوي، أدب نسائي، أدب الأنثى، أدب المرأة.. تعددت الأسماء والهدفُ واحدٌ.

هو نوعٌ من الأدب يكون فيه المحتوى مُخصَّصًا لطرح قضية المرأة والدفاع عنها وعن حقوقها؛ فيُعرِّفه البعض على إنه الأدب المرتبط بحركة نصرة وحُرية المرأة وصراعها الطويل التاريخي لمساواتها بالرجل، بينما يعتبره البعض الآخر مُصطلح يهدف إلى فَصْل أدب المرأة عن أدب الرجل، وهذا ما يرفضه بعض النُقَّاد؛ لأن الأدب إنسانيًا وليس من المُفترَض تجزئته وِفقًا لنوع الكاتب وجنسه، وقد ناصرَ هذا الرأي الكثير من الأديبات كغادة السِّمان وأحلام مُستغانمي، بينما يرى المدافعون عن المُصطلح أن المرأة يجب أن تتمتَّع بخصوصيتها في الكتابة ليظهر الفرق الواضح بين كتاباتها وكتابات الرجل؛ وعليه تتحدد القيمة الإبداعية للنص الأنثوي مُنفردًا.

مُصطلح الأدب النسوي بين التأييد والمُعارضة

قد وافقَ بعض النُقَّاد على وضع تصنيفات للحركات الأدبية؛ لتيسير تحليل النصوص الأدبية، مثل تصنيف الأدب النسوي في مقابل الأدب الذكوري، رغم أن كلا مُبدعيه ذكرًا أو أنثى ينتمي للكيان الإنساني الذي ينبض بالانفعالات والتجارب، والفيصل فيه هو الموهبة.

إن مصطلح الأدب النسوي الذي شاع في الغرب ينطلق من نظرة عنصرية يلغي كل جوانب إبداع المرأة ويحصرها فقط في مُحيط الأنوثة، رغم أن هذه الأنوثة هي جزء أصيل من ذات المرأة  تضفي عليها بعضًا من الخصوصية في الكتابة، ولكنها ليست كلها ذات المرأة المبدعة، فذات المرأة المبدعة مثل الأرض تنبت كل الزروع وأنواع الزهور وعطورها المختلفة والمتنوعة في جمالها الأخَّاذ.

وليس هناك عيبٌ في أن تبدع المرأة بنفس وحس وجداني أنثوي لأن ذلك يمثل خصوصية تمتع فيها المرأة بخصوبة المشاعر وفقًا لفطرتها، بل إن نجاح الكاتبة في أن تبدع نصًا بمذاق أنثوي فياض بالدلالات والتجارب الإنسانية يضفي على تجربتها الأدبية صدقًا يمس القلوب والعقول معًا.

نعم هناك مواقف وقصص تكون فيها الكاتبة أقدر على التعبير عن المرأة، كما يكون المبدع الرجل أكثر قدرة على التعبير عن عالم الرجال غير أن  الكاتب يوسف إدريس برع في وصف عوالم النساء، كما برعت مي زيادة في إثبات قدراتها في تحدي هيمنة كتابات الرجل.

لكن القضايا الإنسانية واحدة يتفاعل بها الجنسان، وتظل لدى طرفي المعادلة بعض الخصوصيات، فبينما يبدو الرجل جريئًا في البوح عن العاطفة والحب، نجد البوح لدى المرأة الشرقية يأخذ صيغًا غير مباشرة ويغلفها العفة والخجل، لكنهما يكتبان معًا وبنفس القدر من الموهبة عن حاجات الإنسان فضاءات للحرية والعدل والرحمة.

إنه من العته العقلي أن نجمد عقولنا وأورواحنا وقضايا واقعنا المعاصر الذي يتعرض لمتغيرات اجتماعية وفكرية ومعرفية يومية في فريزر المصطلحات والتي هي مجرد أداة من أدوات الفهم والتواصل النقدي والمعرفي، بينما التجارب الإنسانية للكتاب رجالاً ونساءً تفد من ينابيع الحياة المتجددة بمشكلاتها الثقافية والاجتماعية المتعددة.

فلا تصور أن نحصر إبداع المرأة في إطار جنسها الأنثوي في تمييز واضح يقلل من مشاركتها الفاعلة في تنوير المجتمعات، بينما تؤدي هذه المرأة الكاتبة أدوار معرفية متنوعة ومتباينة المقاصد، تمامًا كتنوع وظائفها الكونية من طفلة تقرأ بعيونها سلام الملائكة، وكشابة يافعة تنطلق روحها بالأنوثة والعمل لإثبات ذاتها، وكزوجة تخلص في إسعاد زوجها  وكأم هي المربية والأستاذ الأول لابنها الذكر.

لا تستطيع المرأة الحصول على النشوة من خلال تلميع أرضية المطبخ.

-بيتي فرايدن

فهو في جوهره مرتبط بالحركة النسوية، وسعيها لتحصيل مكاسب خاصة بالمرأة في نضالها ضد الرجل، وتعود أصوله إلى أطروحات خارج سياق الأدب، تمامًا كمفهوم الأدب الواقعي أو الأدب الإسلامي أو التحرري، أو غيرها من المفاهيم التي تفصل المعنى عن المبنى، أو الموضوع عن الشكل، وتستقل بالموضوع كجوهر أدبي، في حين أن «الأدب» الجدير بهذه التسمية هو ذلك الذي لا ينفصل شكله عن مضمونه، فتكون الصياغة الفنية فيه جزءًا أصيلًا في صناعة المعنى، وتكون بنيته الفوقية طريقًا للوصول إلى بنيته العميقة، وبهذا المفهوم: ما هي وجاهة مثل تلك المصطلحات السابقة، خاصة: «الأدب النسوي»؟

فكّري مثل ملكة.. ملكة ليست خائفة من الفشل، الفشل هو آخر نقطة انطلاق إلى العظمة.

– أوبرا وينفري

يمكن أن نوافق تمامًا على الاستخدام الاجتماعي أو السياسي للمفهوم كسلاح لدى الحركة النسوية المعاصرة، التي تسعى من ورائه إلى إحراز نقاط مُتقدِّمة على من يعارضونها، وإلى الدعاية الإعلامية والثقافية لمواقفها، وهذا حق إنساني لا يمكن الاعتراض عليه، مثل كل الفئات البشرية والمجتمعات الإنسانية التي استخدمت الأدب في صراعاتها، لكن حين ندخل إلى حظيرة الإبداع الأدبي، وتكون منطلقاتنا نقدية صرفة، فإن مفهوم «الأدب النسوي» سيتزعزع، ويصبح مشكوكًا فيه، ذلك لأن معايير الإبداع -كما قدَّمنا- لا تقبل هذا الفصل الحاد بين الصياغة والمعنى، ولا يمكن للأدبية أن تتحقق في وجود هذا الفصل، وقد فشلَ أنصار ما يطلق عليه «الرواية النسوية العربية» حتى الآن في تحديد معايير الصياغة الفنية لتلك الرواية، فهم يحددون الاشتغال بموضوعات الذات، وقضايا المرأة عامة كمضامين لهذه الرواية، لكنهم حين يصلون إلى المحددات الفنية لا يجدون ما يقدمونه، سوى محدد واحد هو غلبة ضمير المتكلم «أنا» في هذا النوع من الرواية، وعلاوة على أن ضمير المتكلم لا تختص به الرواية النسوية، فإنه في أغلب الحالات يدل على مراحل ابتدائية في الكتابة، صاحبها ما زال عاجزًا عن التفريق بين ذاته وذات بطله. [1]

أدب نسوي أم حريم سلطان الأدب؟

البعض يرى أن تجربة المرأة تنجرف نحو هذا المفهوم الضيّق للأدب حين تتوقَّف تجربتها الأدبية على مُخاطبة الرجل بعواطف مُباشرة جيَّاشة، دون أن تنفتح بخيالها وتجربتها نحو الفضاء الإنساني الرَّحب، موجهةً كتاباتِها للقلبِ والعقلِ والرُّوح، مُتجرِّدةً من قيود الانحياز لنوعٍ على حساب الآخر؛ فتصنيف ما تبدعه المرأة من نصوص تحت مسمى الأدب النسائي قد يحد من مساحات إبداعها ويُحددها في أُطرٍ، ويُعيدها من انفتاحها الإنساني الخالص إلى حريم سُلطان الأدب الذي يُهيمن عليه المبدعون الرجال.

أنا نفسي لا اعرف بالضبط ماذا تعني «نسوية». إنني فقط أعرف بأن الناس تدعوني «نسوية» حين أعبر عن آراء ومشاعر تميزني عن ممسحة الأرجل.

-ريبيكا ويست

ألا يمكن إذًا أن نعتبر أن ما يطلق عليه «الرواية النسوية» هي رواية غير مكتملة العناصر تكتبها كاتبات ما زلن في طور التنشئة الأدبية، في حين أن الرواية المكتملة فنيًا سواء كان أبطالها نساء أم رجالًا، وأيًا ما تكن القضايا التي تتناولها، لا توصف بأنها «رواية نسوية» فهي رواية أدبية وكفى، وأن الكاتبات اللاتي نضجت كتاباتهن وقدمن إبداعات أدبية مرموقة، لا يمكن اختزال تجاربهن العميقة عن «الإنسان» في جزئية بسيطة، فالتجربة الأدبية الإبداعية هي قفز فوق الذاتي والجزئي والفئوي والعنصري إلى الإنساني.

ماذا يعني بالظبط: أدب تكتبه المرأة أم أدب موجه للمرأة أم أدب يدور حول أوضاع المرأة أم أدب يبحث في الأعماق النفسية للمرأة؟

هذا ما قالته الدكتورة «ثريا العريض»،  أديبة سعودية،  لتخبرنا أنه ليس هناك اتفاق بشأن مفهوم «الأدب النسائي»
وينعت مصطلح الأدب النسائي أيضًا بالأدب النسوي أو أدب الأنثى  أو أدب المرأة. وترى الكاتبة السعودية «فوزية الجار الله» أن البعض يعتقد من وجهة نظره أن هذا التصنيف الأدبى واحد من اثنين إما أنه رقيق ناعم سلس بما أنه صادر من الجنس اللطيف وهو يختص بقضايا المرأة فقط وهمومها أو الاعتقاد الآخر أنه يشمل الكثير من القضايا ولكن ما يميزه أن المرأة تستخدم ألفاظًا لا يستخدمها الرجل وهي حاجاتها الشخصية وهي ترفض تصنيف الأدب النسائي.

بينما عرفت الكاتبة الفلسطينية «منى ظاهر» الأدب النسوى، بأنه الكتابة التى تلتزم بقضايا المرأة سواء كانت هذه الكتابة من إبداع امرأة أو من إبداع رجل، فاللامساواة بين الجنسين ليست نتيجة حتمية للإختلاف البيولوجي، وإنما هي من صنع الشروط الثقافية التقليدية لذلك الاختلاف.

و تضيف «منى ظاهر» إن النص النسوي هو الذي يأخذ المرأة كفاعل في اعتباره، حيث يولد النص مهموم بالأنثوي المسكوت عنه، الأنثويّ الذي يشكل وجوده خلخلة للثقافة الأبويّة الذكوريّة المهيمنة. [2]

مواقف بعض الأدباء والأديبات من الأدب النسوي

الشاعرة و الكاتبة المصرية فاطمة ناعوت تقف فى صف المعارضين للمصطلح، وتقول عنه: لا أرى مصطلح «الأدب النسوي» مصطلحًا دقيقًا، وإلا توجب علينا أن نتبنى ألوانًا أخرى من «النسويات» مثل: النحت النسوي، العمارة النسوية، الموسيقى النسوية، التشكيل النسوي إلى آخر الفنون الستة، كما صنفها الإغريق. وجميعها مصطلحات غير مقبولة. أتعامل مع المرأة بوصفها إنسانًا، لا بوصفها نوعا وفصيلًا، لأن في تصنيفها لونًا من التمييز والعنصرية.
كذلك كان موقف كل من الشاعر «فاروق جويدة» والشاعر «أحمد سويلم» والشاعر «فاروق شوشة» وكذلك الأديب «علي الصقلي» جميهم رفضوا هذا المصطلح.

على الجانب الاَخر،  يدعم الناقد سعد البازعي مصطلح «الأدب النسوي»، ويعتقد أنه بتحليل بعض الكلمات التي تنتجها المرأة يمكننا أن نلتمس سمات عامة لهذا الأدب، ويضيف أنهم في الغرب يتحدثون عن النقد النسوي وهو نقد يكتبه الرجال والنساء بهدف الانتصار للمرأة وإثبات مقدار الظلم الذي لحق بها ومحاولة إزالته، وبداية مصطلح النقد النسائي كانت بكتاب «فرجينيا ولف» 1928 «A Room of One’s Own» ثم تلتها «سيمون دي بوفوار» بكتاب 1949 «The Second Sex».

موقف الناقدة المصرية «نهاد صليحة» لم يختلف عن «البازعي» وتحدثت عن الأدب النسائى قائلة:

أفضله انطلاقًا من ترجمة كلمة «femin» وتعني «أنثى»، وبالتالي أقول أدب أنثوي أو منظور أنثوي، ولا أقيم التفرقة علي أساس الجنس الذي يُكتَب، ولكن أقيمه من خلال المنظور الفكري.

وعرَّف الشاعر المصري «فؤاد بدوي» الأدب النسائي  بأنه: «أدب إنساني». وقال:

ربما كان هناك شاعر كبير أكثر أنوثة في كتاباته من الكثيرات وهو: «نزار قباني».

مؤكداً بذلك رفضه تعبير أدب نسائي، واتفقت معه الشاعرة المصرية «ملك عبد العزيز»، وعبَّرت عن ذلك فى قولها:

شاعر مثل «طاغور» يكتب شعره وتحس فيه بحنان الأمومة ورقتها مع أنه رجل.

وفى نفس الإتجاه كانت الشاعرة «نور نافع» التى رفضت كذلك المصطلح  و تساءلت:

هناك رجال مثل «إحسان عبد القدوس» يكتبون بلسان المرأة، فهل تعد كتاباتهم أنثوية؟!

ويعلق الدكتور «عبد العزيز محمد الفيصل» -أستاذ الأدب العربى بالسعودية- فى هذا الصدد قائلًا:

إننا نجد النساء في النثر مثل «جليلة بنت مُرَّة» وفي الرثاء كـ «الخنساء»؛ حيث تبرز عواطف المرأة، وكذلك نجد أدب النساء أحيانًا يقترب من أدب الرجال مثل خطبة «عائشة» -رضي الله عنها- في أبيها، والأمثال التي قالتها المرأة وهي كثيرة مثل: قول «الجعفاء بنت علقمة السعدي»: كل فتاة بأبيها مُعجبةٌ.

و تجدر الإشارة إلى أن تاريخ الأدب المصرى يزخر بأسماء أديبات كُنَّ رموز الأدب النسائي، من بينهن: أديبة الفقهاء وفقيهة الأدباء «عائشة عبد الرحمن: بنت الشاطئ»، وكذلك: «سهير القلماوي»، والمُتمرِّدة «أمينة السعيد»، والثائرة «لطيفة الزيات».

وبرغم الخلاف علي  المصطلح، لا يمكن أن يختلف أحد علي وجود كتابات عبرت عن النساء من أروع ما يكون سواء كان كاتبها ذكر أم أنثى، فهو خلاف سطحي، ولكن سوف يكون من الأفضل إذا كان الخلاف على المنظور الفكري للمرأة والمحاولة للتعبير عنها والسمو بها بأفضل ما يمكن من الكتابات.

يعتبر الأدب النسوي أحد المصطلحات الجدلية التي أخذت حيز كبير من الاهتمام منذ فترة التسعينات، خصوصًا بعد أن انتشر استعماله كثير بعد أن ظهرت مجموعة من الأقلام النسائية الواعدة في مختلف الدول العربية، غير أن هذا المصطلح لم يتمكن من توفيق مختلف وجهات النظر حياله خصوصًا من قبل الكاتبات أنفسهن، كما أن النقاد الأدبيين حتى الآن لم يتفقوا حول ما إذا كانت هذه التسمية بالفعل تعكس الواقع الأدبي للنساء أم أنها تحجم من تلك التجربة!

إذ أن بعض النُقَّاد يرون أن تصنيف كل ما تكتبه المرأة تحت ما يسمى بالأدب النسائي لا يُعد صحيحًا خصوصًا وأن بعض الأصوات النسوية لا تتحدث لا من قريب ولا من بعيد عن قضايا وهموم المرأة؛ بل ينحصر سردها الأدبي في كثير من الأحيان على إسقاطات شخصية حول مواضيع مختلفة؛ ولذا لا ينبغي أن تُصنَّف كل تلك الكتابات بكتابات نسوية إلا إذا ناقشت بشكل رئيسي في سردها الأدبي القضايا التي تتعلق بواقع وهموم المرأة في مختلف المجالات.

هل تعني النسوية شخص كبير غير لطيف يصرخ بوجهك أو شخص يؤمن بأن النساء هن بشر؟ بالنسبة لي الأمر يعني الصنف الثاني، ولهذا أوقع!

-مارغريت آتوود

من جهة أخرى يرى بعض النُقَّاد أنه ينبغي أن يصنف كل ما تكتبه المرأة بالأدب النسوي؛ لأن المرأة بشكل عام تميل إلى تغليب المشاعر والتركيز على التفاصيل أثناء تجربتها الأدبية، وبهذا تكون التجربة الكتابية متشابهة بين مختلف الأقلام.

المرأة بعاطفتها، إنسانٌ يفوق الإنسان.

-سعود السنعوسي

ما يناقض هذا الجانب من النقد هو أن الأسلوب الأدبي يختلف من كاتب لآخر، ويوجد كتاب يستخدمون بشكل مكثف جانب المشاعر والتفاصيل في أعمالهم الأدبية، وبهذا لا يمكن أن يحصر هذا النوع من الكتابة بالصوت النسائي، خصوصًا إذا علمنا أن هناك كاتبات تخصَّصن في مجالات بعيدة عن قضايا المرأة تمامًا كالكاتبة المُتخصِّصة في الأدب البوليسي «أجاثا كريستي»، وبهذا يبدوا أن تصنيف الأدب النسوي كأدب يرتبط بقضايا وهموم المرأة هو الأقرب للمنطق. [3]

موقف الأديبات العربيات من وجهات النظر النقدية

يجدر الإشارة إلى أن موقف الأديبات والكاتبات العربيات تباين بشكل كبير أمام وجهات النظر النقدية التي تُثار حول الأدب النسوي بشكلٍ عام، فمنهن من اتخذت موقف الرفض التام لمثل هذا التصنيف باعتباره تمييز يقصد منه التقليل من قيمة الإبداع الذي تنتجه المرأة، وذلك بربطه بخصائص فسيولوجية لا علاقةَ لها بالأدب والإبداع لا من قريب ولا من بعيد، ويتبنَّين فكرة أن ترفض هذه التسمية تمامًا؛ لأنه لا يتم تصنيف بقية الأنواع من الأدب كالأدب الذكوري مثلًا أو أدب العميان مثلًا أو أدب ذوي الاحتياجات الخاصة!

المرأة التي تسعى إلى أن تكون على قدم المساواة مع الرجال تفتقر للطموح.

-مارلين مونرو

وجهة النظر الأخرى تجاه تلك الأراء النقدية اتخذت موقفًا وسطيًا، إذ أنها لم ترفض استخدام المصطلح تمامًا، ورأت فيه وسيلة جيدة للتعريف بالإبداع والأدب الذي يتحدث عن واقع المرأة، باعتبار هذه الخطوة مفيدة للتركيز على الإشكاليات التي تواجه واقع المرأة العربية، والتي يمكن حلها من خلال بناء الوعي المجتمعي باستخدام الأدب، غير أن أصحاب هذا الرأي يرفضون ربط هذا الأدب بالخصائص الفسيولوجية للمرأة، لأن بعض الكتاب يكتبون بنفس الطريقة التي تكتب بها المرأة، كما أن بعض الكتاب يكتب بشكل فعَّال حول قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها.

وجهة النظر الثالثة تجاه مصطلح الأدب النسوي مؤيدة تمامًا لهذا المصطلح باعتباره كان أحد الوسائل التي ساهمت في تحرير المرأة الغربية من التقاليد والقيود المجتمعية التي أعاقتها لقرون، وأصحاب هذا الرأي يميلون بشكل كبير إلى إعادة استنساخ تجربة الحركة النسوية الغربية والتي استخدمت الأدب بشكلٍ رئيسي لإعادة تشكيل وعي المرأة تجاه قضاياها، وإعادة تشكيل وعي المجتمع تجاه دور المرأة في مختلف الجوانب.

وبشكل عام، أثَّر تباين وجهات النظر حول هذا المفهوم بشكل كبير في واقع المرأة، إذ أن النقاد حاليًا يركِّزون بشكلٍ كبير على الجوانب الفنية في قراءة الأدب الذي تكتبه المرأة، وهذا يدفع كثير من الكاتبات إلى التركيز على الجوانب الفنية على حساب الجانب الموضوعي أو المحتوى القيمي الذي يجب أن يتضمنه العمل الأدبي بصفته وسيلة لمعالجة قضايا المجتمع.

إذا كنت ترغب في قول شيٍء ما اسأل الرجال؛ إذا كنت تريد فعل شيٍء ما، اسأل امرأة.

-مارجريت تاتشر

ويجدر الإشارة إلى أن بعض النُقَّاد يتبنون فكرة أن الأدب النسوي في الدول العربية بشكل خاص يأخذ طابع تكرار الذات والتقليد للتجربة الغربية وبهذا يفتقد الأدب النسوي في كثير من الأعمال الأدبية التي تكتبها النساء -في الوطن العربي- إلى عامل الإبداع، وهذا نتيجة طبيعية للتحديات التي تواجه الأديبات بشكل عام في الواقع العربي، غير أنه يوجد مجموعة من الكاتبات اللاتي تمكن من كَسْر حاجز التحديات، والتغلُّب على العوائق الاجتماعية والاقتصادية، وتمكِّن البعض منهم من الجَمْع بين تحقيق الجانب الفني والقيمي منهن: الروائية «رضوى عاشور» صاحبة ثلاثية غرناطة الرواية التاريخية التي تحكي عن عهد آخر ملوك بني الأحمر، إضافة إلى بعض الكاتبات اللاتي ركزن على نقد إشكاليات المجتمع كـ «أهداف سويف»، و«سلوى بكر»، و«أحلام مستغانمي»، و«نوال السعداوي»، و«ليلى بعلبكي»، و«فدوى طوقان»، وغيرهن..

أيها الرجال الرجال سنصلي لله طويلًا كي يملأ بفصيلتكم مجددًا هذا العالم، وأن يساعدنا على نسيان الآخرين.

-أحلام مستغانمي

وبشكلٍ عام.. سواء نُظر إلى الأدب النسائي على أنه أقرب للتقليد منه للإبداع، فإنه يبنغي أن تُكلَّل التجارب الفنية القيِّمة التي حققتها المرأة العربية حتى الآن، كما ينبغي دعمها من خلال التعريف بها، ونشرها للقراءة على مختلف المستويات أيًّا كان مُسمَّاها الأدبي؛ وبذلك فإننا نساهم بشكل كبير على تشجيع هذا النوع من الأدب؛ ليخلق تأثيره الإيجابي على مستوى وعي المرأة نفسها ووعي المجتمع. [4]

المصادر:
  1. أحلام معمري .إشكالية الأدب النسوي بين المصطلح واللغة.
  2. رابطة الأدب الإسلامي .أدب المرأة: دراسات نقدية. العبيكان, 2007.
  3. جوزيف زيدان .مصادر الأدب النسائي في العالم العربي الحديث. المؤسسة العربية للدراسات والنشر (First Published April 1995), 2003.Arab Women Novelists: The Formative Years and Beyond (Suny Series in Middle Eastern Studies)
  4. أميرة خواسك .رائدات الأدب النسائي في مصر.
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي