متلازِمة المُنحبِس: عقل مثاليّ حبيس جسد لا فائدة منه

متلازِمة المُنحبِس: عقل مثاليّ حبيس جسد لا فائدة منه

تصف متلازمة المنحبس مريضًا مُستيقظًا وواعيًا، لكنَّه غيرُ قادرٍ على الحراك أو التواصل الشفهيّ مع غيره.

«مريضٌ غيرُ قادرٍ على الحركة، من أعلى الرأس إلى أَخْمَصِ القدم، عقله ليس به علَّة ولكنَّه سجينُ جسده، لا يمكنه التحدُّث أو الحركة. في مثل حالتي؛ تحريك جفنِ عيني اليُسرى هو وسيلتي الوحيدة للتواصل» [1]
جين دومينيك بوبي 1997

في ديسمبر عام 1995، جين دومينيك بوبي (بالإنجليزيَّة: Jean-Dominique Bauby) محرّرٌ صحفيٌّ في مجلة (Elle) -ووالد لطفلين- قد عانى من جلطةٍ دماغيّة أَرْدَتْهُ مشلولًا وغيرَ قادرٍ على الكلام، لكنّه رغم ذلك كان يتمتَّع بوعيٍ كامل، محاصَرٌ تمامًا بما يُسمّيه الأطباء متلازمة المُنحبِس (بالإنجليزيَّة: locked-in syndrome)، (وتختصر: LIS).

انتقلَ جين من رغبته في الموت إلى تأليف كتابٍ يحتوي على تجربته، باستخدام عضلته الوحيدة التي يستطيع تحريكها، جفن عينه اليسرى. [1]

“عندما يصبح جسدُه سجنَه! تغيَّرت حياتُه في طرفةِ عين، وجعلته مُخيّلته حُرًّا!”

قناع الغوص والفراشة Diving Bell and the Butterfly

هو سيرةٌ ذاتيّة للكاتب الصحفي الفرنسي جين دومينيك بوبي والذي ألَّفَه بعد استيقاظه من غيبوبةٍ دامتْ 20 يومًا في المَشفى إثر تعرُّضه لجلطةٍ دماغيّة، والتي تركتْه بمتلازمة المنحبس، بوعيٍ كاملٍ غير قادرٍ على تحريك جسده، باستثناء جفن عينه اليسرى، والذي استعمله لتأليف الكتاب كاملًا، تم نشرُ الكتاب في مارس 1997 حيث تُوفّي الكاتبُ بعدها بثلاثة أيام من الالتهاب الرئويّ. [1]

تحوَّل كتابُه إلى فيلم يحمل نفس الاسم عام 2007، ويُصوِّر الفيلمُ معاناة البطل وألمِه حينما يدرك أن صوتَه غير مسموعٍ لمن حوله، ويصفُ حوارَه مع نفسِه ورهابِه من الأماكن المُغلَقَة والرعب الذي عاشه، كما يُؤكّد على وحدته وفُقدانه للتواصُل الجسديّ، فلم يكن قادرًا على لمس ولديه وضمِّهما إليه كما يفعلُ أيُّ أب. [2]

 

عُرفت متلازمةُ المُنحبس منذ زمنٍ بعيد، ففي عام 1966 كان أوَّل ظهورٍ لها كشللٍ رُباعيّ (بالإنجليزيَّة: Quadriplegia) وشللٍ للأعصاب القحفيّة السفليّة (بالإنجليزيَّة: Lower cranial nerve paralysis) مع بقاءِ العقلِ في حالة وعيٍ تام، واستمرار حركة الجفن العلوي. والتي أُعيد تعريفها عام 1986 كشلل رُباعي وفقدانِ القدرة على النطق (Anarthria) مع الحفاظ على الوعي. [3]

 

متلازمة المنحبس

تُعد متلازمة المنحبس هي حالةٌ مرضيّةٌ شديدةٌ سببُها إصابةٌ بجذع المخ (بالإنجليزيَّة: Brain stem)، استجابةٌ طبيعيّة لإصابة الجزء الأماميّ من منطقة الجسر بالتحديد (بالإنجليزيَّة: Ventral pons)، نتيجة انسداد الشريان القاعدي (بالإنجليزيَّة: Basilar artery)، مما يؤدّي إلى شللِ عصبونٍ حركي علوي رباعي (بالإنجليزيَّة: Upper motor neuron quadriplegia)، شلل بالأعصاب القحفية السفلية (بالإنجليزيَّة: lower cranial nerve paralysis)، وعدم القدرة على النطق (بالإنجليزيَّة: Anarthria)، مع وعيٍ كامل.

يحتفظ المريض الذي عانى من إصابة الجزء الجسري من جذع المخ (بالإنجليزيَّة: Pons) بحركة العين العموديّة وحركة جفنه، وتصبح هي وسيلة تواصله الوحيدة مع العالم الخارجي. [4]

في استطلاع أُجريَ لـ 44 شخصًا ممّن عانوا من متلازمة المنحبس  في فرنسا، أظهرت نتائجه أن نسبة حدوثه للرجال والنساء تساوي 51.2% و 48.1% بالتتابع، وقد تحدث في أيّ عمر بين 22 و77 سنة، في العادة ما بين 41 و52 عامًا، بمتوسط أعمار 46 لـ 79 سنة. [4]

 

أسباب حدوث متلازمة المنحبس

إصابة جذع الدماغ (بالإنجليزيَّة: Brain stem) إصابة حادة مثل:

  •  جلطة تتسبب في انسداد الشريان القاعدي لعدم وصول دم كافٍ إليه، وهو أكثر الأسباب شيوعًا.
  • نزيف من جسر الجذع  أو يمتد إليه.
  • إصابة أرضيَّة بشكل مباشر أو غير مباشر.

أو أسباب مزمنة مثل:

  • ورم أوَّلي أو ثانوي
  • أسباب استقلابيّة (بالإنجليزيَّة: Metabolic).
  • التصلب المُتعدّد (بالإنجليزيَّة: Multiple sclerosis).
  • عدوى.
  • التصلُّب الجانبيّ الضُموريّ (بالإنجليزيَّة: Amylotrophic lateral sclerosis).
    [3،5]

أنواع متلازمة المنحبس

تم تصنيف هذه المتلازمة إلى ثلاث فئات:

  • كلاسيكي (بالإنجليزيَّة: Classic): شلل رباعي، تعذُّر النطق مع إمكانيّة تحريك العين حركة أفقيّة.
  • غير كامل (بالإنجليزيَّة: Incomplete): كالنوع الكلاسيكي، مع الحفاظ على بعض الحركات الإراديّة الأخرى بجانب حركة العين الأفقية.
  • كامل (بالإنجليزيَّة: Total): شلل تام وعدم القدرة على التواصل، مع الحفاظ على وعيٍ كامل.

بُني هذا التصنيف على حالات سابقة تمَّ رصدُها، لكن لا يوجد تفاصيل علاجيّة تُفرِّق بينهم. كل من الفئات الثلاثة قُسِّمَ إلى مؤقت (بالإنجليزيَّة: Transient) ومزمن (بالإنجليزيَّة: Chronic). المرضى الذين يعانون من النوع المؤقت يتحسنون عصبيًّا؛ فقد تدوم لحظاتُ متلازمةِ المنحبس لديهم دقائقَ فقط مع مُعدَّل شفاءٍ جيّدٍ جدًّا. [3]

 

حياة تستحقُّ العيش

وجدت الدراسة أن الناجين بمتلازمة المنحبس والذين عاشوا بقيّة حياتهم بإعاقةٍ شديدة لم يتمنّوا الموت، على عكس المفهوم الشائع -خطأً- أن هؤلاء المرضى يُفضّلون الموتَ على الحياة هكذا.

عاد مريضان ممَّن يعانون من متلازمة المنحبس إلى العمل، الأوّلُ كان مُحاميًا والذي استخدم شيفرة مورس (بالإنجليزيَّة: Morse code) بالاستعانة بحركة جفن عينه للإدلاء بالآراء القانونيّة، أما الثاني فقد كان مُعلِّمًا للرياضيّات والهجاء مُستخدمًا عصا فم (بالإنجليزيَّة: Mouth stick) تُحفِّز جهاز صوتٍ إلكترونيّ. [3]

 

سبب الوفاة في متلازمة المنحبس

المُضاعَفات الرئويّة (بالإنجليزيَّة: Pulmonary complications) هي السبب الأكثر شيوعًا للوفاة في هذه المتلازمة -كما هو الحال في إصابة الحبل الشوكي-  فهي تُقلّل السعة الحيويّة للرئة (بالإنجليزيَّة: Vital capacity). دخول اللعاب مجرى التنفُّس بسبب صعوبة البلع وفقدان القدرة على السعال، كلُّها عوامل تُؤدّي إلى حدوث مضاعفات أكثر، وتشمل: انخماص الرئة (بالإنجليزيَّة: Atelectasis)، والالتهاب الرئويّ (بالإنجليزيَّة: Pneumonia). كما أن عدم الحركة يزيد من مُعدَّل الإصابة بجلطةٍ بالشريان الرئويّ . [3]

 

علاج متلازمة المنحبس

حتى الآن لا يُوجَد علاجٌ يعكس الشلل الحاصل لدى المريض أو يعيد له قدرتَه على الكلام، فيجب إجراءُ المزيدِ من الأبحاث لفهم المرض وإيجاد طرق علاجيّة له.

باكْلُوفين (بالإنجليزيَّة: Baclofen) هو دواءٌ مُشتَقٌّ من حمض جاما امينوبيوتيريك (بالإنجليزيَّة: Gamma-aminobutyric acid) وهو مُحفِّزٌ لمُستقبِلات جابا (بالإنجليزيَّة: GABAB receptors). إن طريقة عمله ليست معلومة حتى الآن، وإنما تبقى مُجرَّد نظريات؛ حيث يُحسِّن الباكلوفين التخشُّب العضلي (بالإنجليزيَّة: Spasticity) الناتج عن الإصابات الحادَّة، ويُحسِّن الوظيفة الحركيّة خاصَّةً في الرأس والأطراف العلويّة لدى مرضى متلازمة المُنحبس. [6]

 

 

المصادر:
1.

The Diving Bell and the Butterfly by Jean-Dominique Bauby. https://www.goodreads.com/book/show/193755.The_Diving_Bell_and_the_Butterfly. Accessed 21 Apr. 2020.

2.

Rait, Greta. “The Diving Bell and the Butterfly (Le Scaphandre et Le Papillon).” London Journal of Primary Care, vol. 1, no. 1, 2008, p. 55, https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4212776/.

3.

Smith, Eimear, and Mark Delargy. “Locked-in Syndrome.” BMJ : British Medical Journal, vol. 330, no. 7488, Feb. 2005, pp. 406–09, https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC549115/.
4.

León-Carrión, José, et al. “The Locked-in Syndrome: A Syndrome Looking for a Therapy.” Brain Injury, vol. 16, no. 7, July 2002, pp. 571–82, doi:10.1080/02699050110119781.

5.

Lulé, D., et al. “Life Can Be Worth Living in Locked-in Syndrome.” Progress in Brain Research, edited by Steven Laureys et al., vol. 177, Elsevier, 2009, pp. 339–51, doi:10.1016/S0079-6123(09)17723-3.

6.

Intrathecal Baclofen: Effects on Spasticity, Pain, and Consciousness in Disorders of Consciousness and Locked-in Syndrome | SpringerLink. https://link.springer.com/article/10.1007/s11916-014-0466-8. Accessed 21 Apr. 2020.

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي