متلازمة الموت المهني.. أن تقتل نفسك بنفسك!

الموت-المهني

متلازمة الموت المهني|متلازمة الموت المهني.. أن تقتل نفسك بنفسك!

هل شعرت يومًا ما بانعدام قيمةِ ما تفعل؟ ربما تكون حياتك مليئةً بالأشياءِ الهامَّة لكنك تشعرُ أنها بلا معنى. ربما يكون لديكَ عملٌ جيد وتحبه لكنه يأخذ معظم وقتك، أو ربما تنهمك فى دراستك الجامعية أو يلتهمك شغف المعرفة. حسنًا، ربما عملك الذي تحبه يكونُ سببَ تعاستك، بل أن يجعلك تقتل نفسك بنفسك، ربما تكمن كلمة السر في «متلازمة الموت المهني».

عندما تحاصرك المشاكل والضغوط في العمل ليبدو كل شيءٍ كئيبًا ويصبح من الصعب استنهاض طاقتك لفعل شيءٍ ما حيال أي أمر، حسنًا، ربما هي أيضًا «متلازمة الموت المهني» أو يمكن أن نطلق عليها الاستنزاف المهني.

ماذا يعني أن تموت مهنيًا؟

متلازمة الموت المهني أو الاحتراق النفسي (burnout syndrome) هي حالةٌ من الإنهاك الشعوري والعقلي والجسماني في نفس الوقت، وتنتج عن التعرض لضغطٍ كبيرٍ ومُتصلٍ لفترةٍ طويلة، ويتصل هذا المصطلح بما يُعرف بعلم النفس الصناعي أو الوظيفي. عندما تشعر أن الضغوط المهنية تتفاقم عليك من كل الاتجاهات فلا يكون لديك دافعٌ يقودكَ إلى إنجازِ أيِّ شيء، في هذه الحالة تشعر بأنك تريد فقط الجلوس أمام التلفاز أو عمل أي شيءٍ عبثيٍّ ليس له معنى كرد فعلٍ على هذا الكبت والضغط الزائد عن الحد لفتراتٍ طويلةٍ ومتصلة بلا هوادة ولا انقطاع.

تُسبِّب متلازمة الموت المهني الاكتئاب والسلبية والشعور بالتعاسة وتستنزف طاقتك، مما يكون له الأثر الكبير والسيء على علاقاتك وعملك وحتى صحتك، لكن الخبر الجيد أنه يمكنك تفادي كل هذا الاستنزاف لحياتك، هناك الكثير لتفعله لإعادة التوازن لديك مرةً أخرى لتشعر بأنَّك على قيد الحياةِ مرةً أُخرى!

يمكن لما يُسمَّى متلازمة الموت النفسي أن تُدمِّرَ مستوى إنتاجيتك في العمل وتستنزف طاقتك وتجعلك تشعر بانعدام القيمة، ربما تُنمِّي لديكَ حِسًّا ساخرًا عن الأشياء حولك، بمرور الوقت على هذه الحالة يمكن أن تشعر أنه لل يوجد لديك المزيد لتقدمه في حياتك.

إذا كنت تشعر بالإجهاد طوال الوقت، أو تستيقظ متأخرًا كل يوم عن عملك، وتشعر كُلَّ صباحٍ أنه يلزم لإيقاظك رافعة حديدية أو دلو من الماء البارد، ثم تذهب إلى المرحاض في كسلٍ وتذهب لعملك متأخرًا وتدخل إلى مكتبك دون أن تُلقِ السلام على أصدقائك، فربما تكون مُصابًا بمتلازمة الموت المهني.

يُعرّف البروفيسور «ديفيد بالارد» الأستاذ بالجمعية الأمريكية لعلم النفس، متلازمة الموت المهني بأنها: «تَعرُّض الفردِ لفترةٍ مُمتدةٍ من الاستنزاف الشديد وانعدام الشعور بقيمة الأشياء، مما يتسبب في تراجع الأداء في العمل».

أسباب «الموت المهني»:

يُعتبر مصطلح متلازمة الموت المهني «الذاتي» من مصطلحات علم النفس الوظيفي، إذ يتسبب عملك بشكلٍ أساسيٍّ في هذه الحالة. أيُّ شخصٍ يشعرُ بأنه يعمل أكثر من اللازم وأنَّ عمله لا يُقدَّر ماديًّا أو معنويًّا على الوجه الأمثل، فهو في مِصيدةِ أن يصابَ بالاحتراق نفسيًّا من العمل المُجهِد، وأن يموت مِهنيًّا مع الوقت سواءً كان يعمل في مكتب كبير، أو عاملًا بمصنعٍ لم يأخذ إجازة لمدة طويلة، أو حتى بسبب الأعمال المنزلية المُرهِقة وتربية الأطفال.

يُساهم إيقاعُ حياتك وسمات شخصيتك أيضًا في الوصول لتلك الحالة، ما تفعله في أوقات إحباطك، نظرتك للعالم، كل هذا يُسبِّب الاحتراق الداخلي مثل متطلبات المنزل أو العمل.

  • أسباب مرتبطة بالعمل:
  1. عند الشعور بأن لديك سيطرةٌ أقل على عملك.
  2. عدم وجود اعتراف أو تقدير لجودة العمل، وعندما يتساوى من يعمل بمن لا يعمل.
  3. طلبات أو توقعت زائدة وغير واضحة المعالم.
  4. أداء أعمالٍ رتيبة أو ليس بها منافسة أو إبداع.
  5. العمل في فوضي أو في بيئةِ عملٍ ضاغطة أكثر من اللازم.
  • أسباب مرتبطة بإيقاع الحياة: 
  1. العمل بكثرة بدون تخصيص مدةٍ كافية للتفاعل الاجتماعي أو الراحة.
  2. عدم وجود علاقات وأصدقاء قريبين وداعمين.
  3. الاضطلاع بمهام ومسؤوليات كثيرة بدون مساعدة كافية من الآخرين.
  4. عدم الحصول على فترةِ نومٍ كافية.
  • السمات الشخصية التي تؤدِّي للموت المهني: 
  1. السعي للكمال والمثالية، لا شيء جيد كفاية.
  2. النظرة المتشائمة تجاه النفس والعالم.
  3. الحاجة للسيطرة الدائمة والتردد في تفويض الآخرين بدلًا عنك.
  4. الناجحون عادةً، الشخصية المتفردة ورقم 1 في كل شيء.

علامات الإصابة بـ «الموت المهني»

يقول البروفيسور «بالارد» إن الفرد يتعرَّض لهذه الحالة عندما يتعرض لضغوطٍ مُزمنة في العمل، وفي هذه المواقف فإن الضغوط والمطالبات تتعدَّى المواردَ المتاحة لديك للتعامل مع هذه المطالبات الضاغطة، وإذا تركت نفسك على هذه الحال ربما تدمر صحتك وسعادتك وعلاقاتك وعملك. للتغلب على هذه الحالة في مهدها، يجب عليك أن تعرف علاماتٍ هامة على وقوعك في «الموت المهني» طبقا للبروفيسور بالارد.

  1. الإنهاك: وهو علامة واضحة من علامات الموت المهني وتشعر فيها بالتعب في كل الأوقات، الإنهاك يمكن أن يكون شعوريًّا أو عقليًّا أو جسديًّا، إنه الإحساس بعدم وجود أي طاقةٍ لديك لتعطيها لأي شيء.
  2. انعدام الدافع: عندما تشعر بعدم وجود حماس لأي شيء، أو لا تشعر بوجود دافعٍ داخلي للعمل فهذا دليلٌ واضحٌ على مرورك بتجربة الموت المهني، سيكون من الصعب عليك أن تستيقظ في الصباح الباكر وتقحم نفسك في عمل يومي.
  3. الإحباط والسخرية والمشاعر السلبية: ربما تشعر بأن ما تفعله ليس له قيمة، أو تشعر بخيبة الأمل من كل شيء.
  4. مشاكل في الإدراك: الموت المهني والضغوط المزمنة ربما تتدخل في قدرتك على الانتباه والتركيز، عندما تكون مضغوطًا فإنك تركز على الأشياء السلبية التي نستقبلها كأشياءٍ تهددنا، لكن عقولنا مصممة للتعامل مع الضغوط وحل المشاكل المختلفة، لكن عندما تصبح الضغوط مُزمنةً فإن ذلك يؤثر على قدرتنا على الانتباه للأشياء، يمكن لهذا أيضا أن يؤثر سلبيًّا على طريقة اتخاذك للقرارات وحل المشاكل، وربما تجد نفسك تنسى أكثر وتقضي الكثير من الوقت لتتذكر الأشياء.
  5. انحدار الأداء المهني: قارن أداءك المهنى حاليًّا بما كان عليه في السابق، لأن الموت المهني يميل لأن يحدث عبر فترة طويلة من الزمن.
  6. مشاكل شخصية في المنزل والعمل: إن الموت المهني يؤدِّي لدخولك صراعاتٍ أكثر مع الآخرين، كأن تدخل في جدالاتٍ حامية مع أصدقاء العمل أو أن تنسحب من الحديث مع أصدقائك وأفراد عائلتك، ربما تكون موجود معهم جسديا فقط، لكنك لا تهتم ولا تكترث لأمر أحدٍ منهم.
  7. ألا تهتم بنفسك ومظهرك: عندما يعاني الناس من الموت المهني، بعضهم يلجأ للمشروبات الكحولية بكثرة، أو التدخين والأكل كثيرًا خاصةً الأطعمة السريعة غير الصحية، وربما لا يأكل أو ينام بشكلٍ كافٍ.
  8. الانشغال بالعمل حينما لا يكون في العمل: بالرغم من أنك قد لا تكون في أوقات العمل الرسمية لكنك تطيل عملك أكثر بالتفكير فيه وتستهلك طاقةً عقليةً كبيرة جدًا في ذلك، وهذا يجعل عملك يقطع قدرتك على التعافي من الضغوط، لتتعافى منها، يجب أن تجد وقتًا لنفسك بعد انتهاء العمل، وألَّا تُفكِّر فيهِ أيضًا.
  9. الشعور برضاءٍ أقل: هو ميلٌ للشعور بسعادةٍ أقل ورضا أقل بعملك وحياتك الأسرية.
  10. مشاكل صحية: مع مرور الوقت فإن الضغوط المزمنة يمكن أن مشاكل صحية حقيقية، مثل مشاكل الهضم والقلب، والقلق والسمنة.

الفرق بين الإنهاك والموت المهني:

يمكن أن يكون الموت المهني ناتجًا عن الإجهاد والإرهاق لمدةٍ طويلةٍ ومتصلة، لكنه يختلف عنه في الواقع، الضغط الزائد عن الحد يُؤدِّي للتوتر والإرهاق، لكن مع الإرهاق يمكنك أن تؤدي مهامك اليومية، أن تتخيل وتعمل وتفكر وكل شيء سيكون تحت سيطرتك، لكن أن تحترق نفسيًّا يعني أنك تشعر بالخواء الداخلي، لا دافع لديك لعمل أي شيء ولا تهتم لأي شيء.

إن الأشخاص الذين يصلون لمرحلة الموت مهنيًّا لا يمكنهم تصور أي تغيير إيجابي في حياتهم. اِحذر، فعندما تعتاد على العمل تحت ضغط وتدرك أنك تستطيع التعامل جيدًا مع ذلك، فإن الموت المهني لا يمكنك أن تلاحظه عادةً عندما يتمكن منك.

الأعراض السلبية لمتلازمة الموت المهني تدخل في كل مناحي حياتك، بدءًا من منزلك، وعملك، وحتى حياتك الاجتماعية، الموت المهني يمكن أن يسبب أيضًا تغيراتٍ في هيئة جسدك على المدى البعيد، يمكن أن يجعلك ضعيفًا وعرضةً أكثر للأمراض مثل البرد والإنفلونزا، ونظرًا لعواقبه الوخيمة فإنه من الأهمية بمكان أن تبدأ بمحاربته الآن.

ماذا تفعل لكي لا تموت مهنيًّا؟

يقول البروفيسور بالارد إنه يجب علينا إن لاحظنا أيًّا من علاماتِ الإصابة بالموت المهني بأنه يجب علينا فعل بعض الأشياء ومنها:

  1. الاستمتاع براحة جدية: خصِّص وقتًا للراحةِ التامة دون أن تفكر في العمل.
  2. السعي لخلق حياةٍ غير مهنية: اهتم بهواية على سبيل المثال بعيدًا عن العمل، مارِس رياضة، مارِس أعمالًا تطوعية.
  3. اِفصل نفسك عن التكنولوجيا: من الهام أن تخصص وقتًا بعيدًا عن كل ما يُمتُّ للتكنولوجيا بصلة، وأن تمارس أعمالًا اجتماعية مع عائلتك أو أصدقائك بينما تُغلق هاتفك أو تُخصِّص وقتًا مُحددًا للرد على رسائل البريد الإلكتروني.
  4. احصل على قدرٍ كافٍ من النوم: يُؤكِّد الباحثون أنَّ النوم لمدةٍ أقل من 6 ساعات في الليلة الواحدة يمكن أن يتسبب في الموت المهني، النوم القليل يمكن أن يؤثر سلبيًا على مستوى إنتاجيتك في العمل، ويقلل دوافعك للعمل ويجعلك أكثرَ حساسيةً للأحداث الطارئة الضاغظة، النوم يمكن أن يحسن ذاكرتك بالفعل.
  5. كُن منظمًا: أفرِغ دماغكَ تمامًا من الأشياء التي تُشتتها، اجعل معك ورقة وقلم واكتب ما تريد فعله يوميًا، ضع نصب عينيك الأولويات أولًا، ثم لن يتبقى شيءٌ للمنغصات والمشتتات.
  6. كن واعيًا ومتفهمًا: يجب أن تعي جيدًا علامات الموت المهني ما إن كنتَ تحتَ ضغطٍ كبيرٍ لفترةٍ طويلة، تجنَّب الصداع وانتبه لأوجاع الرقبة، أو وجع المعدة، يمكنك مراجعة اختصاصيٍّ نفسيّ ليساعدك على إحداث التوازن بجانب أصدقائك وعائلتك.
  7. اعرف منبع السبب: يمكن أن يكون الموت المهني نابع داخليًا منك أو من الآخرين، انتبه لما يجعلك عصبيًا وكيف تتغلب عليه وتخلق دوافعك، يجب أن تؤدي وظائفك وعملك جيدًا، ويمكن أن يكون السبب هو بيئة العمل، فالمطالبات الكثيرة على العامل في ظل وجود موارد قليلة، يجب عليك حينها أن تعرف هل من الجيد أن تترك العمل، في حين أن مرتبتك الوظيفية لا تتطابق مع احتياجاتك ومهاراتك.
  8. اكتشف متى «كفى» تعنى كفى: تحدث مع مديرك أو مدير الموارد البشرية عن صحتك العقلية، أو اسألهم عن تمريناتٍ لإدارة الضغوط، أو على الأقل كيف تُطوِّر مهارات الاتصال لديك وتخلق جوًّا إيجابيًّا في بيئة العمل، اسأل عن أفضل طريقة تخدم بها المؤسسة، يمكنك أن تغير ورديات عملك على سبيل المثال.

المصادر:

http://www.helpguide.org/articles/stress/preventing-burnout.htm

http://www.forbes.com/sites/learnvest/2013/04/01/10-signs-youre-burning-out-and-what-to-do-about-it/2/#34e99fee2123

ترجمة: Ahmed El Gamal
مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary
تحرير: يُمنى أكرم

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي