حكاية موقد بنزن

موقد بنزن

الحاجة أمُّ الاختراع، مقولة تنطبق على جميع الاختراعات على مر التاريخ، بما فيها موقد بنزن. هذا الجهاز الذي لا يخلو منه أي مختبر دراسي، ولا يجهله أيُّ كيميائي. نستعرض في السطور التالية الظروف والاحتياجات العلمية التي ساهمت في تصميم وإنشاء هذا الجهاز الفريد. كما نتطرق إلى فكرة عمله وإسهاماته في التاريخ العلمي.

موقد بنزن (Bunsen Burner)

موقد بنزن - المصدر: https://digital.sciencehistory.org/works/6t053g02h
موقد بنزن – المصدر: https://digital.sciencehistory.org/works/6t053g02h

موقد بنزن هو أحد أيقونات الكيمياء التجريبية، ويعتبر أيضًا أحد القطع الأساسية في أجهزة المختبرات العلمية وفصول المدارس الثانوية على حدٍّ سواء. ترجع تسميته إلى العالم الألماني روبرت بنزن (Robert Bunsen). وهو موقد غازي (Gas Burner)، صُنِعَ عام 1854م بواسطة بيتر ديساجا (Peter Desaga)، الذي كان يعمل في مختبر روبرت بنزن. ينتج الموقد لهبًا ساخنًا، عديم الدخان، سهل التحكم فيه، مما يجعله مثاليًا للاستخدام في المختبر.(1)(2)

روبرت بنزن (1811م - 1899م) - المصدر: https://digital.sciencehistory.org/works/r207tp489
روبرت بنزن (1811م – 1899م) – المصدر: https://digital.sciencehistory.org/works/r207tp489

نشأة روبرت بنزن

وُلد روبرت بنزن في مدينة جوتنجن (Göttingen) الألمانية، في 31 مارس 1811م. وكان رابع وأصغر أبناء كريستيان بنزن (Christian Bunsen)، أستاذ فقه اللغة (الفيلولوجيا – Philology) في جامعة جوتنجن (Göttingen University). في أواخر حياته، ذكر روبرت أن عناد الشباب، الذي كان يتسم به، كان بمثابة تجربة قاسية لوالديه ومعلميه. والدته فقط هي التي كانت قادرةً على إبقائه تحت السيطرة. لكن لم يكن هناك شك في ذكائه، فقد حصل على درجة الدكتوراة بعمر 19 عامًا.(3)

حياته روبرت بنزن العملية

سافر روبرت بنزن إلى باريس، وبرلين، وفيينا لاستكمال دراساته، ثم عاد إلى وطنه عام 1834م ليصبح أستاذًا في الكيمياء.
خلال أكثر من نصف قرن من التدريس والبحث، قدَّم مساهمات قيمة في العديد من مجالات الكيمياء. كما حصل العديد من طلابه السابقين على وظائف مرموقة. قدم بنزن إسهامات كبيرة لمجال الكيمياء الكهربية، ويعتبر أحد آباء علم التحليل الطيفي (Spectroscopy). واشتهر بتطويره لموقد غازي يتميز بالبساطة والكفاءة معًا، هو موقد بنزن.
لم يتزوج بنزن أبدًا، وكرس حياته للبحث العلمي والتدريس. تقاعد من التدريس عام 1889م، لكنه ظل مهتمًا بتطوير علم الكيمياء حتى وقت قصير قبل وفاته عام 1899م.(3)

الظروف التي مهدت الطريق لاختراع موقد بنزن

مختبر روبرت بنزن الجديد

في عام 1852م، وجهت جامعة فروتسواف (University of Breslau)  الدعوة لروبرت بنزن ليكون خلفًا لليوبولد جملين (Leopold Gmelin) (1788م – 1853م) كأستاذٍ للكيمياء في هايدلبرج (Heidelberg). كان أحد شروط بنزن لقبول دعوة جامعة فروتسواف هو إنشاء مختبر جديد وفقًا لمعاييره الخاصة. وبالفعل كان أكبر المختبرات التعليمية وأفضلها تجهيزًا في ألمانيا كلها.(4)

البحث عن وسائل جديدة للإضاءة والتسخين

عانى روبرت بنزن طويلًا مع الفحم، وأفران الفحم، والمصابيح الكحولية. وكان يبحث عن وسيلة أفضل ليس فقط لإضاءة مختبره، ولكن أيضًا لتوفير مصادر أفضل للحرارة اللازمة لإجراء التجارب. لذلك زَوَّدَ المختبر الجديد بأنابيب الغاز اللازمة. ومع ذلك، فإن أجهزة حرق الغاز المتوافرة آنذاك عانت جميعها من عيبٍ خطير يتمثل في أنها تنتج لهبًا مضيئًا ذا دخانٍ وطاقةِ تسخينٍ منخفضة. كان بنزن العبقري المبتكر واثقًا من قدرته على ابتكار موقد مناسب.(4)

اكتشاف عيوب في مواقد الغاز المتاحة

عندما عاد تلميذه البارع هنري روسكو (Henry Roscoe) (1833م – 1915م) من إجازته، أحضر من لندن موقد أرجاند (Argand Burner). يتميز هذا الموقد بوجود مخروط نحاسي يمكن أن ينزلق لأعلى ولأسفل على طول أنبوب الموقد، الذي يتكون الجزء العلوي منه من شبكة معدنية (Wire Gauze)، تعمل على منع خطر حدوث ارتجاع للهب (Flashback). ويُخلط الغاز مع الهواء داخل حجرة معدنية اسطوانية. يُسمى هذا الموقد أيضًا بموقد الشبكة (Gauze Burner)، ويُعتقد أنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بموقد مايكل فارادي (Michael Faraday). جربه بنزن، ثم رفضه، حيث كان اللهب كبيرًا جدًا، وكان من الصعب التحكم به، وكان الغاز مخففًا لدرجة أن درجة الحرارة الناتجة كانت منخفضة جدًا. إضافة إلى ذلك، كان اللهب يضطرب بشدة، وكان له لون، نتيجة لتعرضه للملوثات الموجودة على الشبكة المعدنية. كان الدافع الأساسي لتطوير موقد الجديد هو الحصول على لهب عديم اللون تقريبًا، وخالٍ من الدخان، وحجمه ثابت، يمكن استخدامه لوضع المعايير الفوتومترية (Photometric Standards).(2)(4)

فكرة عمل موقد بنزن

بدأ بنزن العمل، وفي وقت قصير توصل إلى حل بسيط مذهل لهذه المشكلة المعقدة. بدلًا من تغذية اللهب بالهواء من الخارج، أعدَّ خليط الهواء والغاز مسبقًا، وجعله ينبعث من أنبوب طويل ضيق، تحت ضغط إيجابي، قبل بدء الاشتعال. وإذا حُدِّدَ عرض وطول الأنبوب بشكلٍ صحيح، لن ينتشر اللهب إلى أسفل الأنبوب، وبالتالي، لن يكون هناك ضرورة لاستخدام شبكة الأمان السلكية. وبهذه الطريقة، وجد أنه يمكنه الحصول على لهب غير مضيء وأكثر سخونة وتركيزًا.(2)(4)

نقل بنزن أفكاره إلى فني الجامعة، بيتر ديساجا. وبحلول الوقت الذي انتقل فيه بنزن إلى المختبر الجديد في ربيع عام 1855م، كان ديساجا قد صنع عددًا كافيًا من المواقد لطلاب هايدلبرج، وسرعان ما كان يلبي الطلبات التي توافدت عليه من جميع أنحاء العالم.

وبحلول نهاية ستينيات القرن التاسع عشر، كانت مواقد الغاز قد أُزاحت إلى حدٍّ كبير أفرانَ الفحم من مختبرات الكيمياء. لم يتقدم بنزن ولا ديساجا بطلب للحصول على براءة اختراع الموقد الجديد.(2)(4)

إسهامات موقد بنزن

أثبت الموقد أنه مفيد بشكل خاص في اختبارات اللهب (Flame Tests). وكان أداةً أساسية في الدراسات الكيميائية الضوئية التي أجراها كلٌ من بنزن وروسكو بين عامي 1855م و1862م. كما ساهم في الأبحاث المشتركة بين بنزن وجوستاف كيرشوف (Gustav Kirchhoff)، مما أدى إلى انتصاراتهما التحليلية الطيفية.(3)(4)

شارك المقال:
0 0 votes
Article Rating
2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي