نجوم درب التبانة…كم عددها؟

GSFC_20171208_Archive_e000717_orig

درب التبانة|

مجرة درب التبانة.. مجرتنا الأم التي نشأ بها كوكب الأرض؛ يمكننا رؤية جزء منها بالعين المجردة في الليالي الصافية على هيئة مئات الألاف من النجوم التي تمتد في مساحات شاسعة من السماء، كما سيظهر لنا المزيد منها عند النظر بواسطة تيلسكوب. على الرغم من متعة هذا المشهد، إلا أنَّه يطرح في أذهاننا سؤالًا هامًا؛ ألا وهو، كم يكون عدد النجوم الموجودة في مجرة درب التبانة؟

من المفاجئ أن نجد صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال، حيث لا يمكنك الجلوس في مكان ما وحصر هذه النجوم.

هذا ما قاله الدكتور (دايفد كورنريش- David Kornreich) الاستاذ المساعد بجامعة (إيثاكا) بمدينة (نيويورك)، والمؤسس لخدمة «اسأل عالم فضاء» (Ask An Astronomer) بجامعة (كورنيل) الشهيرة.

حتى في مجرة (أندروميدا) المضيئة كبيرة الحجم، والتي تعد قريبة نسبيا من كوكب الأرض -حيث تبعد عنا بمساف 2.3 مليون سنة ضوئية- يمكننا رؤية عدد قليل من النجوم كبيرة الحجم، وتعطي بريقًا ساطعا يمكِّننا من رؤيتها بواسطة التيلسكوبات خلال تلك المسافة الكبيرة؛ فحتى بالنسبة للنجوم التي في حجم الشمس سيكون من الصعب رؤيتها. لذلك، يعتمد الفلكيون على بعض الطرق التالي ذكرها في حصر هذه النجوم.

التركيب الداخلي لمجرة درب التبانة

يعلم الفلكيون أن مجرتنا درب التبانة هي مجرة حلزونية الشكل، يبلغ عرضها حوالي 100,000 سنة ضوئية. فعند النظر إليها من الخارج، ستبدو لنا على هيئة انتفاخ مركزي يحيطه أربعة أذرع، منهما اثنان رئيسيان، والآخران ثانويان. يسمى الذراعان الرئيسيان ب(يرسيوس) البطل الإغريقي -و الآخر يسمى القوس. بينما تتمركز الشمس في أحد الأذرع الثانوية والذي يسمي ذراع (أوريون).

تنتشر هالة ضخمة من الغازات الساخنة حول مجرتنا، والتي يمتد قطرها لمئات الآلاف من السنين الضوئية؛ حيث يعتقد العلماء أن هذه الهالة بحجمها الهائل تساوي عدد النجوم الموجودة داخل مجرة درب التبانة نفسها. وعلى الرغم من كل هذا، فهناك العديد من النجوم التي يصعب رؤيتها في مجرتنا. هذا بسبب الانتفاخ الكبير المليئ بالنجوم والغازات والغبار الكوني، إضافةً إلى وجود الثقب الأسود الهائل الحجم. كل هذا يجعل من الصعب الرؤية خلال هذه الكتلة الكثيفة مهما بلغت قوة التيلسكوب المستخدم. فلا يعرف العلماء على وجه الدقة كيف تكونت تلك الكتلة من الأساس، إلا أن البعض يعتقد أنَّ التاريخ القديم لمجرتنا قد تغيير بسبب اصطدامها بمجرة اخرى.

في الماضي، كان يعتقد العلماء أنَّ جميع النجوم الموجودة في الكون تتواجد في مجرة درب التبانة، إلى أن تغيرت هذه الفكرة تماماً بحلول عام 1920، حيث تمكن العالم الشهير إدوين هابل من قياس المسافات السماوية بواسطة نوع من النجوم النابضة يسمى (Cepheid) -والذي يتميز بتغيُّر طوله الموجي مع تغير مكانه- ومن هنا عرف الفلكييون أنَّ هناك الكثير من المجرات المنفصلة والبعيدة عن مجرة درب التبانة.

الكثير والكثير من التحليلات

تتمثل الخطوة الأولية لتقدير عدد النجوم في مجرة ما، في معرفة كتلة هذه المجرة، والتي يمكن معرفتها عن طريق ملاحظة عملية دوران المجرة حول نفسها، ودراسة طيفها باستخدام أجهزة التحليل الطيفي. حيث تتحرك جميع المجرات متباعدة عن بعضها، مما يؤدي إلى تغير الطول الموجي للأشعة الصادرة منها من الأزرق إلى الأحمر بسبب زيادة طول الموجة الضوئية الصادرة منها، والتي تعرف بظاهرة الانزياح نحو اللون الأحمر (redshift).

ولكن يقول الدكتور (كورنريش):

يختلف الوضع قليلا في حالة المجرات التي تدور حول نفسها، حيث يُظهر كَمٌّ صغيرٌ من الموجة الضوئية انزياحًا نحو اللون الأزرق (blue shifted) هذا بسبب تحرك هذا الجزء من المجرة باتجاه كوكب الأرض، كما أنه من الضروري معرفة زاوية ميل واتجاه دوران المجرة قبل البدء في دراستها، وهو أمر يمكن التكهن به.

تعد أفضل طريقة لللقيام بهذا النوع من التحليل هي طريقة التحليل الطيفي بواسطة الشق الطولي (long-slit spectroscopy)، حيث يتم النظر إلى جسم طولي كالمجرة مثلًا، من خلال شق طولي، ثم يحدث انكسار لضوء النجوم التي بالمجرة بواسطة أداة تشبة المنشور الزجاجي، حيث يتم تكسير ضوء النجوم إلى الوان قوس قزح؛ لنجد اختفاء بعض من تلك الالوان، متخذة نفس نمط توزيع العناصر في الجدول الدوري، وهذا ما يُمكِّن العلماء من معرفة العناصر المكوِّنة للنجوم. حيث يمتلك كل نجم عنصرًا كيميائيًا فريدًا خاصًا به يعدُّ بمثابة بصمة الأصبع للنجم، يمكن ملاحظتها بواسطة التيلسكوب. تعد هذه أساس عملية تصنيف النجوم التي يعتمدها الفلكيون في التفريق بين أنواع النجوم، والتي تسمى بـ (O-B-A-F-G-K-M sequence).

يعتمد الدكتور (كورنريش) في هذا النوع من التحليل الطيفي على استخدام تيلسكوب بقطر200 بوصة في مرصد (بالومار-Palomar) بمعهد (كاليفورنيا) التكنولوجي، ولكنه أوضح أنَّ أي تيلسكوب ذو حجم مناسب سيفي بالغرض. لكن الأمر الهام هو استخدام تيسلكوب يدور حول الأوض، لكي نتجنب حدوث تشتت الضوء بسبب مروره من خلال الغلاف الجوي للأرض وتأثير التلوث الضوئي، حتى غروب الشمس له تأثير على استقبال الضوء بواسطة التيلسكوبات الأرضية. لذلك، يعد تيلسكوب (هابل) أحد أهم المراصد المستخدمة في هذا النوع من التحيليلات الطيفية، كما أننا في انتظار انطلاق أحد أكبر المراصد على الاطلاق، وهو تيلسكوب (جيمس ويب) الفضائي (James Webb Space Telescope) المترقب انطلاقه عام 2020. ويكمن التحدي هنا في الاعتماد الكبيرعلى قدرات تيلسكوب (هابل) وتيلسكوب (جيمس ويب) حال انطلاقه، واللذان سيوفِّران على الدارسين الكثير من الوقت في تقدير كتلة المجرات.

كم تبلغ كتلة النجوم؟

بين مختلف المجرات المتساوية في الكتلة، يوجد اختلافات في نوعية النجوم وكتلتها الكلية، فقد أوضح الدكتور كورنريش أنَّه رغم صعوبة الحديث عن هذا الأمر بالكامل، إلا أنَّه يمكننا ملاحظة أحد تلك الاختلافات عند دراسة نوعين مختلفين من المجرات أحدهما إهليجي (elliptical) الشكل والآخر حلزوني (spiral) كمجرة درب التبانة. حيث نلاحظ في المجرات الإهليجية تواجد عدد أكثر من النجوم القزمية الحمراء من النوع (M) و النوع (K)، عنه في المجرات الحلزونية، ويرجع هذا إلى نشأة المجرات الإهليجية قبل الحلزونية بفترة طويلة، مما يقلل من كمية الغازات الموجودة بها أثناء عمليات التطور التدريجية.
بمجرد تقدير كثافة المجرة، يكون علينا حل لغز آخر وهو معرفة كتلة النجوم من إجمالي كثافة المجرة، حيث أنَّ معظم كتلة المجرة تشكلها المادة المظلمة (dark matter)، وهي نوع من المواد لا يُصدر أي نوع من الأشعة المعروفة لدينا، إلا أنه يعتقد أنه يشكل نسبة كبيرة من كتلة الكون.

يقول الدكتور (كورنريش):

لمعرفة كتلة النجوم، نقوم بوضع نموذج للمجرة محل الدراسة، ونحاول معرفة نسبة الكتلة التي تشكلها النجوم بها، فعامة في معظم المجرات، إذا تمكنت من تقدير كتلتها بواسطة منحنى دورانها، فنستطيع القول أن 90% من كتلتها تكون من المادة المظلمة.

ومع حساب باقي مكونات المجرة من غازات وغبار كوني، يتبقى لنا نسبة تقديرية لكتلة النجوم تساوي 3% من الكتلة الكلية للمجرة، إلا أنَّها نسبة غير مطلقة، فقد يتراوح حجم النجوم من مجرد نجوم في حجم شمسنا، إلى أخرى أكبر أو أصغر منها بمرات عدة، مما يزيد من صعوبة تقدير عدد النجوم أيضًا.

هل يمكن أخيراً إيجاد وسيلة لمعرفة عدد النجوم؟

في النهاية، لا يسعنا إلا أنْ نقوم بإعطاء أرقام تقديرية لعدد النجوم، عن طريق عملية حسابية بسيطة. فكتلة مجرة درب التبانة على سبيل المثال تساوي 100 مليار مرة من كتلة النظام الشمسي؛ لذلك، يمكننا افتراض وجود 100 مليار نجم كمتوسط بين النجوم الأكبر والأصغر من الشمس. إلا أنَّ مشكلة قياس الكتلة لا تزال صعبة للغاية، فبعض الدراسات الأخرى تقدر كتلة المجرة بحوالي 400 إلى 700 مليار ضعف كتلة مجموعتنا الشسية!

مؤخرًا، تقوم مهمة الفضاء الأوربية (جايا-Gaia) بتحديد موقع ما يقرب من مليار نجم في مجرة درب التبانة، حيث تقول وكالة الفضاء الأوربية (ESA) أن المهمة (جايا) ستقوم بتحديد نسبة 1% من المحتوى النجمي لمجرتنا ذات ال100 مليار نجم، حيث يكمن الهدف من تلك المهمة هو عمل أفضل خريطة ثلاثية الأبعاد لمجرة درب التبانة.

أخيراً، ينبهنا الدكتور (كورنريش) على أنَّ هذه كلها مجرد أرقام تقديرية، فقد تتمكن بعض النماذج المتقدمة في المستقبل من إعطاء تقديرات أكثر دقة، لكنه بأي حال من الأحوال سيكون من الصعب جدًا أنْ نقوم بحصر عدد النجوم بشكل فردي والوصول إلى رقم ثابت لعدد النجوم في مجرتنا درب التبانة.

المصدر

http://sc.egyres.com/TBOBp


ترجمة: مجدي ممدوح محمد
مراجعة: بيير عماد
تحرير: زياد الشامي

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي