من هو آدم سميث؟
يعد آدم سميث عالم اقتصاد وفيلسوف ومؤلف أسكتلندي من القرن الثامن عشر، وهو أب علم الاقتصاد الحديث.
وقد جادل سميث ضد المذهب التجاري (Mercantilism)، وهو “نزعة للمتاجرة من غير اهتمام بأي شيء آخر”، وكان من أشد المؤيدين لسياسات عدم التدخل الاقتصادي.
وفي كتابه الأول “نظرية المشاعر الأخلاقية” اقترح سميث فكرة اليد الخفية (invisible hand) – ميل الأسواق الحرة إلى تنظيم نفسها عن طريق المنافسة والعرض والطلب والمصلحة الذاتية.
ويُعرف سميث أيضًا بنظريته الخاصة بتعويض فروق الأجور. ووفقًا لهذه النظرية تميل الوظائف الخطرة أو غير المرغوب فيها لدفع أجور أعلى وسيلة لجذب العمال إلى هذه الوظائف.
وكانت أبرز مساهمة سميث في مجال الاقتصاد، كتابه “بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها” Wealth of Nations، الذي نُشر عام 1776 في بداية مدة الثورة الصناعية، ويعد أحد معالم تطور الفكر الاقتصادي.
الحياة المبكرة لآدم سميث
على الرغم من أن تاريخ ميلاد آدم سميث غير معروف على وجه التحديد، فإن الراجح أنه ولد في يوم 5 يونيو عام 1723 بكيركالدي في أسكتلندا.
التحق سميث بجامعة جلاسكو في أسكتلندا في سن 13 عامًا، حيث درس الفلسفة الأخلاقية. في وقت لاحق، التحق سميث بالدراسات العليا في كلية باليول المرموقة في جامعة أكسفورد في إنجلترا.
وبعد عودته لأسكتلندا، ألقى سميث سلسلة من المحاضرات العامة في جامعة إدنبرة. ساعده نجاح سلسلة محاضراته في الحصول على درجة الأستاذية في جامعة جلاسكو عام 1751.
وفي النهاية حصل على منصب رئيس الفلسفة الأخلاقية. خلال السنوات التي قضاها في التدريس والعمل في جامعة جلاسكو، عمل سميث على نشر بعض محاضراته. ونُشر كتابه “نظرية المشاعر الأخلاقية” في النهاية عام 1759.
وانتقل سميث إلى فرنسا عام 1763 لقبول منصب أكثر ربحًا، مدرسًا شخصيًّا لابن زوجة تشارلز تاونسند، وهو اقتصادي هاوٍ، وأصبح مستقبلًا وزيرًا للخزانة. خلال مدة وجوده في فرنسا، عدّ سميث الفلاسفة ديفيد هيوم وفولتير وبنجامين فرانكلين معاصرين.
ثروة الأمم
نشر سميث أهم أعماله “بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم” (وقد اشتهر اختصارًا بـ ثروة الأمم) في عام 1776 بعد عودته من فرنسا وتقاعده في مسقط رأسه في كيركالدي.
وقد ناقش سميث العديد من الأفكار التي تشكل الأساس للاقتصاد الكلاسيكي. وقد بنى اقتصاديون آخرون على عمل سميث لترسيخ النظرية الاقتصادية الكلاسيكية، وهي المدرسة المهيمنة على الفكر الاقتصادي خلال مدة الكساد الكبير.
وتتجلى أفكار سميث في أعمال ديفيد ريكاردو وكارل ماركس في القرن التاسع عشر وجون ماينارد كينز وميلتون فريدمان في القرن العشرين.
ويناقش كتاب سميث تطور المجتمع البشري من مرحلة الصياد، دون حقوق الملكية أو المساكن الثابتة إلى الزراعة البدوية مع التنقل في المسكن. والمرحلة التالية هي مجتمع إقطاعي، حيث وُضِعت القوانين وحقوق الملكية لحماية الطبقات المتميزة.
وأخيرًا، هناك مجتمع حديث يتميز بعدم التدخل أو الأسواق الحرة، حيث تنشأ مؤسسات جديدة لإجراء معاملات السوق.
فلسفة الأسواق الحرة
تؤكد فلسفة الأسواق الحرة تقليل دور التدخل الحكومي والضرائب في الأسواق الحرة. على الرغم من أن سميث دعا إلى دور حكومي محدود، إلا أنه رأى أن الحكومة مسؤولة عن قطاعي التعليم والدفاع في البلد.
ومن سميث تأتي فكرة “اليد الخفية” التي توجه قوى العرض والطلب في الاقتصاد. حيث يقول، بأن الفرد الذي يهتم بمصلحته الشخصية يساهم أيضًا في ارتقاء مصلحة مجتمعه ككل، ويوضح بأن العائد العام للمجتمع هو مجموع عوائد الأفراد.
فعندما يزيد العائد الشخصي لفرد ما، فإنه يساهم في زيادة العائد الإجمالي للمجتمع. فمن خلال بيع المنتجات التي يرغب الناس في شرائها يأمل المنتجون ومقدمو الخدمات في هذا الاقتصاد في كسب المال.
فإذا كانوا فعالين في تلبية احتياجات عملائهم، فسيتمتعون بمكافآت مالية، وفي أثناء مشاركتهم في المؤسسة بغرض كسب المال ، فإنهم يقدمون أيضًا المنتجات التي يريدها الناس. وأشار سميث بأن هذا النوع من النظام يخلق ثروة للمنتجين ومقدمي الخدمات، إضافة إلى تكوين الثروة للأمة بأكملها.
وأشار إلى أن الأمة الغنية هي الدولة التي يسكنها مواطنون يعملون بشكل منتج لتحسين أنفسهم وتلبية احتياجاتهم المالية.
ووفقًا لسميث، ففي هذا النوع من الاقتصاد يستثمر الفرد ثروته في المشروع على الأرجح لمساعدته في تحقيق أعلى عائد في ظل مستوى مخاطرة معين.
وغالبًا ما تُقدَّم نظرية اليد الخفية على أنها ظاهرة طبيعية توجه الأسواق الحرة والرأسمالية في اتجاه الكفاءة، من خلال العرض والطلب والمنافسة على الموارد النادرة، بدلًا من كونها شيئًا يؤدي إلى رفاهية الأفراد.
وبالنسبة إلى سميث، فإن الإطار المؤسسي ضروري لتوجيه الأفراد نحو المساعي الإنتاجية التي تعود بالفائدة على المجتمع. ويتكون هذا الإطار من مؤسسات مثل: نظام العدالة المصمم لحماية وتعزيز المنافسة الحرة والعادلة.
ومع ذلك يجب أن تكون هناك منافسة تدعم هذا الإطار.بالنسبة إلى سميث فإن المنافسة هي “الرغبة التي تأتي معنا من الرحم ولا تتركنا أبدًا حتى نذهب إلى القبر”.
طريقة خط التجميع
ولّدت الأفكار التي روّج لها كتاب “ثروة الأمم” اهتمامًا دوليًا، وكانت عاملًا محفزًا في التطور من الثروة القائمة على الأرض أو الموارد الطبيعية إلى الثروة التي أنشأها الإنتاج أو التصنيع وفق أساليب خطوط التجميع التي أصبحت ممكنة بفضل تقسيم العمل.
وقد استخدم سميث مثال العمل المطلوب لعمل دبوس لتوضيح فعالية هذه الطريقة. حيث إنه إذا نفذ شخص واحد الخطوات الثمانية عشر المطلوبة لإكمال المهام، فيمكنه فقط عمل عدد قليل من الدبابيس في الأسبوع.
ومع ذلك، إذا أُكملت المهام الثمانية عشر بطريقة خط التجميع بواسطة 10 أفراد، فسوف يقفز الإنتاج إلى آلاف المسامير في الأسبوع. ويناقش سميث بأن مبدأ تقسيم العمل والتخصص في الإنتاج ينتج عنه الرخاء.
الناتج المحلي الإجمالي (GDP)
ساعدت الأفكار في كتاب “ثروة الأمم” نشأة مفهوم الناتج المحلي الإجمالي، وحولت أعمال الاستيراد والتصدير. فقبل نشر “ثروة الأمم”، كانت الدول تعلن ثروتها على أساس قيمة ودائع الذهب والفضة لديها.
ومع ذلك، كان سميث ينتقد بشدة المذهب التجاري. وجادل بضرورة تقييم الدول على أساس مستويات الإنتاج والتجارة. وكان هذا المفهوم أساسًا لإنشاء مقياس الناتج المحلي الإجمالي لقياس ازدهار الأمة.
في الوقت الذي نُشر فيه “ثروة الأمم” كانت العديد من الدول مترددة في التجارة مع الدول الأخرى. وأكد سميث ضرورة إنشاء التبادل الحر، لأن ذلك أفضل حالًا لكلا البلدين من نظام المقايضة.
ونتيجة لهذا التحول في المواقف تجاه التجارة، كانت هناك زيادة في الواردات والصادرات. ودعا سميث أيضًا إلى تشريع من شأنه أن يجعل التداول أسهل ما يمكن.
تراث آدم سميث
إن أبرز أفكار سميث -“اليد الخفية”، وتقسيم العمل- أصبحت الآن نظريات اقتصادية أساسية. وقد توفي سميث في 19 يوليو 1790، عن عمر يناهز 67 عامًا.
لكن الأفكار التي روج لها استمرت في المدرسة الكلاسيكية للاقتصاد وفي مؤسسات مثل معهد آدم سميث، وهو مركز أبحاث نيوليبرالي رائد في السوق الحرة في بريطانيا . وفي عام 2007 وضع بنك إنجلترا صورة سميث على ورقة فئة 20 جنيهًا إسترلينيًا.