ما هو (كريسبر – CRISPR)؟
كريسبر هو اختصار ل « Clustered Regularly Interspaced Short Palindromic Repeats». وهو عبارة عن قطع متكررة متماثلة من الحمض النووي، تتميز بأنها متناظرة (أي أن قراءة قواعدها من اليمين إلى اليسار لن يختلف عنه من اليسار إلى اليمين). ويفصل بين هذه القطع أجزاء أخرى من الحمض النووي تسمى DNA spacer، وهي غير متطابقة مع بعضها، وتكمن أهمية هذا التركيب بدايةً في أنه حجر الأساس في النظام المناعي للبكتيريا والذي بدوره يمثل أساس تكنولوجيا التعديل الجيني المعروفة ب CRISPR-Cas 9.
و في مجال التعديل الجيني، فإن مصطلحا (CRISPR) و (CRISPR-Cas 9) يستخدمان عادة للإشارة إلى الأنظمة التي من الممكن برمجتها لاستهداف مناطق معينة من الكود الجيني، وتعديلها وكذلك فإن هذه الأنظمة قد تستخدم لأهداف أخرى كتوظيفها في أدوات تشخيص الأمراض. فبهذه الأنظمة يمكن للباحثين تعديل الجينات في الخلايا الحية مع استمرار التعديلات للأبد. وقد تجعلنا قادرين في المستقبل على تصحيح الطفرات في مناطق محددة في المحتوى الجيني البشري، وكذلك للتعامل مع مسببات الأمراض الجينية. وحاليًا فإن أنظمة أخرى أصبحت متوفرة، مثل CRISPER-Cas 13’s التي تستهدف ال RNA، وهي التي تعتبر وسيلة بديلة ذات بصفات مميزة حتى إنها قد ساعدت في تطوير أدوات التشخيص مثل SHERLOCK.
من أين يأتي ال «كريسبر»؟
اكتشف الكريسبر بدايةً في الأصليات (Archae ) عن طريق العالم (فرانسيسكو موجيكا- Francisco Mojica). ثم اكتشف فيما بعد وجودها في البكتيريا. وقد اقترح العالم موجيكا في بادئ الأول أن كريسبر تعمل كجزء من النظام المناعي البكتيري، فتقوم بالدفاع عن الخلية ضد الفيروسات. واقترح أن الأجزاء الفاصلة بين القطع المتكررة (spacer DNA) هي بقايا المواد الوراثية من المهاجمين السابقين. هذا النظام يعمل كذاكرة وراثية تساعد الخلية في تحديد وتدمير المهاجمين في حالة عودتهم. وقد تم إثبات نظرية موجيكا معمليًا في عام 2007 عن طريق فريق من العلماء يقودهم العالم (فيليب هورفاث – Philippe Horvath). وفي عام 2013، قام (مختبر زانغ- Zhang lab) بنشر أول طريقة لاستخدام CRISPER في تعديل المحتوى الجيني لفأر، ولخلية بشرية.
كيف يعمل نظام CRISPER-Cas 9؟
تترجم سلسلة قواعد الحمض النووي spacer DNA في كريسبر إلى سلاسل قصيرة من ال RNA وتعرف بأحد الاسمين؛ «Crisper RNAs» أو «crRNAs» وتكون قادرة على قيادة النظام بأكمله إلى السلاسل المستهدفة من ال DNA. وعند إيجاد ال DNA المستهدف، فإن واحدًا من الإنزيمات التي ينتجها نظام كريسبر يتصل بقطع الحمض النووي DNA ويقطع أجزاءً منه مستخلصًا الجين المستهدف. و يعرف هذا الإنزيم باسم Cas 9. وباستخدام نسخ معدلة من هذا الإنزيم، فإن الباحثين يستطيعون تنشيط عملية ترجمة الجين إلى بروتينات بدلًا من قطعه. وإن هذه التقنيات تمكن الباحثين من دراسة وظائف الجينات. بالإضافة لذلك فالأبحاث تقترح أنه يمكن استخدام Crisper-Cas 9 لاستهداف وتعديل الأخطاء في سلسلة المحتوى الجيني البشري المكونة من ثلاثة بلايين حرفًا، وذلك بالطبع يخدم مستقبل علاج الأمراض الوراثية.
ماذا نجد عند مقارنة CRISPER-Cas 9 بوسائل التعديل الجيني الأخرى؟
إن CRISPER-Cas 9 قد أثبت أنه الوسيلة الأكثر كفاءةً وقابلية للتطوير من بين وسائل التعديل الجيني الحالية. فهذا النظام قادر على قطع الحمض النووى بنفسه، فهو لا يحتاج إلى إرفاق إنزيمات إضافية لإتمام هذا الدور كباقي الوسائل المتوفرة. بالإضافة لذلك فمن السهل اسخدامه مع RNA مصنع خصيصًا لإرشاده للحمض النووي المستهدف DNA، و يعرف هذا ال RNA ب (gRNA)، وإن عشرات الآلاف من سلاسل ال gRNA قد أعدت بالفعل وهي الآن جاهزة للاستخدام في الأبحاث. أيضًا يستطيع هذا النظام استهداف أكثر من جين واحد في نفس الوقت، وهو ما يعتبر ميزة أخرى، وهذه الميزات مجتمعة تضعه في مقدمة جميع الوسائل في هذا الشأن وتجعل منه طفرة واعدة في هذا المجال.
فيم يختلف CRISPR-Cpf عن CRISPR-Cas 9؟
يختلف CRISPR-Cpf 1 عن CRISPR-Cas 9 الموضح سابقًا في عدة صفات مهمة ذات أهمية في التطبيق العملي في الأبحاث والتطبيقات العلاجية.
أولًا: في حالته الطبيعية ، فإن الإنزيم Cas 9 يكوّن مركبًا ذا سلسلتي RNA صغيرتين، كلاهما مهم في عملية قطع اللحمض النووية. ونظام Cpf 1 أبسط منه في ذلك، فهو يحتاج سلسلة واحدة فقط من ال RNA لإتمام الأمر. كذلك فإنه أصغر حجمًا، مما يجعل عملية توصيله لداخل الخلايا والأنسجة أسهل.
ثانيًا: Cpf 1 يقطع الحمض النووي DNA بطريقة مختلفة عن Cas 9 . فهذا الثاني يقطع شريطي ال DAN في نفس الموقع تاركًا أطرافًا حادة غالبًا ما تتعرض لطفرات وتعود لتتصل ببعضها. أما في Cpf 1 فالقطع في شريطي ال DNA لا يكون في نفس الموقع، فيترك بروزات قصيرة عند أحد الطرفين. ومن المتوقع أن هذه الخاصية ستساعد في عملية الإدخال، حيث ستسمح للباحثين بإدخال قطع ال DNA بشكل أكثر كفاءة ودقة؛ ولذلك فإن هذه الخاصية قد تكون الأهم من بين خصائص نظام Cpf 1.
ثالثًا: يقطع Cpf 1 عند موقع بعيد عن مواقع التعرف (recognition site). وهو ما يعني أن عملية القطع لن تعوق عمليات التصحيح للجينات. بالتالي ففي حالة أن الجين المستهدف قد تعرض لطفرة، فإنه مازالت احتمالات قطعه مناسبة، وذلك بالسماح للعديد من الفرص لتعديل الجين.
رابعًا: يوفر نظام Cpf 1 مرونة في اختيار الموقع المستهدف. فهو يتشابه مع Cas 9 في أن المركب فيهما يجب أن يتصل أولًا بسلسلة قصيرة تعرف ب PAM وأن الهدف يجب أن يكون قريبًا من هذه السلاسل الموجودة طبيعيًا. ولكن Cpf 1 يتعرف على سلاسل من ال PAM مختلفة تمامًا عن تلك التي يتعرف عليها Cas 9. وهذا قد يكون ميزة لنظام Cpf 1، على سبيل المثال في المحتوى الجيني للملاريا، والإنسان أيضًا.
ما الاستخدامات العلمية الأخرى ل كريسبر؟
استخدام التعديل الجيني ب كريسبر يسمع للعلماء بخلق نماذج خلوية وحيوانية يمكن أن يستخدموها في تسريع الأبحاث في الأمراض كالسرطان، والأمراض العقلية. بالإضافة إلى ذلك كريسبر يتم تطويره لإنتاج تطبيق لتشخيص الأمراض.
ونظرًا لأهمية هذا البحث الشديدة، فللمساعدة في تشجيع هذا النوع من الأبحاث عالميًا،فقد قام زانغ وفريقه بتدريب آلاف الباحثين على استخدام التعديل الجيني بواسطة تكنولوجيا كريسبرعبر التعليم المباشر وبمشاركة أكثر من 40 ألف من مكونات هذه التكنولوجيا مع المعامل البحثية حول العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة: منة الله حسن
مراجعة علمية: أحمد شلبي
مراجعة لُغويَّة: Israa Adel