وقعت أعمال الشغب في مدينة نيويورك في السابع من شهر يوليو عام 1963، عندما غضبت الطبقة العاملة لسكان نيويورك بسبب مشروع القانون الفدرالي الجديد خلال الحرب الأهلية. خمسة أيام من العصيان الأكثر دمارًا ودموية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. قُتل مئات المواطنين، وأصيب العديد بإصابات خطيرة، وكان الأمريكيون الأفارقة هم هدف عنف أعمال الشغب.
انقسام مدينة نيويورك بعد الحرب الأهلية
بصفتها العاصمة التجارية للأمة، لم ترحب مدينة نيويورك ببدء الحرب الأهلية، لأنها تعني خسارة الجنوب كشريك تجاري لها. وكان القطن منتجًا قيمًا للغاية لتجار نيويورك، فقبل الحرب الأهلية، مَثَّل القطن 40% من إجمالي البضائع المشحونة إلى خارج المدينة. وبعد فترة طويلة من إعلان تجريم تجارة العبيد في عام (1808)، ازدهرت السوق السوداء لتجارة العبيد في المدينة. وعندما اندلعت الحرب في عام (1861)، كان هناك حديث عن انسحاب المدينة من الاتحاد نفسه. نظرًا لتشابك المصالح التجارية للمدينة مع الولايات الكونفدرالية.
وبينما استمرت الحرب، حذر السياسيون والجرائد المعادية للحرب الطبقة العاملة من المواطنين البيض -وكانوا على الأغلب مهاجرين ألمانيين أو أيرلنديين- أن التحرير سيعنى استبدالهم بآلاف من العبيد المحررين من الجنوب. وفي سبتمبر من عام (1862)، أعلن الرئيس (أبراهام لينكولن) تحرير العبيد -الذي سيتم تطبيقه في وقت مبكر من العام اللاحق- والذي من شأنه تأكيد أسوأ مخاوف العمال. وفي ذلك الوقت، أثار قرار لينكولن بالتحرر احتجاجات العمال في المدينة، وكذلك عصبة الجنود والضباط في نيويورك الذين وقعوا للحفاظ على الاتحاد، وليس لإلغاء العبودية.
إشعال مسودة القانون الفدرالي الجديد للشغب
مررت حكومة لينكولن قانون تجنيد إلزامي جديدًا صارمًا، بسبب مواجهة نقص حاد في اﻷعداد في بداية عام (1863)، وقد نص هذا القانون على أن كل المواطنين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و35 عامًا و كل الرجال غير المتزوجين الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و45 عامًا خاضعون للخدمة العسكرية. ولكن أُدخل كل هؤلاء الرجال المرشحين للخدمة العسكرية فيما يشبه اليانصيب عن طريق إمكانية شراء طريقهم للخروج من هذا المأزق، من خلال التعاقد مع بديل أو دفع 300 دولار للحكومة (أي ما يقارب 5800 دولار اليوم). وفي ذلك الوقت كان هذ المبلغ هو الراتب السنوي للعامل الأمريكي العادي، مما جعل تجنب التجنيد مستحيلًا للجميع ما عدا الطبقة الغنية.
ومما زاد الطين بلة، أن الأمريكيين الأفارقة أُعفوا من التجنيد، لأنهم لا يعتبرون مواطنين. وقد وقعت أعمال الشغب بسبب التجنيد في مدن أخرى، بما في ذلك (ديترويت، وبوسطن)، ولكن كانت مدينة نيويورك هي الأسوأ على الإطلاق. فقد أطلقت الصحف المناهضة للحرب الهجوم على مسودة القانون الجديد، مما أثار غضب العمال البيض المتزايد بالفعل بسبب ذلك القانون؛ مما أدى إلى أول يانصيب على عملية التجنيد في المدينة في الحادي عشر من شهر يوليو عام 1863.
بداية عصيان نيويورك
ظلت المدينة هادئة بصورة مثيرة للريبة بعد أول 24 ساعة من اليانصيب، ولكن بدأت أعمال الشغب في الصباح الباكر من يوم الإثنين الثالث عشر من شهر يوليو. بدأ الآلاف من العمال البيض -غالبًا من الأيرلنديين والأيرلنديين الأمريكيين- بمهاجمة المباني العسكرية والحكومية، ومارسوا العنف فقط ضد من حاول إيقافهم، بما في ذلك الأعداد غير الكافية من رجال الشرطة والجنود الذين حشدهم قادة المدينة في البداية لإيقافهم. ولكن بحلول ظهر ذلك اليوم، اتجهوا إلى استهداف المواطنين السود والمنازل والشركات.
ومن أهم الحوادث الشهيرة التي وقعت خلال أعمال الشغب اجتياح عصابة من عدة آلاف من اﻷشخاص -بعضهم مسلح بالهراوات والمضارب- ملجأً للأيتام السود في الجادة الخامسة بالقرب من شارع 42، وهو مبنى مكون من أربعة طوابق يضم أكثر من 200 طفل. وأخذوا كل المفارش والطعام والملابس وغيرها من البضائع وأحرقوا الملجأ، ولكن توقفوا بعد فترة قصيرة عن الاعتداء على الأطفال، الذين أجبروا على الانتقال إلى إحدى دور العجزة في المدينة.
تسبب أعمال الشغب في العنف وإراقة الدماء
بالإضافة إلى السود أنفسهم، وجّه المشاغبون غضبهم تجاه البيض المؤيدين للقضاء على العنصرية، والنساء المتزوجين من الرجال السود. وقد استغل عمال الميناء البيض -الذين عارضوا طويلًا عمل السود في الموانئ إلى جانبهم- الفرصة، -فقد تحولت مظاهرة ضد أرباب العمل الذين يوظفون العمال السود في الموانئ إلى أعمال عنف سابقًا في عام 1863- لتدمير العديد من الأعمال التجارية القريبة من الموانئ التي تؤوي العمال السود، وهاجموا أصحابها، جزءًا من جهدهم للإطاحة بالطبقة السوداء العاملة من المدينة. وإلى الآن، يعتبر هذا أسوأ عنف تعرض له الأمريكيون الأفارقة، فقد أُعدم عدد منهم من غير محاكمة، أو ضُربوا حتى الموت بوحشية غاشمة. إجمالًا، بلغ عدد القتلى المُعلَن في عصيان مدينة نيويورك 119 شخصًا، على الرغم من أن التقديرات الفعلية لعدد القتلى وصلت إلى 1200 شخص.
كيف انتهت أعمال الشغب؟
كافح قادة مدينة نيويورك لاحتواء أعمال الشغب. فقد عارض الحاكم (هوراشيو سيمور – Horatio Seymour) الديموقراطي السلمي مشروع القانون علنًا وكان متعاطفًا ضد أعمال الشغب. وأرسل عمدة مدينة نيويورك الجمهوري برقية إلى وزارة الحرب لإرسال قوات فدرالية، ولكنه تردد في إعلان الأحكام العسكرية ردًّا على أعمال الشغب. وفي الخامس عشر من يوليو -ثالث أيام الاحتجاجات- امتدت أعمال الشغب إلى مدينة بروكلين وجزيرة ستاتين. وفي اليوم التالي، وصل أكثر من 4000 جندي فدرالي من كتيبة نيويورك، الذين قاتلوا في (معركة جيتيسبيرغ – Battle of Gettysburg). وبعد الاشتباك مع مثيري الشغب في ما يعرف الآن بحي موراي هيل، تمكنت القوات أخيرًا من استعادة النظام، وبحلول منتصف ليل السادس عشر من شهر يوليو انتهت أعمال الشغب في مدينة نيويورك.
عواقب وإرث أعمال الشغب في مدينة نيويورك
بالإضافة إلى الوفيات، تسببت أعمال الشغب في أضرار بالممتلكات تقدر بملايين الدولارات، وجعل حوالي 3000 شخص من سكان المدينة السود بلا مأوى. وإلى الآن تعد أعمال شغب نيويورك هي الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، بل أسوأ من أعمال شغب لوس أنجلوس عام (1992)، وديترويت عام (1967). وعندما حاول ملجأ الأيتام السود إعادة البناء في نفس الموقع بعد أعمال الشغب، احتج أصحاب الأملاك المجاورة، وتم نقله أخيرًا إلى منطقة غير مأهولة في شمال المدينة التي أصبحت فيما بعد حي هارلم.
أعادت حركة المؤيدين للقضاء على العنصرية في مدينة نيويورك إحياء نفسها ببطء، بعد أعمال الشغب التي أذهلت الجميع. وفي مارس من عام 1864 -أي بعد أقل من عام بعد أعمال الشغب- شهدت مدينة نيويورك أول كتيبة متطوعة من السود فقط في مسيرة جيش الاتحاد، وهي تسير ببذخ وأبهة عبر الشوارع قبل الصعود على متن سفينتها في نهر هدسون. ولكن على الرغم من هذا الانتصار الهائل، فإن هذا العصيان كان له تأثير مدمر على مجتمع الأمريكيين من أصل أفريقي في المدينة. فبينما سجل الإحصاء الرسمي للسكان في عام (1860) 12.414 مواطنًا أسود في مدينة نيويورك، إلا أنه بحلول عام (1865) انخفض عدد السكان السود إلى 9.945 مواطنًا، وكان هذا أقل تعداد للسكان في المدينة منذ عام (1820).