أقدم عنقود نجميّ في الكون

12

أقدم عنقود نجمي في الكون

باستخدام تليسكوب هابل الفضائي ( Hubble Space Telescope) التابع لناسا، تمكّن علماء الفلك لأول مرة من قياس المسافة بدقة إلى واحدة من أقدم الأجسام في الكون، وهي مجموعة من النجوم التي وُلِدت بعد فترة قصيرة من الانفجار العظيم.

يوفّر هذا المقياس الجديد تقديرًا مستقلًا لعمر الكون. كما سيساعد القياس الجديد علماء الفلك على تحسين نماذج التطور النجمي (Stellar Evolution). ولمّا كانت العناقيد النجميّة (Star Clusters) هي المكوّن الأساسي في النماذج النجميّة؛ لأن النجوم في كل مجموعة تقع على نفس المسافة، ولها نفس العمر، كما أنّ لها التركيب الكيميائي ذاته. وبالتالي، فإنهم يشكّلون مجتمع نجميّ واحد للدراسة.

هذه المجموعة النجميّة هي عنقود نجميّ كرويّ (Globular Star cluster) يُدعى NGC 6397، وهو واحد من أقرب العناقيد إلى الأرض. ويحدد القياس الجديد مسافة العنقود على بعد 7800  سنة ضوئيّة، بهامش خطأ 3%  فقط.

حتى الآن، قدّر علماء الفلك مسافات العناقيد الكرويّة في مجرتنا عن طريق مقارنة لمعان وألوان النجوم في النماذج النظرية إلى لمعان وألوان نجوم مشابهة في الجوار الشمسي. ولكن تتباين دقة هذه التقديرات، حيث تتأرجح  حالات عدم اليقين بين 10 و20 في المئة.

ومع ذلك، يستخدم القياس الجديد حساب المثلثات المباشر، وهو نفس الأسلوب الذي يستخدمه المسّاحات الأرضية (Surveyors) وهو قديم قِدم العلم اليوناني القديم. وباستخدام تقنية رصد جديدة لقياس الزوايا الصغيرة للغاية في السماء، تمكّن العلماء من تمديد مقياس هابل خارج قرص مجرتنا درب التبانة.

حسب فريق البحث عمر العنقود  NGC 6397 البالغ 13.4 مليار سنة. وقال توم براون (Tom Brown)، المؤلف الرئيسي للدراسة من معهد مراصد علوم الفضاء  STSci في بالتيمور، ماريلاند:

«إنّ العناقيد الكروية قديمة إلى حد أنه إذا تمّ استنتاج أعمارها ومسافاتها من النماذج، فإنها تبدو أقدم من عمر الكون».

وتُستخدم المسافات الدقيقة للعناقيد  الكروية كمرجع في النماذج النجميّة لدراسة خصائص المجموعات النجميّة الشابة والقديمة. وقال براون:

«أي نموذج يتفق مع القياسات، يمنحك المزيد من الثقة في تطبيق هذا النموذج على نجوم أبعد»

وأضاف:

«إنّ العناقيد النجميّة القريبة هي بمثابة مُرتكزات للنماذج النجميّة. حتى الآن، لم يكن لدينا سوى مسافات دقيقة للعناقيد المفتوحة الأصغر بكثير داخل مجرتنا، لأنها أقرب للأرض»

وعلى النقيض من ذلك، يدور حوالي 150 عنقود كروي خارج قرص النجوم الصغير نسبيًا في مجرتنا. هذه الأسراب الكروية ذات الكثافة المرتفعة والمكونة من مئات الآلاف من النجوم هي أول من يقطن درب التبانة.

استخدم فلكيو هابل زاوية اختلاف النظر أو التزيح (Trigonometric Parallax) ليستخلصوا بُعد العنقود النجمي. تقيس هذه التقنية التحول الظاهري لموضع الجسم بسبب تغيُر طريقة نظر المراقب. كما قام هابل بقياس التذبذب الضئيل الظاهر في نجوم العنقود بسبب حركة الأرض حول الشمس.

وفي سبيل الحصول على البُعد الدقيق ل NGC 6397  استخدم فريق براون طريقة ذكية، طوّرها الفلكيان آدم ريس (Adam Riess) الحائز على نوبل، وستيفانو كاسيرتانو ( Stefano Casertano) من STSci وجامعة جونز هوبكنز، لقياس مسافات النجوم النابضة بدقة، والتي تُسمى المتغيرات القيفاوية (Cepheid Variable). تُستخدم هذه النجوم النابضة كعلامات المسافات الموثوقة لدى العلماء لحساب معامل تمدد كوني دقيق.

باستخدام هذه التقنية، التي تُسمى «المسح المكاني- Spatial Scanning»، قامت كاميرا 3 واسعة المجال لدى هابل (Hubble`s Wide Field Camera 3) بقياس اختلاف المنظر أو التزيح للنجوم الأربعين في العنقود NGC 6397، مما أدى إلى إجراء قياسات كل 6 أشهر لمدة عامين. ثم جمع الباحثون النتائج للحصول على قياس دقيق للمسافة. وقال كاسيرتانو عضو الفريق:

«نظرًا لأننا نرصد مجموعة من النجوم، يمكننا الحصول على قياس أفضل من مجرد النظر إلى النجوم المتغيرة القيفاوية».

كانت التذبذبات الصغيرة لهذه النجوم العنقودية هي فقط 1/1000 من البكسل على كاميرا التليسكوب، وقيست بدقة  1/3000 من البكسل، وهذا يعادل قياس حجم إطار سيارة على القمر بدقة تصل إلى بوصة واحدة.

يقول الباحثون أنهم قد يصلوا إلى دقة تبلغ واحد في المائة إذا ما جمّعوا قياسات هابل لبُعد العنقود NGC 6397  والنتائج القادمة والتي تمّ الحصول عليها من مرصد غايا (Gaia Observatory) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، والذي يقيس مواقع ومسافات النجوم بدقة لم يسبق لها مثيل. وسيُصدر البيانات للدفعة الثانية من النجوم في المسح في أواخر الشهر نفسه. وقال براون:

«الحصول على دقة تبلغ واحد في المئة، سيؤدي إلى تعزيز مقياس المسافة هذا للأبد».

المصدر 

ترجمة: أحمد رجب رفعت
مراجعة علمية: سارة سامر
تدقيق لغوي: رنا السعدني
تحرير: نسمة محمود

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي