حكمت روما العالم فترة ليست بالقليلة استطاعت خلالها بسط سيطرتها على مناطق شاسعة منه وتدخلت في مصائر دول وكونت امبراطورية عُرفت بأنها من أعظم الامبراطوريات، ولكن ذلك لم يجعلها تسلم من أعدائها الذين تزايدوا بزيادة قوتها وتحكمها في العالم وقتئذ، في المقال التالي نرصد أكبر أعداء روما في عصرها عبر تاريخها العتيق.
برونوس (زعيم قبيلة سينونس)
عُرفت قبيلة (سينونس-Senones) بأنها قبيلة مولعة بالحرب بشكل خاص، فقد تسببت لروما بمشكلة بلغت ذروتها في الحقبة الزمنية الأولى لروما عام (390 قبل الميلاد). حيث غزا (برونوس-Brennus) إيطاليا بنية إسقاط روما، إلا أنه قابل مواجهةً شرسةً. فقد تصارعا عدة مرات على ضفاف نهرين (تيبر وأليا). وعلى الرغم من هزيمته اثنان لواحد، فقد تمكن جيشه -المكون من (15000) جندي- من قهر جيش الجمهورية. وبينما تحطمت طليعة الجيش، استمر جيش برونوس في استنزاف روما لعدة أسابيع، ونهب، واغتصاب، وذبح مواطنيها. توسل مجلس الشيوخ للقائد العسكري لبلاد الغال لوقف المذبحة، محاولًا شرائه بنصف طن من الذهب. ولكن الزعيم طالب بالمزيد. وبينما احتج الرومان، صاح الزعيم «ويل للمهزومين».وبعدها بفترة قصيرة مات برونوس بعد صراع مع المرض، وتمزق جيشه بين المناطق الريفية، ليُذبحوا من قبل المدنيين والفيالق الجديدة التي تشكلت لملاحقتهم.
حنبعل بن حملقار برقة (الشهير بهانيبال)
سيرًا على خطى والده في معارضة روما، جمع هانيبال بن هاميكلار جيشه المكون من أفضل محاربي قرطاج، وكل المرتزقة الذين استطاع تحمل تكلفتهم، محضرًا معه حيوانات عملاقة مثل: الفيل الأفريقي. وبدأ زحفه الطويل من (هاسبانيا) على طول الطريق من خلال أراضي (الغال)، وصولًا إلى جبال (البرانس، والألب) بنية إسقاط روما. وبدأ مهمته الطويلة والشاقة وهي الاستهزاء بالشعب الروماني عن طريق تدمير الريف. ولم يتحالف هانيبال مع روما بشكل تام، على الرغم من وجود فرص عديدة للقيام بذلك. ولكن كان في أذهان الرومانيين شيء آخر، فبدلًا من مواجهة جيش هانيبال مباشرةً، استمروا في الضغط على الجيش وإضعافه؛ حيث لم يكن لديهم أي وسائل لإعادة التسليح. وهكذا أحضروا الحرب إلى وطنه الأم قرطاج. وحيث لم تكن لديه الرغبة في الهزيمة أمام روما بعد انتصاره الضخم في معركة (كاناي)؛ فقد عاد ليجيب طبول الحرب التي قرعتها روما. وقد تحطم جيشه في (معركة زامة-Battle of Zama)؛ التي أجبرت الجنرال المشهور على اللجوء إلى جزيرة (كريت)، حيث انتحر مستخدمًا السم.
أرخميدس (أرشميدس)
تمكن أرشدميدس -أو العبقري المجنون كما كان معروفًا لروما- من حماية موطنه سيراكوز الذي كان يقع في (ماجنا جراسيا – اليونان الكبرى) أو جزيرة (صقلية). حيث بثت اختراعاته الرعب في قلوب أصحابه من المواطنين، وبثت رعب مطلق في قلوب الرومانيين. حيث أن اختراعاته مثل: المنجنيق الذي سمح لسلاح الحصار برمي أغراض ثقيلة مثل الصخور، والرخام، والخشب على سفن الجمهورية التي تحاول اختراق دفاعات في حصار مدينة سيراكوز؛ أو مخلبه العملاق الذي كان عبارة عن رافعة حديدية أمسكت بسفن الغُزاة، لم تكن كافية لصد تقدم روما.
سبارتكوس
سبارتكوس الزعيم المشهور بالبراعة العسكرية، سُجن في (تراقيا) وأُحضر ليكون مصارعًا في الحلبات لتسلية الجماهير المُبتهجة. تصاعد تمرد صغير في مدرسة المصارعة في مدينة (كابوا)، وقاموا بذبح الحراس، وجمع كل روح مستعدة للقتال، ما بدأ كتمرد صغير تحول بسرعة إلى حرب العبيد الثالثة، من عدد صغير من المصارعين إلى (120000) شخص من الرجال، والنساء، والأطفال من مختلف الخلفيات ولكن أغلبهم عبيد تجمعوا تحت رايته. واجتاحوا المناطق الجنوبية لإيطاليا، حيث كانت تقع الفلل الصيفية الفخمة للأغنياء والأقوياء، وقد مشطت ثمانية فيالق الأرض لسبارتكوس تحت لواء الجنرال (كراسوس-Crassus)، ولكن تمكنت التكتيكات البارعة وغير التقليدية لسبارتكوس من بعثرة وهزيمة الفيالق في عدة معارك، قبل حصولهم على المساعدة عن طريق عودة الجنرال (بومبيوس-Pompey) وفيالقه. وعندما أدرك سبارتكوس أنه لا يوجد مفر؛ أطلق حملة انتحارية مع آخر اتباعه المتبقين الذين تقلصوا نتيجة لتفرقهم لعدة أسباب. وقد قيل أنه سقط في المعركة المصيرية، ومع ذلك ما تبقى من جيشه -وعددهم (6000) جندي- سُجن وصُلب من روما إلى الجنوب لتذكير كل شخص يعصي القانون.
فارسن جتركيس
عندما بدأت روما تحكم بلاد الغال بالكامل، بدأ زعيم مشهور وعنيد اسمه (فارسن جتركيس-Vercingetorix) آخر تمرد دموي في عام (52 قبل الميلاد). جامعًا تحت لوائه كل قبيلة مستعدة للمقاومة، وقد تمكن من إحراز النصر على جنرال معروف باسم (يوليوس) -الذي أصبح فيما بعد أول قيصر لروما- في (معركة جيرجوفيا- Battle of Gergovia). وقد عاد فارسن جاتركيس إلى مدينة (أليزيا) ليستريح؛ لكونه منهكًا وبجيش تقلص تقريبًا، ليواجه بعد فترة قصيرة يوليوس مع التعزيزات الرومانية الجديدة، التي بدأت الحصار على مدينة (أليزيا). وعندما ذُبح مواطنين الغال المقاومين بوحشية؛ قرر فارسن جاتريكس تسليم نفسه، ليتم العفو عن حياة ما تبقى من مواطنيه. وقد سُجن لمدة خمس سنوات، وبعدها أحضره يوليوس قيصر إلى ميدان روما في عام (46 قبل الميلاد) ليُشنق أمام الجمهور الهائج.
أرمينيوس
وُلد (أرمينوس-Arminius) في العبودية كرهينة لروما، ودُرب على كل شيء مارسه الرومانيون. وقد تبنى كل شيء من طريقة الحياة إلى التعاليم العسكرية. سيصبح أرمينيوس لعنة حقيقية للإمبراطورية الرومانية. فبعد حصوله على قيادة القوة الاحتياطية الجرمانية، عاد ل(ماجنا جرمانيا- جرمانيا العظمى) ليجمع كل قبيلة جرمانية تحت لوائه. وبعد نجاحه في مهمته، انتظر الفيالق الرومانية التي زحفت إلى غابة (تويتوبورغ- Teutoburg) -وتعرف هذه المعركة الآن بمعركة غابة (تويتوبورغ)- حيث حُصِرَت الفيالق التي شُكلت بإحكام على جانبي النهر، وسُحقوا بفاعلية، فلم يكن بمقدورهم تغيير مسارهم. وميز هذا الانتصار حكم أرمينيوس الوحشي -على الرغم من كونه لم يدم طويلًا- وأذاق الإمبراطورية الرومانية أكبر هزيمة لها في التاريخ. مع التأكد من منع نهر الراين أي غزو ل(ماجنا جرمانيا) بواسطة الرومانيين. وقد خسر معركتين كبيرتين بينما كان يحارب بين القبائل. وتصاعد ذلك بموته على يد حراسه الشخصيين، فقط بعد عامين من موت خصمه الإمبراطور (جارمينيوس) بالسم في أنطاكية.
بوديكا
بدأت الملكة الشهيرة من قبيلة إيسيني تمردها بعد أن تعرضت الأراضي التي تركها زوجها للاعتداء من قبل الفيالق الرومانية. وقد اشتكت لهم من ما حدث، ولكن رُبطت في عمود وجُلدت بجانب اغتصاب بناتها. وفي قمة الغضب والسخط جمعت جيش قوي مكون من (100000) جندي من عدة قبائل من (البيكتون) تحت رايتها. وبينما وجهت فيالق الحاكم (بولينوس- paulinus) اهتمامها لذبح الكهنة في ويلز، زحفت (بوديكا-Boudica) إلى الأسفل باتجاه (لوندينيوم- (Londinium، حيث ذبحت حوالي (70000) رومانيًا وأحرقتهم أحياء. وبعد معرفة برونوس بالرعب الذي حل بأراضيه؛ عاد سريعًا للخلف للانتقام لأصحابه الرومان. وبينما صمد جيش الفيالق المكون من (10000) جندي ضد أكثر من (500000) محارب من قبائل البيكتون بجانب بوديكا، وقد ذبحوهم بالآلاف. وبينما صمدت الفيالق؛ قد تفرقت جموع البيكتون، وقيل أن بوديكا سقطت في المعركة أو انتحرت لتجنب الأسر.
ألاريك
بدايةً سعت روما للحصول على حماية عسكرية خارجية من الملك ألاريك ملك (القوط الغربيون- Visigoths)، لمساعدتهم في المعركة القادمة الملحة. حيث طلب من الإمبراطور أن يكون له القيادة العُلية على ما تبقى من ما كان يومًا الفيالق العظيمة. وقد رفض الإمبراطور ذلك، مما أدى إلى السقوط الثاني لروما في عام (410 قبل الميلاد). ولكن لم يكن جيش ألاريك كما وُصف بالوحشية، والعنف، والبربرية في الواقع كذلك. حقيقةً قد قاموا بنهب عدد قليل من المباني الحكومية، ولكنهم عفوا عن السكان المدنيين والمعابد لاتباع الديانة المسيحية. وهذا السقوط كان هو بمثابة سقوط المملكة الغربية، وميلاد مملكة (القوط الغربية).
أتيلا
جمع الملك الهوني (أتيلا- Atilla) تحت لوائه القبائل البدوية في الشرق مع السلاف، والقوط الشرقيون، وقبائل أصغر منهم؛ بنية كتابة نهاية الإمبراطوريات الرومانية. وبعد القتال ضد الفرس والإمبراطورية البيزنطية، قرر جيش الإله -كما سُمي- الزحف إلى الأمام وشن غارة على روما، مدعيًا أن الغال تحت حكمه. وفي الواقع طُرد بواسطة الجيش الروماني القوطي الغربي المشترك في (معركة السهول الكاتالونية- the Battle of Catalaunian Plains). ولكنه صمم على إنهاء الإمبراطورية الرومانية التي كانت بالفعل في حالة صراع، وحينما بدأت المجاعة تجتاح جنوده، وخوفًا من خسارة الجنود بينما يزحفون مرهقين؛ قرر التراجع لبعض الوقت. وتقول الأساطير أنه مات في ليلة زفافه على يد عروسته القوطية الجديدة. فقد أصيب بنزيف مزعج في أنفه، ويُعتقد أنه سُمم وأُغتيل على يد عروسه الجديدة. ولكن من المرجح أنه تمت خيانته وقُتل في خيمته على يد أمراء الحرب السلافيين وملك القوط الشرقيين؛ مما أدى إلى تحطيم القبائل الهونية وأُجبر البدويون على التراجع إلى السهوب.
جنسريق
بدأ السقوط الثالث لروما في عام (455 قبل الميلاد) على يد القبيلة الجيرمانية المتجولة (الواندال- Vandals). بعد سنين من الحرب، قرر الإمبراطور (فالنتينيان الثالث- Valentinian III) -الذي واجه بالفعل أتيلا- التفاوض على هدنة بين روما والواندال، وقد سارت الأمور بشكل جيد قبل أن يقوم السيناتور المسمى بـ (بيترونيوس ماكسيموس- Petronius Maximus) باغتيال الإمبراطور لكي يطالب بالعرش لنفسه. وفي موجة غضب شديدة بسبب الخيانة التي تعرض لها؛ زحف (جنسريق- Genseric) مباشرة إلى روما من معقله في إفريقيا. وجُردت المدينة من أسطح منازلها البرونزية بعد أسبوعين من الاحتلال، مما أعطاهم لقب واندال. وقد تأخر هدفه في تحويل روما إلى مرعى للأغنام؛ بسبب تعدي البيزننطيين على جنوب إيطاليا لكي يضعوا حد لطرق القرصنة للواندال.