أكبر سبعة أسئلة لم تجب عنها الفيزياء بعد

physics1

||

ربما تظن أننا أتينا إلى العالم متأخرًا؛ فقد اكتشف العلماء كل شيء وأجابوا عن كل الأسئلة. لكن الحقيقة أن هناك العديد من الأسئلة والمعضلات التي تقف أمام العلم ولم يستطع حلها بعد. وقد قامت الفيزياء بالفعل بحل الكثير من المشكلات وأجابت عن الكثير من الأسئلة.

تخيل معي لو أن العالِم نيوتن ظهر فجأة من آلة زمنية ما، لابد أنه سيكون سعيدًا لما وصلت إليه فيزياء اليوم؛ الأشياء التي كانت تعتبر من أكبر الألغاز في القرون الماضية أصبحت الآن تُدرس للطلاب حديثي العهد بالفيزياء (ماهية النجوم على سبيل المثال)، كان نيوتن أيضًا ليندهش من التجارب الضخمة التي أجريناها مثل المصادم الهادروني الكبير ((Large Hadron Collider الموجود في سويسرا، وربما شعر بالقلق حين يعلم أن النظرية التي وضعها للجاذبية أطاحت بها نظرية النسبية لأينشتاين، ولا داعي للذكر أن غرابة ميكانيكا الكم ستصعقه وإن كان لدى العلماء حاليًا نفس الشعور. لكنه بالطبع كان ليسعد مما آلت إليه الفيزياء الحديثة من إنجازات من اكتشاف طبيعة الضوء في القرن التاسع عشر إلى معرفة مكونات الذرة في القرن العشرين وحتى اكتشاف موجات الجاذبية في العام الماضي. لكن بالرغم من ذلك، يقر علماء الفيزياء بعدم امتلاكهم أجوبة كل الأسئلة، وإليك سبعة من أكبر هذه الأسئلة التي يعتبر كل منها بوابةً للتفكر والفلسفة أحيانًا:

1- ممَّ تتكون المادة؟

قد تتعجب من هذا السؤال وتقول بالطبع نعلم أن المادة مكونة من ذرات. هذا صحيح فنحن نعلم أن المادة تتكون من ذرات، والتي بدورها مكونة من بروتونات ونيترونات وإلكترونات. ونعلم أيضا أن البروتونات والنيترونات تتكون من أجزاء أصغر تسمى الكواركات (Quarks). لكن هل يمكن باستمرار البحث اكتشاف أجسام أصغر تتكون منها الكواركات؟ لا نعلم بالضبط.

لدينا بالفعل ما يسمى النموذج المعياري للجسيمات، والذي يفسر التفاعلات بين الجسيمات دون الذرية وبعضها. تنبأ هذا النموذج بوجود جسيمات لم نكن نعرف بوجودها بعد ولعل آخر ما تنبأ به كان جسيمًا يدعى بوزون هيجز(Higgs boson) الذي اكتشفه باحثو المُصادم الهادروني عام 2012. ولكن حتى هذا النموذج المعياري لا يجيب عن كل الأسئلة، فكما يقول د.لينكون العالم في فيزياء الجسيمات «لا يفسر النموذج المعياري كل شيء فمثلا لا يفسر لم يوجد بوزون هيجز من الأساس ولماذا يمتلك هذه الكتلة الضئيلة». حتى لو وجدنا حلا لهذه المشكلة لم ينتهي اللغز بعد فنحن نعلم مثلا أن الذرة متعادلة كهربيًا لأن عدد البروتونات الموجبة يساوي عدد الإلكترونات السالبة لكن لماذا يحدث ذلك؟ لماذا حال أي شيء في الكون كما هو؟ لا أحد يعرف.

أحد كاشفات الجسيمات بالمصادم الهادروني الكبير

2- لمَ الجاذبية غريبة هكذا؟

نعرف جميعًا قوى الجاذبية، فهي أكثر قوة نتأثر بها في حياتنا، إذ أنها هي التي تحفظ تموضعاتنا على الأرض، ولكن ربما لا نولي كثيرًا من الاهتمام لقوى أخرى في مثل أهميتها. إذ أنَ هناك أربع قوى رئيسية تتحكم في هذا الكون: القوى الكهرومغناطيسية، القوى النووية الكبرى، القوى النووية الصغرى والجاذبية. وقد أوجدت نظرية النسبية العامة المعادلات المناسبة لحساب الجاذبية، وهنا تظهر المشكلة، فقيمة قوة الجاذبية أقل كثيرًا من قيم القوى الأخرى، ما تفسير ذلك؟
ربما يكون التفسير عند نظرية فيزيائية أخرى، ألا وهي نظرية الأوتار، والتي تخبرنا أن العالم الذي نعرفه لا يتكون من ثلاثة أبعاد فحسب، بل هناك أبعاد أخرى قد تصل إلى تسعة أبعاد لكنها منحنية بشكل يمنعنا من ملاحظتها، وربما هذا هو السبب في ضعف قيمة الجاذبية إذ أنها تتسرب إلى هذه الأبعاد، فربما قيمة الجاذبية كبيرة جدًا كما القوى الأخرى لكنها مخففة بتوزيعها على كل هذه الأبعاد فلا نلحظ منها إلا قيمة ضئيلة. ويأمل بعض الفيزيائيين أن التجارب في المصادم الهادروني يمكنه أن يخبرنا أكثر عن هذه الأبعاد.

3- لماذا لا يسير الزمن إلا في اتجاه واحد فقط؟

نذكر مرة أخرى النسبية العامة، لأنها هي أول من أخبرنا أن الزمان والمكان ليسا منفصلين تمامًا عن بعضهما، ولكنهما يكونان معا ما يسمى الزمكان (Space Time). لكن في الواقع، يختلف الزمان كثيرًا عن المكان، وأحد هذه الفروق الجوهرية بينهما أننا نستطيع أن ننتقل حيث نشاء بالنسبة إلى المكان لكن في الزمان نحن عالقون تماما؛ نحن نكبر في العمر لا نصغر ونتذكر الماضي لا المستقبل. فكما يبدو لنا، يسير الزمان في اتجاه واحد فقط ويطلق العلماء على هذا الاتجاه سهم الزمان (Arrow of Time).
هناك شيء آخر في الكون يسير في اتجاه واحد فقط وهو الإنتروبيا (Entropy) الذي يعبر عن قدر العشوائية في نظام ما، وينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية (The Second Law of Thermodynamics) أن الإنتروبيا في الكون لا يمكن أن تقل، بل يمكن أن تزيد فقط. وقد يكون هذا ما يعطي الزمن اتجاهه الأحادي، فمثلًا إذا كسرت كوبًا زجاجيًا فإنه لا يعود إلى وضعه وهو سليم لأن الكوب السليم لديه إنتروبيا أقل من قطع الزجاج المتناثرة والإنتروبيا تزيد فقط لا تنقص. بالمثل، تزيد الإنتروبيا في الكون الآن، مما يفرض أن الإنتروبيا كانت أقل في السابق، وربما كان الإنتروبي أقل ما يمكن منذ ما يقرب من 14 مليار عام (وقت الانفجار العظيم) وزيادته هي التي أدت إلى حدوث الانفجار.
لكن يظل التساؤل قائمًا: لماذا بدأ الكون بإنتروبي قليل من الأساس؟ ولماذا يختلف الزمان عن المكان هكذا؟

4- أين ذهبت المادة المضادة؟

لكل شيءٍ نقيض، فالموت نقيض الحياة والحزن نقيض الفرح. وحتى في الفيزياء لكل جسيم نقيض يتشابه معه في كل شيء إلا الشحنة، ويسمى الجسيم المضاد؛ فالبروتون الموجب الشحنة لديه نقيض سالب الشحنة يسمى البروتون المضاد (Antiproton ( والإلكترون سالب الشحنة لديه نقيضه الموجب المدعو بوزيترون (Positron). تلك الجسيمات المضادة هي ما نطلق عليه المادة المضادة.
يقوم العلماء بتخليق المادة المضادة عن طريق تحويل الطاقة إلى مادة في المعامل فتنتج كميات متساوية من المادة والمادة المضادة ثم تعود المادة تنجذب إلى المادة المضادة (لاختلاف شحنتيهما) فيفني كل منهما الآخر وتنتج كمية من الطاقة. ويفترض العلماء أن الانفجار العظيم بدأ بهذه الطريقة حيث تحولت كمية مهولة من الطاقة إلى مادة، المادة التي تكون كل شيء منها: النجوم والكواكب، أنت وأنا. لكن الغريب هنا هو أين المادة المضادة؟ ففي المعامل تنتج كميات متساوية تمامًا ولو كان هذا الذي حدث في الكون لكانت أفنت المادة المادة المضادة ولما بقي شيء ليكون هذا الكون من حولنا، فكيف تكون الكون إذن؟
للخروج من هذه الأزمة، يقترح العلماء أن المادة الناتجة من الانفجار كانت أكثر قليلًا من المادة المضادة وهذا الجزء القليل الزائد هو الذي نجا من المادة المضادة ليصنع كل ما تراه وما لا تراه أعيننا. لكن لماذا هذه الكمية الزائدة من المادة عن المادة المضادة؟
قد نعرف الإجابة في عام 2026 حين تظهر نتائج تجربة الكشف عن النيوترينو عميقاً تحت الأرض (Deep Underground Neutrino) التي تقوم على إرسال شعاع من جسيمات النيوترينو وأخرى من جسيمات النيوترينو المضاد، سيُرسل الشعاع من معمل فيرمي إلى مركز بحوث ستانفورد الواقع تحت الأرض كي نعلم إن كان هناك اختلاف في تصرف المادة عن تصرف المادة المضادة وهو ما قد يشير إلى حل لغز نشأة الكون.

5- ماذا يوجد في المنطقة الرمادية بين الصلب والسائل؟

نفهم جيدا الحالة الصلبة والحالة السائلة للمادة لكن هناك حالات تتصرف فيها المادة كالمواد الصلبة والسائلة في آنٍ واحد مما يجعل التنبؤ بكيفية تصرفها صعبًا. الرمل مثلًا؛ حبة الرمل الواحدة صلبة للغاية أما عندما يتجمع الكثير من حبات الرمل معًا نجدها يمكن أن تتدفق كما الماء تمامًا. يشبه الأمر التدفق المروري حيث تتدفق السيارات في الطرق حتى يعوق شيء ما مسارها فتتراكم ويحدث الازدحام المروري. فربما دراستنا لسلوك هذه المواد يفيدنا في وقف الازدحام فيما بعد.

6- هل يمكننا أن نجد نظرية موحدة للفيزياء؟

حتى الآن هناك نظريتان شاملتان هما أنجح نظريتين في تفسير الظواهر الفيزيائية: النسبية العامة وميكانيكا الكم، الأولى تستطيع تفسير حركة الكواكب والمجرات وهي الأنجح في المقاييس الكبيرة والسرعات الهائلة، أما ميكانيكا الكم أطلعتنا على الفيزياء العجيبة الكامنة في الجسيمات تحت الذرية. لكن المشكلة هنا هو تعارض النظريتين مع بعضهما في أمرٍ ما.

ذكرنا منذ قليل الزمكان الذي اعتمدت النسبية العامة في تفسير الجاذبية على انحناءه بينما تفترض ميكانيكا الكم أن الأحداث تحدث في زمكان غير منحني، والنسبية جيدة جدًا في تفسيرها وكذلك ميكانيكا الكم، لكن هل سنجد يومًا نظرية كمية تفسر انحناء الزمكان؟ هل سنجد نظرية كل شيء المنشودة التي تربط بين النسبية العامة وميكانيكا الكم؟ لا ندري. لكن المحاولات لا تنتهي؛ فمنذ عقود ظهرت لنا نظرية الأوتار والتي تفترض أن المادة تتكون من أوتار مهتزة صغيرة للغاية أو لوالب من الطاقة، لكن يذهب بعض العلماء إلى أن الفضاء نفسه هو الذي يتكون من لوالب صغيرة.
استمتعت كل نظرية بنجاحها وبالتطبيقات الناتجة عنها لكن لم تُختبر أي من النظريتين معمليًا كي تكون هي نظرية كل شيء التي لازالت تحيرنا.

7-كيف بدأت الحياة؟

في البداية، كانت الأرض خالية من الحياة، وظلت كذلك لمدة نصف مليار عام، ثم دبت فيها الحياة وأخذت تتطور من حينها إلى هذه اللحظة، لكن كيف بدأت الحياة من الأساس؟ لم بدأت قي ذلك الوقت تحديدًا؟ يعتقد العلماء أن التطور البيولوجي كان مسبوقًا بتطور كيميائي حيث شرعت المركبات غير العضوية البسيطة تتفاعل مع بعضها حتى أنتجت المركبات العضوية المعقدة وتمت هذه العملية في المحيطات، لكن ما الذي دفع بهذا التطور أيضا؟
من محاولات تفسير ذلك ظهرت نظرية د.جيرمي التي تأخذ هذه القضية على محملٍ فيزيائي فيُعبر د.جيرمي عن نشأة الحياة بقوانين الفيزياء ويفترض أن الحياة هي نتيجة حتمية لزيادة الإنتروبي. وتدعم نظم المحاكاة الحاسوبية هذه الفكرة؛ فعند إنشاء محاكاة لكوكب أرض ناشئ تقام عليه التفاعلات الكيميائية العادية، أظهرت المحاكاة أن تلك التفاعلات يمكنها أن تنتج مركبات معقدة يحتمل أن تكون جزء من الحياة الأولية على الأرض.
لكن لماذا تمثل نشأة الحياة مشكلة عند الفيزيائيين؟ الأمر هو أن عناصر النظام الواحد يجب أن تكون متشابهة أما في كوننا لا يحدث ذلك، فالحياة تعني عدم الاتزان وهو ما يخالف باقي عناصر الكون؛ كل شيء في الكون يبحث عن الاستقرار والاتزان بين القوى، الكتاب على المكتب مثلا متزن بين وزنه وطاقة الوضع التي تمنعه من السقوط، والصندوق الفارغ في اتزان بين الضغط الخارجي الواقع عليه وضغط الهواء بداخله، أما الحياة فهي عكس ذلك تمامًا؛ تستخدم النباتات ضوء الشمس لخلق مركبات معقدة من الكربوهيدرات، حتى في الخلية الحيوانية لا تصل الأيونات على سطحي جدار الخلية إلى الاتزان إلا عند الموت، أي أن الاتزان لا يعني إلا الموت. مما يثير العجب حقا، وكما يقول د.ستيفين موريس «إن محاولة فهم هذه النظم البالغة التعقيد هي العقبة الحقيقية التي تواجه الفيزياء. كيف نتعامل مع نظم بعيدة كل البعد عن الاتزان -كالحياة- ومع ذلك تنظم نفسها ببراعة منقطة النظير؟».

كما ترى مازال أمامنا الكثير لنعلمه والكثير من الأبواب المغلقة التي تنتظر من يفتحها، وخلف كل باب عشرات الأبواب، فالمعرفة والفضول الإنساني لا حدود لهما وهذا مكمن الجمال في العلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجمة: يارا محمد.

مراجعة: أحمد رضا.

المصدر: https://goo.gl/ZhBi3N

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي