في البداية اعتقدت أنها قُنبلة، ثم رأيت الناس يركضون!
سامي محمد علي «مُحامٍ»
جيولوجيا تكتونية، تصدُّعات، زلازل، ماذا تعني؟
في البداية، وقبل الخوْض في أي تفاصيل أو مناقشات، ماذا تعْني كلمة زلزال؟
من مفارقات اللُغة العَربية أَن كَلمة زلزال لُغويًا تعنى مصيبةٌ شديدةٌ، وهو ما ينطبق فعلًا وموضوعًا على ماتحدثه الزلازل من أهوالٍ! وهذا المعنى يأخذنا إلى مرادفها العلمي المبسط: هزة أرضية طبيعية تنشأ تحت سطْح الأرض، سببها تحرر الضغط المتراكم عبر الشقوق الجيولوجية نتيجة لنشاط بركانيّ، أو تزحزح في الصفائح التكتونية.
والصفائح التكتونية هي قطع من قشرة الأرض والغطاء العلوي، ويشار إليهما معًا بإسْم الغلاف الصخري. تبلغ سماكة هذه الألواح حوالي 100 كم «62 ميل» وتتألف مِن نوعين رئيسيين من المواد: القشرة المحيطة «وتسمى أيضًا (SiMa) تتكون من السيليكون والمغنيسيوم» والقشرة القارية «SiAl» (التي تتكون من السيلكا والألمنيوم).[1]
وتطفو هذه الصفائح التكتونية طبقا لنظرية زحزحة القارات فوق غلاف الوهن شبه الصلب الذى يحتوى على تيارات الحمل، فيما يشبه دورة غليان السوائل، وفعلًا هذه الكرة الارضية الغامضة في حالة غليانٍ!
الصفائح التكتونية في الخريطة الصادرة من معهد المساحة الجيولوجية الامريكى 1996
خريطة من وكالة الفضاء الامريكية ناسا، توضح الصفائح التكتونية ونشاطاتها
مصر بعيدة عن حزام النار، وتعرَّضت لزلازل!
حزام النار هو لقب أطلق على منطقة سواحل المحيط الهادى وجزرها حيث تنشط الزلازل والبراكين.[2] وأعنف الزلازل وقعت قرب هذا الحزام مثل؛ زلزال تشيلي العظيم أعنف الزلازل على الإطلاق وزلزال ألاسكا وزلزال اليابان الكبير وزلزال كامشاتكا وزلزال تشيلي 2010، كما يضم هذا الحزام 452 بركانًا وهو معقل 75% من البراكين النشطة في العالم.
صورة من مركز بيانات CIA توضح نطاق حزام النار
من الملاحظ والواضح جدًا أَن مصْر وإفريقيا بشكلٍ عامٍ تبتعد بمقدارٍ كافٍ جدًا عن حزام النار وزلازله وبراكينه، وعن المناطق النشِطة تكتونيًا.
وأيضًا تشْهد مصر ما بين 1800 إلى 3500 زلزال سنويا تسجلهم الشبكة القومية لرصد الزلازل لكن لا يشعر بها المصريون نظرًا لضعفها. فكيف تضرِبها الزلازل إذن؟
هناك مصطلح يستخدم في مجال الجيولوجيا «تقارب وتباعد الألواح التكتونية» ويصف بدقة حال هذه الألواح أو الصفائح، حيثُ أنها لم ولن تستقر في مكانها طبقًا لنظرية زحزحة القارات فهى في حالةِ حركةٍ مستمرة إما تقاربية أو تباعدية.
والشاهد على حركتها التقاربية هي الجبال أو الخنادق والصدوع كمثالٍ على حركتها التباعدية.
وكأنما مصر أبتْ أن تكون محط أنظارِ العالم في احتوائها على ثلث آثارِ الأرض أو أنها الحضارة المُخضرمة التى جمعت بينَ الشرقِ والغربِ، وإنما أيضًا اصبحت محط أنظارِ العالم في كونها تحتوى أرضها على أربع مساراتٍ مختلفةٍ لأربع حركات مُختلفة للصفائح الأرضية على مر آلافٍ من الأعوام… بل ملايين!
في تصريحٍ للدكتور حاتم عودة رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية، قال:
إن مصر بها مناطق نشطة زلزاليًّا، ويتم التركيز عليها في الرصد، وتشمل تلك المناطق: «أسوان، دهشور، نطاق القاهرة والسويس، خليج العقبة، جنوب وشمال خليج»، لافتًا إلى أن هذه الأماكن لا تقتصر فيها الزلازل، ففي بعضِ المَناطق يَحدث فيها ولكن لم تكن نشطة زلزاليًّا.
ومن هنا نحن نركز الضوء على دهشور، تلك البقعة التي حملت أشد الكوابيس سوادًا على سكانها في الثانى عشر من شهر أكتوبر لعام 1992 عندما لم تكتف بتضررها من الزلزال وإنما كانتْ مركزًا لهذا الزلزال المدمر.
خريطة سيازمية توضح مركز الزلزال والموجات الزلزالية، صادرة عن معهد المساحة الجيولوجية الامريكي. [3]
ففي الساعة 3:10 بعد ظهر يوم الإثنين وقع الزلزال الذي وصف بأنه الأقوى على الإطلاق المسجل بالقرب من العاصمة المصرية، واستمر 20 ثانية. وسجل 5.9 درجة على مقياس ريختر!
ولكنه كان مدمرًا بشكل غير عادي بالنسبة لحجمه، وقد تسبب في وفاة 545 شخصًا وإصابة 6512 آخرين وشرد حوالي 50000 شخص إذ أصبحوا بلا مأوى. شهدت مصر عدة توابع لهذا الزلزال استمرت على مدار الأربعة أيامٍ التالية. كان هذا الحدث هو الأكثر تدميرًا من حيثُ الزلازل التي أثرت في القاهرة منذ عام 1847.[4]
سبب الزلزال تكتونيًّا
أوضح الدكتور أحمد الحضري الخبير الجيولوجي في تصريحٍ لوكالة ONA أن فالق أبو رواش هو الفالق الذى نتج عنه زلزال 1992، حيثُ أنه عبارة عن تحركٍ عنيفٍ وسريع للصخور بالفالق الأرضي جنوب غرب القاهرة منطقة أبو رواش.
القاهرة جُيولوجيًا تقع في منطقةٍ تَصدعات أرضية منتشرة، تنقل موجات التمدد من صدع خليج السويس إلى صدع المنزلة أسفل دلتا النيل.
هذا الفالق الأرضي تأثر بأربع حركات تكتونية مرتبة من الأقدم إلى الأحدث:
- (pelusium trend)
- (syrian arc fault system)
- حركة تباعدية أدت إلى فتح البحر الأبيض المتوسط.
- حركة تباعدية أدت إلى فتح البحر الأحمر وتصدع خليج السويس.
صورة توضح أربع إتجاهات مؤثرة [5]
جيولوجيًّا، أي حركة أو تأثير من فالقٍ يؤثر على صخورِ الفالق الآخر المتقاطع معه، حيث ينتقلُ التأثير في شكلِ موجاتٍ سيزمية (زلازل).
استنتاج بسيط
الكرة الارضية غامضة جدًا، ومهما بلغنا من العلم أو الاكتشافات فإنها نقطة في محيط. نحن لا نكتشف هذه الأسرار إلا إذا قررت الأرض يومًا ما أن تبوح همسًا.
نحن ضيوف، ومضيفتنا شرسة جدًا، إنها الطبيعة… التى لا سيطرة عليها حتى الآن!
المصادر:
[1] http://Bird, P. (2003). “An updated digital model of plate boundaries”. Geochemistry, Geophysics, Geosystems 4 (3): 1027.
[2] http://Baker، M.C.W.؛ Francis، P.W. (1978). “Upper Cenozoic Volcanism in the Central Andes – Ages and Volumes”. Earth and Planetary Science Letters. 41 (2): 175–187.
[3] RECONNAISSANCE REPORT ON THE 12 OCTOBER 1992 DAHSHUR, EGYPT, EARTHQUAKE. USGS.
[4] http://USGS Open File Report 93-181
[5] http://tectonic deformation and subsurface active fault trends of El-Faiyum province, Egypt as deduced by seismicity and potential field data. Arabian Journal of Geosciences (2017) 10: 547
إعداد وترجمة: عبد الرحمن قاسم