يعد صنع الدوائر المتكاملة التي تحزم المئات أو الملايين أو المليارات من المكونات على شريحة من السيليكون بحجم صغير جدًا من أكثر العمليات الصناعية تعقيدًا. تخيل ما يمكن أن تتسبب به بقعة صغيرة من الوسخ إذا كنت تعمل على نطاق مجهري. لهذا السبب يتم تصنيع أشباه الموصلات في البيئات المختبرية المعقمة والتي تسمى الغرف النظيفة «clean rooms»، حيث يتم تنقية الهواء بدقة ويتعين على العمال ارتداء الملابس الواقية.
تبدأ عملية صنع الدائرة المتكاملة ببلورة واحدة كبيرة من السيليكون، على شكل أنبوب طويل صلب يتم تقسيمها الى شرائح رقيقة -مثل شرائح السلامي- تسمى الرقاقات «wafers». يتم تقسيم الرقاقات إلى العديد من الأجزاء المتماثلة، وكل واحدة منها ستشكل شريحة سيليكون واحدة، ثم يتم إنشاء الآلاف أو الملايين أو المليارات من المكونات على كل شريحة عن طريق تطعيم «doping» مساحات مختلفة من السطح بمواد منشطة لتحويلها إلى أنواع n أو p من السيليكون. (1)
يتم هذا التطعيم عن طريق مجموعة متنوعة من العمليات المختلفة. في واحدة منهم، والمعروفة باسم الطقطقة «sputtering»، يتم إطلاق أيونات مادة المنشط على رقاقة السيليكون كإطلاق الرصاص من بندقية. عملية أخرى تسمى ترسيب البخار «vapor deposition» تتضمن إدخال مادة المنشط كغاز وتركها تتكثف حتى تخلق ذرات المادة المنشطة طبقة رقيقة على سطح رقاقة السيليكون. (2)
مراحل تصنيع الشريحة (1)
على الرغم من مدى تعقيد عملية صنع هذه الرقائق إلا إنها تمر بستة مراحل اساسية منفصلة يمكن للواحدة منهم أن تتكرر أكثر من مرة. المراحل هي:
- صنع الرقاقات «Making wafers»: يتم صب بلورات السيليكون النقية في أسطوانات طويلة وقطعها إلى رقاقات رفيعة جدًا، في نهاية المطاف سيتم تقطيع كل منها إلى عدة شرائح.
- التقنيع «Masking»: يتم تسخين الرقاقات لتغطيتها بثاني أكسيد السيليكون واستخدام الأشعة فوق البنفسجية لإضافة طبقة واقية صلبة تسمى مقاوم الضوء «photoresist».
- النقش «Etching»: يتم استخدام مادة كيميائية لإزالة بعض مقاوم الضوء «photoresist» وصنع ما يشبه بنموذج للقالب يوضح المكان الذي نريد فيه مساحات من السيليكون من النوع n أو p.
- التطعيم بالمنشطات «Doping»: يتم تسخين الرقائق بالغازات المحتوية على شوائب (مادة المنشط) لجعل مناطق السليكون من النوع n وp. مزيد من النقش والتقنيع قد يتبع.
- الاختبار «Testing»: يتم توصيل كل رقاقة بجهاز يتم التحكم به بالكمبيوتر -عن طريق موصل معدني يتصل بطرف كل رقاقة- بهدف اختبارها حيث يتم تمييز ورفض أي شرائح لا تعمل.
- التغليف «Packaging»: يتم قطع جميع الشرائح التي تعمل بشكل جيد من الرقاقة وتعبئتها في كتل واقية من البلاستيك، وتكون بذلك جاهزة للاستخدام في أجهزة الكمبيوتر وغيرها من المعدات الإلكترونية.
أنواع الدوائر المتكاملة ومجالات استخدامها
يمكن للدوائر المتكاملة إجراء العمليات الحسابية وتخزين البيانات باستخدام التكنولوجيا الرقمية «Digital» أو التناظرية «Analog».
تستخدم الدوائر الرقمية بوابات منطقية تعمل فقط مع القيم الخاصة (صفر وواحد) حيث ينتج عن الإشارة المنخفضة التي يتم إرسالها إلى أحد المكونات الموجودة على الدائرة الرقمية قيمة صفر وتعني إيقاف، بينما تخلق الإشارة العالية قيمة واحد وتعني تشغيل. الدوائر الرقمية هي النوع الذي ستجده عادةً في أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الشبكات ومعظم الإلكترونيات التي نعرفها وتُعرف الدائرة باسم الدائرة الثنائية لإنها يمكن أن تكون في حالتين فقط حيث تعتمد على قيمتين فقط للجهد.
بينما تحمل الدوائر التناظرية أو الخطية قيم مستمرة. هذا يعني أن المكون على الدائرة خطية يمكن أن يأخذ قيمة من أي نوع ويخرج قيمة أخرى. يستخدم المصطلح «خطي» لوصف الدائرة التناظرية لأن قيمة الخرج تكون دالة خطية للمدخل. على سبيل المثال، قد يضاعف مكون على الدائرة خطية قيمة المدخل بعامل 2.5 ويخرج النتيجة. تستخدم الدوائر الخطية عادةً بضعة مكونات فقط. عادةً ما يتم توصيل الدوائر التناظرية بالأجهزة التي تجمع الإشارات من البيئة أو ترسل الإشارات مرة أخرى إلى البيئة. على سبيل المثال، يقوم الميكروفون بتحويل الموجات الصوتية المتقلبة إلى إشارة كهربائية ذات جهد متغير. ثم تقوم الدائرة التناظرية بتعديل الإشارة بطريقة مفيدة، مثل تضخيمها أو تنقيتها من الضوضاء. قد يتم تغذية هذه الإشارة بعد ذلك بمكبر صوت، والذي سيعيد إنتاج النغمات التي اختارها الميكروفون في الأصل. تستخدم أيضُا في التحكم ببعض أجهزة الاستجابة للتغيرات المستمرة في البيئة. على سبيل المثال، يرسل مستشعر درجة الحرارة إشارة مختلفة إلى منظم الحرارة، والذي يمكن برمجته لتشغيل مكيف الهواء أو المدفأة أو الفرن وإيقاف تشغيله بمجرد أن تصل الإشارة إلى قيمة معينة. (3)
تصميم الدوائر المتكاملة (4)
على الرغم من أن تصنيع الدوائر المتكاملة يتم بشكل ثابت لا يختلف باختلاف نوع هذه الدائرة، فإن تصميم هذه الدوائر يختلف حسب كون الدائرة تناظرية أو رقمية.
لتصميم الدوائر التناظرية، يعد اختيار كل مكون وحجمه وموضعه واتصاله مع المكونات الأخرى أمرًا بالغ الأهمية. هناك العديد من القرارات التي يجب أن يتخذها مصمم الدائرة، على سبيل المثال، ما إذا كان يجب أن يكون أحد المقاومتين متوازيًا أو متعامدًا مع الآخر، أو ما إذا كان يمكن أن يقع سلك فوق جزء أو جزء آخر. كل التفاصيل الصغيرة تؤثر على الأداء النهائي للمنتج النهائي.
عندما كانت الدوائر المتكاملة أبسط، كان يمكن حساب قيم المكونات يدويًا. عندما أصبحت التصميمات أكثر تعقيدًا، رسم المهندسون رسومًا بيانية لخصائص الجهاز عبر عدة متغيرات معتمدين على تجارب معملية ثم قاموا باستخدام البيانات من هذه الرسومات في حساباتهم. عندما قام العلماء بتحسين توصيفهم للفيزياء المعقدة لكل جهاز، طوروا معادلات معقدة أخذت في الاعتبار الآثار الدقيقة التي لم تكن واضحة من التجارب المعملية. على سبيل المثال، يعمل الترانزستور بشكل مختلف تمامًا عندما يكون على ترددات وبأحجام مختلفة. وأيضًا يظهر للمكونات الطفيلية «parasitic components» كالمقاومة والمكثف تأثيرات غير مرغوب فيها تزداد نظرًا لأن الدوائر تصبح أكثر تعقيدًا وأصغر حجمًا وبترددات أعلى. لهذا أصبحت أجهزة الكمبيوتر لا غنى عنها في هذه العملية، فظهرت برامج المحاكاة التي تحاكي تصرفات الدوائر المتكاملة التي تحتوي على معادلات للترانزستورات والمكثفات والمقاومات والمكونات الأخرى.
نظرًا لأن الدوائر الرقمية تشتمل على مئات المرات من مكونات الدوائر التناظرية، فإن الكثير من أعمال التصميم تتم عن طريق نسخ وإعادة استخدام نفس وظائف الدوائر، وخاصة باستخدام برامج التصميم الرقمي التي تحتوي على مكتبات من مكونات الدوائر سابقة التجهيز. تكون المكونات المتوفرة في هذه المكتبة متماثلة الارتفاع، وتحتوي على نقاط اتصال في مواقع محددة مسبقًا، ولديها تطابقات صارمة أخرى بحيث تتوافق معًا بغض النظر عن كيفية تكوين مصمم الدائرة للتصميم.
بالنسبة للتصميمات التي تحتوي على كل من الدوائر التناظرية والرقمية (يطلق عليها شرائح الإشارة المختلطة)، فإن المحاكاة التناظرية أوالرقمية ليست كافية. بدلاً من ذلك، يتم استخدام المحاكاة السلوكية الخاصة، حيث تستخدم نفس الفكرة التبسيطية وراء أجهزة المحاكاة الرقمية لتصميم الدوائر بأكملها بدلاً من الترانزستورات الفردية. تم تصميم أجهزة المحاكاة السلوكية بشكل أساسي لتسريع عمليات محاكاة الجانب التناظري لشريحة إشارة مختلطة.
المصادر
لقراءة الجزء الأول اضغط هنا.
إعداد: سارة سمير
مراجعة علمية: كريم عبد المنعم
تدقيق لغوي: محمد غنيم
تحرير: سامح منصور