أن تأخذ من الفقراء لتعطي الأغنياء

fig-30-09-2018_21-17-55

|

رفع تعريفة الاستيراد:

في أواخر عام (2018) أعلنت الحكومة الهندية أنها رفعت تعريفة الاستيراد على (19) سلعة من السلع الغير أساسية لخفض العجز في حسابها الجاري ولتحد من انخفاض قيمة الروبية (العملة الهندية). ولكن هذا  سبب سخيف، ولأنه على الرغم من كل الضجة المحيطة فتراجع الروبية لا يمثل مشكلة ويجب على الحكومة عدم التدخل.

لكن في جميع أنحاء العالم هذا هو الاتجاه السائد، تنفذ الحكومات سياسات حماية يصحبها هذا الخطاب النبيل لحماية الصناعة المحلية. ولكن ما هذا إلا عملية احتيال يجرونها على شعوبهم مثل معظم التدخلات الحكومية في السوق، تعريفة الاستيراد تعادل إعادة توزيع الثروة ولكن من الفقراء إلى الأغنياء. نعم، فهذا ليس إعادة توزيع من الأغنياء إلى الفقراء ولكن العكس.

أثر سياسات الحماية:

وبالنظر إلى ما تفعله التعريفة فهي تجعل الواردات أكثر تكلفة وبالتالي تقلل من المنافسة على الصناعة المحلية، وتجعل لدى المصنعين حافزًا أقل للابتكار، ويعطون للمستهلكين سعرًا أعلى، ونجد السلعة التي كانت تكلفتها (10) روبيات قبل التعريفة قد تصل تكلفتها لـ(12) روبية بعد الإجراءات الحمائية، وبذلك فإن كل من يشتريها يفقد (2) رويبة. فأين تذهب هذه الأموال؟ إلى الصانع غير الكفء الذي يستفيد من هذه السياسة الحكومية.

ولكن لماذا لا يحتج المستهلكون؟  أولًا: لأن هذه الخسارة افتراضية فهم لا يدركون حتى أنها قد حدثت. ثانيًا: إن معدل الزيادة قليل جدًا، فلماذا إذن نعيرها الاهتمام؟ لأنه إذا خسر (100) مليون مستهلك (2) رويبة فليس هناك احتمال بأن يهتم أي منهم بذلك. ولكن إذا كان هناك خمسة مصنّعين يتقاسمون (200) مليون روبية فيما بينهم فسوف يهتمون بالتأكيد. ويكون من المنطقي بالنسبة لهؤلاء المصنعين أن ينشؤوا جماعة للضغط على الحكومة (أو أن يرشوها) لتكون الحكومة في صفهم وتساهم في صناديق الأحزاب السياسية.

يطلق خبراء الاقتصاد على هذه الظاهرة فوائد مركزة وتكاليف منتشرة حيث تنتشر الفوائد بين عدد قليل من اللاعبين وهي كبيرة بما فيه الكفاية لهم للضغط من أجل تلك السياسات. وتتوزع هذه التكاليف بين الكثيرين بحيث لا تكون حدًا كبيرًا لكل مواطن وغالباً ما تكون غير مرئية.

قوة السلطة في التأثير على الحكومات:

وعن التفاعل بين السلطة والمال، فأولئك الذين يصلون إلى السلطة يحتاجون إلى المال للوصول إلى هناك، وأولئك الذين يعطون المال يريدون عائدًا على الاستثمار، فمن أين تأتي سيادة القانون هذه؟ فهي مُجبرة على المواطن العادي من قبل الدولة، عادة دون أن يكون مدركًا لها. وفي عالم مثالي يتمثل الدور الأساسي للدولة في حماية حقوق مواطنيها، بينما في العالم الحقيقي فالمهمة الأساسية التي تركز عليها الدولة هي إعادة توزيع الثروة من الفقراء إلى الأغنياء.

والتعريفات الجمركية هي مجرد مثال على ذلك، فكل ما تفعله الحكومة لتقلل من مستوى المنافسة في السوق يفعل ذلك، وكل متطلبات التراخيص تفعل ذلك، فعلى سبيل المثال: تقوم معظم الأنظمة في السوق بذلك خاصة تلك التي تتطلب تكلفة ثمينة وتحويل الثروة والموارد إلى ريع فكان من الممكن أن يتم إنفاق ذلك بشكل أفضل على المستهلكين.

في كثير من الأحيان يحدث إعادة التوزيع لصالح مجموعة المصالح الأكثر أهمية ( كالحزب في السلطة) فإن المئات من الأموال التي تنفقها الأحزاب الحاكمة في الحكومات التي تديرها يكون من أجل هذا، وكذلك الحال بالنسبة للرعاية التي يعيرونها إلى بنوك التصويت التي يحاولون كسبها.

صحيح أن وجود الحكومة نفسها يرتقي إلى الفوائد المركزة والتكاليف المنتشرة. فنحن جميعًا ندفع الضرائب (تكاليف منتشرة)؛ وتنفق الدولة تلك الأموال (الفوائد المركزة). لا توجد طريقة غير هذا، لأننا نحتاج إلى الدولة لحماية حقوقنا، ولكن أي شئ آخر بعيدًا عن الحماية فهو إعادة توزيع ضارة.

فما الذي يمكن للمواطنين القيام به حيال ذلك؟ لا أحد يشجع على النزاع ضد السياسة في كل مرة، فكم من الناس سيخرجون لأنه سرقت من كل فرد (40) رويبة كل عام للحفاظ على الطيران الهندي مثلًا؟ ولكن إذا كان لنا أن نحصل على فهم أكبر لما نخسره كل عام وليس فقط ما نعطيه كضرائب، ولكن جميع الخسائر التي نتكبدها من عمل الحكومة (مثل الـ 2 روبيبة في المثال السابق) ربما لم نكن لنهتم كثيرًا؟

ربما يكون حل هذه المشكلة واضح جدًا وهو جعل  قوة الحكومة ونطاقها محدود للغاية بحيث لا يكون بمقدورها أن تأخذ من الفقراء وتعطي للأثرياء.


المصدر: https://www.bloombergquint.comhttps://www.bloombergquint.com/opinion/taking-from-the-poor-and-giving-to-the-rich

ترجمة : إنجي عبد المنعم
مراجعة علميّة: شيرين صبيح
مراجعة لغوية: حمزة مطالقة

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي