أوسكار وايلد: صاحب رواية «دوريان جراي – The Picture of Dorian Gray»
وُلِد «أوسكار فينجال أوفلاهرتي ويلز وايلد – Oscar Fingal O’Flahertie Wills Wilde» في السادس عشر من أكتوبر عام 1854م، في مدينة دوبلن بأيرلندا. كان والده ويليام وايلد (Sir William Robert Wills Wilde) طبيبًا مرموقًا، وقد مُنِحَ لقب فارس لعمله كطبيب استشاري بهيئة التعداد السكاني الأيرلندية، أسس ويليام وايلد فيما بعد مستشفى سان مارك للرمد على نفقته الخاصة لعلاج الفقراء. أمَّا والدته جين فرانسيسكا إلجي (Jane Francesca Elgee) فكانت شاعرة، وكان لها تواصل عن قرب مع حركة التمرد الأيرلندية الشابة (Young Irelander Rebellion) عام 1848م، وكانت عالمة لغات ماهرة ولها ترجمة رائعة لرواية سيدونيا الساحرة للروائي فيلهيلم مينهولد (Wilhelm Meinhold)، وكان لهذه الترجمة أثر كبير على كتابات ابنها أوسكار وايلد.
كان وايلد طفل نَبِيه ومُحب للقراءة، أحبَّ الدراسات اليونانية والرومانية أثناء دراسته بمدرسة بورتورا الملكية (Portora Royal School) بإينيسكيلين (Enniskillen). وفي آخر عامين له بالدراسة هناك، ربح جائزة أفضل طالب للدراسات الكلاسيكية، وفي عامه الأخير ربح المركز الثاني في الرسم. حصل بعد تخرجه عام 1871م على منحة المدرسة الملكية (Royal School Scholarship) ليدرس في ترينيتي كوليدج (Trinity College) بمدينة دوبلن، وبعد انقضاء عامه الأول بها 1872م حصل على المركز الأول في اختبارات الدراسات الكلاسيكية، كما حصل على منحة دراسية من مؤسسة الكلية.
بعد تخرجه من جامعة أكسفورد، انتقل وايلد إلى لندن ليعيش مع صديقه فرانك مايلز (Frank Miles) الرسام المشهور بين الطبقة الراقية بلندن. استطاع هناك التركيز على كتابة الشعر وأصدر أول دواوينه «قصائد-Poems» عام 1881م. بالرغم من تواضع النجاح الذي حققه هذا الديوان؛ إلَّا أنَّه قدَّم أوسكار وايلد كأحد الكتاب الواعدين.
في العام اللاحق 1882م سافر وايلد إلى نيويورك ليشارك في جولة محاضرات في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعطى 140 محاضرة رائعة خلال تسعة أشهر. في الوقت الذي لم يُلقِ به محاضرات، قابل وايلد العديد من الشخصيات الأدبية الأمريكية البارزة منهم: هنري لونجفيلو (Henry Longfellow)، أوليفر ويندل هولمز (Oliver Wendell Holmes)، ووالت ويتمان (Walt Whitman). وقد أُعَجب كثيرًا بـ«ويتمان» حتى أنَّه كتب إليه قائلًا: «ليس هناك شخص في عالم أمريكا الواسع أحبه وأحترمه مثلك».
بعد انقضاء جولته الأمريكية، عاد وايلد إلى موطنه ليقوم بجولة مماثلة بإنجلترا وأيرلندا امتدت حتى منتصف عام 1884م. تناولت جولته أعماله الشعرية، كما قدم من خلالها نفسه كمؤيد للحركة الاستاطيقية -نسبة إلى علم الجمال (Aesthetics)-. وتتبع هذه الحركة نظرية تركيز الفن والأدب على الجمال فقط بغض النظر عن الترويج لأي وجهة نظر سياسية أو اجتماعية.
في بداية عام 1888م، كان لا يزال يعمل في رئاسة تحرير ليديز وورلد (Lady’s World) منذ عام 1885م، دخل وايلد في حالة ثورة إبداعية لمدة 7 سنوات أنتج خلالها أعظم أعماله الأدبية. فصدر له «الأمير السعيد وحكايات أخرى-The Happy Prince and Other Tales» عام 1888م، وهي مجموعة قصصية للأطفال. ونُشرت له مجموعة مقالات تحت عنوان «نوايا-Intentions» عام 1891م تتحدث عن مبادئ الاستاطيقية، وفي العام نفسه أصدر روايته الأولى والوحيدة «صورة دوريان جراي-The Picture of Dorian Gray»، وهي رواية تحكي عن شاب وسيم يُدعى دوريان جراي يتمنى أن تكون له صورة تشيخ بدلًا منه ويظل هو في شبابه، وبالفعل تتحقق أمنيته.
بالرغم من أنَّ هذه الرواية تُعد الآن من أعظم الكلاسيكيات؛ إلَّا أنَّها أثارت غضب النقاد لما تمثله من تدني أخلاقي، دافع وايلد عن موقفه بعنف في مقدمة الرواية التي تعتبر أحد أعظم الأعمال المدافعة عن الاستاطيقية.
افتتحت أول مسرحيات وايلد «مروحة السيدة ويندرمير-Lady Windermere’s Fan» في فبراير عام 1892م، واستقبلها النُقاد باحتفاء كبير؛ الشيء الذي دعا وايلد إلى اتخاذ الكتابة المسرحية كنوعه الأدبي الأساسي في كتاباته. خلال السنوات التالية أصدر وايلد عدة مسرحيات كوميدية ساخرة تحمل بين سطورها رسائل جادة، من أهم هذه المسرحيات «امرأة بلا أهمية-A Woman of No Importance» عام 1893م، «زوج مثالي- An Ideal Husband» عام 1895م، وأشهرهم «أهمية أن تكون جادًا-The Importance of Being Earnest» عام 1895م.
أقنعت مسرحية «امرأة بلا أهمية-A Woman of No Importance» الناقد ويليام أرشر (William Archer) أنَّ مسرحيات وايلد يجب اعتبارها ضمن أرقى نتاج الدراما الإنجليزية الحديثة.
تتمحور أغلب أعمال وايلد عن كشف إثم مخفي أو طيشٍ ما وخزي ناتج عن هذا الإثم. فإذا اعتبرنا أنَّ الواقع يحاكي الفن، كما أكد وايلد في مقاله «اضمحلال الكذب-The Decay of Lying»، فقد كان يشخص تهوره هو شخصيًا في ملاحقة المتعة؛ ففي الوقت الذي كان يتمتع فيه بأعظم نجاح أدبي، كان وايلد على علاقة بشاب يدعى لورد ألفريد دوجلاس (Lord Alfred Douglas)، كان والد دوجلاس هو ماركيز مدينة كوينزبيري الذي اتهم وايلد باللواط حين علم بالأمر ورفع عليه دعوة بهذا الاتهام. على الرغم من أنَّ شذوذ أوسكار وايلد الجنسي كان مثل السر المذاع؛ إلَّا أنَّ هذه الدعوة أثارت غضبه حتى أنَّه رفع دعوة مقابلة ليتهم فيها والد دوجلاس بالتشهير به؛ سقطت قضية التشهير وحُكِمَ على وايلد بالحبس لمدة عامين بعد أن استطاع والد دوجلاس أن يثبت التهمة عليه من خلال رسائل وايلد إلى دوجلاس وكتاباته الأدبية نفسها.
خرج وايلد من محبسه عام 1897م منهك الجسد والعاطفة ومفلس تمامًا، ذهب إلى فرنسا حيث عاش في منفاه ما تبقى من حياته. وكان قليلًا ما يكتب في هذه السنوات الأخيرة، فكان أهم كتاباته هي قصيدة أتمَّها عام 1898م عن تجربته في السجن «أنشودة سجن ريدينج جول-The Ballad of Reading Gaol».
توفي وايلد إثر معاناته من الالتهاب السحائي في 30 نوفمبر عام 1900م وهو في السادسة والأربعين من عمره.
من أشهر أقواله:
«الخبرة هي الاسم الذي نصف به أخطاءنا»
«كيف يكون الإنسان فقيرًا وهناك من يحبه»
«إن أردت أن تبدو طبيعيًا فلا بدّ لك من التكلُّف»
«الجمال الحقيقي يختفي حين تظهر مخايل الذكاء»
«الرذيلة الكبرى هي أن تكون مصطنعًا»
«فقط الناس محدودو التفكير يعرفون أنفسهم»
__________________________________________________________________
ترجمة: إيناس أحمد مهدي
مراجعة لُغَوية: أمنية أحمد عبد العليم
تصميم: علي أدهم
المصادر: http://sc.egyres.com/HOQB4