إدجار آلان بو.. رحلة في عقل مريض نفسي

edgar1.v1

إدجار آلان بو .. رحلة في عقل مريض نفسي|إدجار آلان بو .. رحلة في عقل مريض نفسي|إدجار آلان بو .. رحلة في عقل مريض نفسي|إدجار آلان بو .. رحلة في عقل مريض نفسي|إدجار آلان بو .. رحلة في عقل مريض نفسي

ماذا لو كان بإمكانك أن تقفز إلى داخل عقل شخص مجنون؟ ماذا لو كنت قادرًا على رؤية العالم من خلال عيني شخص فقد المنطق والعقل؟ ماذا لو كان بإمكانك أن تعرف كيف يفكر إدجار آلان بو مثلًا؟

يؤمن الكثيرون أن على الكاتب أن يتحلى بالجنون بنفس القدر -إن لم يكن أكثر- الذي تتحلى به شخصيات قصصه أو رواياته؛ وبالتالي يستطيع التركيز على الطريقة التي تمكنه من خلق هذه الشخصيات، وكيف تتطور من خلال الأحداث.
فكيف له أن يكتب عن شيء لم يختبره من الأساس؟

واحدٌ من أهم الكتاب الأكثر أصالة وشهرة في سبر أغوار الجوانب النفسية العميقة، الكاتب الذي رفع قصة الرعب إلى مقام الشعر، ورفع الشعر إلى منزلة الحلم، واستخلص من كآبته وجهامة دنياه ذلك الكون السرمدي المصبوغ باللون الأزرق.
إنه إدجار آلان بو، الكاتب الذي فهم روعة الرعب والفزع.

إدجار آلان بو .. رحلة في عقل مريض نفسي
EDGAR ALLAN POE, BY SAM SHEARON

من هو إدجار آلان بو؟

ولد إدجار آلان بو في بوسطن في العام 1809، وكان الابن الثاني لديفيد بو، والذي تُوفي قبل أن يتم إدجار الثالثة من عمره.
وتولى رعايته تاجر غني من ولاية فيرجينيا يدعى جون آلان -وهو من منحه اسم آلان- أنفق عليه حتى دخل الجامعة، وسافر معه وهو طفل إلى إنجلترا في العام 1815، والتحق بالمدرسة في شيلسي.

وفي العام 1820، عاد مجددًا إلى ريتشموند، ليلتحق بجامعة فرجينيا، ودرس اللاتينية والشعر. ولكن انتهت أيام دراسته بعد انخراطه في شرب الخمر ولعب القمار، وانضم للتجنيد في الجيش لمدة عامين.

وفي العام 1836، تزوج من ابنة عمه، التي كانت تبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا، فيرجينيا كليمن، وبدأ في حياته المهنية ككاتب ومحرر لإحدى المجلات، وبرزت موهبته الأدبية غير العادية في سن مبكرة، حتى أنه صار مسؤولًا بالكامل عن تحرير مجلة أدبية كبيرة في سن الثانية والعشرين، ونال عدة جوائز، ولكنه عاد مرة أخرى لولعه القديم بشرب الخمر.

توفت زوجته في وقت لاحق من العام 1847، مما تسبب له في ألم نفسي مبرح، وأصبح غير مستقر عقليًا.

لم يبارح آخر منزل كان يعيش به هو وزوجته، وهو كوخ صغير في فوردهام ببرونكس في مدينة نيويورك، لينغمس في شرب الخمر بغزارة، ليزعم كل من عرفه في هذا الوقت أنه كان يظهر سلوكًا شاذًا وغير متزن بصورة متزايدة. وتوفي بعد ذلك بعامين، تحديدًا في العام 1849. (1)

اشتهر إدجار آلان بو بأسلوبه العبقري في الكتابة، والذي تأثر فيه بالرومانسية الألمانية، وغلب عليه الطابع القوطي. ويؤمن بعض الأشخاص أن حياته الخاصة التي اتسمت بالفسق والفقر، وحتى سلوكه النبيل، كان لها أكبر الأثر في خلق هذا المزيج العبقري لكتاباته.

حتى أن البعض يعتبره مبتكر أدب القصة البوليسية، لما تميزت به قصصه من موضوع مشترك وهو ابتكار أبطاله من القتلة المختلين عقليًا لما يعتقدوا أنه الجريمة الكاملة. أصدر بو عدة قصص قصيرة شهيرة يمكن تصنيفها كدراما نفسية، مثل قصيدة «الغراب»، وقصة «القلب الذي كشف السر»، وقصة «القط الأسود». وكان كل ذلك قبل أن يُبتكر الأسلوب الأدبي الذي يُسمى بالدراما النفسية. ولذلك، لابد وأن بو كان يتمتع بقدر من الجنون ليتمكن من خلق مثل هذا التنوع في شخصياته المتعددة.
فكان يتمتع بتلك العبقرية المريضة التي تلد أبشع الرؤى القاتمة على الورق، لكنك حين تقرأها لا يمكنك إلا أن تصفها بالعبقرية.

والآن حان الوقت لنغوص معًا في أشهر قصص هذا الكاتب المجنون، كأحد أبطاله، كما فعل الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق في إحدى قصصه من «ما وراء الطبيعة»، تحديدًا في العدد رقم 19 بعنوان «أسطورة بو».

قناع الموت الأحمر

لقد انتابت قلوب أكثر الحاضرين تهورًا عاطفة جياشة لا يمكن مجابهتها ببرودة أعصاب، حتى أن أولئك البائسين تمامًا ممن يعتبرون الحياة والموت دعابتان متشابهتان يؤمنون بوجود أمور يستحيل المزاح فيها

ما زال الضوء الأحمر موجودًا لم يبرح المكان بعد. وكان مصدر ذلك الضوء الدموي هو الزجاج الأحمر المثبت على نوافذ القصر، وخلفها كان اللهب يتأجج باعثًا ذلك الضوء المخيف على وجوه الواقفين.
نظرت على يميني وعلى يساري، فأدركت أنني في حفل تنكري. رجال يرتدون بعض الأقنعة المروعة، ونساء ترتدين ثياب الحفل. كانت الموسيقى تشدو في الخلفية، ويرقص من حولها هؤلاء الأشخاص رقصًا بارعًا.

وفجأة دوى صوت قوي أجفلنا لدى سماعه، فنظرت إلى جدار الغرفة فرأيت ساعة عملاقة مصنوعة من خشب الأبنوس، يتراقص بندولها جيئةً وذهابًا محدثًا ضجيجًا رتيبًا وثقيلاً ومملاً. وأدركت أنني ألبس مثل هؤلاء القوم، ثياب تعود إلى القرون الوسطى.

«تحية إلى الأمير بروسبرو»، دوت العبارة بالإيطالية لكنني فهمتها، أين أنا؟ كيف جئت إلى هنا؟ من هؤلاء الأشخاص؟ ومن هو الأمير بروسبرو هذا؟
خرجت من هذه القاعة لأمشي بين الراقصين، وأدركت أن هناك سبع قاعات أخرى، كل منها لها لون خاص، والذي ينتج عن لون زجاج نوافذها، زرقاء، خضراء، صفراء، إلخ..
كان الوقت منتصف الليل، ولمحت رجلًا يسير بين الراقصين في القاعات، رجلًا طويلًا نحيلًا، واختار لنفسه زيّ الكفن، كان يمشي بين الحاضرين ويبعث في قلوبهم الرعب والاشمئزاز.

وعندما اقترب مني، لمحت في ضوء الغرفة قناعه، وكان قناع مومياء متحللة، وكان الكفن الذي يرتديه مُلطخًا بالدماء. ثم لمحت من يدعونه بالأمير بروسبرو يشير إلى الرجل ويقول شيئًا ما لحراسه، الذين استلوا سيوفهم من غمدها.
وهنا تذكرت، وعرفت، إنني وسط قصة «قناع الموت الأحمر» لـ إدجار آلان بو.

إدجار آلان بو .. رحلة في عقل مريض نفسي
The masque of the red death, By Raúl Ramos Melo

الأمير الذي أراد الفرار من الوباء الذي سُمى «الموت الأحمر»، فبنى لنفسه قصرًا عظيمًا، وضم إليه أصدقائه وأقاربه والمخلصين له، ليحمي نفسه من هذا الوباء الفتاك.
الأمير بروسبرو الذي ترك شعبه يتألم ويواجه الوباء ليموت، وعاش في هذا القصر -الذي صُهرت أقفاله كي لا تُفتح- ينعم بحياة الرغد والهناء. ثم أعد لهذه الحفلة التنكرية المبهرة بين قاعات قصره السبع الملونة التي بناها لضيوفه، كان يريد إبهارهم وجعلهم ينسون، لكن ضيفًا ثقيلًا يرتدي الكفن ظهر من العدم لينغص عليهم هذا الحفل.

وحين طارده الأمير بسيفه فر الضيف إلى القاعة الحمراء، ليلحق به الأمير ويرفع سيفه ليقتله، لكنه توقف وأدرك أن الضيف هو الموت الأحمر ذاته، وقد تمكن من تجاوز أسوار وأبواب القلعة المحصنة ودخلها.
وسرعان ما سقط الأمير وضيوفه صرعى، والدم ينزف من أجسادهم.
قصة مروعة لكنها لا تخلو من عظة بالتأكيد. (2)

القلب الواشي

نعم هذا صحيح، أنا عصبي المزاج. كنت عصبيًا جدًا، ولكني لست مجنونًا، لا لست مجنونًا. لا يُسمى هذا جنونًا. مرضي هذا جعل حواسي أكثر حدة، لا لم يدمرها ولم يضعفها بل بالعكس زاد من سمعي، سمعت كل ما دار في السماء من فوقي وفي الأرض من تحتي، بل حتى سمعت الكثير مما دار في الجحيم. فكيف إذن تتهمونني بالجنون؟

وجدت نفسي هذه المرة جالسًا على مقعد في غرفة ضيقة، وحولي ثلاثة رجال يرتدون زيّ رجال الشرطة، ولكن ماذا يريدون مني؟
الغرفة خانقة وبها فراش واحد صغير، وتآكل خشب أرضيتها. وكان الرجال جالسين يستمعون لي ولكن الريبة تبدو على وجوههم، من أنا هذه المرة؟

وهنا بدأت أتذكر كل شيء، الشيخ العجوز ذو العين اليُسرى التي تشبه عين الصقر، كنت أحبه رغم كل شيء، ولكنني إنسان عصبي، عصبي إلى درجة لا تُصدق.
كانت عينه اليُسرى زرقاء، وتغطيها سحابة تذكرني دائمًا بالموت، فكنت أخشاها للغاية. لذا صممت على قتل الشيخ كي أتخلص من رؤية عينه هذه إلى الأبد. تذكرت الآن أنني ألعب دور البطل في قصة إدجار آلان بو «القلب الواشي».

ألعب دور شاب مجنون تمامًا، ولكن الأسوأ أنه لا يعرف ذلك، هو كان يعتقد أنه عصبي للغاية فقط، وكان كل ما يفعله منطقيًا بالنسبة لعقله المريض.
كنت في كل ليلة أعالج مزلاج غرفة الشيخ، وأدس رأسي من الباب لأسلط شعاعًا من المصباح على عين الرجل، العين الميتة التي أكرهها. وظللت أمارس هذا العمل المجنون لمدة سبع ليالٍ، ثم في الليلة الثامنة استقيظ الشيخ على صوت المزلاج، ليصيبه الرعب والهلع، فصرخ وظل يرتجف أمام الضوء المتلسط عليه.

راح يتسائل من أنا، ولكنني لم أجب عليه، وظللت مسلطًا ضوء المصباح على وجهه، وأدركت حينها أنه أصيب بنوبة قلبية، وتوفى بعدها بدقائق، إذ لم يتحمل قلبه كل هذا الرعب.
ومن أجل أن أخفي جريمتي، قمت بتقطيع أوصال الشيخ، وانتزعت ألواح الخشب من أرضية الغرفة، ودفنت بقايا جثته الممزقة، ثم أحكمت إعادة الألواح في مكانها، وأزلت أي آثار لبقع من الدم.

وفي الصباح، جاءني رجال الشرطة، يستفسرون بشأن صرخة سمعها أحد جيران الشيخ الليلة الماضية.
كنت أعلم أنهم لن يجدوا شيئًا، تكلمت معهم وأحضرت لهم بعض المقاعد ليجلسوا، وجلست أنا على مقعد مباشرةً فوق المكان الذي دفنت به جثة الشيخ. ظللنا نثرثر ونضحك معًا، فإن هي إلا دقائق وينصرفوا، ولكن ما هذا الصوت؟

إدجار آلان بو .. رحلة في عقل مريض نفسي
Tell Tale Heart

صوت دقات قادم من تحتي، صوت دقات قلب الشيخ، الذي ظل ينبض، أنا أسمعه بوضوح، والصوت يتعالى، فهل يسمعونه أيضًا؟
حاولت أن أخفيه، وقفت وشرعت أمشي في الغرفة، أحرك مقعدي بعنف، وأتجادل معهم بصوت عالٍ لا داعِ له في الواقع، وأضرب الأرض الخشبية بحذائي، ولكن الصوت ما زال مستمرًا في الدق.

بدأ رجال الشرطة ينظرون لي في حيرة، أنا متأكد أنهم سمعوا الصوت مثلي، أنا متأكد أنهم يعرفون ما فعلت. إن هؤلاء الأوغاد يسخرون مني ليس أكثر.
الصوت يتعالي، العرق يحتشد على جبيني، وما زالوا ينظرون لي في شك وريبة، وهنا وصلت لمرحلة الانهيار، نهضت من مقعدي وصرخت: «نعم، أنا قتلت الشيخ ودفنته هنا تحت هذه الأخشاب، هلمّوا كسروها وأسكتوا هذا القلب الذي كشف السر». (3)

القط الأسود

كانت الجثة قد تحللت إلى درجة كبيرة وغطاها الدم المتجمد، وهي تنتصب واقفة أمام أعين المشاهدين وعلى رأسها يقف القط الأسود الكريه بفمه الأحمر المفتوح وعينه الوحيدة النارية، القط الذي دفعتني أفعاله إلى الجريمة ثم أسلمني صوته الكاشف إلى حبل المشنقة. كنت قد بنيت الجدار والقط داخل القبر.

تبعني القط على الدرج وكاد يرميني، فاستشاط غضبي الجنوني؛ رفعت فأسًا متناسيًا ماكان من خوفي الصبياني الذي أوقفني حتى الآن، وسددت ضربة إلى الحيوان كانت ستقضي عليه لو أنها نزلت حيث تمنيت، غير أن يد زوجتي أوقفت هذه الضربة. كان هذا التدخل بمثابة منخاس دفع بغضبي إلى الهياج الشيطاني؛ انتزعت يدي من قبضة زوجتي ودفنت الفأس في رأسها، فسقطت ميتة في الحال.

وها أنا أقف حاملًا في يدي فأسًا تلوث بالدماء، وأرمق جثة زوجتي في ندم وحيرة، ولكن أي قصة هذه؟
وهنا رأيته يقف أمامي، بجسده الأسود، وفمه الأحمر، وعينه العوراء ذات التجويف الفارغ، ذلك القط الأسود اللعين، حينها تذكرت. هذه القصة هي قصة «القط الأسود» لـ إدجار آلان بو، وهي من أشنع قصصه وأكثرها سوادًا وقتامة.

إدجار آلان بو .. رحلة في عقل مريض نفسي
The Black Cat

طبقًا لهذه القصة، أنا إنسان لطيف مرهف الحس، أحب الحيوانات منذ كنت طفلًا، وكنت أقتني منها الكثير، وأعاملها بكل رفق وحنان. حتى وقعت في براثن الإدمان وشرب الخمر، فصرت مع الوقت أقوم بأشياء لم أكن لأفعلها لو كنت محتفظًا بكامل عقلي؛ صرت أضرب زوجتي وأعاملها بغلظة، وصرت أقسو على حيواناتي أشد القسوة.

وفي إحدى الليالي، وعند عودتي إلى المنزل وأنا تحت تأثير الخمر، خُيل إلى أن القط -وكان اسمه بلوتو- يتجنب حضوري، فقبضت عليه، وإذ أفزعته حركاتي العنيفة جرحني بأسنانه جرحًا طفيفًا فتملكني غضب الشياطين، وتحت تأثير حقد شيطاني غذاه المخدر، تناولت من جيب سترتي مطواة، فتحتها وقبضت على عنق الحيوان المسكين واقتلعت عامدًا إحدى عينيه من محجرها!

ومن يومها صار يطاردني في البيت كالكابوس، مذكرًا إياي بفعلتي الشنيعة، هذه الفجوة السوداء في عينه أخذت تملأ كوابيسي بالرعب. وحين بلغ مني اليأس مبلغًا عظيمًا، حملت القط بلوتو ذات صباح إلى الحديقة، وعلقت أنشوطة على الشجرة، وصنعت له مشنقة؛ لأشنق هذا القط البائس ولأرتاح منه للأبد.

كانت زوجتي تخبرني دائمًا أن القطط السوداء ما هي إلا سحرة متنكرون، وبدأت أصدق هذا بالفعل؛ ففي ذات الليلة التي شنقت فيها القط، اشتعلت النيران في المنزل بدون أي تفسير. ثم وجدت رسمًا لقط مشنوق على الجدار الوحيد الذي ظل سالمًا بعد الحريق، ما معنى هذا؟

وفي إحدى الليالي، بعد خروجي من الحانة صادفني قط أسود أعور، ولكن له بقعة بيضاء على صدره لا شكل محدد لها.
تذكرت قطي العزيز البائس بلوتو، ولكني كنت واثقًا من أنه ليس نفس القط، فالأول لم يمتلك تلك البقعة البيضاء. وهكذا عدت به للمنزل، ولكني كنت أخشى هذا القط بشدة، كنت أرتجف منه هلعًا وخاصة من شكل تلك البقعة البيضاء على صدره.

فكانت هذه البقعة تتشكل تدريجيًا وببطء في صورة -لا أجرؤ على القول- مشنقة!
يومًا بعد يوم، تتشكل المشنقة أكثر، لتذكرني بفعلتي الشنعاء، تلاحظ زوجتي ذلك، وأطلب منها ألا تتكلم، لكنها تصر أنها على شكل مشنقة. تزداد حالتي النفسية سوءًا، وأنهار وأجلب الفأس لأقتل هذا القط اللعين، تحاول زوجتي منعي فأهوي على رأسها بدلًا منه.

الآن، أحاول التخلص من جثتها، لكن أين؟ لو خرجت بها سيعرف الجيران، لم يكن أمامي سوى حل واحد. هناك جدار في القبو قررت أن أدفنها فيه، كما كان الرهبان في القرون الوسطى يدفنون ضحاياهم في الجدران.
نفذت المهمة ودفنتها في الجدار، لكني ارتكبت أسوأ خطأ ممكن، وعن دون عمد، قمت بحبس القط حيًا معها بدون أن أدري ذلك.

ثم جاء رجال الشرطة يسألون عن زوجتي، ويجرون تحقيقهم وبحثهم، دعوتهم بكل ثقة لتفحص كل شبر من أرجاء المنزل، كل موضع حجر، وكل مكان. كنت أقف في القبو، وأتكلم وأخبرهم بكل ثقة أن هذه الجدران متينة تمامًا، فقمت بالطرق بعصاتي على ذات المكان الذي دفنت فيه زوجتي في الجدار.

هنا ولدهشة الجميع، لم تكد اهتزازات ضربتي تغرق في الصمت حتى جاوبني صوت من داخل القبر!
صرخة مكتومة متقطعة بدأت كبكاء طفل، لكن سرعان ما أخذت تتعاظم وتتضخم لتغدو صرخة واحدة هائلة مديدة شاذة غريبة وغير آدمية بالمرة. غدت عواءً، عويلًا مجلجلًا يطلقه مزيجٌ من الرعب والظفر، وكأنما تتصاعد من قيعان الجحيم تتعاون فيها حناجر الملعونين في سعير عذاباتهم والشياطين إذ يهللون اللّعنات.

في اللحظة التالية امتدت أيدي رجال الشرطة لتهدم الجدار، ولتظهر أمامهم جثة زوجتي المتحللة واقفة، وفوق رأسها ذلك القط الأسود يرمقني بفجوة عينه الفارغة، وقد فغر فاه الأحمر عن عواء صامت منتصر. (4)

 

إعداد: محمد يوسف
مراجعة: آلاء محمد

المصادر:

  1. Edgar Allan Poe | Biography & Facts [Internet]. Encyclopedia Britannica. [Cited 2018 Oct 31]. Available from: https://www.britannica.com/biography/Edgar-Allan-Poe
  2. Allan Poe, Edgar. The Mask of the Red Death. United States: Graham’s Magazine. 1842. Print
  3. Allan Poe, Edgar. The Tell-Tale Heart. United States: The Pioneer. 1843. Print
  4. Allan Poe, Edgar. The Black Cat. United States: United States Saturday Post. 1843. Print
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي