إشارات النمو والخلية السرطانية

cancercells

||||

السمات المميزة للسرطان ما هي إلا آليات دفاعية ضد السرطان توجد في الخلية الطبيعية، تم اختراقها لكي تتحول من الصورة الطبيعية لها إلى الصور السرطانية.

سوف نتكلم في هذا المقال عن السمة الأولى لدينا التي تتميز بها كل الخلايا السرطانية وهي: الاكتفاء الذاتي من إشارات النمو (Self-Sufficiency in Growth Signals). ولكن قبل أن نتكلم عن إشارات النمو والدور الكبير التي تلعبه في نشأة وتطور الخلية السرطانية، من الضروري أولًا أن نلقي نظرة بسيطة على عوامل النمو (Growth Factors)، والإشارات الخلوية (Cell signalling)، وكيف لهما القدرة على التحكم في سلوك الخلية الطبيعية.

عوامل النمو هي موادٌ لها القدرة على التحكم في تضاعف الخلية، ويوجد منها أنواعٌ مختلفة ولكن جميعًا يمتلكون العديد من الصفات المشتركة منها:

  1. جميعها تتكون من بروتين، وتتواجد بتركيزات منخفضة جدًّا في الأنسجة.
  2. لديها نشاط بيولوجي مرتفع.
  3. هي المسؤولة عن السيطرة على بعض الوظائف الأساسية للخلية من نمو، تخصص والبقاء على قيد الحياة أو النجاة.
  4. غير منتشرة في مجرى الدم ولكن عوضًا عن ذلك فهي تتواجد محليًا بالقرب من الخلايا التي تنتجها.
Figure 1 عوامل نمو الأوعية الدموية الباطنية (VEGF)

نرى الآن صورة ثلاثية الأبعاد لعوامل نمو ال (VEGF) تلك العوامل  هي التي تقوم بتحفيز نكوين أوعية دموية جديدة من خلال عملية تعرف بال (Angiogenesis)، وكثيرًا من الأورام السرطانية تقوم بإفراز تلك العوامل لتكوين أوعية دموية إضافية تستطيع إمدادها بما تحتاجه من مواد غذائية.

بعد أن علمنا ما هي عوامل النمو فمن غير الممكن أن نتكلم عن عومل النمو والسرطان بدون التطرق للحديث عن الإشارات الخلوية (Cell signalling)، يصنف الإنسان من حيث عدد الخلايا على أنه من الكائنات عديدة الخلايا (Multicellular Animals)،  ومثل جميع هذه الشعبة تحتاج خلايانا إلى مجموعة من الطرق أو الإشارات لكي تتواصل بين بعضها البعض تلك الطرق تعرف بالإشارات الخلوية.

سلوك الخلية الحية دائمًا ما يعتمد على المنطقة المحيطة بها والتي تعرف بالبيئة الداخلية (microenvironment) وتشكل عوامل النمو في البيئة الداخلية أحد أهم الجوانب المسئولة عن التحكم في سلوك الخلية الحية، وذلك يتم في حال ارتباطها بالمستقبلات الخاصة بها ( Receptors ) المتواجدة على سطح هذه الخلية.

تلك المستقبلات تتكون من بروتين وتكون متواجدة على سطح الخلية لاستقبال الإشارات الكيميائية من خارج الخلية، ويكون كل مستقبل خاص بعامل نمو محدد لا يرتبط إلا به؛ ولذلك فمن الممكن تشبيهها بالقفل والمفتاح، فعامل النمو وهو المفتاح لا يعمل إلا عند ارتباطه بالمستقبل الخاص به، وهو في هذه الحالة يكون القفل، يظل إحدى طرفي المستقل على سطح الخلية بينما يتواجد الآخر في داخل الخلية وذلك يحدث عن طريق التمدد خلال الغشاء الخلوي  لتمر الإشارات من الخارج إلى داخل الخلية الحية.

اتحاد عوامل النمو خارج الخلية بالمسقبلات يقوم بتنشيط إحدى العمليات الكيميائية،  والتي تسمى بالفسفرة(Phosphorylation) داخل الخلية، تلك العملية هي عبارة عن إضافة مجموعة من الفوسفات  إلى جزئ بروتين، وذلك يتم من خلال مجموعة من الإنزيمات نعرف باسم (kinases) وهناك مجموعة أخرى قادرة على فك ذلك الارتباط  وإزالة مجموعة الفوسفات وتسمى (phosphatases) ، ويعد ذلك التفاعل من أهم الخطوات لنجاح عملية  الإشارات الخلوية، وذلك بسبب قدرته على تغيير حالة البروتينات من خامل إلى نشط والعكس؛ ولذلك فهو يعد المفتاح لتنظيم أنشطة تلك البروتينات.

يسمى مكان اتحاد المستقبل وعامل النمو خارج الخلية ب (Binding site)  بينما يسمى طرفه الآخر المتواجد داخل الخلية والمسئول عن حمل ال(kinase )  بال (kinase site) وهو الذي يقوم بإضافة مجموعة الفوسفات إلى جزئ بروتين معين داخل الخلية، ذلك البورتين بدوره يقوم بتنشيط المزيد من البروتينات، لتبدأ سلسلة من التفاعلات تعمل كمسار لنقل الإشارة القادمة من خارج الخلية لتنتهي بتفعيل الجين المسئول عن الأمر التي تحتويه تلك الإشارة، والذي هو في تلك الحالة إما نمو، أو تخصص، أوبقاء على قيد الحياة.

Figure 2 توضيح طريقة ارتباط عامل النمو بالمستقبل على سطح الخلية، ومسار إشارات النمو.

ذلك الشرح ما هو إلا طريقة مبسطة لما يحدث داخل الخلية، ولكن الواقع يختلف قليلًا، فقليلًا ما تكون الإشارة تسير في مسار على هيئة خط مستقيم، ولكن تكون في هيئة شبكة معقدة من البروتينات المشوشة بين العديد من المسارات المختلفة ما بين تفعيل وقمع.

Figure 3 صورة توضح شبكة المسارات الخاصة بالإشارة الخلوية والتي تشترك في مسار يسمى (MAPK/Erk pathway)

 

بعد أن انتهينا من شرح عوامل النمو والإشارات الخلوية، وكيف لها القدرة على التحكم في العمليات الأساسية للخلية الطبيعية من نمو وتخصص وبقاء، سوف نأتي الآن للسؤال الرئيسي في مقالنا وهو كيف لهذه الخلية اختراق تلك الآلية وإعلان استقلالها من تلك الإشارات؟

كما شرحنا سابقًا فإنَّ الخلايا الحية لا تستطيع الانقسام من دون عوامل النمو التي تعمل علي إيصال ذلك الأمر من خلال الإشارات الخلوية، حتى الخلايا الطبيعية النامية في إطباق مخبرية تحتاج إلى عوامل نمو تُأخذ من مصل حيواني لكي تستطيع الانقسام، إذا لم تتوفر هذه العوامل تدخل الخلية في حالة سكون لينتهي بها المطاف في النهاية إلى الموت.

تستطيع الخلية الطبيعية التحرر من عوامل النمو والإشارات الخلوية، لتتحول إلى خلية سرطانية من خلال ثلاث استراتيجيات مختلفة:-

  1. تغير مستوى إشارات النمو ذاتيًا، في الخلايا الطبيعية تُصنع عوامل النمو من نوع واحد من الخلايا من أجل العمل على نوع آخر، العديد من الخلايا السرطانية تكتسب القدرة على تصنيع وإفراز عوامل نمو خاصة تقوم بتحفيز عوامل النمو الأخرى التي من نوعها، ينشأ عن ذلك انقسامات عديدة للخلية تحت تأثير عوامل النمو تلك، وهكذا تستمر الخلايا السرطانية بتصنيع المزيد من عوامل النمو حتى تكون الورم السرطاني، ومن خلال تلك الطريقة تخلصت الخلية من أهم آلية دفاعية كانت تمنعها من الشذوذ والتحول إلى خلية سرطانية، في السابق قمنا بتشبيه المستقبل وعامل النمو بالقفل والمفتاح، أي لا يمكن للخلية أن تنقسم بدون إحداهما ولكن في تلك الحالة امتلك السرطان المفتاح.
  2. تستطيع الخلية السرطانية ذاتيًا تكثيف مستقبلات عوامل النمو على سطحها، بمعنى أنها تعمل على زيادة عدد المستقبلات بشكل كبير جدًّا بالمقارنة بالعدد الطبيعي الذي من المفترض أن يتواجد على سطحها، وفي تلك الحالة أصبحت الخلية ذات حساساية عالية لعوامل النمو المحيطة بها، والتي عادةً ما تكون غير كافية لتفعيل انقسام الخلية، وفي بعض الأورام السرطانية تقوم خلاياها بتغيير المستقبلات الخاصة بها حيث تقوم على إزالة المناطق التنظيمية المتواجدة في المستقبلات مما يؤدي إلى ترابط دائم مع عوامل النمو، وهنا تكون الخلية السرطانية قد امتلكت القفل وهو المستقبلات، مما جعلها تخترق آلية إشارات النمو بنجاح.
  3. تستطيع الخلية السرطانية التعديل في المسارات التي تسلكها الإشارات الخلوية، سوف نذكر مثال لتوضيح الطريقة، كما شرحنا سابقًا أن الإشارات الخلوية تسلك عدة طرق لكي تصل إلى الجينات الخاصة بها، وذلك من خلال مجموعة من البروتينات تعمل بشكل تسلسلي، في تلك المجموعة يوجد بروتين يسمي (Ras) عند حدوث طفرة في هذا البروتين يتم تفعيله بشكل دائم، مما يؤدي إلى استمرار تفعيل جينات النمو، ودعنا نذكر هنا أن هذه الطفرة في ذلك البروتين هي أكثر الطفرات المسببة للسرطان في الإنسان، فهي تمثل 25% من جميع الأورام السرطانية في الإنسان، و90% من بعض أنواع الأوارم السرطانية مثل: سرطان البنكرياس، وفي تلك الحالة الخلية أهملت عوامل النمو والمستقبلات، فكيف تحتاج قفل ومفتاح في الوقت الذي لا يوجد جدران من الأساس.

ومن خلال تلك الاستراتيجات الثلاث تستطيع الخلية  تحقيق الاكتفاء الذاتي من إشارات النمو واختراق أولى الآليات الدفاعية المضادة للسرطان، والنتيجة النهائية أنه أصبح لدينا الآن خلية قادرة على النمو بشكل لا يمكن السيطرة عليه وبدون توقف، بمعنى آخر صبح لدينا خلية سرطانية.

من أهم الدروس المستفادة لفهم تلك الآليات وكيفية اختراقها من خلال الخلية السرطانية هي إيجاد علاجات وأدوية تعمل على إيقاف ذلك الخطأ.

ومن تلك الأدوية ما تم اكتشافه عام 1990م   (Gleevec) والذي يستخدم لعلاج ابيضاض الدم النقوي الحاد (chronic myelogenous leukemia)، و (Herceptin) ويستخدم لعلاج سرطان الثدي، وكلاهما يعملان على تثبيط مكونات خاصة في مسارات الاستجابة الخاصة بعوامل النمو وبالتالي منعها من الوصول إلى الخلية السرطانية وإيقاف نموها.

وتلك الأدوية كانت ثمرة دراسة لآلية واحدة لحدوث السرطان، وما زالت هناك حقبة مثيرة من العلاجات السرطانية الموجهة تنتظرنا في باقي السلسلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إعداد: Mohamed Gadallah

تدقيق لُغوي: Israa Adel

المصدر: https://blogs.scientificamerican.com/guest-blog/hallmarks-of-cancer-1-self-sufficiency-in-growth-signals/

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي