قد تكون رأيت في يوم ما صورًا لطفل كبير الرأس وتساءلت ما سبب كِبر رأسه. هل زاد حجم مخه؟ ولكن لا يبدو عليه أنه بخير، فهل هناك سبب آخر؟
في الحقيقة، سبب كبر رأس الصبي في الصورة (1) هو تجمع كمية من المياه حول الدماغ فيما يعرف باسم استسقاء الرأس. إحصائيًا، يصيب استسقاء الرأس حوالي 11 من كل عشرة آلاف وليد. في هذا الموضوع سنتعرف على ماهية استسقاء الرأس، أسبابه، كيفية علاجه، وما قد يترتب عليه. ولكن قبل ذلك يجب أن نتعرف على حقائق هامة حول الرأس البشري. [1]
مكونات الرأس البشري
يحتوي أعلى الرأس المخ، أحد أثمن أعضاء الجسم، والمتحكم الرئيسي في أغلب وظائفه. لذا، وجبت حماية المخ بأكثر من طريقة، فالأولى هي وجود عظام الجمجمة، والثانية هي وجود السائل النخاعي (cerebrospinal fluid) الذي يحيط بالمخ. [1]
السائل النخاعي
ما هو السائل النخاعي؟
السائل النخاعي هو سائل شفاف يحيط بالمخ والحبل الشوكي. يتكون السائل النخاعي بصورة متكررة في البطينات الدماغية الأربعة الموجودة في المخ، ثم يُنقّى بعدها بأغشية الجهاز العصبي (ependyma). وفي النهاية، يتم امتصاصه في الأوردة ليعود مرة أخرى للدم، و يُستبدل السائل النخاعي كاملًا كل 6-8 ساعات. تتأثر حركة السائل النخاعي و تنقيته بالجاذبية، والتنفس، والعملية المتواصلة للإفراز والامتصاص، ومقدار الضغط في الأوردة، إلى جانب حركة الرأس والجسم. [1،2]
أهمية السائل النخاعي
يوجد السائل النخاعي بين المخ والعظام المحيطة به، وله عدة وظائف وهي:
- يعمل كوسادة لتخفيف الصدمات على المخ.
- يحافظ على ثبات الضغط داخل الجمجمة، ففي حال قل النسيج داخل الدماغ (مثل حالات ضمور المخ) تزيد كمية السائل النخاعي والعكس بالعكس.
- نقل السائل النخاعي مخلفات الأيض، والمواد الكيميائية، والأجسام المضادة من المخ إلى الدم. [2]
ما هو استسقاء الرأس؟
يعرف استسقاء الرأس بأنه أي زيادة في كمية السائل النخاعي داخل الجمجمة. يمكن تعريفه بشكل أكثر تخصصًا بأنه كبر حجم البطينات الدماغية، بسبب صعوبة في مرور السائل النخاعي من مكان تكونه في البطينات لمكان امتصاصه في الدورة الدموية (Systemic circulation). ويؤدي ذلك لزيادة حجم الدماغ ما قد يتطلب التدخل الجراحي. [1]
أسباب استسقاء الرأس
تتعدد الأسباب التي تؤدي لاستسقاء الرأس، ويمكن تقسيمها إلى فئتين: المشكلات داخل النظام البطيني والتي تؤدي لانسداد مجرى السائل النخاعي، والمشكلات خارج النظام البطيني والتي تمنع امتصاص السائل إلى الدم مرةً أخرى. ويمكن أن يصيب استسقاء الرأس أي فئة عمرية، ولكن الفئتين الأكثر عرضة هما حديثي الولادة والأشخاص فوق الستين. [1،3]
أنواع استسقاء الرأس
وتختلف أنواع استسقاء الرأس تبعًا لمرحلة الإصابة وأسبابها، ومنها:
الخَلقي والمكتسب
قد يظهر استسقاء الرأس منذ الولادة، وعندها يسمى باستسقاء الرأس الخلقي. أما عندما يحدث نتيجة لسبب ما بعد الولادة مثل النزيف، أو العدوى، أو السرطان، فعندها يسمى بالاستسقاء المكتسب. ويجب الأخذ في الاعتبار أنه في حال حدثت إحدى المشكلات السابقة للجنين وهو في بطن الأم فعندها ستؤدي لاستسقاء الرأس الخلقى. بمعنى آخر نرى أن الفرق بين النوعين يعتمد في الأساس على توقيت حدوث الاستسقاء، إن كان قبل الولادة أو بعدها. يوجد أيضًا استسقاء الرأس الناتج عن أسباب جينية، ولا يظهر هذا النوع عند الولادة، بل يتطور بمرور الوقت.
الانسدادي والمتصل
ومن المهم أيضًا تقرير وجود انسداد في مجرى سريان السائل النخاعي (Obstructive hydrocephalus) من عدمه (Communicating hydrocephalus). وفي حال وُجد انسداد، يجب معرفة موقعه، هل هو عند البطين الثالث أم البطين الرابع أم عند الثقبة العظمى (Foramen magnum) في الجمجمة.
انسداد الرأس كجزء من متلازمة
وفي حال وجود مشكلات خلقية أخرى، يعتبر استسقاء الرأس جزءًا من متلازمة. ويتم تقرير هذا إن وجدت تلك المشكلات عند الفحص، أو في حال وجود أساس جيني يؤكد ظهورها فيما بعد. فمثلًا في حال تحور الجين L1CAM، يعاني الطفل من أعراض استسقاء الرأس نتيجة لضيق قناة سلفيوس، إلى جانب مشكلات عصبية أخرى منها تشوهات الجسم الثفني (Corpus callosum) والذي يصل شقي المخ ببعض، وعدم تكون السبيل القشري النخاعي (Corticospinal tract) الذي يصل بين المخ والحبل الشوكي متحكمًا في حركة الأطراف. [1]
أعراض استسقاء الرأس
تؤدي زيادة كمية السائل الشوكي لزيادة الضغط على المخ، ما قد يسبب في ضموره وضعف وظائفه. وتختلف الأعراض تبعًا لسن المريض.
أعراض حديثي الولادة
يظهر فيهم بشكل واضح وسريع زيادة حجم الرأس، وتتعدد الأعراض بين القيء والأرق وأعراض المشكلات العصبية كالتشنجات وضعف العضلات.
أعراض الأشخاص فوق الستين
لا توجد أي علامة على كبر حجم الرأس، ولكن تظهر الأعراض العصبية بشكل أكبر مثل فقدان القدرة على التحكم في المثانة (التبول اللا إرادي)، فقدان الذاكرة، عدم القدرة على المشي أو الاتزان. [3]
هل يمكن علاج استسقاء الرأس؟
يمكن علاج استسقاء الرأس، ولكن لا يمكن تعويض الأعصاب التي فُقدت، لذا كلما بدأ العلاج مبكرًا، قلت الخسائر. أحيانًا يتم استخدام أدوية لتقليل تكوين السائل النخاعي ولكن العلاج أكثر شهرة هو التحويلة (shunt).
التحويلة (Shunt)
وهي أشهر أنواع العلاج، حيث يقوم الجراحون بتركيب أنبوب طويل بين أحد البطينات الدماغية، وجزء آخر من الجسم مثل الحجرات القلبية والتي يمكنها امتصاص السائل بصورة أفضل. ويحتوي ذلك الأنبوب على صمام ينظم حركة مرور وامتصاص السائل النخاعي.
تنظير فغر البطين الثالث ( Endoscopic third ventriculostomy)
وفيه يستخدم الجراح كاميرا صغيرة ليستطيع الرؤية بداخل الدماغ. ويثقب الجراح أحد البطينات أو بينها لتمكين السائل الدماغي النخاعي من التدفق خارجًا من المخ إلى الدماغ. [3]
إعداد: وفاء علي.
مراجعة علميّة: نسمة محمود.
تدقيق لغوي: محمد غنيم.
تحرير: هدير جابر.
المصادر:
- Tully HM, Dobyns WB. Infantile hydrocephalus: a review of epidemiology, classification and causes. Eur J Med Genet [Internet]. 2014 Aug [cited 2019 Aug 1];57(8):359–68. Available from: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4334358/
- Cerebrospinal fluid | anatomy [Internet]. Encyclopedia Britannica. [cited 2019 Aug 15]. Available from: https://www.britannica.com/science/cerebrospinal-fluid
- Hydrocephalus – Symptoms and causes [Internet]. Mayo Clinic. [cited 2019 Aug 22]. Available from: https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/hydrocephalus/symptoms-causes/syc-20373604