اضطرابات الشخصية

13652312_867411953365400_154595868_n

اضطرابات الشخصية؛ يُشير مصطلح «الشخصية» إلى الاختلافات الفردية في أنماط التفكير والمشاعر و التصرُّفات بين الأفراد، وكما هو الحال في الأمراض العضوية التي تظهر في صورة أعراض محسوسة نتيجة لاختلال وظائف بعض أجهزة الجسم؛ فإنَّ الشخصية أيضًا قد تتعرَّض لاختلال أو اضطرابات، تظهر في صورة اختلاف في التصرُّفات والسلوك.
تشير الأبحاث أنَّ هناك بعض الأسباب أو العوامل التي قد تُساهِم في تشكيل هذه الاضطرابات: منها العامل الجيني، والتجارُب السابقة في فترة الطفولة؛ كالتعرُّض لنوعٍ ما من الاعتداء، الحساسية الزائدة لبعض المؤثِّرات كالضوء أو الضوضاء، الاعتداء اللفظي، حتى الأقران والأقارب و المُعلِّمين يُمكن أن يساهموا في تشكيل الاضطراب في مرحلة الطفولة.

طبقًا لـ «الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية-DSM-5»، المرجع الأول عالميًا في تصنيف الاضطرابات العقلية، هناكَ عشر أنواع من اضطرابات الشخصية، يُمكن تصنيفها في شكل ثلاث فئات رئيسية تبعًا للسِمات العامة لكل فئة كما يلي:

*الفئة الأولى(غريب الأطوار):

1-اضطراب الشخصية بجنون العظمة.
2- اضطراب الشخصية الانطوائية أو الانعزالية.
3- اضطراب الشخصية الفِصامية.

*الفئة الثانية (الدرامي أو الشارد):

4- اضطراب الشخصية المُعادية للمُجتمع.
5- اضطراب الشخصية الحَديّة.
6- اضطراب الشخصية الهستيرية.
7- اضطراب الشخصية النرجسية.

*الفئة الثالثة(المتوتِّرأوالخائِف):

8- اضطراب الشخصية التجنُّبيّة.
9- اضطراب الشخصية الاعتمادية.
10- اضطراب الشخصية الوسواسيَّة.

الاضطرابات الشخصية تختلف عن المرض العقلي؛ ولكنها أيضًا مُهمة بالنسبة للأطباء؛ لأنَّها تجعل الشخص عُرضةً للإصابة باختلال عقلي فيما بعد، كما تؤدي إلى تدهور كبير في حالة المُصاب.

قبل أن نعرض نظرة أكثر تفصيلًا لأهم مايُميِّز الأفراد المُصابين بكل نوع من الاضطرابات السابقة؛ يجب الإشارة إلى أنَّ التمييز بين أنواع الاضطرابات المُختلفة هو أمر صعب، وتشخيصها بطريقة صحيحة أمر أكثر صعوبة، لا يجب أن يتم إلا من خلال الطبيب المُختَص. ولكي يتم التشخيص يجب أن تكون السِمات أو الملامح التي تُميِّز الاضطراب مُستقرة نسبيًا بمرور الزمن والمواقف، وألَّا تكون مُرتبطة بمرحلة تنموية في حياة الفرد أو ببيئته وثقافته الاجتماعية، وألَّا تكون نتيجة آثار لمادة أو حالة طبية عامة يمر بها الفرد.

1- اضطراب الشخصية بجنون العظمة:

يتميَّز الشخص المُصاب بهذا الاضطراب بانعدام الثقة الغير مُبَرر في الآخرين،حتى أقرب الناس إليه، بما في ذلك أسرته وأصدقائه، لديه شعور دائِم بالارتياب، وأنَّهم يسعون إلى إيذائه ويضمرون له النوايا السيئة؛ وكنتيجة لذلك، فهو دائم الشك والحذر، ويبحث دائِمًا عن دلائل و تلميحات ليؤكِّد بها صِحة مخاوفه نحو الآخرين.
هُم بشكل عام أشخاص يصعُب التعامل معهم، قُساة في الغالب، يَنقُدون الآخرين باستمرار، لا يستطيعون التعاون مع غيرهم، يواجهون صعوبة كبيرة في تقبُّل النقد، وغالبًا ما يعانون من مشاكل في علاقاتهم المُقرَّبة.
يتميزون أيضًا بإحساس قوي بالحقوق الذاتية؛ فهُم حساسون تجاه الرفض والإخفاقات، ويشعرون بالخجل أو الخِزي بسهولة؛ وكنتيجة طبيعية فإنَّهم يميلون إلى الانسحاب من وجودهم مع الآخرين ويعانون في بناء علاقات مُقرَّبة.

2- اضطراب الشخصية الانطوائية أو الانعزالية:

هذا النوع يتميَّز بنمط طويل الأمد من الانفصال عن العلاقات الاجتماعية. يُعاني المُصابون من صعوبة في التعبيرعن مشاعرهم تحديدًا عند التواصل مع الآخرين،ولا رغبة لديهم في إقامة علاقات اجتماعية وجنسية أيضًا؛ ولذلك فعادةًما يكون لديهم عدد قليل من العلاقات، ولا يتزوجون في الغالب، كما يجدون صعوبة في الاحتفاظ بعلاقاتهم المُقرَّبة أو بدء علاقات جديدة بطبيعة الحال.
إحدى النظريات تشير إلى أنَّ الأفراد المُصابون باضطراب الشخصية الانطوائية حسّاسون للغاية، ولديهم حياة داخلية غنية، فهُم يتوقون إلى الشعور بالأُلفة؛ ولكن طبيعة علاقاتهم تلك السابق ذكرها لا تسمح بذلك،فينسحبون إلى عالمهم الداخلي.

3- اضطراب الشخصية الفِصامية:

الأشخاص المُصابون بهذا الاضطراب يتميَّزون غالبًا بشذوذ في المظهر والسلوكيات والحديث وحتى طريقة التفكير الغريبة والخيالية أحيانًا، في صورة شبيهة بمرض «الشيزوفرينيا»، بل إنَّ هؤلاء الأشخاص يكونون عُرضةً لظهور هذا المرض عليهم فيما بعد.
يواجه هذا النوع من المُصابين صعوبة شديدة في إقامة علاقات اجتماعية مُقرَّبة مع الآخرين، فهُم يشعرون بالخوف وعدم الراحة تجاه هذه العلاقات، ولديهم إحساس بأنَّ الناس سوف يؤذوهم، غالبًا يعاني هؤلاء الأشخاص من الأرق والاكتئاب كأعراض مُصاحِبَة للاضطراب.

**يُلاحَظ أنَّ المُصابين بكُلٍ من اضطراب الشخصية الانطوائية واضطراب الشخصية الفِصامية يتجنبون التفاعل الاجتماعي، الأول بسبب الخوف، والثاني بسبب عدم وجود رغبة للتفاعُل.

4- اضطراب الشخصية المُعادية للمُجتمع:

يتميَّز هذا النوع بنمط طويل الأمد من الاستخفاف بحقوق الآخرين، وغالبًا يتعدَّاها إلى انتهاك تلك الحقوق. يتميَّزون بانعدام الشفقة تجاه غيرهم وعدم مراعاة مشاعرهُم، و بحدة الطِباع والعدوانية، كما يميلون إلى إهمال القواعد والواجبات الاجتماعية وكسرها أحيانًا لتحقيق رغباتِهم الشخصية.
هذا الاضطراب أكثر شيوعًا في الرجال عن النساء، ويبدأ غالبًا أثناء الطفولة أو المُراهقة مع الاستمرار بعد البلوغ، وهو أكثر الاضطرابات إرتباطًا بالجريمة، وقد يكون لدى الأشخاص المُصابين به سجلًا جنائيًا.
في حالات كثيرة لا يجد هذا النوع من الأشخاص صعوبةً في بناء العلاقات الاجتماعية، بل يَبدون لُطفاء أيضًا؛ ولكن علاقاتهم تكون عنيفة وغير مُستقِرَّة وقصيرة الأمد.

5- اضطراب الشخصية الحَديّة:

السِمة الرئيسية في هذا النوع هي عدم الاستقرار في العلاقات الشخصية، المشاعر، والصورة الذاتية.يتميَّز هؤلاء الأشخاص بالاندفاع، وكثيرًا ما قد يقومون بأفعال تؤذي أنفسهم، كالجروح أو حتى محاولات الانتحار؛ ولهذا السبب يتعرضون للرعاية الطبية المُستمرة.
هذا الاضطراب أكثر شيوعًا في النساء عن الرجال، ويُصيب الشخص مُبكرًا بعد البلوغ.
الأشخاص المُصابون بهذا الاضطراب لديهم حساسية عالية فيما يتعلَّق بالظروف والمُلابسات المحيطة بهم، ويتعرَّضون لحدوث تغييرات في صورتهم الذاتية ووعيهم وتصرُّفاتهم عند أي هُجران وشيك، فهُم دائمًا خائفون من أن يتم التخلّي عنهم.
أحد الأطروحات أشارَت إلى أنَّالعنف الجنسي أثناء الطفولة هو واحد من الأسباب التي تؤدِّي لهذا الاضطراب، و بما أنَّ العنف الجنسي يحدث مع الإناث بصورة أكثر شيوعًا من الذكور؛ فإنَّ هذا قد يُفسِّر انتشار هذا الاضطراب عند النساء أكثر من الرجال.

6- اضطراب الشخصية الهستيرية:

يتميَّز هذا النوع بنمط طويل الأمد من السلوك الساعي لجذب الانتباه، والانفعالية العاطفية المُفرِطة؛ فهُم يعانون من نقص الإحساس بالذات، ويعتمدون على اكتساباهتمام وقبول الآخرين، ويسعون دائمًاليكونوا مركز الاهتمام وسط أي مجموعة من الناس، ويشعرون بعدم الراحة عندما لا يتحقق ذلك؛ ولهذا السبب، فإنَّ الأشخاص المُصابون بهذا الاضطراب يولون عناية كبيرة لمظهرهم وسلوكهم، وقد يتصرَّفون بدرامية شديدة أحيانًا أو يظهر منهم بعض السلوك الاستفزازي أو الغير لائِق فقط ليجذبوا الانتباه إليهم.
يواجه الأشخاص المُصابون باضطراب الشخصية الهستيرية مشاكل كثيرة فيما يتعلَّق بالعلاقات الاجتماعية وأيضًا العلاقات العاطفية مع شركائِهم؛ فهُم حساسون تجاه النقد أو رفض غيرهم لهم، ويحبون لعب دور الضحية أمام الآخرين، كما أنَّهم يُنفِرون أصدقاءهم بسبب مُطالبتهم بالاهتمام المُستمر بهم.

7- اضطراب الشخصية النرجسية:

يتميَّز هذا النوع بنمط طويل الأمد من الإحساس بأهمية الذات وعظمة النفس بشكلٍ مُبالغ فيه، والحاجة المُلِحَّة لنيل الإعجاب و التقدير المُستمر، مع انعدام الشعور بالشفقة تجاه الآخرين غالبًا، ويكون المُصاب حسود تجاه غيره من الناس متوقعًا أنَّهم يتصرَّفون مثله أيضًا، وكذلك يشعر بأنَّه شخص رئيسي في حياة كل من يعرفهم أو يُقابلهم.
بطبيعة الحال، فإنَّ المُصابين بهذا الاضطراب يميلون إلى التصرُّف بغرور وتعالي في تعامُلهم مع الآخرين، وإذا شعروا باستخفاف غيرهم أو تهكُّمِهم عليهم؛ فإنَّهم قد يدخلون في نوبات مُدمِّرة من الغضب والانتقام.

8- اضطراب الشخصية التجنُّبية:

هذا النوع يتميَّز بحساسية المُصابين الشديدة تجاه النقد أو الرفض أو أن يتم إحراجهم، كما أنَّهم حساسون تجاه رأي الآخرين فيهم؛ ولهذه الأسباب فإنَّهم يتجنَّبون التجمُّعات البشرية واللقاء بالآخرين وغيرها من الأنشطة التي تتطلَّب تفاعلهم مع الناس.
كما يتَّضِح، فإنَّ المُشكلة الرئيسية في هذا النوع من الاضطرابات هي نقص حُب الذات وحساسية الرفض؛ ويؤدي ذلك غالبًا إلى قِلة العلاقات الشخصية وصِغَر الدائرة الاجتماعية المُحيطة.

9- اضطراب الشخصية الاعتمادية:

يتميَّز هذا النوع بنمط طويل الأمد من الاحتياج إلى الرعاية، والخوف من الهُجران والانفصال عن الأشخاص المُهمين لديهم؛ فهُم دائمًا في حاجة إلى المُساعدة أثناء إتخاذ القرارات المُهمة في حياتِهم، ويميلون إلى التصرُّف بطريقة تستخلص اهتمام الآخرين بهم، كما يتميَّزونبالتشاؤم ونقص الثقة بالذات.
الأشخاص المُصابون بهذا الاضطراب يتخذون النقد وعدم الاستحسان من الآخرين دليلًا على تفاهَتِهم وعدم أهميتهم، ويفقدون الإيمان بقُدراتِهم، وغالبًا ما يسعون إلى الحماية الزائدة من الآخرين، كما يتجنَّبون مواضِع المسئولية ويواجهون توترًا شديدًا عند إتخاذ القرارات.
أما علاقاتهم الاجتماعية فإنَّها تكون محدودة، ومحصورة فقط في أفراد قليلين، وهُم هؤلاء الذين يعتمدون عليهم دائِمًا.

10- اضطراب الشخصية الوسواسية:

هو ما يُعرف أيضًا بالوسواس القهري، بشكلٍ أساسي يتميَّز بالهوَس بالنظام والكمال والاهتمام الكامل بالتفاصيل، وأيضًا بالقواعد والأوامر.فحينما لا تكون القواعد محددة وكاملة لمُهمة ما؛ فإنَّهم يواجهون صعوبة فائقة في إتمام تلك المُهمة و ترتيب الأولويات و إتخاذ القرارات، وقد لا يبدئون بها من الأصل.
هؤلاء الأشخاص يجدون صعوبة كبيرة في التعايش مع التعقيدات، و دائمًا ما يسعون إلى تبسيط الأمور، فهي إما أن تكون سيئة تمامًا أو جيدة تمامًا، وعلاقاتِهم الاجتماعية مع الأصدقاء والعائلة تكون مُرهِقَة ومُحمَّلة بالمطالب الغير مُبررة التي يُطالِبوهم بها.

___________________________________________________________________
إعداد وتصميم: يمنى أكرم
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
مراجعة لُغويَّة: أمنية أحمد عبد العليم
المصادر:
https://www.psychologytoday.com/blog/hide-and-seek/201205/the-10-personality-disorders
http://www.apa.org/topics/personality/
http://www.apa.org/topics/personality/disorders-causes.aspx

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي