هل تساءلت يومًا عن معنى الرأسماليّة والاشتراكيّة أو حاولت البحث لتعرف الفرق بينهما؟ ما يُميّزهم؟ أيهما تُفضل أنت؟ وأيُّهما يسير عليه اقتصاد دولتك الأم؟ وإذا ما كان هناك نظام مشترك بينهما تستطيع الوقوف عليه؟
في الأسطر القليلة القادمة سننظر عن كَثَب ونكتسب المعرفة الأوليّة بهما والتي تُمكِنُك من الخوض في غمار هذين المصطلحين الاقتصاديّين العِظام.
تعريف الرأسماليّة
تُعتبر الرأسماليّة (بالإنجليزيَّة: Capitalism) نظام اقتصاديّ تكون فيه ملكيّة عناصر الإنتاج للأفراد أو المؤسسات، ويكون إنتاج السلع والخدمات قائم على العرض والطلب في السوق العام، الذي يُعرف باقتصاد السوق (بالإنجليزيَّة: Market Economy)، بدلًا من تحديده عن طريق الاقتصاد المركزيّ المُخطط (بالإنجليزيَّة: Central Planning) والذي يُعرف بالاقتصاد المُوجَّه (بالإنجليزيَّة: Command Economy).
ويُعدَّ السوق الحر (بالإنجليزيَّة: Free Market) هو أنقى شكل من أشكال الرأسماليّة ويُسمى أيضًا الرأسماليّة الحرة (بالإنجليزيَّة: Laissez-Faire Capitalism)، ويكون فيه أصحاب الملكيات الخاصة غير مقيّدين؛ حيث يمكنهم تحديد أين يستثمرون وماذا يُنتجون أو يبيعون، وأيُّ الأسعار مناسبة لتبادل بضائعهم وخدماتهم، فبذلك يعمل السوق الحر بدون رقابة أو تحكم.
واليوم؛ تُمارِس معظم الدول نظام رأسماليّ مُختلَط (بالإنجليزيَّة: Mixed Capitalist System) فيه بعض درجات التنظيم الحكومي للأعمال التجاريّة مع ملكيّة مجالات صناعيّة معينة.
تُعدّ الرأسماليّة أحد طرق حل مشاكل توزيع عناصر الإنتاج والموارد الاقتصادية؛ فبدلًا من تنفيذ أنظمة الاقتصاد المُوجَّه الموجودة بالأنظمة السياسيّة المركزيّة مثل الاشتراكيّة (بالإنجليزيَّة: Socialism)، يُنفَّذ التخطيط الاقتصاديّ في الرأسماليّة عبر قرارات اختياريّة غير مركزيّة (بالإنجليزيَّة: Decentralized and Voluntary Decisions).
تعريف الاشتراكيّة
تُعدّ الاشتراكيّة (بالإنجليزيَّة: Socialism) نظام سياسيّ واقتصاديّ شعبيّ قائم على الملكيّة العامة لعناصر الإنتاج؛ وتشمل هذه العناصر الآلات والأدوات والمصانع التي تُستخدم لإنتاج المنتجات والخدمات لتحقيق رغبات الأفراد واحتياجاتهم.
الشيوعيّة (بالإنجليزيَّة: Communism) والاشتراكيّة هما مصطلحان لمدرستين في الفكر الاقتصاديّ، وكلاهما يُمثِل نقيضًا للرأسماليّة، غير أنَّ الاشتراكيّة تسبق البيان الشيوعيّ (بالإنجليزيَّة: Communist Manifesto)؛ وهو كُتَيِّب نشره السياسيّان: كارل ماركس (بالإنجليزيَّة: Karl Marx) وفريدريك إنجلز (بالإنجليزيَّة: Friedrich Engels).
تقوم الحكومة بكل قرارات الإنتاج والتوزيع في النظام الاشتراكيّ النقيّ، ويعتمد الشعب على الدولة في توفير كل ما يحتاج بدءًا من الطعام حتى الرعاية الصحيّة، وتُحدد الحكومة الإنتاج ومستويات الأسعار للبضائع والخدمات.
كما يؤكد الاشتراكيون أن الملكيّة العامة للموارد والتخطيط المركزيّ يوفران توزيعًا متساويًا للمنتجات والخدمات بشكلٍ أفضل، مع مجتمعًا أكثر إنصافًا.
الرأسماليّة والاشتراكيّة والفروق الجوهريّة بينهما
يَكمُن الفارق الأساسيّ بين الرأسماليّة والاشتراكيّة من منظور اقتصاديّ سياسيّ في ملكيّة عناصر الإنتاج والتحكم بها.
فمن ناحية الرأسماليّة تكون ملكيّة الممتلكات والشركات للأفراد، أمّا من ناحية الاشتراكيّة فللدولة حق إدارة وملكيّة عناصر الإنتاج.
وتوجد أيضًا بعض الاختلافات في الآثار الاقتصاديّة لكل منهما كالمساواة (بالإنجليزيَّة: Equity) والكفاءة (بالإنجليزيَّة: Efficiency) والتوظيف أو العمالة (بالإنجليزيَّة: Employment)، وهي كالتالي:
المساواة: إن الرأسماليّة لا تهتم بفكرة المساواة؛ فهي على العكس ترى أن عدم المساواة دافع للابتكار، وبدورها دافع للتطوّر والتنمية الاقتصاديّة، في حين أنَّ المساواة هي جزء أساسيّ للاشتراكيّة، فهي ترعى فكرة إعادة توزيع الثروة من الأغنياء للفقراء بشكلٍ عادل، وتؤكِّد المساواة في الفرص والإنتاج، بالتالي المساواة مقدَّمة على الإنجاز والتنمية بالنسبة للاشتراكيّة على عكس الرأسماليّة.
الكفاءة: يُناضل الرأسماليّين من أجل فكرة الربح ويَروْن أنّ حافز الربح والسعي إليه يدفع الإدارات والعمال والمطوِّرين للعمل بكفاءةٍ أكثر ومنه تحقيق مزيدًا من المنتجات التي تُرضي المستهلكين والتي تُحقق الطلب الموجود في السوق، ومن هذا المنطلق يَروْن أن ملكيّة الدولة لعناصر الإنتاج لا تقود إلى الكفاءة بل تؤدي إلى القصور وعدم الكفاءة حيث أن الجميع يكتفي بنصيبه المقدَّم إليه ولا يسعى للمزيد من الربح ومنه لا يُقدِم المزيد من الجهد؛ سواءً على مستوى الإنتاج أو الأفكار.
التوظيف أو العمالة: لا تكون الدول مسؤولة عن التوظيف في النظام الرأسماليّ، وبالتالي يؤدي هذا في أوقات الركود والكساد الاقتصاديّ إلى البطالة (بالإنجليزيَّة: Unemployment)، أمّا الاشتراكيّة، تُعدّ الدولة صاحب العمل والقائم على التوظيف وعليه فهي مسؤولة عن توفير فرص عمل للجميع أيًّا كان الوضع الاقتصاديّ وبالتالي هناك عمالة كاملة (بالإنجليزيَّة: Full Employment)، كما تُعَدّ الاشتراكيّة شبكة الأمان لأولئك الذين يُعانون من إصاباتٍ أو إعاقاتٍ دائمة، مَنْ ليس لديهم الكثير من خيارات العمل المتاحة في المجتمعات الرأسماليّة.
الاقتصاد المُختلَط (المُشترَك)
على الرغم من أن الرأسماليّة والاشتراكيّة يبدوان نقيضين، فإن أغلب الأنظمة الاقتصادية الرأسماليّة الآن لديها بعض الجوانب الاشتراكيّة، فيما يُعرف بالاقتصاد المُختلَط أو المُشترَك (بالإنجليزيَّة: Mixed Economy).
وحقيقةً فإن أغلب الدول الحديثة تعمل بالنظام المختلط حيث يكون للحكومة والأفراد كليهما تأثير على التوزيع والإنتاج، حيث يُعتبر النظام الاقتصاديّ المُختلَط حديث نسبيًّا والنظريات تدور حوله حتى الآن، ناقش آدم سميث (بالإنجليزيَّة: Adam Smith) في بحثه ثروة الأمم (بالإنجليزيَّة: The Wealth of Nations) فكرة أن الأسواق تعمل بشكل ذاتيّ وتلقائيّ وأن الدولة لا تستطيع توجيهها، ومع ذلك في عام (1985) قدَّم علماء الاقتصاد: وولفجانج ستريك (بالإنجليزيَّة: Wolfgang Streeck) وفيليب شميتير (بالإنجليزيَّة: Philippe Schmitter) مصطلح الإدارة أو الحَوكمة الاقتصاديّة (بالإنجليزيَّة: Economic Governance) لتصف الأسواق غير التلقائيّة والتي تحتاج أن تُنشأ وتُدار عن طريق مؤسسات، وبالتالي فإن الدولة لكي تُحقق أهدافها عليها أن تُؤسٍّس أسواق تتبع قواعدها.
لقد تبع النظام المُختلَط قديمًا مسارين: الأول يَفترِض أن للأفراد والشركات الخاصة الحق في ملكيّة الممتلكات وعناصر الإنتاج، وأنَّ التدخل الحكوميّ ينمو ويتطوّر تدريجيًا، عادةً تحت مُسمّى حماية المستهلك ودعم الصناعة للصالح العام (في مجالات مثل الطاقة والاتصالات وغيرهم) لكي تُوفِّر الرفاهية والجوانب الأُخرى من شبكة الأمان المجتمعيّ، وتتبع هذا النموذج معظم الأنظمة الديموقراطيّة الغربيّة، مثل: الولايات المتحدة الأمريكيّة.
ويشمل المسار الثاني على الدول التي تطورت من الاشتراكيّة النقيّة أو الأنظمة الشموليّة، فتكون فيه مصالح الأفراد الخاصة في المرتبة الثانية بعد مصالح الدولة، لكن يتم تَبنّي عناصر الرأسماليّة الخاصة بتعزيز نمو الاقتصاد، وتُعتبر الصين وروسيا مثالًا لهذا النموذج.
رأسماليّة المحسوبيّة
رأسماليّة المحسوبيّة (بالإنجليزيَّة: Crony Capitalism) هي تَقارُب العلاقات بين رجال الأعمال والدولة في المجتمعات الرأسماليّة، فبدلًا من كوْن نجاح الأعمال التجاريّة بتوافر السوق الحر مع سيادة القانون، يصبح النجاح هو مقدار المحسوبيّة والمحاباة التي تظهر لها عن طريق الحكومة وذلك في أشكال مثل الإعفاءات الضريبيّة، والمِنح الحكوميّة، وغيرها من الحوافز.
وعمليًا، يُعد هذا الشكل الأكثر هيمنةً على مستوى العالم، ويرجع هذا للحوافز والدوافع القوية التي تُواجها الحكومة والأعمال التجارية أو الأفراد كلًا على حدة، حيث تسعى الحكومة لاستخلاص والانتفاع بالموارد عن طريق الضرائب وتنظيم وتعزيز أنشطة الإيجار وعوائده على ممتلكات الدولة، بينما تسعى المؤسسات الرأسماليّة لزيادة الأرباح بالحصول على الدعم الحكوميّ، والإعانات، وتقليل المنافسة، وزيادة الحواجز أمام دخول منافسين جُدد.
تمثل هذه القوى في الواقع العرض والطلب على التدخل الحكومي في الاقتصاد، والذي ينشأ من النظام الاقتصاديّ نفسه.
تُلام رأسماليّة المحسوبيّة بشكلٍ واسع بسبب مجموعة من المشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويُلقي كلًّا من الرأسماليّين والاشتراكيّين باللوم على بعضهم البعض في سبب نشأتها، فيَعتبِر الاشتراكيّين أن رأسماليّة المحسوبيّة هي النتيجة الحتميّة للرأسماليّة النقيّة، فيما يرى الرأسماليّين أن سببها هو حاجة ورغبة الحكومات للسيطرة على الاقتصاد.
خصخصة الاقتصاد الاشتراكيّ
كانت بعض جهود الدول في خصخصة الاقتصاد الاشتراكيّ معتدلةً نسبيًّا وبعضها كان مثيرًا ومفاجئًا، وكان أكثرها لفتًا دول الاتحاد السوفيتي بعد انهياره وحكومة الصين بعد التحديث.
تشمل عملية الخصخصة العديد من الإصلاحات المختلفة، والتي ليست اقتصاديّة بالكامل؛ فالشركات تحتاج لأن تُحرَّر، والأسعار تحتاج لأن يُسمح لها بالتدفق وفقًا لاعتبارات الاقتصاد الجزئيّ (بالإنجليزيَّة: Microeconomic)، والرسوم الجمركيّة وحواجز الاستيراد والتصدير تحتاج أن تُزال، والشركات المملوكة للدولة بحاجة لأن تُباع، وقيود الاستثمار يجب أن تُخفف، وأن تتخلى الحكومات عن مصالحها الشخصيّة في وسائل الإنتاج، ومع ذلك لم تُحل المشاكل اللوجستيّة الخاصة بالموارد والحصول عليها وتوزيعها بشكلٍ تام، فهناك العديد من النظريات المقدَّمة عبر التاريخ في هذا السياق.
تُطرَح تساؤلات هنا مثل: هل الانتقال من النظام العام إلى الخاص يتم بشكلٍ تدريجي أم مباشرةً؟ ما هي تأثيرات هذا التحوُّل بالنسبة لاقتصاد تَمَحوَر حول السيطرة المركزيّة؟ هل تتمكن الشركات من العمل بدون سياسة وحكم بشكل فعَّال؟
قد يكون من الصعب بالنسبة لمجتمع قائم على تحكمٍ كامل وتام للحكومة التأقلُم مع حرية تامة سياسيًّا واقتصاديًّا.
قد يكون الانتقال السريع صدمةً قويةً في البداية، لكنه يكون الأفضل في نتيجته النهائيّة من فصل للموارد وإعادة توزيعها حسب قيمتها في الأسواق.
يدور الاقتصاد ما بين الرأسماليّة والاشتراكيّة وتسعى كل دولة للاستفادة من كل منهما أقصى فائدة، بخلط عناصرهما لنحصل على الاقتصاد المُختلَط، تَعَرّفنا على كل منهم وعلى الفروق بينهما وكيف ينتقل العام إلى الخاص، ونتيجة تداخلهما، وللمزيد من التفاصيل تجدونها في المصادر.