خلال القيامِ بأعمالِ إنشاء مبنًى في تقاطع شارع (Ferrocarril) مع شارع (Avenida Atleta Jose Luis Martinez) بمدينة بازا الإسبانية، وبشكلٍ أدق قُرب محطة سكك حديد بازا القديمة، تم اكتشاف مقبرةٍ إسلامية تعود إلى تاريخ هذه المدينة في القرن الخامس عشر الميلادي/ التاسع الهجري، وذلك بعد المقبرة الأولى التي تم اكتشافها في عام 2004 م، وعلى بُعد بضعة أمتار من المقبرة الحديثة. فكما هو معروفٌ لدى سكان المدينة أن منطقة حديقة بازا كانت تعتبر موطنًا لمقابرَ إسلاميةٍ تعود إلى زمنِ العصور الوسطى، ولكن لم يكن هناك دليلٌ أثري حتى اكتشاف هاتين المقبرتين.
أما عن المقبرةِ الأولى التي تم اكتشافها في عام 2004 م، فقد قام فريقٌ من علماء الآثار والأنثروبولوجيا بكلية الدراسات العربية في غرناطة، وعلى رأسهم البروفيسور خوليو نافارو (Julio Navarro) بالتحقيق في اكتشاف مقبرةٍ في نفس المدينة حينما أعلن مانويل بيريز (Manuel Pérez Asensio)، مدير الحفريات في المنطقة، اكتشافَ أربعة مستويات مختلفة من الدفن في مدينة بازا، ثلاثةٌ منها تعود إلى عناصرَ دُفِنَت على الطريقة الإسلامية بشكلٍ واضحٍ جدًّا مما يعني أنهم عناصر مسلمة، في حين كان المستوى الرابع للدفن حديثًا نسبيًّا عن زمن الثلاثة مستويات الأخرى التي من المُرجَّح أن تكون رفاتَ عناصر مسلمة دُفنَت في مدينة بازا بعد سيطرة الكاثوليك الأسبان على المدينة من أيدي العرب المسلمين.
وفي هذه المقبرة المكتشفة عام 2004م، وُجِدَ في المستوى السطحي (أي أقرب مستويات الدفن إلى السطح) بقايا أطفالٍ لا يزيد عمر أغلبهم على ستة أشهر أو أقل، ووُجِدَت بعض جماجمهم مجموعةً في ضريحٍ صغير، ويمكن إرجاع سبب كثرة هذه الجماجم للأطفال وفي مستوى واحد إلى حدوثِ وباءٍ أو أو مرضٍ أو قيامِ حربٍ أدَّت إلى وفاةِ هذا الكم الهائل من الأطفال، وتعود هذه المقبرة إلى الفترة الإسلامية التي يعود تاريخ رفات عناصرها إلى النصف الثاني من القرن 12م/6هـ.
أمَّا عن المقبرةِ المُكتشفةِ حديثًا في 2018م، فقد بدأ الكشف عن هذه المقبرة في بداية الصيف الحالي عند القيام بتأسيس طابقٍ سفلي لأحد البنايات في ذلك المكان، حينما لاحظ أحد الجيران بقايا رفاتٍ بشريٍّ في موضع الحفر، فتم إبلاغ الشرطة على الفور التي أسندت الأمر إلى مجلس الآثاريين بالمدينة الذي أوصى بعدم الاستمرار في الحفر والتأسيس حتى تأتي تقارير وزارة الثقافة المسؤولة عن المكان الأثري. ومنذ ذلك الوقت، بدأ العمل في الموقع المذكور، وتم اكتشاف رفات حوالي 250 شخص، كان نصيب رفات الأطفال منه حوالي 15%.
يعود تاريخ رفات هذه المقبرة إلى فترة الدولة النصرية التي حكمت الأندلس «أسبانيا الإسلامية» خلال القرن الخامس عشر الميلادي / التاسع الهجري. ووفقًا للخبراء القائمين على العمل في ذلك المكان وهم آنا تابيا (Ana Tapia) وكارمن ماريا رومان (Carmen María Román)، كان رفات هذه المقبرة في حالةٍ جيدةٍ جدًّا، وكان أكثر ما أثارهم في تلك المقبرة هو بقايا عظام الأطفال التي ما زالت محتفظةً بشكلها حتى الآن، مما سيعطي نتائجَ غاية في الأهمية في نهاية أعمال الدراسة والتحليل الأنثروبولوجي.
ومن المحتمل أن تسفر الأبحاث، التي يقوم على دراستها هاتان الباحثتان، عن بياناتٍ لم تُنشر من قبل عن كيفية معيشة هؤلاء الناس في مدينة بازا في القرن الخامس عشر الميلادي، مثل طريقة الدفن في تلك الفترة.
إعداد: عمر بكر
تدقيق: Mohamed Sayed Elgohary
المصادر