بعض الأخبار الإيجابية عن كورونا

81178844-5c34-48c9-8dbd-5dfcd0d629c8-1800x0-c-center

كتبت في 27 فبراير منشورًا -تعليقًا على حالة الذعر التي انتشرت تلك الفترة- عن الأبعاد التطوريّة للبشر في ترجمة الأخطار بشكلٍ مبالغٍ فيه، وعن المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي قد تنشأ عن ذلك. وكان رأيي حينذاك أنّ ردود الأفعال العالمية لم تكن تتناسب مع الخطر الحقيقي الذي يمثله الفيروس. لقد ارتفع معدل الخوف بشدةٍ في الأسبوعيين الماضيين، وأصبح من الصعب تقديم أخبارٍ إيجابيةٍ دون آمالٍ زائفةٍ قد تضرّ من هم أكثر عرضةٍ للخطر. ولكن حتّى في هذه الأوقات الصعبة يجب علينا أن نتوقف للحظة ونحتفل بالإيجابيّات التي تحدث بشكل غير مسبوق.

1. لم تعد اللامبالاة من سِماتنا تجاه ما يُهِم

دائمًا ما يتبع المرض والحوادث سلسلة من الأحداث الإيجابية الغير متوقعة، فننظر لأشياءٍ كانت مضمونةً لنا سابقًا. فنحن لا نقدّر الأشياء أو حتّى نتذكر وجودها إلا حين نبدأ بفقدانها، فالمصابون بالربو على سبيل المثال دائمًا ما يتحدثون عن نعمة الهواء والتنفس، والساق المكسورة أو السيارة المعطلة تجعلنا نقدر حرية الحركة، وحتّى حين نقعد عن الحركة تمتد إلينا أيدى المساعدة من الأقارب والأصدقاء، مما يذكِّرنا بأحبابنا ويجعلنا نخطط لقضاء وقتٍ أكبر معهم. وقد واجهتنا الأحداث الخاصة بكوفيد-19 كالذعر الجماعي وتغطيات الإعلام الهوسية والإجراءات المشدّدة إلى جوانب أساسيةٍ في حياتنا، كالاهتمام بصحتنا وتقدير أجسادنا وتذكر الأشخاص الأكثر عرضة للخطر والاهتمام بهم، كما زاد وعينا ومعرفتنا بسلسلة الإنتاج والإمدادات والصيانة والرعاية، والتي لم تكن مجتمعاتنا لتنجو من دونها. والأهم من ذلك كله إدراكنا بأننا مجتمع عالمي، واهتمامنا ببعضنا البعض هو ما مكننا حتى الآن من النجاة ضد كل الاحتمالات، فحين نتذكر ارتباطنا معًا وهشاشة العالم الذي نعيش فيه فسوف ندرك أهمية وحدتنا.

2. زيادة التعاون العالمي بشكل غير مسبوق

يعاني العالم الغربي -من قبل أن يلفت الذعر الخاص بكوفيد-19 اهتمامنا- من القلق والوحدة والمرض النفسي والشكوك حول المستقبل. فمن جنون السياسيين وتغير المناخ إلى الركود الجنسي وزيادة وفيات الاكتئاب ووسائل التواصل الاجتماعي التي استغلت نقاط ضعفنا العقلية والنزعة الفردية كانت الظروف مهيّأة بالفعل لحدوث أزمة ذعر نفسية. وقد وفّر كوفيد-19 مضادًا لكل هذا في الوقت المناسب. فالتعاون والنظام أصبحا واقعًا مرة أخرى حين فكرنا بشكلٍ أكبر فيما يهم، وهنا يتجلى دور التحيّز المعرفي للمعلومات السلبية الذي يجعلنا مهووسين بالمخاطر حين نختار ماذا نقرأ وماذا نعرف وما الذي نُبلّغ عنه في هذه الأوقات العصيبة. فالسيناريوهات المحتملة عن انهيار الأنظمة الصحية وموت الملايين أو الذعر المحتمل تشتت انتباهنا وتنتشر بجنون على الإنترنت، بينما ننسى مشاركة الأعمال التعاونية كانتظار الناس أدوارهم بصبر في الصفوف، واتخاذ الإجراءات لحماية الضعفاء، والأعمال الطيبة بين الغرباء، واطمئنان الأصدقاء على بعضهم البعض، وقضاء العائلات وقتًا أطول معًا، وإيصال المتطوعين الطعام لكبار السن، وعلى نطاق أوسع، اتخاذ الحكومات العالمية إجراءات وقائية أكبر بكثير مما شاهدناه سابقًا، كما أرسلت الصين أطبائها إلى إيطاليا لمساعدتهم على تخطي الأزمة، كما اتحد الشعب الإسرائيلي أيضا مع فلسطين لمواجهته، واتّخذت الحكومات أيضًا إجراءاتٍ اقتصادية لمساعدة من هم بحاجتها.

3. الوباء العالمي يزيد من وعينا النفسي

تقرب الكوارث الطبيعية البشر من بعضهم البعض بشكل تلقائي، كما تزيد من تضامنهم تجاه الغرباء. في الماضي، كانت الأوبئة العالمية استثناءً من هذه القاعدة، حيث انتشرت أفكار الخوف من الغرباء والعدوى والعنصرية والتحيّز والتنافس على الموارد، ولكن أزمتنا الحالية أثبتت أنّنا تعلّمنا من أخطاء الماضي. فقد كانت محاولات توسيع الروابط القبلية واحدة من أكثر التحديات التي واجهت البشرية، حيث تطورت فصيلتنا في ظروف معيشية صعبة تطلبت التعاون بحرص في المجموعات الصغيرة، وقد كان التاريخ مثالًا على التوسع وفشل استغلال الإمكانية الكاملة لهذه الصفة، حيث أصبحت عوالمنا أكثر تكاملًا مع الزيادة السكّانية في العصر الحجري الحديث والغزو والحرب والعبودية، وأيضًا التجارة والتبادل والحوار والاختلاف والتجارة والتي حدثت بشكلٍ متوقع في كل مرة تقابل البشر فيها.

وهذه الأمراض والعنصريات والتصنيفات، أو هذه الفظائع كالعزل والإبادة الجماعية ما زالت في داخلها أفعال تدلُّ على الإيثار؛ فقد نُفِّذت بإخلاصٍ من أجل مصلحة فردٍ أو عائلةٍ أو قبيلةٍ أو حتًى أمةٍ عوضًا عن المصلحة الفردية. ولكن مشكلة هذه الأفعال هي الحدود والحواجز الوهمية الذي يعتبر بعدها الإنسان أخيه الإنسان غريبًا.

إنّ الوجود التاريخي الحديث لوسائل الإعلام السريعة (كالطباعة والتلغراف والراديو والتليفزيون والإنترنت) قد ساعد على انتشار المعلومات بكفاءة، وانتشار الخرافات والأفكار بالتّبعيّة، مما قوّى بشكلٍ كبيرٍ كلًا من القِبَليَّة والتبادل وما يصاحبهما من تعاونٍ وصراع. بمعنًى آخر، علَّمنا التاريخ أنّ حدود السيكولوجية القبلية تجعل من الصعب عدم تفضيل مجموعتنا على مجموعةٍ أخرى، ومن الأسهل بكثير التنافس مع عدوٍ مُتَخيلٍ بدلًا من قضية واحدة، وأنّ الروابط القبلية تكبر فقط حين نتعاون جميعًا ضد عدوٍ أكبر. وقد أظهر لنا الاستقطاب المتزايد في عصرنا هذا أنّ الديمقراطية وتغيّر المناخ مشاكلٌ معقّدةٌ جدًا لا يستطيع عقلنا المحدود وحشدنا المزوّد بالإنترنت اتّخاذ قراراتٍ واعيةٍ وتعاونيةٍ بشأنها، ولكن مع ذلك يُسخّر خطر الأوبئة -سواء أن كان حقيقيًا أم متخيلًا- كل التحيّزات المعرفية الصحيحة. وكما تطورت آليّاتنا النفسية وعاداتنا جنبًا إلى جنبٍ مع مسببات الأمراض وتجنّب العدوى، توفّر فكرة الوباء العالمي فرصةً مبتكرةً لإعادة ترتيب أولوياتنا واهتماماتنا وتحالفنا. وبهذا تخلق للإنسانية فرصةً للاتحاد ضدّ التهديد الحقيقي دون الانخراط في أيّ عنصريةٍ أو قِبليّةٍ أو إجراءاتٍ إقصائية.

4. نحن نتمهّل أخيرًا

يساعدنا كوفيد-19 أيضًا على التخلّص من مشاكل زيادة العمل والإنتاج، فالتلوث والصحة النفسية المتدنية وزيادة الاستقطاب أدلةٌ قويةٌ على أنّ إدمان المجتمعات على زيادة الإنتاج والاستهلاك والإنجازات الفردية هي كوارث صحية وسياسية وبيئية. وبتنفيذ إجراءات التباعد الاجتماعي، سُجّلت معدلات متزايدة من توفر الهواء النظيف من الصين إلى إيطاليا، وتُسجّل يوميًا معدلات انخفاض انبعاثات الكربون الناتجة عن انخفاض السفر الجوي. وبهذا قد ساعدتنا تلك الظروف الإجبارية على العمل بشكلٍ أقلّ وقضاء وقتٍ أكبر مع أحبّائنا، وإيجاد الوقت للقراءة والدردشة وسماع الموسيقى وكل الهوايات الأخرى التي نسيناها في خضم الركض وراء أهداف حياتنا القلقة والسريعة. فيذكرنا كوفيد-19 بانكسار الروابط التي جعلتنا أقوياء في وقتٍ ما، ويرينا طريقةً لإصلاحها.

5. هناك معانٍ واتصالات حتى في العزلة

سوف يبقى التوازن بين التباطؤ والعزلة تحديًا في الأسابيع القادمة، حيث سنحتاج إلى نصائح من جهات الرعاية الصحية بمدى الاتصال الجسدي المسموح به في مجتماعتنا لحماية الضعفاء، وستبقى عقولنا ودعواتنا مع من يجب عليهم الابتعاد عن أحبائهم في الوقت الراهن. وفي هذه الأوقات الصعبة التي تُحَتّم علينا ترتيب الأولويات، علينا ترجمة شعور الاشتياق الذي نشعر به كتذكرةٍ بأهمية هذه العلاقات.

وقد نشرت الحاخام ليزا جروشكو من مونتريال في إيميلٍ مؤثرٍ يوضِّح انقطاع الخدمات والأنشطة كجزءٍ من تنفيذ إجراءات الحظر في مدينة كيبيك اقتباسًا من كتاب (سفر الجامعة) مشجعةً أعضاء المعبد على البقاء آمنين وعلى اتصال: «لكل شيءٍ وقت تحت الشمس، ..فهناك وقتٌ للعناق، ووقتٌ للامتناع عن العناق.»

إنّه من الصعب علينا تقبُّل أنّ البقاء في المنزل هو أهمّ وأفضل شيء يمكننا فعله حاليًا، ولككنا نفعل ذلك لإنقاذ الأرواح والاهتمام ببعضنا البعض. الامتناع عن العناق كالامتنان للهواء خلال أزمة الربو، فكلاهما يشعراننا بنعمة الآخرين. يوفر لنا كتاب سفر الجامعة نصائح خالدةٍ لنتذكر الأشياء المهمّة والأشياء التي نضمن وجودها، وهو يعتبر أكثر الكتب عمقًا من الناحية الفلسفية، فيحذّرُنا من الركوض وراء الفانيات بالتأكيد على أنّه لا جديد تحت الشمس.

يدعونا راوي القصيدة الطويلة إلى التفكير في عدم جدوى شهواتنا التي لا تشبع من الثروة، والتكديس، والإنجازات الفردية قائلًا: «اثنان أفضل حالا من واحد، لأنه إذا سقطا، يمكن للمرء أن يرفع الآخر. عندما يستلقي اثنان معًا، يكونان دافئين، ولكن كيف يمكن أن يدفأ شخص وحيد؟» ويذكّرنا سفر الجامعة بالأشياء البسيطة التي تكملنا؛ كقضاء الوقت مع العائلة والأحباء، تناول وجبات جيدة، شعور النائم بالشمس على جلده، مشاهدة شروق الشمس، والاطمئنان بأنها ستشرق مرة أخرى. فلنكن شاكرين لهذه الأوقات الصعبة التي جعلتنا معًا.

 

المصدر

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي