حسبما أكد «جون تشانغ- John Zhang»- الطبيب بعيادة (New Hope) للخصوبة بولاية نيويورك- في الإجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للطب التناسلي أثناء عرضه لبعض التفاصيل حول قضية ولادة أول طفل ثلاثي الآباء بإستخدام تقنيةٍ مُثيّرة للجدل عن طريق مزج الأحماض النووية للآباء الثلاثة، أن هذه الطريقة تُعد صحيةً بالفعل.
لكن يظل هناك شيءٌ واحدٌ واضح: «أن تقنية ولادة طفل ثلاثي الآباء ستتوافر من أجلها شركات إن لم تكن متوفرة بالفعل». وقد علمت مجلة (Nature) عن طريق إحدى الأوراق المنشورة في مجلةٍ لم تُعلِن عن إسمها والتي ادعت فيها ميلاد أحد الأطفال بإستخدام تقنية (ثلاثي الآباء) في الصين، بالإضافة إلى إعلان الباحثون في أوكرانيا عن وجود سيدتين حوامل بأجنةٍ تم تكوينها عن طريق دمج الأحماض النووية لثلاثة أشخاص.
وفي الوقت نفسه حاول سياسيون مكسيكيون الحد من تلك التقنية وإستخدامها عن طريق سن القوانين المُختلفة، حيث وُلد أحد الأطفال ثلاثي الآباء بإحدى عيادات (New Hope) في مدينة «جوادالاخارا- Guadalajara» المكسيكية.
وقد نُشرت ظروف عملية الولادة الشهر المُنقضي لأول مرة مِن قِبل أحد العلماء، وحينها واجهت انتقاداتٍ لاذعة من العلماء وتحديدًا عُلماء الأخلاقيات البيولوجية، وقد تساءلوا لمَ بدأت عيادات (New Hope) أعمالها في المكسيك، ويرجع السبب في ذلك إلى أن قوانين التعديل على الأجنة البشرية في المكسيك أقل صرامةً من نظيرتها في الولايات المُتحدة أو المملكةِ المُتحدة.
الهدف من تقنية الأطفال ثلاثية الآباء:
تهدف تقنية الأطفال ثلاثية الآباء إلى منع الأمهات من نقل الأمراض الأيضية الناتجة عن خلل في الميتوكوندريا- وهي الأجسام المسئولة عن توفير الطاقة اللازمة للخلايا- إلى الأجنة وذلك عن طريق تبادل الميتوكوندريا المُعتلة الخاصة بالأم المُستقبلية بأخرى سليمة تُمنح من أم ثالثة.
وقد عمل فريق تشانغ على سيدةٍ مُصابة بمرضٍ عصبي يُدعي (مُتلازمة ليه- Leigh syndrome) – وهو اضطراب عصبي حاد من أعراضه الفقدان التدريجي للقدرات العقلية والحركية وأحيانًا يؤدي إلى الوفاة نتيجة مُضاعفاته كفشل الجهاز التنفسي- وزرع الباحثون نواةً واحدة من بويضة السيدة المُصابة في بويضة السيدة المانحة (الأم الثالثة) وتُركت الميتوكوندريا سليمةً كما هي بداخل الأم المانحة، وبعد ذلك تم تخصيب البويضة المُعدلة من قِبل الحيوانات المنوية لزوج المرأة المُصابة وزرعها في الرحم.
وقدم تشانغ بياناتٍ جديدة حول الإدعاءات التي وُجهت إلى فريقه والرد على كُل الشكوك حول قدرتهم على إنجاح هذه التقنية وذلك في الإجتماع الذي عُقِد في مدينة (Salt lack city) بولاية يوتا الأمريكية، وأكد «أن 100% من الحامض النووي في بويضة الأم كان يحتوي على التغيُر المسبب لـ «متلازمة ليه- Leigh syndrome»؛ ولكن بعد أن نُقلت النواة إلى الأم الثالثة (الأم المانحة) انخفضت نسبة الميتوكوندريا المُعتلة في البويضات المُعدلة إلى 5% في المتوسط.»
وعقب «ديتريش إيغلي- Dietrich Egli» عالم الخلايا الجذعية في مؤسسة الخلايا الجذعية بـ نيويورك قائلًا: «أعتقد أن تلك الدراسة حقيقة بالفعل، وإنه لمن الجيد أن نسمع عن نجاح هذه التقنية في تخليق أطفال أصحاء»، وأتبع قائلًا: «لا تزال لدي بعض الشكوك والمخاوف حول فاعلية تقنية (العلاج بإستبدال الميتوكوندريا-( Mitochondria Replacement Treatment MRT ويتخوف إيغلي من أن تؤثر الميتوكوندريا ثنائية الأصل (من السيدتين) على سلامة وصحة الطفل، وعما إذا كانت الميتوكوندريا سوف تؤثر على نسل الطفل في نهاية المطافِ أم لا؟!.
وقد أكد تشانغ أيضًا أن فريقه بصدد القيام بفحصٍ طبيٍ شامل للطفل، وتحديد ما إذا كانت مستويات الميتوكوندريا المُعتلة ثابتةً أم لا؟!
توصيات الوكالات الحكومية والمجموعات العلمية حول هذه التقنية:
تتناقش العديد من الوكالات الحكومية والمجموعات العلمية حول ما إذا كان ينبغي أن يُسمح بهذه التقنية في الإستخدام السريري أم لا، وقد استنتجت أغلب تلك الوكالات ضرور ألا تتم عملية استبدال الميتوكوندريا لا إلا تحت إشراف تجربةٍ سريرية مع رقابةٍ مُستقلة.
وقد أوصت كثير من المجموعات العلمية بأن تقتصر عملية الإستبدال على الأجنة الذكور فقط، فالأم تستطيع فقط أن تُمرر الميتوكوندريا المُعدلة إلى نسلها، ولا يّمكن للجنين الذكر أن يُمررها إلى أطفاله فيما بعد. وقال المدير الطبي لـ (New Hope) «أليخاندرو شافيز- Alejandro Chavez-Badiola» أن الجنين الذكر هو الوحيد الذي تم زراعته لأنه الوحيد الذي نجا من الموت، وأكد تشانغ أن مُنظمة (New Hope) سوف تعمل مع أي مريض في المُستقبل وتبحث زراعة الأجنة الإناث وتحديد ما إذا كان أخلاقيًا أم لا، ويُذكر أن احدي السيدتين اللواتي يُعالجن في أوكرانيا حامل بأنثى.
«شافيز» يرد على الإتهامات الموجهة إليه:
أكد شافيز مرة أخرى على أن العملية أُجريت في المكسيك حيث لا توجة قوانين رادعة ضد مثل هذه الإجراءات، ولكنه يؤكد بأن المكسيك لديها القوانين التي تكفُل سلامة وأمان المرضى، وقد قامت وكالة المكسيك التنظيمية واللجنة الفيدرالية للحماية من المخاطر الصحية والمعروفة بإسم (COFEPRIS) بتفتيش مقر (New Hope) بمدينة جوادالاخارا، وتمت الموافقة على عمليات MRT أخلاقيًا.
وأتبع شافيز قائلًا: «هذا ما يُسمي التعصب العلمي، فلماذا يُشكك في عمليات MRT في المكسيك، ولا يُشكك فيها في الولايات المُتحدة أو المملكة المُتحدة؟! لدينا الأدوات، لدينا التكنولوجيا، لدينا التدريب وكل ما يلزم!» وأضاف أيضًا أن إجراءات ونتائج عمل فريق (New Hope) قيد المراجعة العلمية الآن مِن قِبل العلماء الآخرين (النُظراء) في في أحد المجلات العلمية (peer-reviewed journal).
آراء الباحثين المختلفة حول التقنية:
لا يزال « جورج دالي- George Daley»- الباحث المتخصص في الخلايا الجذعية بمستشفى بوسطن للأطفال في ولاية ماساشوستس- يبذل جهوده من أجل إعادة النظر في النواحي العملية والأخلاقية في عملية إستبدال الميتوكوندريا- MRT، وأنه يشعر بالقلق إزاء عدم إحترام تشانغ وفريقه لتوصيات المجموعات الإستشارية، وذهابهم إلى المكسيك وتهربهم من الأنظمة الصارمة في الولايات المُتحدة والمملكة المُتحدة.
وأتبع دالي قائلًأ: «يكمن الخطر في أن أغلب الأسر والأطفال الذين يولدون من خلال هذه التقنية يمرون بكُل تلك المخاطر قبل أن يكونوا على علمٍ تام بنسب النجاحِ والفشل»، وأبدى قلقه أيضًا من أن تكون الأبحاث السريرية في هذا المجال دون المُستوى مما يُعرض الجماعات التي تعمل وفقَ الأنظمة القائمة للخطر.
وفي عام 2015 م وافقت الحكومة البريطانية على القيام بتقنية إستبدال الميتوكوندريا ولكن في حالاتٍ مُحددة، ولكن لاتزال هذه التقنية محل جدل ولم تُستخدم بعد في العلاج السريري.
ويقول «فاليري زوكين- Valery Zukin» قائد الفريق الأوكراني بأنه قد تمت الموافقة على عمله من قِبل المجلس الأخلاقي بالرابطة الأوكرانية للطب التناسلي، وعلى عكس تشانغ فلم تكن المريضة تُعاني من إعتلال ومرض الميتوكوندريا؛ ففي حالة زوكين عانتا السيدتان من العُقم لسنواتٍ نتيجةً لخللٍ في الميتوكوندريا أوقف نمو الأجنة.
وقال زوكين في أثناء عرضه التقديمي في المؤتمر العالمي ART بمدينة نيويورك في 13 أكتوبر: «أن إستبدال ميتوكوندريا الأم بميتوكوندريا الأم المانحة نجح في إصلاح هذه المشكلة (العُقم) ومن المقرر أن تضع السيدتان أجنتهم مطلع عام 2017 م».
وأثنى إيغلي أخيرًا على شجاعة الأطباء والعلماء وتقبلهم للنقد بشأن تقنية إستبدال الميتوكوندريا، وأنه يلتمس لهم العُذر لسلوكهم هذا الطريق مُعللًا ذلك بوجود خلل في نظام الرقابة والتنظيم في بعض الأماكن؛ مما يؤدي إلى وضع العلاجات الجديدة على قائمة الإنتظار الطويلة؛ لذا فكان الإعلان عن ميلاد الطفل ثلاثي الآباء هو السبيل الوحيد للفت الإنتباه، وكان هو الحل الأمثل.
ترجمة وتصميم: علي صلاح
مراجعة: Mohamad Gendy
المصدر:
http://sc.egyres.com/bDQBz