الألوان والإنسان

الألوان والإنسان

لو كُنتَ تعتقد أنَّ عِلمَك بجميع أسماء درجات الألوان، يَعني أنَّك تَعرِف كل شيء عن الألوان؛ فأنت مُخطِئ

عالَم الألوان هو عالَم مَليء بالخَفايا، والأسرار العظيمة، والتي ستُدهِشك فَور مَعرفتها. تعالَ معي؛ نُلقي نَظرة عن قُرْب لذَلِك العالَم البَديع.

عَبر كُل العصور لمْ تتغيَّر مَشاعِر الشخص، ولا تأثرٌه بالحُبِ، والحزن، والأمل، والألم، والسرور، والفرح. وعلى غِرارِ مَشاعِر الأشخاص، لمْ تَتغيَّر أيضًا الألوان؛ فاحتفظَتْ الألوان بخصائصِها، مُنذُ فَجر بُزوغ أول قَوْس قُزَح في سَماء الكَون كاشفةً عن سِتّة ألوان، وانحدرَت جميع ألوان الكون مِن تِلك الألوان الرئيسيّة. ﴿1﴾

باستطاعة الألوان أنْ تُحفِّز المَشاعِر أو أنْ تُثبِّطها﴿1

تُعتبَر بعض الألوان المُفضَّلة، التي تُحيط ببعض الأشخاص، شيء ضَروري لهم؛ حَيثُ تُساعِدهم على الحِفاظ على سِماتِهم الشخصيّة، وإعطائهم الدَعْم عن طريق: إما شُعور بالهدوء النَفسيّ، وإما شُعور بالحَماس، أو شُعور بالتميُّز، الذي هو بطبيعة الحال شيء ضروري؛ للحفاظ على السلام النَفسيّ. (1)

كان بإمكانِنا أنْ نَسرِد الصفات التي تتّسِم بها الألوان باختصار، لكنْ تِلك الصفات تَستحِق أن نُسلّط عليها الضَوء؛ حَيثُ إنّها تَتمثّل في كل شيء يُحيط بنا في تِلك القارة. (1)

الصِفات التي تتّسِم بها الثلاثة ألوان الرئيسيّة وهم: أحمر (مُتوهِج)، وأزرق (صافي)، وأصفر (ساطِع). تِلك الصِفات لم تتّصِف بها الألوان مُصادفةً؛ لكنَّها مَدعومةً بشواهِد مِن الطبيعة التي تُحيط بنا. (1

الأحمر، هو لون النار، والدِماء؛ ولذلك فإنّه ليس مِن العَجيب أنْ يكون اللَّون الأحمر، هو اللَّون المُعبِّر عن الحركة، والحياة، والبَهجَة، والحَماسة. ويُعتقَد أنَّ كل الأحجار ذَوات اللَّون الأحمر، تَحتوي على خصائِص مانِحة للحياة، والقُدرة على الوقاية مِن الأمراض. ويُعتقَد أيضًا أنَّ حَجَر الياقوت، يَهِب السعادة، والصِحّة، والحياة المَديدة. وأنَّ حَجَر العَقيق يَجلِب لمالكِه الصحّة الجيّدة، والدائِمة. (1)

الأزرق، قَلبُ الجَليد، والذي يَرتبِط في عُقولِنا عَفويًا بلا حدود، والامتداد الصافي للفَضاء، واللانهائيّة. ويَعكِس اللّون الأزرق، الجانِب العقلانيّ، الذي يُعتبَر عكس اللّون الأحمر؛ الذي يَعكِس الجانب العاطِفيّ. ويُعرَف عن اللّون الأزرق، أنَّه لَون الحقيقة؛ الذي هو نِتاج مُتأثِر بالهُدوء النفسيّ، وليس جِدالاً مَليئًا بالكُرْه. (1)

ثاِلث لون مِن الألوان الرئيسيّة: هو اللّون الأصفر. ويُعتبَر اللّون الأصفر، هو اللّون الأكثر سُطوعًا مِن الألوان الرئيسيّة؛ فهو لَون أشعّة الشمس، ولذلك فَهو يَحمِل في طيّاتِه الزَهو، والإشراق. ومِثلَه مِثل اللّون الأحمر؛ يَستخدِمه المُعالِجون كمُنشِّط، وكمُعالِج؛ لشفاء أمراض الدِماغ. وكان القُدماء يَعتبِرون اللّون الأصفر مِن أعظم الألوان، ويَحمِل أسمى المَعاني؛ فَهو يَرمُز لصعوبة الحياة، والرَحيل. وإذا نَظرْنا إلى اللّون الأصفر مِن مَنظور الصحّة، واللّياقة البدنيّة، فسَوف نَرى أنّ اللون الأصفر يُعبِّر عن الحُمَّى الصفراء، ومَرَض الصفراء، والرايّة الصفراء. (1)

اللّون البُرتقاليّ، هو مَزيج مِن اللّونين الأحمر، والأصفر، وحَتى عَهد قَريب لم تَتِّم الإشارة إليه إلا نادِرًا. وعلى الرَغم مِن ذلك، يَجمَع هذا اللّون بين: قُوّة اللّون الأحمر، وزَهو اللّون الأصفر؛ لَيعكِس لونًا دافِئًا ساطِعًا مُرتبِطًا بالحياة، والسعادة، والطاقة، وغَيرِها مِن الِقيّم الإيجابيّة الأُخرى: كالنشاط، وسِعة الحيلة، ورَوح المُبادَرَة. (1)

أمّا اللّون الأخضر، هو أكثر الألوان شيوعًا في الطبيعة؛ فَهو له عُمقُ دائِم لَدىَ شُعُوب الشَرْق. الأخضر، هو لَون الطبيعة، وبالتالي فَهو رَمز الصَفاء، والهُدوء، وتَجدٌد الحياة؛ لِذا فَهو لَون يُوحِي بالأمل. (1)

يَرتبِط اللّون الأُرجوانيّ: بالصَخْب، والبَهاء، والفَخامة، ولَكِنْ كالأخضر، والأزرق، له تأثير مُهدِّئ، ومُلطِّف. إنَّ رمزيّة اللّون الأرجوانيّ، تَشترِك مع اللّون الأحمر في دَلالتِه على الحُبْ، والَتضحيّة بالذات، واللّون الأزرق في دَلالتِه على الصِدْق. كما أنَّه يُعَّد رمزًا للحِكمة، ويُشار إليه بكَونِه لون قُبَّة سُليمان؛ حيثُ إنَّه مُنذًُ العُصور المُتقدِّمة يُعَّد جُزءً مِن الشَارة المَلكيّة. (1)

وبعد أنْ ألقينا نَظرة سَريعة على السِمات، التي تَتَّصِف بِها أهم الألوان التي تُحيِط بِنا في هذا الكَون البَديع، دَعونا نُلقي الضَوء على أمر آخر، يَخُصُ الألوان أيضًا؛ ألا وهو العِلاج بالألوان

اعتقَد المصريون القُدماء، أنَّ الإله (ثوث) هو مَن طوَّر التَداوي بالألوان. كما استخدم الإغريقيون قديمًا الألوان لعِلاج العَديد مِن الأمراض، ووجَدوا أنَّ جِسم الإنسان، كان يَحتَوي على سوائِل مُلوَّنة مُتنوِعة: كالصفراء (الأصفر)، والدم (الأحمر)، والبلغم (الأبيض)… وهكذا. واعتقدوا أنَّها كانت مُرتَبِطة بعمل الطُحال، والقَلب، والكَبِد، والمُخ، وكانوا يؤمِنون بأنَّ الصِحة الجيَّدة، تَنتُج مِن وجُود هذه الأخْلاط بالنسَّب الصحيحة. (2)

أوضَح الفيلَسوف العربيَّ، والطبيب ابن سينا (980 ه – 1037 م) نَظريّة العِلاج بالألوان، في كِتابِه (القانون في الطِب)، وكان أوّل مَن أشار إلى أنَّ اللّون الأحمر قَد حَسَّن جَودة الدم، واللَّون الأبيض عَمل على تَنقيّتهِ، وأنَّ اللَّون الأصفر قلَّل الألم، والالتهاب. وقَد أوصَْى ابن سينا، المَعروف (بأفيسينا) في الغرب، بأخْذ جُرعات مِن الزُهور الصفراء؛ لعِلاج اضطرابات الصفراء، والزُهور الحمراء؛ لعِلاج اضطرابات الدم. كما أنَّه وَصَف مَوانِع استعمال الألوان؛ حَيثُ إنَّه حَظَر اللَّون الأحمر لَدىَ الحالة التي تُعاني مِن البواسير. (2)

يَظهَر تأثير اللَّون العَميق على المزاج لَديّنا، والعاطِفة، والسُلُوك، وفي الأقوال التي تَطرأ على لُغَتِنا اليوميّة؛ فنَحنُ نَلجَأ لا إراديًا لها؛ لوَصْف كيف نَشعُر، أو لتَوضيح استجابَتِنا لشيء ما. إنَّ استخدام الألوان، والتي يُمكِن للجميع أن يَعودون إليها في هذه الأقوال، يَجعلُها شَكلًا للتواصُل فعَّال للغَاية.

وعلى سَبيل المِثال:

الأخضر، وعلاقَتُه بالحَسَد

أن يَرتَبِط اللون الأخضر بالغِيرة، أو الحَسَد؛ هو أنْ تكون غَير مُتّزِن عاطفيًا بين الدِفء، أو عِند نهاية الأحمر، لَطيف اللّون، والبُرودة، أو نهاية الأزرق.

الأزرق

عِندما نَقول إن لَديّنا (الألوان الزرقاء) فهذا يعني، أننا نُشير إلى أننَّا في حالة مَزاجيّة مِن الوِحدة، والانطوائيّة.(4)

اللّون الأحمر

اقترح (Soldat, Sinclair, and Mark  (1997) (4) أنَّ اللّونين الأحمر، والأزرق، مُرتبطان بالسعادة، والحُزن على التوالي، ولهذا يُؤديان إلى المُعالجَة المَعرفيّة، وثَبات السُلوك. (5)

وتلك كانت نَبذَة بسيطة عن الألوان، وعلاقَتها الوَثيقة بالإنسان.

 

المصادر

(1) WILSON,R.F. (1950). The Use of Colour in Hospitals and Clinics. Journal of the Royal Sanitary Institute, volume 70, issue:4, page(s): 317-322. .retrieved from

https://journals.sagepub.com/doi/abs/10.1177/146642405007000408

(2) HARE.AR.(2011). THE MAGIC THERPY OF COLOURS. (adobe digital editions version).retrieved from

https://books.google.com.eg/books?hl=en&lr=lang_en&id=VpE3DwAAQBAJ&oi=fnd&pg=PP1&dq=magic+therapy+of+colour&ots=_QI2Bvm4qg&sig=VgLDd7E1y_pi2fN9_BM7GI0p0u0&redir_esc=y#v=onepage&q=magic%20therapy%20of%20colour&f=false

(3) NORRIS STEPHANIE, (2018). SECRETS OF COLOUR HEALING. (adobe digital editions version).retrieved from

https://books.google.com.eg/books?hl=en&lr=lang_en&id=d3BhDwAAQBAJ&oi=fnd&pg=PP1&dq=depression+colours+healing&ots=WO9P48y-9R&sig=O-zYktn8ldw6OQU90FzU7bktvtY&redir_esc=y#v=onepage&q=depression%20colours%20healing&f=false

(4)   Soldat, A.S., Sinclair, R.C., & Mark, M.M. (1997). Color as an envi ronmental processing cue: External affective cues can directly affect processing strategy without affecting mood. Social Cognition, 15,55-71-

(5)  Elliot, A.J., & Covington, M.V. (2001). Approach and avoidance motivation. Educational Psychology Review, 13, 73–92.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي