الأوبرا: حين تتوقف الكلمات تبدأ الموسيقى

الأوبرا

يُعتبر فن الأوبرا من أكثر الفنون نخبوية منذ بداية ظهوره حتي الآن وفقاً لأسباب كثيرة أهمها: زامن ظهور الأوبرا ظهور أنواع من الجمهور ارتاد الأوبرا دون أدنى ثقافة عنها ساهموا بالحط من قدرالأوبرا الأمر الذي ما زال تأثيره فعالاً حتي اليوم ؛ لذلك سيكون حديثنا عن تاريخ الأوبرا، وأشكالها المتعددة، وأهم الأعمال الأوبرالية كمحاولة لجعل الأمر يسيراً علي محبي ذلك الفن .

أصل التسمية:

تعني كلمة »أوبرا«Opera- باللغة الإيطالية »العمل« إشارة إلى الجمع مابين الجهد المبذول والنتيجة المُحصَلة، وهي مشتقة في الأصل من صيغة الجمع لكلمة لاتينية تسمي «Opus»، وتم استخدامها في اللغة الإنجليزية لأول مرة في عام 1648 بمعني العمل الذي يجتمع فيه الشعر والرقص والموسيقى .

تاريخ الأوبرا

ماقبل القرن القرن السابع عشر:

تتمثل البدايات لفن الأوبرا بالمدرسة المسرحية الإغريقية التي قامت على الطقوس الدينية المؤداة من أجل عبادة الالهة، ثم أصبحت تُمثل أمام المشاهدين، يقوم بتمثيلها شخص آخر غير رئيس الفرقة الموسيقية، وأخذت في التطور مع إدخال الكثير من التعديلات كالملابس والرقص والإنشاد .

مدت المدرسة المسرحية الإغريقية جذورها إلى العديد من البلدان الأوربية وخاصة إيطاليا، ومع مولد المسيح بدأ ذلك الفن يأخذ شكل تمثيليات مسرحية كنسية تصاحبها الموسيقي حيث بدأت بعد ذلك بتقديم موضوعات عن مولد المسيح وبعثه، والعديد من القصص المأخوذة من العهد القديم مثل قصص الأنبياء .

ظل ذلك الفن مُتخذاً هذا الشكل حتي القرن السادس عشر حيث ظهر لأول مرة ما نستطيع أن نُطلق عليه عمل أوبرالي بمفهومنا الحالي تمثّل في أوبرا »دافني« التي كتبها جاكوبو بيري حوالي عام 1597 كنتيجة لمحاولة من الموسيقيين والمثقفين الفلورنسيين الذين عُرفوا بجماعة الـ »كاميراتا ــــCamerata «laلإحياء التراجيديا الإغريقية حيث فُتنوا بما قدمه الأغريق، وعارضوا الموسيقى متعددة الأصوات التي ظهرت في عصر النهضة بصورة صارخة .

أتبع بيري أوبراه الأولى بأوبرا »يوريدتشي«، وقُدمت في احتفالات زواج ملك فرنسا هنري السابع من الأميرة الإيطالية ماريا دي ميدتشي .

القرن السابع عشر وعصر الباروك:

شهد القرن السابع عشر الميلاد الحقيقي للأوبرا حيث قام كلاوديو مونتيفيردي بتأليف أوبرا »اورفيو ــــ «L’Orfeo التي تُعتبر أول أوبرا استطاعت أن تنجو وتصل إلينا ولازالت تُقدم حتي الآن بعد فقدان أوبرا »دافني ــــ«Dafne ، وتوالى بعد ذلك تأليف الأوبرات حيث كانت النية جعل الموسيقى تابعة للكلمات، ويكون الحوار هو الأساس يتخلله الفواصل الموسيقية.

بدأت الأوبرا بالانتشار، من فلورنسا و روما إلى البندقية التي أصبحت قلباً لذلك الفن الذي أصبح متاحاً للجماهير مع افتتاح أول دار أوبرا عام 1637، وسرعان ما انتقلت الأوبرا إلى باريس وفيينا ولندن في نهاية القرن السابع عشر حيث قام المؤلف الموسيقي الإنجليزي هنري برسل بتأليف أوبرا »ديدو و إينياس ــــ «Dido and Aeneas عام 1680.

اكتمل شكل الأوبرا في منتصف القرن السابع عشر وتحددت ملامحها حيث انصب التركيز على الغناء المنفرد، وتم تجاهل الكورس و موسيقى الآلات، وانفصل الكلام والحوار الملحن عن الأغنية الأوبرالية، وظهرت أساليب متعددة من من الأغاني الأوبرالية، بالإضافة إلى ذلك كانت الأوبرا هي الإنجاز الأعظم لفن الباروك، فقد جمعت الموسيقى والمسرح وكافة المؤثرات البصرية والقدرات التكنولوجية للعصر، وأصبحت مسارح الأوبرا مكانًا مجنونًا صُممت فيه أزياء وديكورات مبهرة، واستُخدمت كل أنواع الآلات الممكنة لتقليد أصوات الرياح وغيره من الأدوات وتحريك الوحوش؛ للخروج بالعمل في أبهى صوره .

القرن الثامن عشر:

أخذت الأوبرا شكلين في القرن الثامن عشر: الأوبرا الجادة، والأوبرا الهزلية.

تأثرت الأوبرا الجادة بمؤلفي الدراما الفرنسيين وعلى رأسهم راسين، وكانت أقرب إلى التراجيديا وغالباً ما تستند إلى الأساطير، ويقوم بغناء الأجزاء المنفردة صوت الكاستراتو * .

سعت الأوبرا الجادة إلى تسليط الضوء على الكلمات وأُعطيت الأولوية لبراعة الصوت حيث انتشرت إيقاعات الـ »بيل كانتون«* في الفترة الأخيرة من عصر الباروك، في المقابل ظهر أسلوب أكثر بساطة حيث تتحالف الموسيقى والكلمات في شكل وثيق.

تعتبر أوبرا «Ariodante» لجورج هاندل مثالاً على ذلك النوع من الأوبرا .

قُدمت الأوبرا الهزلية على يد سكارلاتي في نابولي، وهي تستند موسيقياً إلى الانترميتزو، أي الموسيقى اللطيفة المنعشة التي كانت تُقدم أثناء الاستراحة أو بين الفواصل، بينما استندت أدبياً إلى قصص وتمثيليات هدفها السخرية من المسؤولين المشهورين، ومن أشهر الأوبرات الهزلية كانت »الخادمة الهانم« لبيرجوليزي عام 1733.

واصل هذا النمط تطوره خلال القرن الثامن عشر على يد العديد من المؤلفين مثل بوتشينى الذي قدم عام 1760 أوبرا »الفتاة الطيبة«.

شهدت تلك الفترة أيضاً ظهور معجزة موسيقية وهو موتسارت الذي أثرى الأوبرا في القرن الثامن عشر من خلال أعماله التي تفوقت على منافسيه مثل »دون جيوفاني«، و »زواج فيجارو .«

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*الكاستراتو: صوت أوبرالي ازدهر في عصر الباروك للأطفال المخصيين في سن يتراوح مابين السابع والحادية عشر وذلك لتعويض الأصوات الحادة بعد منع النساء من الغناء، ثم مُنع ذلك الصوت عام 1903.

*بيل كانتون: أسلوب غنائي أوبرالي يستخدم نغمة عريضة غنية، وصياغة سلسة .

القرن التاسع عشر:

يُعد القرن التاسع عشر العصر الذهبي للأوبرا بوجود العديد من المؤلفين العظماء مثل الألماني فاجنر و الإيطالي فيردي الذي احتل عرش الأوبرا في ذلك الوقت، وأعاد لإيطاليا مكانتها بعد ان شهدت عصراً من الانحطاط في التأليف الأوبرالي، وساعده في ذلك روسيني، ومن بعده بيليني .

شهد ذلك القرن صعود القوميات مؤثرة على الأوبرا كما أثرت على جميع الفنون، فتلونت الأوبرا بألوان أعلام بلاد مؤلفيها، وخطت كل دولة لنفسها خطاً متميزاً .

تزامن القرن التاسع عشر مع بداية ظهور العصر الرومانسي مع أعمال المؤلف الألماني فيبر، واختلطت تلك الأعمال مابين الأوبرا الجدلية والهزلية، واستوعبت الأوبرا الموسيقى السيمفونية وموضوعات مستمدة من الحياة المعاصرة .

جاء النصف الثاني من هذا القرن بثورة هائلة على يد فاجنر في ألمانيا حيث جمع الشعر والدراما والموسيقي وأطلق عليه مسمى الدراما الموسيقية، وأصبحت الأوركسترا جزءاً من القصة، وشاع في اوبراه الفكرة المهيمنة او المتكررة حيث يتم تكرار الجملة الموسيقية المرتبطة بالشخصية أو بحدث ما .

في إيطاليا، بقي الصوت سائداً، وذهب تقليد الـ »بيل كانتون« جنباً إلى جنب مع شخصيات وثيمات الأوبرا الهزلية مثل أوبرا »حلاق أشبيلية« لـروسيني .

استوحى المؤلفين في روسيا أوبراتهم من التاريخ مثل أوبرا »بوريس جودونوف« لموسوروسكي، أو من الأدب الوطني كما فعل تشايسكوفسكي في أوبرا »يفجيني اونيجين« المبنية على رواية ألكسندر بوشكين.

ازدهرت في فرنسا الأوبرا الفخمة الذي يتسم بالكمال والشمولية ويستخدم الشعر والموسيقى كأدوات تعبيرية، وأصبحت أيضا الأوبرا الكوميك التي كانت بمثابة ثورة ضد الأوبرا الجادة التي اعُتبرت رجعية؛ لأنها تعيش بين أحضان الرعاية الملكية، ومن أشهر الأوبرات على ذلك النوع أوبرا »كارمن« لبيزيه.

القرن العشرون:

استمر مؤلفي القرن العشرون على خطى مؤلفي القرن التاسع عشر، وتوُج شتراوس على عرش الأوبرا وسُمي بريتشارد الثاني نسبة إلى ريتشارد فاجنر، ومن أشهر أعماله أوبرا »سالومي« عام 1905.

ظهرت العديد من الأوبرات في تلك الفترة لا تقل أهمية عن سابقيها مثل أوبرا »يلياس وميليزاندا« للفرنسي ديبوسي ممثلة للاتجاه الرمزي في الأوبرا، كما ظهرت الأعمال الفردية لأول مرة بدلاً من الاتجاهات العامة كما في اعمال ألن بيرج تلميذ شونبرج .

الأوبرا اليوم:

تمتاز أعمال الأوبرا اليوم بالتنوع أكثر من أي وقت مضى، وأصبح الإخراج والإعداد الموسيقيّ المفتاح الرئيسي للأوبرات الجديدة .

اتجه العديد من المؤلفين إلى إعادة إنتاج الأعمال المسرحية، ومازال ذلك الأسلوب يُلاقي نجاحاً حيث يتم تقديمها جنباً إلىجنب مع الأعمال المعاصرة، مما يجعل الأوبرا تواصل تطورها وتجذب العديد من الجماهير .

الأوبرا العربية:

شهد القرن التاسع عشر مولد المسرح الغنائي العربي بشكله البسيط في سوريا ومصر، وبدأ المسرح العربي معانقة هذا اللون الفني عبر شعره الغنائي من خلال فن الأوبريت الذي استهوى الكثير من الجماهير، ثم بدأ ذلك الفن بالتأرجح والانحصار بسبب ارتفاع تكاليف عروض الأوبرا ومتطلبات هذه العروض من قدرات صوتية في الغناء ومهارة في التأليف والتلحين .

أنواع الأوبرا:

تفرعت الأوبرا منذ أن ارتدت ثوبها الحقيقي في منتصف القرن السابع عشر إلى عدة انواع:

  1. الأوبرا الجادة تم ذكرها سابقاً .
  2. الأوبرا الهزلية تم ذكرها سابقاً.
  3. الأوبرا كوميك تم ذكرها سابقاً.
  4. الأوبرا بالاد الإنجليزية: كانت رد فعل على الأوبرا التقليدية الإيطالية، وكانت عبارة عن مقطوعات غنائية مع القليل من الفواصل الموسيقية .
  5. الزينجشبيل الألمانية: استندت إلى الأوبرا بالاد الإنجليزية و الأوبرا كوميك الفرنسية والتمثيليات المدرسية الألمانية، وكان من اهم روادها المؤلف ويبر، كما ألف موتسارت أوبرا »الناي السحري« التي تنتمي إلي هذا النوع .
  6. الأوبرا الفخمة او الجراند أوبرا: كانت فرنسا معقل هذا النوع من الأوبرا، وعكشت الجراند أو برا مزاج الطبقة الوسطي، كما جمعت بين الموسيقى والباليه وافقرات الكورالية .
  7. الأوبرا الكلاسيكية الجديدة: عبّر هذا النوع عن الاتجاه السوفييتي في أعمال بروكوفييف .
  8. أوبرا العصر: ظهرت في أوبرا الأخبار اليومية لبول هندميت وأوبرا الساعة الثامنة صباحاً لشونبرج .
  9. أوبرا المستقبل: برزت في أعمال موريس رافيل ممثل أوبرا الساعة الإسبانية الذي أخذ يرجع إلى تقاليد الأوبرا الهزلية .

الأوبرا والمدارس الفنية:

الأوبرا مثلها مثل جميع الفنون تخضع للاتجاه الفني السائد، فتنوعت ما بين مابين الكلاسيكية مثل «دون جوفياني» لموتسارت، والرومانسية مثل «تويستان» لفاجنز، والواقعية مثل «كارمن» لبيزيه، والرمزية مثل «بيلياس وميليزاندا» لديبوسي .

أهم أعمال الأوبرا:

تستطيع بعد تلك النبذة عن تاريخ الأوبرا وأنواعها وتطورها على مر العصور أن تبدأ في مشاهدتها ومحاولة فهم مايدور وما يريد أن يقوله المغني دون النظر إلى حاجز اللغة .

أوبرا «دون جيوفاني» لموتسارت:  https://goo.gl/jeGHrw
أوبرا «الناي السحري» لموتسارت: https://goo.gl/RRqZQB

أوبرا «زواج فيجارو» لموتسارت: https://goo.gl/pA5OM3

أوبرا «كارمن» لجورج بيزيه: https://goo.gl/2n71T1

أوبرا «عايدة» لفيردي: https://goo.gl/x4LBSV

أوبرا «حلاق أشبيلية» لروسيني: : https://goo.gl/Cd9BFZ

أوبرا «سالومي» لشتراوس الثاني: https://goo.gl/s42duc

أوبرا «بارسيفل» لريتشارد فاجنر: https://goo.gl/JFSqXT

إعداد: Muhammed Mumtaz

مُراجعة:Mohamed El-Barbary

تحرير: Nada Ahmed

المصادر:

الأوبرا: د. أحمد حمدي محمود، الهيئة العامةالمصرية للكتاب 1988.

Stories of the great opera book by Milton Cross

HISTORY OF OPERA [Internet]. [cited 2016 Jun 27]. Available from: http://sc.egyres.com/C6lXC1.

History – Opera-Europa [Internet]. [cited 2016 Jun 27]. Available from:

http://sc.egyres.com/CIkWx

European Operetta: 1850-1880 [Internet]. [cited 2016 Jun 27]. Available from: http://sc.egyres.com/ryo8w1.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي