الإدمان، مرض أم اختيار؟

الإدمان، مرض أم اختيار؟

هل كل سلوكياتنا السيئة التي اعتدنا فِعلَها بشكل يومي هي إدمانات محتملة؟

وإذا كانت كذلك بالفعل، فهل هي اختيار أم مرض؟ سؤال مهم نجيب عنه خلال السطور القادمة.

الفرق بين الإدمان وسوء الاستعمال

هناك فرق بين مفهوم الإدمان، والمقصود من سوء الاستعمال؛ فليس كل سوء استعمال للشيء يُسمّى إدمانًا عليه، إلا أنه طريق مُؤَدٍّ إلى الإدمان؛ لذا وجب الحذر.

فعلى سبيل المثال: إذا شرب أحد مشروبًا كحوليًّا مرةً وشعر بالنشوة فإنه لا يصبح مدمنًا ما لم يشعر أنه يتوق إلى شرب المزيد ولا يكتفي من تكرار التجربة؛ حيث إن هذا الشخص قد يَرْدَعه عن إعادة التجربة الآثار الجانبية المؤذية التي ستخلفها تلك المشروبات الكحوليّة. أما الشخص المدمن فلن يُقلع عن الأمر رغم الضرر الذي يصيبه. [2]

أما عن تعريف الإدمان: فهو مرض طبّي مزمن يمكن علاجه، ويتضمن تفاعلات معقدة بين دوائر الدماغ، والجينات، والبيئة، وتجارب حياة الفرد.

يستخدم الأشخاص الذين يعانون من الإدمان موادًّا، أو ينخرطون في سلوكيات تصبح قهرية، وتستمر غالبًا؛ على الرغم من العواقب الضارة.

سبل الوقاية والعلاج من الإدمان بشكل عام ناجحة، مثل تلك الخاصة بالأمراض المزمنة الأخرى.

أنواع الإدمان

عندما يسمع البعض كلمة (إدمان) فإنهم تلقائيًّا يتخيلون شخصًا جالسًا وسط عقاقير الأفيون، والكوكايين، وكومات الإبر؛ إلا أن الإدمان أوسع من هذا بكثير، حتى إن البعض قد يأتي بممارسات لا يُخيَّل إليه أنها تضعه في دائرة الإدمان.

وأحيانًا لا يكون التصرف بعينه مُجلبًا للضرر، لكن المشكلة تكمن في الإفراط فيه، حتى يبدأ في التأثير السلبي على حياة الإنسان.

الإفراط في الأكل، أو الإفراط في الخوف من السمنة، التسوق، الإنترنت، ألعاب الفيديو، الحب والعلاقات، الجنس، الإفراط في تعاطي الأدوية المعالجة… كل هذه الأشياء تندرج تحت أنواع الإدمان. [3]

العوامل المؤثرة في الإصابة بالإدمان

هناك الكثير من العوامل التي تساعد الإنسان، سواءً في الدخول في طريق الإدمان ابتداءً، أو إلى دَفعِه في الاستمرار! وتقف حائلًا في طريق علاجه.

نذكر بعضها:

1- البيئة الأُسَرية: تؤثر البيئة المحيطة في سلوكيات الإنسان، والأكثر إن كانت البيئة الأقرب والألصق له وهم أفراد أسرته.

لذا، فإنْ كان أحد أفراد أسرته مدمنًا؛ فإنه يزيد من احتماليّة سَيره في نفس الاتجاه، على عكس لو كانت البيئة سليمة، سوية المبادئ.

2- العامل الوراثي: وجد العلماء علاقة بين الجينات والإدمان، فمن الممكن لِجِين الإنسان أن يساهم بنسبة تتراوح بين (40%) إلى (60%) في احتمالية الإصابة بمرض الإدمان.

3- المدرسة وصحبة السوء: وخصوصًا بين فئة المراهقين؛ لا يَخفَى على أحد مدى التأثير الذي يمارسه الأصدقاء على الإنسان!

لذا، كانت دائمًا الدعاوَى التي تؤكد على أهمية اختيار الصديق الصالح، والبُعد عن السيء؛ لما سيرد عليك من المهالك بسببه.

فعندما يحاوط الإنسان نفسه بمثل هؤلاء؛ يقل تدريجيًّا شعوره بالذنب والاختلاف، ويجد المعين الدائم للسير في هذا الطريق.

4- الضغط: الشعور المستمر بالضغط يدفع بالإنسان إلى محاولة الهروب من واقعه الأليم؛ لذا قد يلجأ إلى تعاطي الكحولات، والمواد التي من شأنها أن تجلب له النشوة المؤقتة، وتغيبه عن العالم لبعض الوقت.

5- طبيعة المواد المُدمَنة.

6- السن التي بُدِئ التعاطي عندها.

7- طرُق التعاطي نفسها. [4]

لماذا يلجأ الناس إلى الإدمان؟

من تلك الأسباب:

1- الرغبة في الشعور بالنشوة.

اللذة المصاحبة لتلك الممارسات تزيد رغبة الإنسان في تكرار التجربة دومًا، كإدمان الجنس والقمار.

2- نسيان الحزن والضغط.

الإدمان وسيلة هروب من الواقع، فبعض الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات معينة في حياتهم يلجأون إلى الإدمان كوسيلة لنسيان واقعهم؛ وبالتالي كلما زاد تأثير المادة أو الممارسة، يتوقون إلى إعادة التجربة دائمًا.

3-الفضول.

وهو منتشر بين فئة المراهقين والشباب، فإنهم يقومون به من باب الفضول في تجربة الأشياء الجديدة.

والرغبة في الشعور بالتميز بين أقرانه.

والرغبة في أن يقال عليه رجل، شجاع، قوي! حيث إن الشباب في تلك السن يُوصَمُوا من قِبَل أهل السوء بالضعف، وأنهم ما زالوا أطفالًا إذا رفضوا مطاوعتهم في تعاطي المواد؛ لذا فإن البعض من ضعيفي النفوس، مشوهي المباديء يجرب فقط من أجل دفع تلك الادعاءات عنه، وهو لا يدري شيئًا عن الحجيم الذي فتحه على نفسه. [4]

إلى أي مدى يمتد خطر الإدمان على حياة الإنسان؟

هذا يعتمد على نوع الإدمان المُمَارس.

فمثلًا: إدمان الجنس، يزيد من خطورة الإصابة بالأمراض التي تنتقل بالاتصال الجنسي.

التعاطي عن طريق الإبر غير المعقمة، يزيد من احتمالية إصابة الإنسان بفيرس سي، والإيدز.

من الممكن أن نقسم المضاعفات إلى ثلاثة أقسام  رئيسية:

  1. مضاعفات جسديّة. فمثلًا: عند تعاطي الكوكايين عن طريق الأنف، سيتسبب في الضرر بغضروف الأنف.الأفيونات، تسبب الإمساك، والذي يمكن أن يسوء إذا لم يُعالَج.

    التبغ، قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان.

    بعد فترة يعتاد جسم الإنسان على جَرعة المادة المخدرة، ولا يشعر معها بأي تأثير؛ لذا يحتاج أن يضاعفها، ويظل هكذا حتى يصل إلى الزيادة المبالغ فيها للجرعة، ووقتها تؤدي به إلى الإغماء، و أحيانًا كثيرة إلى الموت.

    يتأثر القلب والجهاز الدوري بتلك المواد، حيث إن أغلبها منشطات تزيد من ضربات القلب، وترفع ضغط الدم، وقد يؤدي إلى صدمة قلبية والموت.

    ومن أخطر الحالات: هي تعاطي المخدارات للأم الحامل، والذي يشكل خطرًا حقيقيًّا على جنينها، خطرًا يفضي إلى موته، وإن سلم من الموت، لن يسلم من التشوهات.

  2. مضاعفات نفسيّة.ترتبط الصحة العقليّة والنفسيّة بممارسة الإدمان.ففي دراسة أجريت عام (2014) أوضحت أن الإدمان يسبب الشعور بالاكتئاب، والقلق المستمر، وعدم الراحة.

    كما يلجأ المدمنون في غالبية الوقت في دفع الناس من حولهم؛ لذا فهم يشعرون بالوَحدة دائمًا، وفقدان الدعم.

    يتعرض المدمنون لمشاكل ماليّة، فعندما تَنفد أموالهم يجن جنونهم، ويكونون مستعدين لفعل أي شيء للتحصل على المال لشراء المواد المخدرة، يفعلون أي شيء، حتى إنهم يرتكبون الجرائم في سبيل ذلك! وقد يَشْرُدون من منازلهم، وينعكس الحال من أنهم يتعاطون لأجل التخفف من الضغط، إلى أن يكون الضغط والقلق رفيقهم الدائم.

    وقد يلجأ العديد منهم للانتحار في نهاية الأمر!

    ففي دراسة جاءت عام (2015) بينت أن معدلات الانتحار تتزايد لـ(6 مرات) لدى الأشخاص المتعاطين للأفيون مقارنة بمن لم يتعاطاه.

  3. مضاعفات شخصيّة. إضافة إلى كل ما سبق؛ فإن حياة المدمن تصبح خَرِبة، فتتأثر جُل عَلاقاته، حتى علاقته بعائلته! وقد تُدَمَّر نهائيًّا فيُطرد من عمله، ويفقد مصدر رزقه، يَفقد السيطرة على نفسه وانفعالاته، وقد تسوقه اضطراباته إلى القيام بالجرائم؛ من أجل الحصول على جرعاته المتأخرة. [5]

ما هي طرق علاج الإدمان؟

من المهم أن لا نغفل أن الإدمان مرض، أو حالة مزمنة لن يتم التعافي منها في غضون أيام، أو حتى أسابيع! بل تحتاج إلى فترة علاجية طويلة متتابعة.

الغرض من العلاج هو: الإقلاع عن ممارسة الإدمان، وتحرر الشخص من سطوة تلك الممارسات عليه، وجعل حياة الشخص أفضل وأكثر إنتاجية، وتحسين علاقته ببيئة معيشته، وعمله، ومجتمعه.

من الممكن أن نختصر خطوات التعافي في الآتي:

  • إزالة سموم المواد المخدرة من الجسم بالطرق الطبية المعروفة، والتقليل من أعراض الانسحاب المصاحبة للإقلاع عن التعاطي عن طريق الأدوية الموصوفة بواسطة الطبيب المختص.
  • جلسات العلاج الإرشادي، وتهدف إلى مساعدة المدمنين على التفكير بشكل سليم، وطريقة تعاملهم مع مشاكلهم، ودعمهم، وإمدادهم بالمهارات الحياتية اللازمة لتخطي الأزمة.
  • مراكز إعادة التأهيل، وهي تهدف إلى توفير البيئة اللازمة لدعم سَير خطوات العلاج بالشكل الصحيح، وتعزيز الإيجابية في تصرفاتهم، وتحسن علاقتهم بمن حولهم، والوضع تحت المتابعة المستمرة. [6]

المصادر:

1.ASAM Definition of Addiction [Internet]. [cited 2019 Dec 23]. Available from: https://www.asam.org/for-the-public/definition-of-addiction

 

2.Addiction: Definition, symptoms, withdrawal, and treatment [Internet]. Medical News Today. [cited 2019 Dec 23]. Available from: https://www.medicalnewstoday.com/articles/323465.php
3.Addiction: A Whole New View [Internet]. Psychology Today. [cited 2019 Dec 23]. Available from: http://www.psychologytoday.com/articles/199409/addiction-whole-new-view

4.Addiction: Risk factors for addictive disorders [Internet]. Medical News Today. [cited 2019 Dec 23]. Available from: https://www.medicalnewstoday.com/articles/323467.php

5.Addiction: Complications and consequences [Internet]. Medical News Today. [cited 2019 Dec 23]. Available from: https://www.medicalnewstoday.com/articles/323461.php
6.Abuse NI on D. Treatment Approaches for Drug Addiction [Internet]. [cited 2019 Dec 23]. Available from: https://www.drugabuse.gov/publications/drugfacts/treatment-approaches-drug-addiction

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي