يتعرض الكثير منا لآلام في الظهر أو المعدة، أو في الصدر أو العينين. نتردد على الأطباء مرارًا ونقوم بالتحاليل والفحوصات والأشعة، ولكن لا شيء! لا يوجد سبب عضوي لهذا الوجع، كل التحاليل والأشعة تدل على أنك سليم ولا يوجد خلل في أي عضو في جسمك. ثم يقول لك الطبيب “إنها مجرد نفسية”.. أيعقل أن كل هذه الأعراض لمجرد “النفسية”!
يقول الكاتب كريستوف أندريه في كتابه (تأمل يومًا بعد يومٍ)
هناك الجروح الجسدية الظاهرة، وهناك أيضًا جروح الروح، وحالات الضعف الناتجة عن الفقد، أو مآسي الماضي. إنها غير مرئية، ولكن مُسجلة في أرواحنا وأجسادنا. قد نعيها أحيانًا، وأحيانًا أخرى تكون نائمة. هذه الهشاشة تجعل منّا أُناسًا يعيشون بين عالمين؛ طبيعيين في الظاهر، ومريضين في السر.
عندما يكون الألم حقيقيًا تمامًا، ولكنك لست متأكدًا من مصدره، حينها يكون الألم مصدره الروح أو “النفس”.
السيكوسوماتية
كلمة “سيكوسوماتية” تتكون من مقطعين: الأول “سيكو” ويعني العقل أو النفس، والمقطع التاني “سوما” ويعني الجسد، أي أن المرض السيكوسوماتي هو المرض النفسي الذي يصيب العقل والجسد.
يشير هذا المصطلح إلى الأعراض التي يسببها الإجهاد النفسي والذي ليس له مصدر عضوي في الجسم. هل لاحظت أن قلبك ينبض سريعًا وأن العرق يزداد وتتنفس بسرعة شديدة وأنت خائف؟ أو عندما تشعر بالإحباط فتضغط على أسنانك أو عضلاتك. أو عندما تشعر بالحرج في مقابلة عمل لأول مرة، فيندفع الدم إلى وجهك.
حسنًا عزيزي القارئ، كفى توترًا وتذكرًا للأحداث المؤلمة، هذه فقط مجرد أمثلة على الأعراض التي أتحدث عنها.
ما هو الاضطراب النفس جسدي؟
يستخدم مصطلح “الاضطراب النفس جسدي” بشكل أساسي للإشارة إلى المرض الجسدي الذي يُعتقد أنه يؤثر على عقلية المريض. يستخدم المصطلح أيضًا عندما تسبب العوامل العقلية أعراضًا جسدية. في بعض الحالات لا يكون هناك مرض عضوي، فعلى سبيل المثال قد يكون سبب ألم الصدر هو الإجهاد ولا يمكن العثور على مرض عضوي.
قد يلعب عدد من العوامل دورًا في الاضطرابات النفسية الجسدية، مثل سمات الشخصية، والتأثيرات الوراثية أو البيئية العائلية.
وفقًا لبحث من جامعة ميشيغان، تشمل الأعراض النفسية الجسدية الشائعة لدى المراهقين ما يلي:
– آلام في المعدة.
– الصداع.
– ألم صدر.
– ألم في الأطراف.
– ألم في الظهر.
– صعوبة في التنفس.
أسباب الأعراض النفس جسدية
عندما لا تُنسب هذه الأعراض إلى أي نوع من الأمراض الجسدية، أو عندما لا يوجد سبب لهذه الأعراض في التحاليل والأشعة، غالبًا ما تكون نتيجة للتوتر. وغالبًا ما تكون نتيجة للقلق أو الاكتئاب أو الصدمة أو الغضب أو الإحباط أو أي نوع آخر من الاضطراب العاطفي المكبوت.
حينها تسأل نفسك: هل تمر بأي شيء صعب في الوقت الحالي؟ أي نوع من الأزمات؟
تُظهر الأبحاث أن المراهقين يصابون بأعراض نفسية جسدية عندما يواجهون:
– مشكلة في المدرسة.
– مشاكل مع الأصدقاء.
– الضغط الفردي.
– مشاكل عائلية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لوالديك لعب دور في صحتك العاطفية. تُظهر الأدلة أنه إذا كان والداك يعانيان من إعاقات جسدية أو عقلية، أو كانا مرضى أو يعانيان من مشكلات تتعلق بصحتهما العقلية، فقد يتسبب ذلك في إجهادك العاطفي أيضًا (حتى لو لم تدرك ذلك).
العقل والجسد مترابطان
يقول نيك لوفري، في مراكز العلاج المتطورة في سان خوسيه:
تؤثر العواطف بالتأكيد على الجسم.
“العواطف يمكن أن تسبب تجربة جسدية”. هل شعرت يومًا أن لديك “فراشات في المعدة” عندما تشعر بالقلق؟ هذا شيء حقيقي. قلقك يجعل أمعاءك تتقلب.
فيما يلي بعض المشاعر الشائعة وحالات الصحة العقلية والأعراض الجسدية المقابلة لها:
القلق: آلام في المعدة، غثيان، قيء، فقدان الشهية، كثرة الذهاب إلى الحمام، ألم في الصدر، سرعة دقات القلب، ضيق في التنفس.
الاكتئاب: تغيرات في أنماط الأكل والنوم، آلام في المعدة، انخفاض مستويات الطاقة، إرهاق متكرر، دوار، ضيق في التنفس، صعوبة في البلع، ألم في الصدر، الشعور بالفراغ أو “الفراغ من الداخل”.
الصدمة: اهتزاز/ارتعاش لا يمكن السيطرة عليه (رعاش)، صداع، قشعريرة، تسارع ضربات القلب أو الخفقان، إغماء، دوار، آلام في المعدة، قيء، نوبات هلع.
الخوف: ضيق التنفس، توتر العضلات، التشنجات، الغثيان، الشعور بالبرد، الإحساس بالاختناق.
العار / شعور بالذنب: آلام في المعدة، الشعور بالاختناق، الشعور بالتوتر والعصبية، وجه ساخن/أحمر.
الذهان / الفصام: التعب، آلام العضلات، توتر العضلات، الشعور بالضعف، هلوسة الذوق/الشم.
تشخيص المرض النفس جسدي
عندما تذهب إلى طبيبك مصابًا بأعراض جسدية، سيبحث أولًا بشكل عام عن تفسير عضوي لألمك. إذا لم يكن هناك سبب مادي واضح يمكنه اختباره بسهولة، فقد يكون التوصل إلى التشخيص وخطة العلاج أمرًا صعبًا.
عندما يحدث هذا، قد يشعر الناس أن الطبيب لا يأخذ أعراضهم على محمل الجد، أو يعتقد أن الشخص يختلقها، أو يقولون “هو بس بيتدلع”. عندما لا يتمكن طبيبك من العثور على سبب جسدي واضح لألمك (مثل الإصابة أو العدوى) فقد يسألك عن شعورك عاطفيًا أو عن أحوالك النفسية.
الجيد في الأمر أنه إذا أمكن تحديد مصدر التوتر يمكن معالجته (تمامًا كما ستعالَج من إصابة أو مرض). عندما يسألك الطبيب عن التوتر في حياتك فإنه لا يعني أن ألمك ليس حقيقيًا. الأعراض الناتجة عن الإجهاد الذي تشعر به في جسمك حقيقية جدًا، لكنها فقط ناتجة عن آلية مختلفة عن آلية المرض العضوي.
علاج الاضطرابات النفس جسدية
غالبًا ما يكون العلاج المعرفي السلوكي (CBT) هو العلاج المفضل للاضطرابات النفس جسديه. يُساعد هذا العلاج المرضى على تعلم طرق جديدة للتعامل مع مشاكلهم وحلها عندما يكتسبون فهمًا أعمق لحالتهم أو ظروفهم. سيتعلم المرضى أيضًا وضع أهداف واقعية للحياة وتحديد وتغيير السلوكيات أو الأفكار التي لها آثار سلبية على حياتهم.
قد يطلب منك طبيبك التحدث إلى أخصائي الصحة النفسية، ولكن هذا لا يعني أن أعراضك الجسدية تحتاج فقط إلى علاج نفسي، ولكن أيضًا في أثناء ذلك تحتاج إلى علاج الألم الجسدي والأعراض الأخرى الظاهرة جسديًا.
على سبيل المثال، إذا كنت تعاني من ألم في رقبتك فإنَّ تعلم كيفية التعامل مع مسببات التوتر يمكن أن يساعد بالتأكيد في منع حدوثه، ولكن الألم ليس فقط في عقلك.
في حين أن الأجهاد قد يبدأ في دماغك فيسبب سلسلة من المواد الكيميائية في جسمك والتي تسبب التهابًا في عضلات رقبتك، والذي بدوره يسبب لك الألم. وقد تحتاج إلى أدوية مضادة للالتهابات أو أي نوع آخر من العلاج، مثل التدليك والعلاج الطبيعي للسيطرة على الألم.
تشبيه آخر مفيد هو التفكير في المرض النفسي الجسدي كنهر يفيض بعد انهيار السد. الخطوة الأكثر أهمية لمنع المزيد من الفيضانات هي إصلاح السد. ومع ذلك، من الضروري أيضًا التعامل مع الفيضانات التي حدثت بالفعل أثناء إصلاح السد.
التعامل مع الضغوط
بمجرد معرفة كيفية التعرف إلى الوقت الذي تكون فيه متوترًا وتحدد مصادر التوتر في حياتك أو أي مصدر من مصادر التعب النفسي، فإن الخطوة التالية هي تعلم آليات التأقلم.. أولها (والأكثر أهمية) تجنب اختزان مشاعرك.
مثل حلة الضغط، سيخرج الإجهاد والتعب النفسي المكبوت في جسمك بطريقة أو بأخرى. أصح شيء يمكنك القيام به هو تطوير طريقة صحية مُسيطر عليها “للتنفيس” بدلًا من ترك التوتر يجد نقطة ضعف وينفجر.
أثناء عملك على تطوير آليات للتغلب على التوتر، تحقق من معرفة ما إذا كنت تستخدم أي آليات تأقلم غير صحية، مثل الإفراط في تناول الكحول.
هناك طرق لا حصر لها للتكيف الصحي، إنها مجرد مسألة العثور على أفضل ما يناسبك. إليك بعض الأفكار لتبدأ بها:
– كن صادقًا مع الآخرين (ومع نفسك أولا).
– الثقة في صديق.
– افعل شيئًا لطيفًا لشخص آخر (وتأكد من القيام بأشياء لطيفة لنفسك أيضًا).
– تناول نظامًا غذائيًا متوازنًا، ومارس التمارين الرياضية بانتظام، واخلق لنفسك مساحة نوم هادئة.
– اكتشف طرقًا جديدة وممتعة للتعامل مع التوتر.
– انضم لمجموعة دعم.
– تعلم تقنيات الاسترخاء.
– تخلَّ عن الأحقاد أو أنماط التفكير أو العلاقات غير الصحية أو غير المفيدة لك.
– خصص وقتًا للأنشطة الترفيهية التي تستمتع بها.
– خذ قسطًا من الراحة إذا كنت في موقف عصيب.
– والأهم من كل ذلك أن تحسن من علاقتك مع ربك وصلاتك.
تذكر أن كل شخص يتعامل مع التوتر بطريقته الخاصة. سيكون رد فعل شخصين في نفس الموقف المجهد مختلفًا تمامًا. بمجرد أن تفهم الطريقة الفريدة التي يؤثر بها التوتر عليك عاطفيًا وجسديًا، يمكنك العمل على تطوير طرق صحية وفعالة لإدارته.
مراجعة لغوية: هاجر زكريا.