الجميع يعاني الحزن بقدرِ طبيعيّ، لكن هناك فرق بين الحزن والاكتئاب، فالاكتئاب هو يأس شديد قد يستمر أيامًا مسببًا تعاسةً وآلامًا جسدية، وهو من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعًا في الولايات المتحدة، حيث مرّ نحو 6.7% من إجمالي البالغين هناك بمرحلة واحدة على الأقل من الاكتئاب الحاد وفقًا للمعهد الوطنيّ للصحة العقلية.
أسباب الاكتئاب وأعراضه
يُصاب الأشخاص بمرض الاكتئاب نتيجة مزيج من العوامل الوراثية، والبيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، والبيئية.
فعلى سبيل المثال، الأشخاص الذين لعائلاتهم تاريخ مع الاكتئاب، والأشخاص الذين يعانون أمراضًا مزمنة خطيرة مثل أمراض القلب أو السرطان هم أكثر عرضًة من غيرهم للإصابة بمرض الاكتئاب.
يؤثَّر الاكتئاب على الأشخاص بطرق عدّة، لكن معظمهم قد تكبَّدوا الأعراض التالية:
الحزن المطوّْل أو الشعور بالفراغ، والشعور بالعجز أو اليأس، والشعور بالذنب أو انعدام القيمة الذاتية، والغضب، والإعياء والأرق، والتهيُّج المفرط، وصعوبة في التركيز، واضطرابات النوم، وتغيُّرات الشهية، والآلام المزمنة، والصداع، وآلام المعدة، وفقدان الاهتمام بمختلف الأنشطة، والانسحاب بعيدًا عن الأصدقاء والعائلة، بالإضافة إلى أفكار انتحارية.
تخطِّي الاكتئاب
يخطئ الكثيرون في اعتقادهم أن الاكتئاب يستمر مدى الحياة، فهو مثله مثل غيره من الأمراض النفسية يتطلَّب معاملة مهنية محترفة ورعاية مناسبة؛ كي يتحسن المريض.
يمكن للأدوية المضادة للاكتئاب أن تساعد على الحد من الأعراض لدى بعض الأشخاص، وخاصةً المصابين بالاكتئاب الحاد، كما يُشكَّل العلاج المعرفيّ السلوكيّ وسيلةً فعالةً سواء أكان بمفرده أو بالاشتراك مع الأدوية الطبية، ومن أهم مميزات العلاج المعرفيّ أنّه يُكسِب الشخص مناعة دائمة ضد الأعراض المُحتمل عودتها بعد انتهاء العلاج.
ما يُقدِّمه المعالج النفسيّ لمريض الاكتئاب
يُساعد المعالجون النفسيون المرضى على التعافي من الاكتئاب -خاصةً في مرحلة الاكتئاب الخفيف إلى المتوسط- بعديد من الطرق أبرزها:
- تسليط الضوء على أحداث الحياة التي تسهم في تعزيز الاكتئاب، والمساعدة على إيجاد طرق لتغيير تلك الأحداث أو تقبٌّلها والتكيُّف معها.
- وضع أهداف واقعية يمكن تحقيقها في المستقبل.
- الحد من عمليات التفكير المشوَّهة أو السلوكيات غير المفيدة التي تُعزّز الشعور باليأس والعجز.
- تطوير المهارات اللازمة للتعامل مع أعراض الاكتئاب والمشكلات ومنع حدوث نوبات الاكتئاب المستقبلية.
يعمل المعالجون من كثب مع مرضاهم لإنشاء خُططٍ علاجية فريدة مخصصة لتلبية احتياجاتهم؛ لذا لا يوجد نهج معين لاتّباعهِ أثناء علاج الاكتئاب، والعلاج المعرفيّ يمكن أن يساعد المرضى على تعديل السلوكيات السلبية، وتعلُّم طرق التعامل مع التوتر وإدارة أعراض الاكتئاب الأخرى، بحيث ينتهي إلى التعافي والوصول بالمريض إلى أفضل حالة ممكنة.
الاكتئاب السنيمائيّ
يُشاع استخدام الاكتئاب موضوعًا رئيسًا في عديد من الأفلام الرائدة -رغم اعتباره من المحظورات فيما سبق- استخدامًا يضيء كمَّ المأساة التي يتسبّب فيها الاكتئاب من قلق، وعلاقات سيئة، وتجارب مؤلمة.
أحضرنا لك قائمة من الأفلام تشمل الاكتئاب الناجم عن الإدمان أو العجز أو الاضطرابات العقلية الأخرى، مثل: اضطراب ثنائيّ القطب أو انفصام الشخصية.
معظم أبطال أفلام القائمة من فئة الكُتّاب أو الفنّانين، ورغم أن بعض الأفلام قد تبدو كوميدية من منظورها الخارجي، إلا أنّها تهتم في المقام الأول بالواقعية والشخصيات بدلًا من القصص الدرامية التي تبرر الاكتئاب.
يمكنك الاطّلاع على القائمة من خلال الرابط أدناه:
http://www.tasteofcinema.com/2015/the-30-best-movies-about-depression/
ازدهار الأشخاص بعد الاكتئاب
يعتقد أغلب الأشخاص أن الاكتئاب حالة سلبية بحتة، لكن وجدت الدراسات أن أعراض الاكتئاب لدى 10% من المراهقين في الولايات المتّحدة قد تقلَّصت بشكل ملحوظ، ووصلوا إلى أوْج نجاحهم بعد 10 أعوام من الإصابة بالاكتئاب الحاد.
يشرح (جوناثان روتنبيرج) المُصدِر لمجلة (The Conversation) الباحث في جامعة (South Florida) كيف أهمل العلماء النتائج الإيجابية العديدة لدى مرضى الاكتئاب، ويخبرنا: “لقد وجدنا أفضل النتائج لعلاج مرضى الاكتئاب عندما تعمقنا في البحث، وللأسف نادرًا ما يُلتفَت إليها.”
أكدت التشخيصات السريرية وجود انخفاض في أعراض الاكتئاب والتوتر، لكن أشارت الدلائل إلى أن المرضى يطمحون إلى ما هو أكثر من ذلك كما يقول (جوناثان): “يريد مرضى الاكتئاب أن يتبادلوا البهجة والحب مع الآخرين، آملين أن يجدوا المغزى الذي يجعل نكسات الحياة أمرًا جديرًا بالتحمُّل والاهتمام.”
استندت الدراسات إلى تسعة عوامل: الحكم الذاتيّ، والتنمية الذاتية، والرضا، والعلاقات الإيجابية مع الآخرين، والدراية بالبيئة، وتقبُّل الذات، ومعرفة الغرض من الحياة، والتأثيرات الإيجابية والسلبية.
وُجِدَ أن نصف مجموع المصابين بالاكتئاب من العينة التي أُجرِيَت الدراسات عليها -نحو 120 من أصل 239- قد تعافوا إلى حدِِ كبير من الاكتئاب خلال السنة التاسعة من بعد إجراء الاختبارات، كما أن 10% قد وصلوا إلى أقصى مراحل ازدهارهم وتعافوا منه نهائيًّا.
يضيف (جوناثان): “مهمة الباحثين الآن هي اتِّباع هذه العلامات المفعمة بالأمل وجمعها بشكل منهجيّ للمساعدة على فهم كيفية ازدهار الأشخاص بعد الاكتئاب.”
تشير الدراسة إلى ضرورة الارتكاز على استراتيجيات تحسين الكفاءة الكلية للشخص وتجاوز الاكتفاء بمجرد التغلُّب على الأعراض؛ حيث يمكن بذلك تغيير طريقة تفكير المعالجين النفسيين حول التشخيصات المرتبطة بمرض الاكتئاب، وكيفية علاج المصابين به والتعامل معهم بأفضل شكل.
المصادر:
