الانتحار في الجيش: معركة جديدة لإنقاذ الحياة

young-caucasian-man-wearing-camouflage-260nw-1786675865

خلال تقريرٍ صحفي في مجلة التايم جو كلاين (Joe Klein) ذُكر أنه خلال شهر يناير كان عدد الجنود المنتحرين في الجيش الأمريكي أكبر من عدد الجنود الذين ماتوا بإطلاق النار عليهم، وضمت الدراسة المسحية أفغانستان والعراق مجتمعتين، بعدد 24 منتحرًا مقابل 16 قتيل، وللأسف فإن هذه الإحصائيات المقلقة ليست نادرة الحدوث، أو حتى تمثل صدمةً للناس، حيث إن هذا الأمر المؤلم متواجد منذ فترة، فقد وصل عدد المنتحرين إلى الضعف خلال الخمس سنواتٍ السابقة، وهذه زيادةٌ مرعبةٌ جعلت من الانتحار موضوعًا لا يمكن أن يتغاضى عنه الجيش، ويبدو الفزع وعدم التصديق هما ردّا الفعل المناسبين عند سماع هذه الأخبار، وهزّ الرؤوس في ضيقٍ عند سماع مثل هذه الأخبار، والتساؤل في صمت لماذا يحدث كل هذا؟ وكيف نستطيع إيقافه؟ وسوف نحاول في هذا المقال تناول الأمر والإجابة عن هذه الأسئلة.

أولًا، ما الذي يدفع هؤلاء المجندين من الرجال والنساء لإنهاء حياتهم؟ إنه ليس سرًا أن الظروف الحرجة والصعبة في الحرب يمكن أن يكون لها تأثيرها النفسيّ على الصحة العقلية للفرد، حيث يتعرض المجندون المجهدون لإفرازات المواد الكيميائية في الدماغ، تلك التي تؤثر على حالتهم المزاجية، وعلى اندفاعهم، مما يجعل من المحتمل أن يكون لهم ميولٌ انتحارية.

عندما يفكر شخص في الانتحار فإنه يكون في حالةٍ خالصة يواجه فيها أفكارًا شديدةً من انتقاد الذات، وغالبًا ما تخبره هذه الأفكار بأنه غير جيد، أو أنه غير مهم أو أنه لا ينتمي لأحد، غالبًا ما يتعرض الجنود لأفكار الفشل والضعف وإلقاء اللوم على أنفسهم، والسلوك أو التوجه العام للجيش أن تخضع اهتمامات الفرد للهدف الأعظم للوحدة، وهذا قد يشارك في شعور الفرد باليأس وقلة احترام الذات.

ويتأثر كثيرًا الجندي الذي كان لديه صدمات في الماضي أو قلق لم يستطع حلّه أو التعامل معه بجروح الحرب أكثر من غيره، ويكون أكثر عرضةً لاضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية، فمن الممكن أن العديد من الجنود الذين يحاربون في العراق وأفغانستان هم أكثر عرضةً لهذا الخطر، حيث إن تحت حكم الرئيس بوش كانت عمليةُ فحص الجنود حسب ملائمة صحتهم العقلية عمليةً ضعيفةً وغير فعالة، وذلك لتلبية الاحتياجات المتزايدة للجنود، ومن المحتمل مع وجود هذا الخليط، أنه يتم قبول بعض الجنود على الرغم من مشاكل الصحة العقلية لديهم، وعندما يتعرض أحد الجنود -الذين يعانون من الاضطرابات العاطفية أو سريعي التأثر بها- إلى موقف يحتوي على ضغوطات شديدة، فإن هذا يعد وصفةً لكارثة بالنسبة له.

بالإضافة إلى ما سبق فإن الجنود يُنقلون باستمرار، ويتعرضون مرّات أخرى لأهوال الحرب، التي بطبيعتها غير مألوفةٍ عند العامة من الناس، ولا يقتصر تأثير هذه الدورة المدمرة فقط على ميدان الحرب، ولكن أيضًا تؤثر عليهم عندما يعودون للمنزل، حيث يؤثر الغياب الطويل وكذلك تغيّرات الشخصية على علاقاتهم ويجورون عليها، ويرفع هذا الخليط من العوامل مستويات الإجهاد والاكتئاب لدى الجنود، حيث إنهم يعلقون آمالهم على نهاية لا تأتي، أو لا تكون النهاية كما يطمحون.

إذن ما الذي نستطيع فعله الآن؟

قبل كل شيء، يجب أن نعلم أولًا أن أي شخص يدخل أو يخرج أو يخدم -في وقتنا هذا-  في الجيش فهو معرض لخطر الانتحار، ويستخدم مركز والتر ريد الطبي العسكري Walter Reed Army Medical Center تقييم فاير ستون لمعرفة الأهداف الانتحارية Firestone Assessment of Suicidal Intent أو FASI وهو عبارةٌ عن مقياسٍ قامت بتطويره الدكتورة ليزا فايرستون Lisa Firestone كاتبة المقال، والدكتور روبيرت فايرستون Robert Firestone، و جويس كاتليت Joyce Catlett من جمعية جليندون The Glendon Association ويعتمد هذا المقياس على اختبار خطر الانتحار للأشخاص، من المهم أيضًا إجراء عملية الفحص، وذلك لأن بعض الجنود الذين لديهم مشاكل ربما يكونون مترددين في طلب المساعدة سواءً من زملائهم في الجيش أو رؤسائهم، وكما كتب الدكتور ديفيد رود David Rudd

«إن الجيش ليس من ثقافته احتضان الضعف أو المرض، فهذا مناقض لمفهوم وجودِ قوات قتال فعالة، ربما هذه الحقيقة ليست فقط ما تفسر تزايد نسبة الانتحار، ونشير إلى أنه ازدادت نسبة الانتحار في الجيش الأمريكي بمقدار 40% من 2007 إلى 2009، وهذا يتطلب من الجيش على الرغم من جهوده أن يتعامل مع الأمر بابداع.»

من الحلول الفعالة في هذا الأمر توفير المساعدة العاجلة والتدخل لإنقاذ من يعانون من المشاكل، يجب أن يتحدث المعالجون مع الجنود سريعي التأثر الحساسين مباشرة عن الأفكار الانتحارية ودوافعها، ويجب أن يتناول هذا العلاجُ المشكلةَ الأساسية التي تؤدي إلى السلوك الانتحاري، ولقد تعلمنا من القوات الجوية التي قامت باعتراض مشكلة الانتحار والوقوف عليها منذ سنوات مضت، ولقد نجح هذا الأمر بشكلٍ كبير في خفض معدل الانتحار، وعندما يعمل كل من المعالج والمريض بطريقة تعاونية بدلًا من النموذج الهرمي الموجود في الجيش، فإن ذلك من المحتمل أن يقلل نسبة الانتحار، إن على أي شخص يتعامل مع الجنود الذين يفكرون في الانتحار أن يُبقي في ذهنه أن هؤلاء الأشخاص ربما لديهم فرصةً واحدة فقط للتدخل لإنقاذهم، وعندما نقابل أو نصادف شخصًا يفكر في الانتحار، فإنه من المفيد مساعدته في وضع خطة تضمن أمانه، وتتضمن هذه الخطة:

  • البحث عن الأشياء التي تحدث طبيعيًّا في حياة هذا الجندي وتجعله يشعر بالتحسن، مثل نشاطٍ يستطيع الانخراط فيه أو أناسٍ يقضي معهم وقته، أو أصدقاءٍ يتحدث إليهم.
  • الطلب من هذا المجند أن يلتزم بهذه النشاطات، قبل أن يُقدم على إيذاء نفسه.
  • تزويد هؤلاء الجنود بوسائل اتصال مع معالجيهم.
  • مساعدة هؤلاء الجنود لتتبع الأسباب التي تحفز الأفكار الانتحارية، وما الذي يزيد إحساسَهم باليأس، فعندما يكتشف الجنود جذور أفكار كراهيتهم لنفسهم، تلك التي تدفعهم إلى السلوك الانتحاري، فإنه ينمو لديهم إحساسٌ إيجابيّ، ويشعرون بالراحة تجاه أنفسهم، ومن المهم تذكيرهم بأن حيواتهم ذات قيمةٍ ومعنى، فالهدف هنا هو إعطاؤهم الأمل ليشعروا بالتحسن، وكذلك تزويدهم بالأدوات التي يحتاجونها ليتمكنوا من رؤية المستقبل بشكل إيجابيّ.

أخيرًا، يُتوقع وجود نسبةٍ تصل إلى 30% من جنود الجيش الأمريكي تتكون لديها مشاكلٌ عقليةٌ خطيرة في خلال ثلاثة إلى أربعة أشهر من عودتهم إلى منازلهم، حيث إن الجنود العائدة من العراق أو أفغانستان يبدأ معهم صراعٌ جديد من الاندماج مع أسَرهم ومجتمعاتهم، وعند حدوث هذا يجب أن نبحث عن العلامات التي تحذرنا من وجود خطر الانتحار، ومعرفة كيف نساعد هذا الشخص الذي يريد الانتحار، ومن أهم الأفكار التي يجب إيصالها لهؤلاء الجنود، أنه مهما تفاقم الألم الذي يشعرون به، فالعلاج موجود، وعلى الرغم من شعورهم بالذنب أو العار أو الخزي تجاه أنفسهم، فمن الممكن أن يشعروا بالتحسن.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي