صدق أو لا تصدق، أول اكتشاف علمي لتحفيز الأعصاب والعضلات ظهر عام 1790م، عندما قام جاليليو وفولتا بتجاربهما على الكهرباء الحيوية «Bioelectricity»، وأكتشفوا أن الأعصاب ليست كأنابيب المياه كما قال ديكارت! ولكنها مثل الأسلاك الكهربائية تحمل المعلومات داخل الجهاز العصبي.
وضع بعد ذلك مايكل فاراداي مبادئ الحث الكهرومغناطيسي وذلك أثناء محاولاته لاستثارة المخ والأعصاب؛ لكنه فشل في ذلك لعدم توافر التكنولوجيا اللازمة للتحكم بسرعة وقوة المجال الكهرومغناطيسي آنذاك.
تحقق ما أراده فاراداي بظهور أول جهاز للتحفيز مغناطيسي عبر الجمجة «Transcranial Magnetic Stimulation» عام 1985م، ومنذ ذلك الوقت تم فتح الباب على مصراعيه لاكتشاف الكثير من الإجراءات التشخيصية والعلاجية لأمراض عصبية عديدة، وكان لمرض الاكتئاب الحظ الوفير من الدراسة والبحث من خلال هذا الإكتشاف.
اعتمدت منظمة الغداء والدواء «FDA» جهاز «®NeuroStar»، أول جهاز للعلاج بالتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة لمرضى الاكتئاب الذين لم يستجيبوا للعلاج الدوائي في عام 2008م، وفي عام 2010م، قام المعهد الدولي للصحة العقلية بإجراء أكثر من 30 دراسة عشوائية منشورة عالميًا، أُثبت فيها كفاءة جهاز «TMS» في علاج الاكتئاب، واعتبر هذا العلاج هو الحل السريري الأكمل للاكتئاب، ومن احصائيات الدراسات أن 11% فقط من المرضى الذين تم علاجهم من الاكتئاب بجهاز «TMS» انتكسوا، و85% منهم وصلوا إلى العلاج التام.
لماذا الاكتئاب؟
يصيب مرض الاكتئاب أكثر من 350 مليون شخص في العالم طبقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية «WHO»، ويعتبر الاكتئاب هو السبب الرئيسي للإعاقة النفسية والذهنية. وعلى الرغم أن العلاج الدوائي يقلل من حدة أعراض الاكتئاب، لكن المريض لم يصل إلى مرحلة الرضا والعلاج الكامل، كما أن معظم المرضى يتوقفون عن تناول هذه الأدوية قبل نهاية برنامجهم العلاجي بسبب عدم القدرة على تحمل الأعراض الجانبية للأدوية. لكن عند اختبار جهاز «TMS» كان أكثر كفاءة وأمنًا، خاصة لمرضى الاكتئاب الأساسي «Major Depression».
كيف يعمل جهاز «TMS»؟
نظام هذا الجهاز يعتمد على تغيير قوة وسرعة المجال الكهرومغناطيسي للتحكم في الجرعة المطلوبة، وصُمم الملف المفناطيسي بشكل منحني أو نصف دائري ليتناسب مع وضعه على الرأس، ويمكن التحكم بسهولة في تركيزه على المنطقة المستهدفة من خلايا المخ. وهناك أكثر من منطقة بالمخ ترتبط بتغيرات المزاج لمرضى الإكتئاب، وهذه المناطق تنخفض فيها نشاط الإشارات العصبية بسبب انخفاض عدد الموصلات العصبية أو خمولها، والذي بالتالي يسبب خمول في هذه المناطق من المخ والتي تؤثر على نشاط الشبكة العصبية المخية.
يمكن التحكم في عدد الموصلات العصبية أو نشاطها كهربيًا من خلال جلسات العلاج الكهربي «Electrovulsion Therapy»، أو كميائيًا من خلال الأدوية المضادة للاكتئاب «Antidepressants».
يمثل العلاج الدوائي أو الكميائي العلاج التقليدي للاكتئاب لزيادة عدد الموصلات العصبية، ولكنها تسبب العديد من الأعراض الجانبية على المخ وأعضاء الجسم الأخرى، مثل: الأرق، والإرهاق، وزيادة الوزن، والغثيان، وغيرها. وعلى عكس العلاج بالكهرباء الذي يستلزم تحضير طبي، ورعاية قبل وبعد التخدير، والآثار الجانبية من احتمالات فقدان الذاكرة أو نزيف بالمخ؛ فإن التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة لا يحتاج لأي تجهيزات طبية، ويستمر لحوالي نصف ساعة يقوم فيها المريض بعمل أي نشاط يرغب به أثناء الجلسة، كسماع الموسيقي مثلًا.
للتيار الكهرومغناطيسي قوة كافية لتحفيز الخلايا العصبية على استخراج الموصلات العصبية من الشق العصبي «Nerve Synapse» عن طريق زيادة جهد الفعل أو «Action Potential»، وهو التحفيز الكهربي المسبب لانتقال الإشارات العصبية من وإلى الخلايا العصبية، كما أظهر التصوير الإشعاعي للأعصاب تغيرات في نشاط أنسجة القشرة المخية المتأثرة مباشرة بالجهاز؛ بل أيضًا تغيرات ملحوظة في المناطق الأخرى العميقة بالمخ المتعلقة بتنظيم المزاج «Mood Regulators»، هذا يعني أن التحفيز المغناطيسي يؤثر على المنطقة المستهدفة من المخ والمناطق العميقة المرتبطة أيضًا بنفس الوظيفة.
ما هي طبيعة جلسات جهاز «TMS»؟
يحدد الطبيب قوة المجال الكهرومغناطيسي كما يحدد عدد الجلسات، وقد يحتاج المريض إلى جلسات تنشيطية«Booster Sessions» لمنعه من الانتكاس. الجلسات تكون شبه يومية لمدة شهر ونصف تقريبًا، والأعراض الجانبية التي قد يشعر بها المريض أثناء الجلسة تختفي فور انتهائها، وهي: الشعور بطرق خفيف على الرأس تسببها النبضات الكهرومغنيطسية الملامسة للرأس، قد يسبب هذا عدم الارتياح، وقد تظهر تأثيرات موضعية قرب المنطقة المستهدفة من المخ مثل ألم بالعينين أو الأسنان والوجه والجلد، وقد يصاحبة رعشة في عضلات الوجه.
لمزيد من التوضيح بطريقة عمل جهاز «®NeuroStar» انقر على هذا الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=Izin3jTKNik
لمزيد من المقالات في الطب النفسي تابعنا على هذا الهاشتاج:
#الطب_النفسي_مع_الباحثون_المصريون
ترجمة : Maria Abd Almasseh
مراجعة علمية: Nabila Baghdady
مراجع لغوي: Mohammad Marashdeh
المصادر:
Can magnets cure depression? [Internet]. [cited 2016 Jan 12]. Available from: http://www.apa.org/monitor/2015/02/magnets.aspx
A history of Transcranial Magnetic Stimulation [Internet]. [cited 2016 Jan 12]. Available from: http://tmsneuro.com/medical-articles/a-history-of-transcranial-magnetic-stimulation/