(التحليل الطيفي بالرنين النووي المغناطيسي Nuclear Magnetic Resonance Spectroscopy) أو «NMR»
أصبح الأسلوب الأهم في الكشف عن بنية المركبات العضوية لأنه يمكن أن يدلنا على شكل المركب العضوي بالكامل في خطوة واحدة، يستخدم أيضًا في الكيمياء الغير عضوية والكيمياء الحيوية حيث تقدم معلومات عن أشكال المركبات.
من المعروف أن الإلكترون يحمل شحنة سالبة ويمتلك حركة الدوران المغزلية حول محوره مع اتجاه عقارب الساعة أو عكسها وتسمى تلك الحالتين +½ (عدد كم مغزلي علوي up spin) و-½ (عدد كم مغزلي سفلي down spin) ونتيجة لتلك الحركة ينشأ للإلكترون مجال مغناطيسي، وأيضًا نواة الذرة تحمل شحنة وتمتلك حركة دوران مغزلية حول محورها. الذرات التي لها عدد ذري فردي تنشئ مجال مغناطيسي مثل نواة ذرة الهيدروجين H1 ونظير ذرة الكربون C13 حيث أن لأنوية تلك الذرات عدد كم مغزلي +½ و -½ مشابه لحالة الإكترون.
في غياب مجال مغناطيسي خارجي تكون محاور الدوران موجهة بشكل عشوائي. أما عند تطبيق مجال مغناطيسي خارجي مثلًا على عينة من مادة عضوية تحتوي على ذرات الهيدروجين، تتجه محاور أنوية ذرات الهيدروجين من الحالة العشوائية إلى احتمالين: إما في اتجاه المجال المغناطيسي وتسمى بحالة الفا (α-spin state) وهى الحالة الأكثر استقرار وأقل طاقة، أو عكس المجال المغناطيسي وتسمى بحالة بيتا (β-spin state) وهى الحالة الغير مستقرة وتحتاج طاقة أعلى. الفرق في الطاقة بين حالتي الفا و بيتا يعتمد على المجال المغناطيسي الخارجي ويزيد بزيادته. عند تعريض العينة في تلك الحالة لإشعاع بطاقة تساوي الفرق بين الفا و بيتا يتم إثارة و تغيير اتجاه بعض الأنوية من الحالة الفا إلى الحالة بيتا. وعندما تفقد تلك الانوية الطاقة التي اكتسبتها على هيئة إشعاع لترجع لحالتها الاصلية في اتجاه الفا. يتم رصد تلك الأشعة المفقودة من خلال جهاز الـ «NMR Spectrometer» ليرسم علاقة بين ترددها على المحور الأفقى وشدتها على المحور الرأسي. من قراءة ذلك الرسم يمكن معرفة شكل المركب في العينة ويسمى الرسم ( طيف الرنين النووي المغناطيسي NMR spectrum).
من المتوقع ظهور قمة أو إشارة واحدة فقط على الرسم إذا كانت جميع أنوية ذرات الهيدروجين في العينة تتعرض لنفس المجال المغناطيسي الخارجي ولنفس طاقة الإثارة. ولكن لحسن الحظ فإن كل ذرة هيدروجين في المركب تشعر بالمجال المغناطيسي بشكل مختلف عن باقي الذرات. فإن (المجال المغناطيسى الفعال effective magnetic field) الذي تشعر به نواة الذرة لا يساوي بالضبط المجال المغناطيسي الخارجي ويختلف من ذرة إلى أخرى على حسب مقدار حجب الإلكترونات لها عن المجال المغناطيسي الخارجي (shielding). بمعنى أنه كلما كانت النواة مغلفة بسحابة إلكترونية كثيفة (more shielded) سيكون تأثرها بالمجال المغناطيسي الخارجي ضعيف. والعكس صحيح فكلما كانت كثافة الإكترونات حولها قليلة (less shielded) سيكون تأثرها بالمجال الخارجي كبير.
تم الاتفاق على مركب يسمى بـ «tetramethylsilane» أو (TMS) ليكون هو نقطة الصفر حيث أن جميع ذرات الهيدروجين فيه تكون مغلفة بكثافة عالية جدًا من الإلكترونات وأعلى من أي مركب عضوي أخر وتم الاتفاق على اعتبار أن درجة تأثره بالمجال المعناطيسي الخارجي صفر؛ وبالتالي أي مركب عضوي أخر يتم تحليله تظهر ذرات الهيدروجين فيه متأثرة بالمجال الخارجي بدرجات متفاوتة كلها أكبر من الصفر ويتم قياس بعدها عن نقطة الصفر بما يسمى بالإزاحة الكيميائية (chemical shift) بوحدة الـ ppm.
كلما كانت النواة محاطة بكثافة إلكترونية أعلى تظهر الإشارة على شكل قمة عند إزاحة كيميائية أقل والعكس صحيح. ثم من أماكن ظهور القمم و شكل القمة نفسها يمكن التعرف على شكل المركب.
ولفهم كيفية فعل ذلك نأخذ مثال «NMR spectrum» لمركبين (1-chloropropane) و (2-chloropropane) وكيفية التفريق بينهم من خلال الـ NMR.
ويكون شكل رسم (1-chloropropane) كالتالي:
الإشارات الناتجة من ذرات الهيدروجين الموجودة على الكربون A تظهر على الرسم عند أعلى إزاحة كيميائية تساوي3.5 ppm وهي منقسمة إلى ثلاث قمم، تليها الإشارات الناتجة من ذرات الهيدورجين على الكربون B عند إزاحة تساوي 1.8ppm وهي منقسمة إلى 6 قمم، وأخيرًا الإشارات الناتجة من الكربون C تظهر عند إزاحة صغيرة تساوي 1 ppm وهي منقسمة إلى ثلاث قمم. والتفسير كالتالي:
إن أهم العوامل التي تؤثر على الكثافة الإلكترونية هو وجود ذرة ذات سالبية كهربية عالية (وهى ذرة الكلور في هذا المثال) تقوم بسحب الإلكترونات من ذرات الهيدروجين المجاورة وبالتالي تخفف الكثافة الإلكترونية عنها وتجعلها تظهر عند إزاحة كيميائية كبيرة. فنلاحظ على الرسم أن ذرات الهيدروجين على الكربون C تظهر بإزاحة عالية نتيجة قربها من ذرة الكلور، يليها الهيدروجينات على كربون B فتظهر على إزاحة أقل لأنها أبعد عن الكلور، وأخيرًا ذرات الهيدروجين على كربون A تكون صاحبة أقل إزاحة لأنها بعيدة جدًا عن تأثير الكلور الساحب للإلكترونات.
أما بالنسبة لعدد القمم فذلك نتيجة ما يسمى بالاقتران أو الـ (coupling). ببساطة فإن كل نواة هيدروجين على كربون معين تتأثر أو تقترن بنواة الهيدروجين الواقعة على الكربون المجاورة لها ونتيجة لذلك تنقسم الإشارة إلى عدد من القمم.
وبأخذ المثال السابق للتوضيح فمثلًا إشارات الهيدروجين على كربون A نجدها منقسمة إلى ثلاث قمم، وعدد القمم يحكمه قانون بسيط وهو n+1 حيث أن n هو عدد الهيدروجينات على الكربون المجاور.
بمعنى أن الكربون B وهو الكربون المجاور يحتوي على ذرتي هيدروجين، وبتطبيق القانون تظهر إشارات الهيدروجين الموجودة عند كربون A منقسمة لثلاث قمم. أيضًا إشارات الهيدروجين على كربون C تظهر على شكل ثلاث قمم لنفس السبب.
أما بالنسبة للإشارة B تظهر منقسمة ل 6 قمم وذلك لأنها مجاورة لكل من كربون A و C، فتقوم هيدروجينات كربون A بتقسيمها وفقًا للقانون إلى أربع قمم ثم تقوم هيدروجينات كربون C بتقسيم كل قمة من الأربعة إلى ثلاث قمم لتكون النتيجة هي 12 قمة. ولكنها تظهر على الرسم 6 وليست 12 وذلك بسبب كون القمم تتداخل مع بعضها البعض. جدير بالذكر أن عدد القمم الظاهرة في حالة مجاورة أكثر من ذرة كربون تحمل هيدروجينات يعتمد على عامل يسمى بمعامل الاقتران أو coupling constant وهو عامل يمثل مدى تأثر أنوية الهيدروجين ببعضها البعض.
بفهم ما سبق يمكن بسهولة فهم NMR spectrum لمركب 2-chloropropane وفهم الفروق بينه و بين ما سبق كالتالي:
ذرتي الكربون على الأطراف هنا تقع على نفس البعد من ذرة الكلور، وبالتالي يقع عليهم نفس التأثير ويأخذون نفس الحرف A؛
بمعنى أن الـ6 هيدروجينات الواقعة على الكربونات A على الأطراف لهم إشارة واحدة على الرسم وتظهر عند إزاحة كيميائية صغيرة نتيجة بعدها عن الكلور نسبيًا. وتظهر منقسمة إلى قمتين.
بينما الكربون رقم B يحمل ذرة هيدروجين واحدة والإشارة تظهر عند إزاحة كيميائية كبيرة نتيجة قربها من ذرة الكلور. ومنقسمة إلى 7 قمم.
بتطبيق القانون n+1 يمكن تفسير عدد القمم. حيث أن هيدروجينات الكربون A مجاورة للكربون B التي تحمل ذرة هيدروجين واحدة وبالتالى تظهر منقسمة إلى قمتين فقط.
بينما ذرة الهيدروجين على كربون B مجاورة لمجموع 6 هيدروجينات من كربونات A، وبالتالي تظهر الإشارة منقسمة إلى 7 قمم صغيرة.
إعداد: Mohamed Jimmy
مُراجعة: Muhammad Mossad
المصادر:
Silverstein – Spectrometric Identification of Organic Compounds 7th ed \ Chapter 3