عانت الشعوب في أوروبا العصور الوسطى من اضطرابات عديدة، فقد كانت فترة العصور الوسطى المبكرة من القرن الخامس إلى القرن العاشر شديدة الفوضى لدرجة أن الناس أطلقوا عليها فيما بعد مصطلح «العصور المظلمة»، لكن ذلك لم يمنعهم من الاستمتاع بما يقتطعونه من أيامهم في الترفيه والترويح؛ وفي السطور التالية نتناول أهم أشكال الترفيه في تلك الفترة الزمنية:
ألعاب الألواح في العصور الوسطى
كانت ألعاب الألواح أو الطاولة أشكالًا مثالية للترفيه، لأنها لم تجعل عقلك حادًّا فحسب، بل يمكن لَعِبها في أي مكان وفي أي وقت. وكانت الألعاب التي تُستخدم فيها الطاولات أو الألواح شائعة جدًّا في هذا العصر، حيث كان الشِطْرَنج هو الأكثر انتشارًا بعد أن جُلِب من بلاد فارس إلى أوروبا في القرن التاسع الميلادي، وأصبح رائدًا لألعاب الطاولة أو الألواح في تلك الفترة الوسيطة من التاريخ الأوروبي(1). وشملت الألعاب الأخرى المقامرة بالنرد، وخداع الرجل الكفيف، والداما (وسُميت أيضًا الضامة، وهي لعبة لوحية شعبية تُلعب بين شخصين فقط على لوحة تحمل مربعات، وباستعمال قطع على شكل أقراص)، وهناك أيضًا لعبة سباق الخيل، ولعب الورق(2).
الترفيه والتنزه في الهواء الطلق والساحات
كان هناك الكثير من الأنشطة وأشكال الترفيه التي يقومون بها في الهواء الطلق، بما في ذلك لعب الرماية والمبارزة والمصارعة ورمي المطرقة والأوعية ورمي حدوة الحصان (كانوا يلقون بحدوات الأحصنة على هدف) (1). وفي بعض المناطق، لعبوا نسخًا مبكرة من كرة القدم أو الكريكيت أو البولينج أو الجولف، وقد سُميت لعبة البولينج في العصور الوسطى باسم لعبة «Bocce»، وكانت تتكون مجموعة البوتشي تلك من تسع كرات إحداهن «كرة مستهدفة» صغيرة تسمى بالينو وثماني كرات بوتشي (أربع كرات من لونين مختلفين). وفي هذه الفترة؛ كانت كرات البوتشي خشبية في العادة، وحجمها يقارب حجم جوز الهند. وأيضًا هناك لعبة قاعدة السجناء، ولعبة خدعة الرجل الأعمى (وتسمى كذلك هودمان الأعمى)(3)، وعُرِفت رياضة كرة القدم في شكلها بالقرون الوسطى باسم لعبة «Gameball»، ولم تكن لهذه اللعبة قواعد محددة سوى وجود فريقين وهدفين وكرة واحدة(2).
الصيد
كان الصيد رياضة النبلاء في المقام الأول، فيجتمع العديد من النبلاء معًا لمطاردة الطيور في الأراضي المحلية أو تلك الأراضي الخاضعة لسلطان هؤلاء النبلاء، فكانوا يركبون الخيول في حين تطارد كلابهم المدربة الفريسة، وكثيرًا ما كانوا يستخدمون الطيور الجارحة المدربة مثل الصقور في أثناء عمليات القنص أو الصيد البري(1).
الموسيقى في العصور الوسطى
تأثرت الكثير من الموسيقى الأوروبية في العصور الوسطى بتعاليم الكنيسة الكاثوليكية. وكان جزءًا كبيرًا من تأثير الموسيقى واستخدامها في المقام الأول يخدم الطقوس الوثنية، وبصرف النظر عن الآلات التي كانت تُعزف في الكنيسة، فقد كان حب البلاط ومدح الملك أو الحاكم موضوعًا رئيسًا في احتفالات الموسيقى في العصور الوسطى. ومن أشهر الآلات الموسيقية المعروفة في تلك الفترة، كان الصنج (آلات موسيقية إيقاعية) والقيثارة، والمزامير، والأبواق، والتوباس (آلة موسيقية من النحاس). واشتهرت آلة أخرى في العصور الوسطى عُرفت باسم هوردي-غوردي (آلة وترية تصدر صوتًا بواسطة عجلة تُدحرج باليد ومُزودة بفتحة على الأوتار).
وكان فنَّانو تلك الآلات في العصور الوسطى يُعروفون باسم التروبادور(1)، والتروبادورز هؤلاء هم رجال يسافرون من مدينةٍ إلى أخرى يُغنون ويعزفون الموسيقى التي تحكي قصصًا رومانسية عن الفرسان والأبطال، وقد أصبح العديد من رجال التروبادور هؤلاء مشهورين جدًّا لدى الملوك والملكات(2).
المعارض
كانت للمعارض المحلية انتشارًا ونجاحات كبيرة في العصور الوسطى، حيث تُنصب الخيام والأكشاك وتُباع أشياء مختلفة مثل الطعام والحرف اليدوية، كالكثير من معارض ومهرجانات اليوم(4).
ترفيه الأثرياء في العصور الوسطى
تتمحور أشكال الترفيه لدى الأثرياء في حلقات المبارزة والأعياد أو الولائم، أما المبارزة فهي أكثر أشكال الاحتفال والترفيه لدى النبلاء في العصور الوسطى وبخاصة الفرسان منهم، وتتشكل تلك اللعبة من فارسين يركضان بأقصى سرعة تجاه بعضهما بعضًا بالرماح في متناول اليد، في انتظار معرفة من سيُسقِط الآخر من حِصانه(4).
أما الأعياد والولائم فكانت أيضًا مشهورة بين الأغنياء. واستمرت أشكال الاحتفال بتلك الأعياد أو الولائم معظم الليل حتى ساعات الصباح الباكر، وخلال تلك الساعات؛ يُقدّم المنشدون والتروبادور والأكروبات وآكلو النار والمشعوذون أشكالًا متنوعة من الغناء، وكان الرقص شكلًا مهمًّا من أشكال الترفيه في تلك الساعات يشترك فيه الفرسان كثيرًا(1). ولكن لم يقتصر الرقص على تلك الطبقة من الأثرياء فقط؛ فقد كانت رقصات السلسلة تحظى بشعبية كبيرة لدى عوام الناس في العصور الوسطى، وكان ذلك النوع من الرقص فرصةً مثالية للتعرف إلى كلِ شخص في القرية(4)!
مظاهر الترفيه عند الأطفال في العصور الوسطى
شمل الترفيه أيضًا الأطفال؛ فلعب الأطفال أيضًا الشطرنج أو لعبة الطاولة التي تختبر عقولهم وألعابهم الرياضية الأخرى التي تختبر قدراتهم البدنية، وغالبًا ما كانوا يتنافسون معًا في هذه الألعاب. و كانت الرماية لعبة شائعة أخرى لدى الأطفال، كذلك لعب الأطفال بالدُمى أو بأشياء أكثر ذكورية إذا كانوا صبيانًا، كما عَلَّمَت الأمهات الفتيات الخياطة والطهي(1)، وقد صارع الأطفال وسبحوا وصادوا ولعِبوا لعبة كانت عبارة عن مزيج بين التنس وكرة اليد (3).