قام فريقٌ دولي يتألف من 31 باحث في شأن مرض ألزهايمر بنشر مقالٍ افتتاحي يَحثُّ فيه المجتمع العلمي على تغيير نمط تفكيره بشأن ألزهايمر. كانت الرسالة واضحة، فبعد عقدٍ من المحاولات الفاشلة لعلاج المرض والوقاية منه، قد يكون حان الوقت لإعادة النظر في الدليل القائل أن ألزهايمر قد ينتشر عبر الميكروبات.
لمَّحَت الافتتاحية بشكلٍ خاص إلى فيروس (الهيربس Herpes) وهو نوع من الفيروسات المُسبِّب لنوعٍ من القروح حول الفم واللثة يُسمَّى (cold sores)- وإلى نوعين من البكتيريا، حيث تم إرجاع سبب مرض ألزهايمر بالفعل إلى علاقةٍ بوجودهم.
لا تُعَدّ هذه المرة الأولى التي يشتبه العلماء فيها أن الفيروسات والبكتيريا تستطيع لعب دورٍ في التسبب بالإصابة بمرض ألزهايمر. حيث أظهرت دراسات سابقة ميل الأشخاص المصابين بالمرض إلى أن يكونوا أكثر عرضةً للعدوى بميكروبات معينة وتتضمن أنواعًا من الفطريات، وذلك أكثر من بقية الناس.
إلا أن محاولات توطيد هذا الرابط بين المرض وبين وجود البكتيريا والفيروس قد باء بالفشل. لذا، فإن الفرضية السائدة حتى الآن هي أن مرض ألزهايمر يحدث حين تتراكم طبقات بروتينات (الأميلويد-(Amyloid اللزِجة وتتجمع بروتينات (تاو-Tau) في المخ، مما يتسبب في إعاقة التواصل بين الأعصاب، ويؤدي ذلك إلى فقدان الذاكرة وتدهور الإدراك، ومن ثَمَّ الموت في النهاية.
في المُخ السليم، يتم إنتاج بروتينات الأميلويد ثم تكسيرها والتخلص منها، أما عند مريض ألزهايمر فإنها تتراكم وتتحول لصورةٍ غير ذائبةٍ ولزجة، مما يعيق حركة الأعصاب والتواصل بينها.
أمّا الآن فتُنادي المقالة الافتتاحية إلى أنه حان الوقت للأخذ في الاعتبار تلك الفكرة القائلة بأن فيروسات أو بكتيريا معينة هي المُسبِّبة لتراكم طبقات البروتين في المكان الأول للإصابة، وتبحث بشأن ما إذا كانت الأدوية المضادة للبكتيريا تستطيع المساعدة في إيقافه. يقول الباحثون أن أول الميكروبات التي يجب التحقيق بشأنها هي فيروس (الهيربس البسيط نوع 1 – herpes simplex virus type 1) (HSV1)، وبكتيريا (الكلاميديا-chlamydia)، ونوع من البكتيريا حلزونية الشكل تُسمَّى (سبايروكيتس- spirochaetes).
يقول (دوجلاس كيل)، كيميائي من جامعة «مانشستر» في المملكة المتحدة والذي كان واحدًا من مؤلفي المقالة الافتتاحية: «نحن نقول أن هناك دليلًا لا جدال فيه بأن مرض ألزهايمر لديه عنصرخامد من الميكروبات. لا نستطيع مواصلة تجاهل كل هذه المؤشرات».
طبقًا لما ذُكِرَ في المقالة، فإن هناك حوالي مائة ورقة بحثية نُشِرَت فقط بشأن الرابط بين فيروس الهيربس ومرض ألزهايمر.
إذا تم تأكيد أن الميكروبات حقًا تلعب دورًا في التسبب بمرض ألزهايمر، فإن ذلك قد يساعد في تفسير المجموعة المتزايدة من الأدلة التي تقترح أن المرض يستطيع الانتشار عبر الجراحة وعمليات نقل الدم.
وقد يتناسب هذا مع ما حدث مؤخرًا في اكتشاف أن بعض الأمراض الأُخرى كقرح المعدة وبعض أنواع السرطان قد تحدث بالعدوى الميكروبية.
إذًا كيف يمكن للفيروسات والبكتيريا أن تتسبَّب في الإصابة بمرض ألزهايمر؟
لا زلنا لا نعلم بالضبط، وهذا واحدٌ من الأسباب التي أدَّت بالبحث أن يتوقف في هذه المنطقة ولا يتقدم. ولكن من المعلوم أن فيروس الهيربس يتسبب بتلفٍ في النظام العصبي، ومن المعلوم أيضًا أن العدوى البكتيرية تتسبَّب في حدوث التهاباتٍ في أنحاء الجسم، وهذا من الميزات الخاصة أيضًا بمرض ألزهايمر.
لا يزال كثيرٌ من الباحثين وهيئات التمويل يعتبرون الرابط بين ألزهايمر وبين الفيروسات والبكتيريا موضع خلافٍ وجدلٍ أو رابطٍ لم يُكتشَف من الأساس، مما دفعهم بدلًا من ذلك إلى اختيار البحث في أسباب أخرى للمرض.
يقول (جون هاردي) لمجلة «The Telegraph»، وهو عالم أعصاب من جامعة كوليدج في لندن: »هذا رأي أقلية، نحتاج أن نكون دائمًا متفتحي العقل على كل الفرضيات، ولكن هذه المقالة الافتتاحية لا تعكس ما يظنه معظم الباحثين بشأن مرض ألزهايمر«.
يُعَدُّ هذا عادلًا كفاية، ولكن حتى الآن فإن التحقيق في أكثر الفرضيات قبولًا قد أدّى لأربعمائة من التجارب الإكلينيكية غير الناجحة على مدار العشر سنوات الماضية ولا حلول لذلك. وفي اعتقاد مؤلفي المقالة الافتتاحية أنه قد فاض الكيل.
كتب المؤلفون في مجلة «Alzheimer’s disease»: »نكتب للتعبير عن قلقنا بأنه تم تجاهل وإهمال جانب معين من المرض، على الرغم من أن العلاج بُناءً على أساس هذا الجانب قد يبطئ أو يُعرقل من تطور مرض ألزهايمر. في اعتقادنا أن الأبحاث القادمة بشأن دور العوامل المعدية في مرض ألزهايمر بما يتضمن التجارب المتطلعة للعلاج بالأدوية المضادة للميكروبات ستكون مُبرَّرةً الآن«.
بالطبع ليست القضية واضحة كما تحاول أن تُظهرها المقالة. حيث أنها لو كانت كذلك فإننا سنعلم بالفعل كيف نعالج المرض. والأكثر أهميةً أن الخبراء يَحثُّون الناس ألّا يفزعوا من التلميح بأن المرض قد ينتقل بالعدوى.
يقول (جيمس بيكيت)، رئيس البحث بجمعية ألزهايمر البريطانية: »بينما تُعَدّ الملاحظات شيقة وممهِّدة لأبحاثٍ أبعد، فإنه حاليًا لا يوجد دليلٌ كافي لإخبارنا أن الميكروبات مسؤولة عن التسبب في مرض ألزهايمر في الغالبية العظمى من الحالات. علينا طمأنة الناس أنه لم يعد هناك دليلٌ مقنعٌ بأن ألزهايمر مُعدي، أو أنه يستطيع الانتقال من شخصٍ لآخر كالفيروسات«.
ولكن في مثل قضية عالمية متنامية كهذه فإنها بالتأكيد فرضية تستحق أن نتتبعها؛ لأنه فقط بتضييق نطاق البحث عما يُسبِّب ألزهايمر سنقترب من فهمٍ أفضل لكيفية حدوث المرض.
يقول بيكيت: «نحن نُرحِّب ببحثٍ يستكشف في كل السبل الممكنة، وسيكون قد تكلَّف مائة مليون يورو على مدار العقد القادم لفهمٍ متكاملٍ عن أسباب هذا الجنون، ولتحسين تشخيص وعلاج هذه الحالة والوقاية منها».
ترجمة: Basant Gamal
مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary
تصميم: Wael Yassir
المصدر: http://sc.egyres.com/lvIsM
#الباحثون_المصريون