التعمُّر

Template-new

|

التعمُّر

مقدمة:

بدأ التحول الديموجرافي في الدولِ المُتقدمة منذ أكثر من مائة عامٍ نتيجة ارتفاع نسبة كبار السن. وفي الدول النامية، لم تبدأ عملية التحول الديموجرافي إلَّا في النصف الثاني من هذا القرن، ومن المتوقع أن نشهد ظاهرة التعمُّر في الرُبعِ الثالث من القرن الحادي والعشرين، ويترتَّب على هذا أنَّ الدول النامية ومنها مصر ستواجه مشكلةً سُكَّانيةً جديدة وبشكلٍ مُختلفٍ بالإضافة إلى مشاكلها الحالية، ومن هنا لا بُدَّ أن نبدأ من الآن في التفكير لمواجهة تلك المشكلة.

تَعمُّر المجتمع السكاني :

ظاهرة التعمُّر هي عملية التحول من المجتمع الفَتِيّ الشاب إلى المُجتمعِ المُسِن أو الهَرِم، ويُقصد بها التغيُّرات الجوهرية التي تحدث في التركيب العُمري للسكان، الذي يؤدي إلى ارتفاع عددِ الفئة السكانية التي تتجاوز الـ65 عامًا، ويحدث هذا التغيُّر نتيجة التحول الديموجرافي في المجتمع من خصوبةٍ عالية يعكسها هرمٌ سكاني عريض القاعدة، إلى خصوبةٍ مُنخفضة يُمثِّلها هرمٌ سكاني ضيق القاعدة، مما يؤدي إلى زيادة أعدادِ كبار السن.

وترجع أهميَّة دراسة ظاهرة التعمُّر إلى أنَّ المجتمعات المتقدمة تواجه ظاهرة ارتفاع أعداد كبار السن، وأنَّ هذه الظاهرة ظهرت بشكلٍ واضحٍ في الدول المتقدمة، وسيبدأ ظهورها في الدول النامية خلال السنوات القادمة.

التعمُّر عملية تدريجية تتزايد فيها نسبة الكبار والمُسنِّين بين السكان، بينما تنخفض نسبة الأطفال والمراهقين، ويؤدِّي هذا إلى ارتفاع العمر الوسيط للسكان، وتحدث ظاهرة التعمُّر عندما تنخفض مُعدَّلات الخصوبة في الوقت الذي يبقى العمر المُتوقَّع ثابتًا أو يتحسَّن في الأعمار الأكبر.

مؤشرات إحصائية لها دلالات تعمُّرية:

  1. انخفاض الخصوبة: وفقًا للبياناتِ الصادرةِ عن التوقعات السكانية العالمية (الأمم المتحدة، إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، 2013) أن الخصوبة قد تراجعت في معظم أنحاء العالم، وهذا الانخفاض هو العامل الرئيسي لظاهرة التعمر، حيث اِنخفض مُعدَّل الخصوبة الكلي (TOR) في العالم نحو النصف، من 5,0 طفل لكل امرأة في الفترة من 19950-1955 إلى 2,5 طفل لكل امرأة في الفترة 2010- 2015.كما تمَّ الإبلاغ من صندوق الأمم المتحدة أن انخفاض مُعدَّلات المواليد سيستمر بالانخفاض خلالَ العقود المقبلة حتى يصل إلى 2,2 طفل لكل امرأة في المتوسط في الفترة من 2045-2050.

    ومن المتوقعِ أيضًا أن تنخفض الخصوبة في المناطق النامية، حيث بلغ مُعدَّل الخصوبة في المناطق الأقل نُموًّا لـ6,1 طفل لكل امرأة في الفترة 1950-1955، وانخفض بشكلٍ حادٍّ ليصل ل2,7 طفل لكل امرأة في الفترة 2005-2010. على الرغم من أن الخصوبة في المناطق النامية أعلى بكثيرٍ من المناطق المُتقدِّمة إلَّا أنَّه من المتوقع أن تنخض الخصوبة إلى 2,3 طفل لكل امرأة في الفترة 2045-2050.

  2. نسبة الإعالة العامة:  
    هو عدد السكان في فئتي العمر (0-15) سنة و(+65) سنة إلى عدد السكان في الفئة العمرية (15_65) سنة.نسبة الإعالة بلغت أدنى مستوى لها في العالم، فبلغت 76 مُعَال  لكل 100 شخص في سن العمل على مستوى العالم، كما وصلت في المناطق النامية إلى 84 مُعَال لكل 100 شخصِ في سن العمل، ذلك عام 1965 وكان نتيجةً لارتفاع مُعدَّلات الخصوبة، إلى أن بدأت نسبة الإعالة في الانخفاض تدريجيًّا حتى وصلت 52 لكل 100 في عام 2013، ومن المتوقع أن تصل إلى 58 مُعالٍ لكل 100 من السكان في سن العمل في عام 2050.
  3. نسبة إعالة المسنين: هو عدد السكان فى الفئة العمرية (65 +) إلى عدد السكان في الفئة العمرية (15 – 65 سنة). يُستخدم هذا المؤشر لتوضيح عبء الإعالة  الديموجرافية على عاتق السكان.

 

كيف تؤثر الشيخوخة على النمو الاقتصادي؟

يُوضِّح الشكل التالي مدى تأثير الشيخوخة على المستوى الاقتصادي في أي مجتمع، فيتضح من الشكل البياني أنَّ هناك مُنحنَيين، يُمثِّل المنحنى الأول التذبذبَ في عملية الاستهلاك للفئات العمرية المختلفة، والمنحنى الثاني التذبذبَ في عملية الإنتاج لنفس الفئات العمرية. في الفئة العمرية (0 – 20 عام) يتضح من المنحنيات وجود نسبة عجزٍ بسبب زيادة الاستهلاك عن الإنتاج، وفي الفئة العمرية (20 – 60 عام) يُلاحظ وجود فائضٍ إنتاجي بسبب اتساع الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك وزيادة الإنتاج عن الاستهلاك، وفي خلال الفئة العمرية (65 + فأكثر) يعودُ العجزُ من جديد بسبب زيادة الاستهلاك عن الإنتاج مرةً أخرى، والذى يكون بسبب ارتفاع نسبة الإعالة لهذه الفئة العمرية.

 

%d8%a8%d8%ad%d8%ab

ولا بُدَّ من الإشارةِ إلى أنَّ زيادة نسبة التعمر في المجتمعات المتقدمة سيُكلِّف الحكومة معاشاتٍ أكثرَ، وخدماتٍ ترفيهية وتأميناتٍ اجتماعيةٍ وصحيةٍ أكثر؛ لذلك تلجأ السياسات المالية للحكومات إلى تخفيض مستويات الرفاهية للمسنين وتقليل الخدمات لهم أو تقليل مستوياتها، وإن كان اقتراح أحدُ المهتمين بهذا الأمر هو أن تلجأ الحكومات إلى رفع مستويات الضريبة بدلًا من خفض مستوى الخدمات والرفاهية. بالنسبة لوجهة النظر هذه يوجد ثلاثة مستوياتٍ لحلِّ هذه الإشكاليَّة:

  1. زيادة معدلات التوظيف بوجهٍ عام، وخاصةً إشراك المرأة وكبار السن في العمل لكي يتمكَّن كلُّ أفرادِ الدولة من رفع الضرائب المُستحقة.
  2. زيادة سن التقاعد وتخفيض سن العمل للشباب، وذلك لمواجهة مشكلة ارتفاع مُعدلات الإعالة.
  3. زيادة الإنتاجية والاستثمار في الثروات البشرية.

والمؤكَّد أنَّ ظاهرة التعمر لم تظهر بصورةٍ واضحة حتى الاَن، وإن كانت الشواهد تُشير إلى بداية التعمر في الدول النامية. قالت «جنيفر أورتمن» رئيسة فرع الاسقاطات السكانية بالمكتب الإحصائي بالولايات المتحدة الأمريكية أنه من المتوقع أنَّ كبارَ السن سوف يُشكِّلون 20% من سكان الولايات المتحدة في عام 2030.

إن لهذه التغييرات في التركيب العُمري لسكان الولايات المتحدة الامريكية تأثيراتٌ على خدمات الرعاية الصحية ومقدمي الخدمات، وصنَّاع السياسات القومية والمحلية، والشركات التي تسعى إلى توفير الخدمات والبنية الأساسية.

توضِّح الإسقاطات أيضًا أنَّ مُعدَّلات المواليد سوف تنخفض إلى 16.7% في عام 2030 ثم تتوالى في الانخفاض إلى أن تصل لـ 3.9% في عام 2050.

أظهر تقريرُ الأممِ المتحدة أنَّ النسبة العالمية من كبار السن (+65) ارتفعت من 9.2% في عام 1990 إلى 11.7% في عام 2013، وسوف تستمر في النمو باعتباره جزءًا من التركيبة السكانية في العالم، ليصل إلى 21.1% بحلول عام 2050.

ومن المتوقع على الصعيد العالمي أن ترتفع أعداد المعالين لتتحول من 841 مليون نسمة الآن  إلى أكثر من 2 مليار نسمة في عام 2050.

وفي الوقت الحاضر، ما يقرب من ثلثي كبار السن في العالم يعيشون في الدول النامية، لأنَّ نسبة  كبار السن في المناطق النامية تنمو أسرعَ من المناطق الأكثر تقدمًا، وتُؤكِّد البيانات أيضًا أنَّ الإناث تميلُ إلى العيشِ لفترةٍ أطولَ من نُظرائهن الرجال، والنساء المُسنِّات تفوق عدد الرجال في كل مكان تقريبًا، حيث سُجِّلَ في عام 2013 أنَّ هناكَ 100 امراة  لكلِّ 85 رجل في الفئة العمرية 60 سنة فأكثر، و100 امرأة لكلِّ 61 رجل في الفئة العمرية 80 سنة فأكثر.
أما تعداد المسنين في المنطقة العربية فيبلغ حوالي 34 مليون مُسنٍّ، منهم أكثر من 16مليون في شمال أفريقيا، وأكثر من 18مليون في غرب آسيا تبعًا لتقدير الأمم المتحدة في ديسمبر 2013. ونسبة المسنين في مصر تبلغ 8.5% من السكان، ويُشير التقرير أيضًا إلى وجود بعضِ الآثار الاجتماعية والاقتصادية للمسنين.
نسب الدعم لكبار السن هي بالفعل منخفضة في المناطق الأكثر نموًا وفي بعض البلدان النامية، ومن المتوقع أن تستمر في الانخفاض في العقود المقبلة؛ مما سيتبعه ضغوطٌ مالية بسبب تواجد كبار السن بأعدادٍ كبيرة في الدول النامية، خاصةً وأن نسبة الفقر مرتفعة بين المسنين، وأحيانًا تكون مرتفعة عن باقي السكان، وبالأخص في تلك البلدان ذات التغطية المحدودة لنظم التضامن الاجتماعي. ولا ننسى انتشار الأمراض وزيادة العجز مع التقدم في السن، مما سيضع ضغوطًا تصاعدية على النفقات الصحية في العقود المقبلة.

التوصيات:

  1. ضرورة تكثيف الجهود لمواجهة مشاكل كبار السن التي تتفاقم نتيجة التزايد المستمر في عددهم الناجم عن تقدم مستوى الخدمات الصحية الوقائية، وانخفاض نسب الوفيات في هذه الشريحة العمرية.
  2. ضرورة أن تنظر الدول بعين الاعتبار إلى تزايد كبار السن، وهذا نظرًا لانعكاس ذلك على وضعها الاقتصادي.
  3. أهمية العمل على تأهيل كبار السن لتقبُّل التحوّلاتِ الناجمةِ عن تقدمهم في العمر، مع العملِ على إيجاد فُرَصٍ للاستفادة بخبراتهم عمليًّا في مجال تخصصاتهم، بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع الاقتصادي، وبما يجنبهم السأم والملل ورتابة الحياة، مع ضرورة مراعاة ألَّا تُتَرك هذه العملية لإضاعة فرص العمل على الشباب.
  4. ضرورة تقديم خدماتٍ متطورة لكبار السن لتنمية إمكاناتهم ومساعدتهم على مواجهة أعباء هذه المرحلة العمرية عن طريق البرامج التعليمية والثقافية والاجتماعية والنفسية.
  5. التأكيد على وسائل الإعلام بأن تُسلَّط الأضواء على الجوانب الإيجابية لمرحلة العمر المتقدمة، وعلى كبار السن أنفسهم، والعمل على تغيير النظرة إليهم كفئةٍ ضعيفة تستحق الشفقة إلى فئةٍ قادرةٍ على العطاء إذا وَجَدَت الرعاية والعناية المُلائمة.
  6.  أهمية الاعتناء بالتدريب الشامل في مجال رعاية كبار السن ليشمل الجوانب التالية:
  • تدريب العاملين على رعاية كبار السن في كافة الأجهزة والمؤسسات المعنيةِ برعايتهم، حتى يكونوا أكثرَ وعيًا باحتياجات كبار السن جسميًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا.
  • تدريب كبار السن أنفسهم على كيفية الاستفادة القصوى مما يُقدَّم لهم من خدماتٍ متعددة، والتمكن من المساهمة في إدارة أنديتهم ومؤسسات إيوانهم.
  • تدريب كبار السن على استخدام مهاراتٍ جديدة تُمكِّنُهم من رفع مستواهم الاقتصادي من ناحية، واستثمار وقت الفراغ بصورةٍ إيجابية من الناحيةِ الأخرى.
  • أهمية العمل على تحليل البيانات والمعلومات المتعلقة بكبار السن بصفةٍ دورية، وذلك لإعداد خططٍ مستقبلية لمواجهة الاحتياجات المتزايدة لكبار السن.

 

المصادر الغير عربية:

1.  lation Division (2013).World Populaion Ageing 2013.ST/ESA/SER-A/348.

2.  Andrew W. Mason,(2010).International Social Securiy Journal, Article of Dynamics Populaton, Sepemper 2010

3.  https://www.census.gov/newsroom/press-releases/2014/cb14-84.html

المصادر العربية :

شحاتة محمد شحاتة: (1997)،التعمر الديموجرافي في مصر، رسالة ماجستير، جامعة القاهرة،معهد الدراسات والبحوث الاحصائية، قسم الاحصاء الحيوي والسكاني.

 

إعداد: أميرة بديني
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
تدقيق لغوي: Mohamed Sayed Elgohary
تحرير: يُمنى أكرم

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي