هل تستطيع الكيمياء التكهن بامتلاك كواكب أخرى للحياة؟

كائنات_فضائية

كائنات فضائية

«يقال كثيرًا إن جميع الظروف المطلوبة للإنتاج الأولّي لكائن حي متوافرة الآن، وظلت كذلك على الدوام؛ لكن لو أمكننا تصور وجود بركة صغيرة دافئة تتوافر بها كافة أنواع النشادر وأملاح الفسفور والضوء والحرارة والكهرباء، إلخ، بحيث تكوِّن مركبًا بروتينيًا كيميائيًا يكون مستعدًا للمرور بالمزيد من التغيرات الأكثر تعقيدًا، ففي يومنا هذا سيٌمتَص مثل هذا المركب على الفور، وهو ما لم يكن ليحدث قبل وجود الكائنات الحية»

كان هذا جزءًا من نص رسالة (تشارلز داروين – Charles Darwin) إلى صديقه عالم النبات  (جوزيف هوكر Joseph Hooker -)؛ والتي تطرح التساؤل الأهم بعد نشر «داروين» لكتابه العبقري والثوري من حيث الطرح (أصل الأنواع)؛ وهو كيف تكونت «الخلية الأولى»؟، وماهي الظروف التي ساعدت على ذلك، وإذا تمكنا من الوصول إلى تلك المعرفة؛ فهل تفرد كوكبنا فقط بتلك الظروف؟

ولكن ماذا عنا؟

منذ صدور كتاب «أصل الأنواع» عام 1871م، يسعى العلماء جاهدين لفهم كيف تكونت (الخلية الأولى) من خلال التجارب المعملية، وفحوص السجل الأحفوري، في محاولة لفهم الحدود بين المادة الحية والغير حية، وتحديد كيف تحولت هذه من تلك، فهل تظن انهم نجحوا في ذلك؟

تجربة ميلر (المحاكاة):

من المنظور العلمي؛ لا شيء ينجح كالتجارب التي يمكن مقارنتها بالواقع، ومن أجل اختبار مدى فاعلية فكرة داروين عن نشأة الحياة في البرك والمستنقعات، قام طالب الدراسات العليا بجامعة شيكاغو (ستانلي ميلر – Stanley Miller) مع صديقه الحاصل على جائزة نوبل (هارولد يوري – Harold Urey) عام 1953م من المحاولة لصنع العناصر الأساسية للحياة تحت ظروف اعتقدوا إنها مماثلة لنفس الظروف التى وُجدت على كوكب الارض المبكر، حيث ملأ (ميلر) و(يوري) قارورة مختبر بالماء جزئيًّا، ثم وضعا أعلى هذا الماء مزيجًا غازيًا من بخار الماء والهيدروجين والنشادر والميثان؛ ثم سخنا القارورة من الأسفل، بحيث تبخَّر جزء من محتواها واندفع عبر أنبوب زجاجي  طويل نحو قارورة أخرى، حيث حاكت شحنات كهربية تأثير البرق؛ و من هناك عاد المزيج مجددًا إلى القارورة الأصلية، في دورة تتكرر مرارًا على مدى بضعة أيام، عوضًا عن بضعة آلاف من الأعوام؛ وبعد هذه الفترة المتواضعة للغاية وجد (ميلر) و(يوري) أن الماء في القارورة السفلى صار غنيًا ب(مادة لزجة عضوية)، هي مركب من جزيئات عديدة معقدة، من بينها أنواع مختلفة من السكر، إضافة إلى اثنين من الأحماض الأمينية المكونة للبروتين (الألانين-Alanine) و(الجوانين – guanine)، فهل هذا هو كل ما في الأمر؟

ولكن؟!

بعد نشر كلًا من (ميلر) و(يوري) لنتائج تجربتهم؛ ظهرت عدة مشاكل في الأسس التي قامت عليها التجربة، وهي هل العناصر المُستخدمة في التجربة هي ما كانت عليه الأرض بالفعل؟، فيما بعد أظهر العُلماء أن العناصر المُستخدمة في التجربة لم تكن موجودة بكميات كبيرة على الأرض في السن المُبكر لها، حيث كان يتضمن الغلاف الجوي في ذلك الوقت مزيجيًا خاملًا من (ثاني أكسيد الكربون) و(النيتروجين)، بالإضافة إلى إن نتائج تحليل الصخور أظهرت أن الغلاف الجوي للأرض لم يكن غنيًا ب(الهيدروجين) على الأرجح، ومن أجل ذلك؛ أعاد (ميلر) التجربة مرة أخرى عام 1983م مستخدمًا العناصر الصحيحة، وكانت المفاجئة؛ لم تتكون تلك المادة اللزجة التي تكونت في التجرية الأولى، على العكس من ذلك؛ تكون محلول عديم اللون يحتوي على كمية ضئيلة من الأحماض الأمينية، فهل يمكن القول ببطلان فكرة (البركة) لداروين؟

يوجد أمل:

«ربما كنا أكثر تفاؤلًا، ولكن التجربة كانت نقلة نوعية»، كان هذا ما صرح به الكيميائي (جيفري بادا- Jeffrey Bada)، والذي أعاد فريقه تجربة (ميلر) مرة أخرى في (معهد سكريبس لعلوم المحيطات) في كاليفورنيا، بهدف كشف النقص الموجود في التجربة الأولى، وقد كان؛ فعندما أعاد (بادا) التجربة من جديد اكتشف وجود مجموعة من المواد الكميائية تسمى (النيتريت)، والتي تدمر أي حمض أميني بمجرد تكونه، بالإضافة إلى زيادة حمضية الماء المُستخدم في التجربة والتي ستمنع تكون الأحماض الأمينية من الأساس، فما الحل؟

لاحظ فريق (بادا) أن الأرض المبكرة كانت تحتوي على كميات من (الحديد) و(الكربونات)، والتي بدورها تعادل مجموعات النيتريت وحامضية الماء، ولذلك؛ أضاف بادا تلك المواد إلى التجربة، ومع أن التجربة أعطت نفس لون المحلول الناتج من التجربة عام 1983م، ولكن المحلول هذة المرة كان ملئ بالأحماض الأمينية وقد وجد 22 حمضا امينيا التى وجدت فى الاحياء فيما بعد.

هل يوجد آخرون:

بالرغم من اكتشاف ما يقارب من 200  نوع من الذرات والجزيئات في الفضاء وفي البيئات حول النجمية (circumstellar environments)؛ لكن ظل تفسير كيفية تكوين مركبات عضوية تحتوي على العديد من ذرات الكربون والهيدروجين والنيتروجين والأكسجين في تلك المناطق أمرًا صعبًا، بالأضافة إلى أن كمية المواد العضوية المعقدة المتوقع تواجدها اقل بكثير من تلك المكتشفة بالفعل؛ حيث تشكل تلك المواد المعقدة أكثر من ثلث كمية المواد المكتشفة، من بينها مواد لازمة للحياة مثل السكر و(الجليكلوألدهيد-glycolaldehyde)، ومحاولة فهم ميكانيكية تكوين تلك المواد ستفتح آفاقًا جديدة لفهم أساسيات الكيمياء العضوية الفضائية وتعقيدات تلك المواد، ومع أمكانية تكون مثل تلك المواد في مجرتنا؛ فمن المُحتمل أن تكون الأساس لمنظومة حية مُعقدة في مكان آخر.

كيف تكونت؟

في البيئات الفضائية التي تحتوي على مواد عضوية معقدة؛ تتفاعل تلك فيما بينها في الصورة الغازية، والتي يصعب معها تكوين مثل تلك الكميات المكتشفة ، ولحل تلك المشكلة؛ فقد أٌقترح أن تلك المواد تكونت للمرة الأولى على أجزاء نانوية من الغبار الكوني المنتشر في الفضاء والذي يتكون في الأساس من السيليكات، حيث أُحيطت تلك المواد بغلاف متجمد من أجزاء نانوية أيضًا من الماء والميثانول وأول وثاني أكسيد الكربون والميثان، بالإضافة إلى الفورمالدهيد والأمونيا المتجمدة، حيث تصل درجات الحرارة إلى (10) درجات كلفنية، وعند دخول تلك المواد إلى منطقة البيئات حول النجمية، فأنها تتحول إلى الصورة الغازية نظرًا لارتفاع درجات الحرارة في تلك المناطق، ولكن تلك الفرضية أيضًا تعجز عن تفسير تكوين تلك الكميات المهولة من تلك المواد المعقدة، ويكمن الخلل في تلك الفرضية أن (البوتقات الجليدية) المُقترحة محدودة الانتشار في الفضاء ولا تكفي هي الاخرى لأنتاج الكمية، فهل فهم الطريقة التي تكونت بها تلك المواد بعيد المنال؟.

الحل موجود:

فيما بعد أثبتت التجارب المعملية أن تفاعل الاشعة المؤينة (متمثلة في الأشعة الكونية – cosmic rays) مع بعض الجليد المتواجد في الفضاء كونت مواد عضوية معقدة مثل السكريات والأحماض الأمينية و(الثنائيات الببتيدات-dipeptides) -نوع من تشكلات الأحماض الأمينية- ، وبالتالي فإن هذا التفسير قد تخطى نظيره، وساهم في تطوير مفهومنا عن الطرق الأساسية لتكوين تلك المواد في تلك الظروف، فهل مازلت متأكدًا من كونك وحيدًا في هذا الكون؟

المصادر:
(1) http://sc.egyres.com/gFB1Z

(2) APA: Fox, D. (2007, March 28). Primordial Soup’s On: Scientists Repeat Evolution’s Most Famous Experiment. Retrieved February 20, 2017, from https://www.scientificamerican.com/article/primordial-soup-urey-miller-evolution-experiment-repeated/
http://sc.egyres.com/75XEP

(3) APA: Abplanalpab, M. J., Gozemc, S., Krylovc, A. I., Shingledeckerd, C. N., & And, E. H. (n.d.). Matthew J. Abplanalp. Retrieved February 20, 2017, from http://www.pnas.org/content/113/28/7727.full

http://sc.egyres.com/GdaBb

(4) APA: Tyson, N. D., & Goldsmith, D. (2014). Origins: fourteen billion years of cosmic evolution. New York: W.W. Norton & Company

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي