التّلوث البلاستيكي.. مشكلة تدق ناقوس الخطر

plastic_2

||

 

إنه في غرفتك، وفي منزلك، وفي الشارع الذي تسكن به، وفي مكان عملك، إنه في كل مكان. منذ بداية اكتشاف البلاستيك في بداية القرن العشرين، وقد تغلغل في جميع نواحي الحياة بطريقة غير معقولة، فاستطاع أن يحل محل الخامات الطبيعية التي كانت تُستخدم بشكلٍ واسعٍ في القرون المتعاقبة، والتي بدأت تُستنزف بصورةٍ كبيرة سواء كانت أخشابًا، أو صخورًا، أو معادن، فكان لزامًا على الإنسان توفير بديلٍ مناسب يقضي حاجته، وفي نفس الوقت يقلل العبء والتكلفة التي كان يتحملها. ولكن لأن كل شيء له ثمن؛ أصبح البلاستيك يمثل تهديدًا لنا وللبيئة بصورة أو بأخرى، فهو بطيء التحلل على عكس سائر المواد العضوية، وعملية إعادة تدويره تتم بصورة أقل بكثير من عملية صناعته مما أدى لتراكم كميات هائلة منه في أنحاء الكوكب تنتظر مصيرًا مبهمًا لا يزال العلماء يحاولون استكشافه، والذي يظهر على أنه الثمن الذي يدفعه الإنسان نظير الفوائد العظيمة التي جناها من هذه المواد.

ما هو البلاستيك؟

قبل أن نعرف عن البلاستيك علينا أن نعرف ما هو البلاستيك أصلًا أو كيف ظهر لنا شيء يسمى البلاستيك. في الواقع، البلاستيك هو عبارة عن ناتج عملية كيميائية هامة تسمي (البلمرة- Polymerization)، وهذه العملية تتم عن طريق ارتباط الجزيئات العضوية -غالبًا- مع بعضها والتي في هذه الحالة تسمى (مونمر -Monomer) لتكوين سلاسل كبيرة من نفس نوع الجزيء والتي تسمى (بوليمر- Polymer) وذلك تحت ظروف خاصة يجب توافرها مثل: وجود عوامل حفزية، ووجود ضغط مرتفع، وفي الحقيقة عملية البلمرة لا تتم صناعيًا فقط ولكنها موجودة بشكل طبيعي أيضًا ومن أشهر البوليمرات الطبيعية: القطن، والصوف، والحرير في الملابس، والبروتينات، والكربوهيدرات، والحمض النووي في الأحياء، حتى شعُرك فهو يتكون من بروتين الكيراتين والذي هو بوليمر طبيعي.(1)

ولفهمٍ أكبر لعملية البلمرة، نأخذ مثالًا على هذه العملية وهو غاز الإيثيلين أحد أهم الغازات العضوية، والمكون للبوليمر الأكثر استخدامًا حتى وقتنا الحالي وهو (البولي إيثيلين- Poly Ethylene).

حيث تُكسر الرابطة الثنائية بين ذرتي الكربون في الإيثيلين لكي يتاح لهما الإرتباط بجزيئات إيثيلين أخرى ومن ثم يتكون البوليمر والذي يسمى «بولي» إيثيلين؛ حيث أن كلمة بولي هي كلمة يونانية الأصل وتعني عديد، فسمي أيضًا «عديد الإيثيلين»، وقياسًا على ذلك أيضًا (بولي بروبلين- Poly Propylene)، (بولي فينيل كلورايد- Poly Vinyl Chloride) أو كما يعرف بالـ(PVC)، وترسم الأقواس للدلالة على أنه بوليمر ويرمز الحرف (n) إلى عدد الجزيئات الداخلة في التفاعل، ويستخدم البولي إيثيلين في صناعة العديد من المنتجات وأهمها حاويات التعبئة كالأكياس والزجاجات البلاستيكية، وهو آمن نسبيًا في استخدامه.

بولي إيثيلين عالي الكثافة – سميك ومعتم وقوي نسبيًا
بولي إيثيلين منخفض الكثافة – رقيق وشفاف وضعيف نسبيًا

بداية اكتشاف البلاستيك

كانت البداية الحقيقية في عام (1869) عندما أعلنت مدينة نيويورك عن جائزة قيمتها (10) آلافِ دولارٍ أمريكي لأي شخص يستطيع أن يوفر بديلًا للعاج الطبيعي الذي كان يستخدم في صناعة كرات البلياردو، فقد كان الضغط كبيرًا على اللعبة التي ازدادت شعبيتها في ذلك الوقت وزاد عدد لاعبوها وفي نفس الوقت تناقصت كمية العاج التي كانت تصنع من أنياب الأفيال البرية الإفريقية والتي كانت تؤثر سلبًا على البيئة، ومن هنا ظهرت الحاجة الملحة لتوفير بديلٍ لها.(2)

حتى قام المهندس الأمريكي (جون ويسلي هيات – John Wesley Hyatt) بتصنيع أول مادة بلاستيكية معروفة وهي (السليلويد- Celluloid) عن طريق معالجة السليلوز الموجود في القطن مع الكافور للحصول على مادة يمكن تشكيلها، وتشبه في صفاتها مواد طبيعية كالعاج وقواقع السلاحف.
أحدث هذا الاكتشاف ثورة كبيرة في عالم الصناعة البشرية، فتيقن الإنسان أنه لأول مرة يستطيع بناء مواده الخاصة دون الإستعانة المباشرة بما تقدمه له الطبيعة من مواد خام كالأخشاب، والصخور، والمعادن.

دمية من السليلويد

الثورة البلاستيكية

استمرت السيرة الحسنة للبلاستيك على مدار العقود الأولى من القرن الواحد والعشرين، فقامت الشركات بالاستثمار والبحث في هذا المجال للوصول إلى نسخ أفضل وأقوى وأكثر تطورًا من البلاستيك، فاستخدم بوفرة إبان الحرب العالمية الثانية لتوفير النفقات واستخدامها في صناعة الأسلحة بدلًا من استخدامها في صناعة الحبال، والمظلات، وواقيات الرصاص التي استطاع البلاستيك التكفل بها.
واستمر البلاستيك في غزو الأسواق فتحدى المواد الخام في عقر صناعاتها وفاز، فحل محل الصلب في السيارات، والورق والزجاج في التغليف والتعبئة، والخشب في صناعة الأثات، فاجتمع فيه ما كان يبحث عنه الإنسان فهو خفيف، وآمن، ورخيص، وسهل التشكيل والتكوين.

طاولة وكراسي من البلاستيك

البلاستيك حديثًا والآن

للأسف لم تستمر هذه المسيرة ناصعة البياض للبلاستيك، فهو يواجه العديد من الاتهامات من أهمها تلك الخاصة بالصحة العامة، فعلى الرغم من أن البلاستيك النقي قليل السمية؛ إلا أن الإضافات التي تضاف إليه إما للتلوين أو للتثبيت أو لتحسين جودته قد تسبب هذه نسبًا أعلى من السمية، وقد تم منع استخدام بعض هذه المواد من قبل الإتحاد الأوروبي خاصة التي تدخل في صناعة ألعاب الأطفال، كما يرجع بعض الأطباء بأنه قد يكون سببًا في ظهور خلايا سرطانية وأورام خبيثة على المديين القريب والبعيد، ولكن الموضوع ما زال قيد البحث ولا توجد دلائل قاطعة تثبت علاقة البلاستيك المباشرة بالسرطان.(3)

أما بالنسبة للبيئة فهنا يكمن الخطر البيِّن، فتراكم المخلفات البلاستيكية في البيئة أصبح يشكل خطرًا على الحياة البرية والبشر ولا سيما الكائنات البحرية والنظام البحري لدرجة أن منظمة الأمم المتحدة للبيئة أطلقت موضوع «التغلب على التلوث البلاستيكي» كموضوع يوم البيئة العالمي لعام (2018)، وشعاره «إذا لم تستطع تدويره، فارفض استخدامه» حيث أنه وفقًا لإحصائيات المنظمة: يتم شراء مليون زجاجة شرب بلاستيكية كل دقيقة، ويتم استخدام ما يصل إلى (5) تريليون كيس من أكياس البلاستيك غير القابلة للاستعمال مرة أخرى في جميع أنحاء العالم كل عام، وبصورة إجمالية؛ يعد (%50) من البلاستيك الذي نستخدمه هو بلاستيك يُستخدم لمرة واحدة.(4)

ويفتقر ما يقرب من ثلث العبوات البلاستيكية التي نستخدمها إلى أنظمة لجمعها، مما يؤدي إلى امتلاء شوارع المدينة بالمواد البلاستيكية وتلوث بيئتنا الطبيعية، وينتهي المطاف بنحو (13) مليون طن من المواد البلاستيكية في محيطاتنا، حيث تؤثر هذه المواد على الشعاب المرجانية وتهدد الحياة البرية البحرية الضعيفة، ويمكن للبلاستيك الذي نلقيه كنفايات في المحيطات أن يستمر في المياه لمدة تصل إلى (1000) سنة قبل أن يتحلل تمامًا.

لافتة تحمل عنوان «تلوثت بسبب البلاستيك ذو الاستخدام الواحد»

ما هو دورنا للمساهمة في التغلب على التلوث البلاستيكي؟

هناك العديد من الأشياء التي يمكنك القيام بها للتقليل من التلوث الناتج عن البلاستيك منها:

  • التوقف عن استخدام العبوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد مثل زجاجات المياه المعدنية والمياه الغازية واستبدلهما بزجاجات بلاستيكية قابلة لإعادة الملء.
  • توقف عن استخدام الأكياس البلاستيكية عند التسوق، وأحضر معك أكياسًا قماشيةً أو أكياسًا يمكنك استخدامها لأكثر من مرة.
  • توقف عن استخدام الشفاطات البلاستيكية والأكواب البلاستيكية وأحضر معك كوبك الخاص عند طلبك للقهوة أو مشروبك المفضل.
  • توقف عن استخدام أدوات المائدة البلاستيكية كالملاعق والشوك والأطباق البلاستيكية واطلب أدوات قابلة لإعادة الاستخدام.

 

إعداد: أحمد هشام

مراجعة: Ahmed Fahmy

مراجعة لغويّة: Matalgah Hamzeh

المصادر:

1. Polymers and plastics: a chemical introduction [Internet]. [cited 2018 Oct 27]. Available from: http://www.chem1.com/acad/webtext/states/polymers.html

  1. The History and Future of Plastics [Internet]. Science History Institute. 2016 [cited 2018 Oct 27]. Available from: https://www.sciencehistory.org/the-history-and-future-of-plastics
  2. Do plastic bottles or food containers cause cancer? [Internet]. Cancer Research UK. 2015 [cited 2018 Oct 27]. Available from: https://www.cancerresearchuk.org/about-cancer/causes-of-cancer/cancer-controversies/plastic-bottles-and-food-containers
  3. Beat Plastic Pollution [Internet]. World Environment Day. 2017 [cited 2018 Oct 27]. Available from: http://worldenvironmentday.global/en/about/beat-plastic-pollution

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي